هل اجتزت فترة من حياتك يمكن أن تُسميها "أزمة"؟ هل كانت هذه الأزمة شخصيّة، أم مجتمعيّة، فالأزمات يمكن أن تطال كافة جوانب حياتنا الاجتماعيّة والوطنيّة، الاقتصاديّة والماديّة، الصحيّة وحتّى الروحيّة، حتى يشعر البعض أنَّ الله نسيّهم، وربما يتساءلون: أين الله؟ هل يشعر بنا؟ هل يمكن أن يتدخل ويعبرُ بنا هذه الفترة/ الفترات العصيبة؟
يجتاز العالم خلال هذه السنوات عدة أزمات وحروبٍ أثَّرت في جوانب حياتيّة واقتصاديّة شعر بها الكثير منّا، أفرادًا، أو عائلات، أو كنائس، ووسط موجات الغلاء، وعدم استقرار الأسعار، وانتشار أمراضٍ تعصف بأحبائنا، أصبح الحاضر مُحبطٍ وغير مستقرٍ، فكيف يكون المستقبل، وهنا يتجدد السؤال: أين الله؟ ولكن دائمًا تأتي الإجابة من كلمة الله، لتؤكد أنَّ الله ليس بعيدًا، وهو يرى ويتدخل في الوقت المناسب، وبطريقة قد تختلف مع تصوُراتنا، وتوقعاتنا.
نقرأ في سفر الملوك الثاني (6، 7)، كيف عانى الشعب قديمًا، أزمات سياسيّة واقتصاديّة، فمن الخارج حِصارٌ، ومن الداخل غلاءٌ يضربُ، "حَتَّى صَارَ رَأْسُ الْحِمَارِ بِثَمَانِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَرُبْعُ الْقَابِ مِنْ زِبْلِ الْحَمَامِ بِخَمْسٍ مِنَ الْفِضَّةِ"؛ وجوعٌ وصل بالأمِ لأن تأكل فلذة أكبادها، وحين بلغ الخبر الملك، لم يكن بيدهِ حيلةُ، فمزق ثيابه، وتساءل: من أين لي أن أُخلِّص "أَمِنَ الْبَيْدَرِ أَوْ مِنَ الْمِعْصَرَةِ؟". وبعد أن ضاق الناس ذرعًا، جاءت كلمة الرب على فم نبيّه قائلة: "هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ غَداً تَكُونُ كَيْلَةُ الدَّقِيقِ بِشَاقِلٍ وَكَيْلَتَا الشَّعِيرِ بِشَاقِلٍ"، لم يُصدِقُ البعض، وتمنى الكثيرون تحقيق هذه الأمنيَّات، لكنَّ الربَّ تدَّخل بطريقةٍ معجزيّة، وانتهت الأزمة، وتغيَّر الحال.
وهكذا اجتازت بلادنا الكثير من الأزمات، حتى أنَّ التاريخ يُذكّرنا بالشدة المستنصرية في نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، حيث غاب النيل وانقطعت مياهه لمدةِ سبع سنين متواصلة، تصحّرت الأرض وهلك الحرث والنسل، وخُطف الخبز من على رؤوس الخبازين، وأكل الناس القطط والكلاب، وقد انتهت هذه الأزمة، واستمر التاريخ في رحلته، تتعدد الأزمات، ويبقى الله دائمًا موجودٌ وقريبٌ من الذين يطلبونه، ويثقون فيه، فإنَّ كنَّا نمر بأزماتٍ، لنثق إنَّ الله ليس بعيدًا عن المشهد، حتى أنَّ المُرنم المُلّهم، كتب قائلًا: "اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْناً فِي الضِّيقَاتِ وُجِدَ شَدِيداً. لِذَلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ. تَعِجُّ وَتَجِيشُ مِيَاهُهَا. تَتَزَعْزَعُ الْجِبَالُ بِطُمُوِّهَا ... نَهْرٌ سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ اللهِ مَقْدِسَ مَسَاكِنِ الْعَلِيِّ. اللهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ. يُعِينُهَا اللهُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصُّبْحِ" (مزمور 46: 1-5)، إنَّه عونًا في الضيقات وُجِد شديدًا.
كما يُمكنُنا أن نرى في اختبار التلاميذ، نموذجًا أخر للأزمة التي يُمكن أن تعصف بأفضل الأمنيَّات، وتزلزل الواقع الذي بدأ مُشّرِقًا، فمن التساؤل عن مَن يكون على يمين ويسار يسوع الملك، ها هو يُقبضُ عليه، ويُصلب ويموت، وفي الوقت الذي شعروا بخيبة الأمل، وأنَّ أحلامهم تحطمت، كان فجر القيامة، وانتصار المسيح على الموت، وظهوراته المُتكررة لتأكيد حقيقة قيامته، واسترداد إيمان التلاميذ، فتتحول الأزمة في حياتهم إلى انطلاقة للشهادة بهذا التحوّل، وتنتشر الكنيسة، التي يشهد التاريخ عن استمرارها عما يزيد عن ألفي عام، إنَّه الله الموجود والحاضر في كل آنٍ، صاحب السلطان والذي في يده مقاصير الأرض، إنَّه يستبدل خوفنا بثقة، ويُبدِّل نوحنا إلى فرح، في وسط الأزمة تمسّك بالله، وأمن به، فستختبر سلامًا في الضيق، وفرحًا في الحزن، فلكلّ أزمةٍ نواجهها، وفي كلِّ ضيقة نجتازها، صمم الله في المسيح فجرًا، وانتصارًا جديدًا.