أحد المسلسلات الكرتونية التي استمتعت بها في طفولتي وواحدة من اشهر روايات أدب الاطفال والأدب الخيالي عامة. أليس في بلاد العجائب، هي رواية للأطفال كُتبت سنة 1865 من قبل عالم الرياضيات الإنجليزي لويس كارول الذي قضى معظم حياته في هذه المهنة. وتم ترسيمه شمَّاسًا في كنيسة إنجلترا في عام 1861. تحكي عن فتاة تُدعى أليس تسقط من خلال جحر أرنب إلى عالم خيالي تسكنه مخلوقات غريبة.
تُرجمت الرواية إلى 174 لغة على الأقل من بينها اللغة العربية. وصدرت عدة أعمال فنية مبنية على أليس في بلاد العجائب منذ نشر الرواية. فتاة صغيرة مصابة بالملل اسمها أليس والتي تذهب للبحث عن مغامرة. سئمت أليس من الوقت المممل والذي كان يمضي ببطء، ثم رأت أرنبا يجري أمامها فلفت انتباهها أنه أخرج ساعة من جيبه وهرع مسرعا يركض فأخذت تركض وراءه فرأته يدخل في جحر فدخلت ورائه. عبر هذا الجحر دخلت عالما غريبا يدعى بلاد العجائب حيث انتظرتها الكثير من المغامرات والمواقف الغريبة.
من بين هذه المواقف والتي تحمل معنى عميقاً هو حِينَ وَصَلَتْ إِلَى مُفْتَرَقِ طُرُقٍ أثْناءَ رِحْلَتِها، وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَخْتارَ هَلْ تَسْلُكُ اتِّجاهَ الْيَسارِ أَمِ الْيَمِين. فسألت أليس القط "شيشاير": "هلا أخبرتني أي طريق ينبغي أن أسلك لأخرج من هنا ...،فأجاب القط:"هذا يعتمد كثيراً على المكان الذي ترغبين في الذهاب إليه".
أَجابَتْه: "لا أعْرِفُ" فقال لها؟ "إذَنْ لا يَهُمّ".
ويمكن ان نطبق هذا علينا ايضا، فلَوْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْ قَصْدٌ، أَوْ هدف، أوْ رَغْبَةٌ فِي الذَّهابِ إِلَى مَكانٍ ما، فَما الْفَرْقُ إِنْ سَلَكْتَ اتِّجاهَ الْيَسارِ أَوِ الْيَمِينِ؟ من الممكن ان نفكر انه "لَدَى أليس الآنَ خِيارَانِ. يُمْكِنُ أَنْ تَسْلُكَ اتِّجاهَ الْيَسارِ، أَوِ الْيَمِينِ". لَكِنْ، فِي الْحَقِيقَةِ لَدَيْها أَرْبَعَةُ خَيارَاتٍ. يُمْكِنُ أَنْ تَسْلُكَ اتِّجاهَ الْيَسارِ، أَوِ اتِّجاهَ الْيَمِينِ، أَوْ تَلْتَفَّ وَتَعُودَ مِنْ حَيْثُ أتَتْ، أَوْ تَقِفَ هُناكَ ولا تَفْعَلُ شَيْئًا، وَهَذَا أيْضًا خِيَارٌ.
إِذَنْ، لَدَيْها أَرْبَعَةُ خَيارَاتٍ. فَالسُّؤالُ هُوَ: "لِماذا قَدْ تَخْتارُ أيًّا مِنَ الْخَياراتِ الأَرْبَعَةِ؟" لَوْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْها سَبَبٌ أَوْ مَيْلٌ وراءَ الاخْتِيارِ، وَلْو كانَتْ إِرادَتُهَا مُحايِدَةً تمامًا، فماذا سَيَحْدُثُ؟ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُناكَ ما يَدْعُوها أَنْ تُفَضِّلَ الْيَسارَ عَلَى الْيَمِينِ، أَوِ الْوُقُوفَ عَلَى الْعَوْدَةِ، فَماذَا سَتَخْتارُ؟ لَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا، سَتَقِفُ سَاكِنَةً.
الاخْتِيارُ التِّلْقائِيُّ مُسْتَحِيلٌ مَنْطِقِيًّا. سَيَكُونُ نَتِيجَةً دُونَ سَبَبٍ.
يُعلمنا الكتاب المقدس ان الإِنْسانُ الخاطئ ليس فِي حِيادٍ مِنْ جِهَةِ أمُورِ اللهِ. بَلْ لَدَيْهِ حُكْمٌ مُسْبَقٌ، وَلَدَيْهِ تَحَيُّزٌ، وَمَيْلٌ، وَهَذا الْمَيْلُ هُوَ نَحْوَ الشَّرِّ.
يَقُولُ جوناثان ادوارز: إِنَّنا بِالْفِعْلِ نُفَرِّقُ بَيْن الْعَقْلِ وَالإِرادَةِ، لَكِنْ لا يُمْكِنُ فَصْلُهُما. لَسْنَا نَتَّخِذُ قَراراتٍ أَخْلاقِيَّةً دُونَ مُوافَقَةِ الْعَقْلِ عَلَى الاخْتِيارِ. ويتابع: إِنَّ "الْكائِناتِ الأَخْلاقِيَّةَ الْحُرَّةَ تَتَصَرَّفُ دَائِمًا بِحَسَبِ أَقْوَى مَيْلٍ لَدَيْها فِي لَحْظَةِ الاخْتِيارِ". بِمَعْنَى آخَرَ، نَحْنُ نَخْتارُ دَائِمًا بِحَسَبِ مُيُولِنا، وَنَخْتارُ دائِمًا بِحَسَبِ أَقْوَى مَيْلٍ لَدَيْنا فِي لَحْظَةٍ ما.
الإِرَادَةُ لَيْسَتْ مُسْتَقِلَّةً عَنِ الْعَقْلِ، بَلْ تَعْمَلُ مُقْتَرِنَةً بِهِ. فَما يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّهُ مَقْبُولٌ في لحظة ما، تَمِيلُ الإِرادَةُ إِلَى اخْتيارِهِ.
فِي لَحْظَةِ الاخْتِيارِ، نَتْبَعُ دَائِمًا أَقْوَى مَيْلٍ، أَوْ أَقْوَى رَغْبَةٍ.
يُوجَدُ سَبَبٌ وراءَ كُلِّ قَرارٍ نَتَّخِذُهُ، وَنَحْنُ نَتَصَرّفُ دائِمًا بِحَسَبِ أَقْوَى مَيْلِ لَدَيْنَا فِي لَحْظَةٍ مَا.
وكما يقول آر سي سبرول: كُلُّ قَرارٍ نَتَّخِذُهُ هُوَ اخْتِيارٌ حُرٌّ، وَكُلُّ قَرارٍ نَتَّخِذُهُ هُوَ مُعَيَّنٌ مِنْ قَبْلُ. كُلُّ قَرارٍ نَتَّخِذُهُ هُوَ اخْتِيارٌ حُرٌّ، وَكُلُّ قَرارٍ نَتَّخِذُهُ هُوَ مُعَيَّنٌ. ولا يوجد تناقض في هذا فإِنْ كانَتِ اخْتِياراتِي نَابِعَةً مِنْ مُيولِي، أَوْ رَغَباتِي، وَإِنْ كَانَتْ أَفْعالِي نَتِيجَةً لَها أَسْبابٌ، فَإِنَّ رَغْبَتِي الشَّخْصِيَّةَ هِيَ الَّتي تُحَدِّدُ اخْتِيارِي الشَّخْصِي!
اننا حَقًا نَختارُ دائِمًا بحسبِ رَغَباتِنا. وَإِنْ كانَتْ رَغَباتِي تُحدِّدُ اخْتِيارَاتِي، فَكَيْفَ أَكُونُ حُرًّا؟
الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ يصف الْبَشَرَ السَّاقِطِينَ بأنَّهُمْ عَبِيدٌ لِلْخَطِيَّةِ.. بِإِمْكانِهِمْ الاخْتِيارُ، وَتَظَلُّ لَدَيْهِمْ حُرِّيَّةُ إرادَةٍ، لَكِنْ صارَتْ تِلْكَ الإِرادَةُ تَمِيلُ إِلَى الشَّرِّ، وَتَبْتَعِدُ عَنِ الْبِرِّ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا. لَيْسَ بَارٌّ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ، لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ (رومية 3: 10-12).
قالَ أُوغُسْطِينُوسُ إِنَّ الإِنْسانَ لدَيْهِ "حُرِّيَّةُ إِرادَةٍ"، لَكِنَّهُ فَقَدَ فِي السُّقوطِ الْحُرِّيَّةُ الأَخْلاقِيَّةُ(رَغباتُنا وَمُيُولُنَا) هذا هو الْجَانبُ الْمُسْتَعْبَدُ..
حِينَ نَتَكلم عَنِ الْقْدِرَةِ الأَخْلاقِيَّةِ، نَقْصِدُ بِها الْقْدِرَةَ على أنْ نَكُونَ أَبْرارًا اتقياء. هذه فقدناها بالسقوط. تظَلُّ لدى الشخص الْمَقْدِرَةُ على التَّفكيرِ، وتَظَلُّ لديهِ الْمَقْدِرَةُ على الاخْتِيارِ. لكنَّهُ يفْتَقِرُ إِلَى الْمَيْلِ أَوِ الرَّغْبَةِ فِي التَّقْوَى.
نعم، لا تزالُ الإِرادَةُ حُرَّةً، أَيْ قَادِرَةً على فِعْلِ مَا يُرِيدُهُ الْخَاطِئُ. لكن الْمُشْكِلَةُ فِي جُذُورِ أَهْوَاءِ قَلْبِ الإِنْسانِ الْخاطِئِ غير المتجدد. فَلأَنَّ لَدَيْهِ مَيْلًا شِرِّيرًا، ورَغْبَةً فِي الْخَطِيَّةِ، يُخْطِئُ.
وفي ختام المقال أريد ان اطبق هذا على نفسي فأقول كَوْنِي مَسِيحِيًّا مؤمنا مولودا من الله، لَوْ سَأَلْتَنِي في الظروف الطبيعية: "هلْ تُحِبُّ أنْ تكونَ بِعيدا عن الخَطِيَّةٍ؟" سَأُجِيبُكَ: "طَبْعًا أُحِبُّ أنْ أكونَ بِلا اي علاقة مع الخَطِيَّةٍ". لَكِنَّنِي أقُولُ هذا قَبْلَ أَنْ تَضْغَطَ عليَّ التَّجْرِبَةُ، وَتَشْتَدَّ رَغْبَتِي فِي الْخَطِيَّةِ، عندها اكون واقع بين خيارين إما ان استسلم لها بارادتي أو ارفضها بارادتي.
وفي كلتا الحالتين حِينَ أَتَصَرَّفُ بِحَسَبِ ما ارغب به، فأنا أَتَصَرَّفُ بِإِرادَتِي.