ذًهلت عندما اكتشفت في بداية حياتي مع الرب أن كلمة " فيلوكسينيا" اليونانية التي تُترجم في العهد الجديد "إضافة الغرباء"، تعني في الواقع "محبة الغرباء". كعربي، كنت سعيدًا بمعرفة أن الضيافة ليست مجرد عادة شرقية، بل هي فضيلة مسيحية. شجّعتني جدًا قراءة دعوة الكتاب المقدس إلى " إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ" أو بكلمات أبسط "رحّب بالغرباء في منزلك" (رومية 12: 13).
يا لها من دعوة خاصة لممارسة الضيافة، فعلى مدى ألفي عام، يحثّنا الروح القدس جميعًا: "لا تنسوا إضافة الغرباء" (عبرانيين 13: 2).
من ناحية أخرى، وبصراحة، يتخوّف السكان المحليون عندما تتسلل أعداد كبيرة من الغرباء إلى بلدانهم، فيحصلون على دعم الحكومة وربما على بعض الوظائف المتاحة، وأيضًا يعيشون في داخل مجتمعاتهم. لهذه الأسباب، يقع الكثير من الناس في دوامة "الخوف من الغرباء"، وهي رد فعل بشري طبيعي، لكنه يؤدي إلى عواقب وخيمة.
من المشجّع أن نتذكر أن ربنا يسوع عاش في أرض احتلّها وحكمها غرباء وثنيّون (الرومان)، ويديرها محليًا متهوّدون مُهاجرون (عائلة هيرودس)، وتقودها روحيًا نخبة فاسدة (الكهنوت). رغم ذلك، كان يسوع دائمًا منفتحًا لبدء محادثة بنّاءة حتى مع أدنى الطبقات في المجتمع، وكذلك مع جميع الآخرين. كان يُعرف بأنه مُحبٌ (صديق) للعشارين والخطاة (متى 11: 19) وفي عدة مناسبات، زار يسوع بيوتًا مختلفة، حتى أن الناس في أريحا تذمّروا قائلين: "انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ". هذا بالطبع لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُرضي النُخبة، بل ليطلب ويخلّص ما قد هلك (لوقا 19: 7-10).
بالفعل دخل يسوع إلى عدة بيوت لفريسيين، رئيس مجمع، وكان مستعدًا للذهاب إلى بيت قائد مئة روماني (لوقا 7: 1-6، 36؛ 8: 41). على خُطاه، دخل التلاميذ أيضًا إلى بيوت غرباء (عادةً وثنيين). على سبيل المثال، ذهب بطرس مع ستة إخوة إلى بيت كرنيليوس، وزار بولس رجلًا وثنيًا مريضًا وكان شخصيًا يرحِّب بمن يزوره في بيته (أعمال الرسل 9: 17؛ 28: 8، 30).
عبر التاريخ، كان المؤمنون يعتبرون روحيًا غرباء ونزلاء (1 بطرس 2: 11)، لأنهم سكانٌ مؤقّتون على الأرض. من هذا المنظور، يجب أن نكون مُراعين ومتعاطفين مع الأشخاص الذين أصبحوا، لأسباب مختلفة، مهاجرين أو غرباء في بلدان أخرى. حتى في هذه الأيام المضطربة، مازلنا سفراء للمسيح، مدعّوين للاقتداء بربنا يسوع والقيام بالعمل الذي أوكله إلينا في عائلتنا وكنيستنا ومجتمعنا.
اسمحوا لي أن أشارككم بعض الاقتراحات لقبول الغرباء والتعامل معهم باحترام:
1. صلِّ لكي يفتح الله لك الفرص للتفاعل مع الآخرين وتكون مستعدًا لسماع صوته في هذا الأمر يوميًا. إذا كنت تعرف بالفعل بعض الغرباء، صلِّ من أجلهم بأسمائهم. صلِّ من أجل عمل الله في قلوبهم وفي ظروف حياتهم (1 تيموثاوس 2: 1-2). اهتم بهم شخصيًا واسألهم بشكل عام عن عملهم وعائلاتهم وحياتهم. استمع إلى المخاوف التي يشاركونها وصلِّ من أجل تلك المخاوف حتى معهم (إذا وافقوا على الصلاة معك).
2. ربما يمكنك البدء بأمور بسيطة، فمثلاً يمكن أن يلفت النظر أن تحيي الناس بطريقتهم أو بلغتهم، كأن تقول للمسلم "السلام عليكم" أو "شالوم" لليهودي. يمكنك أيضًا وضع لافتة في سيارتك مثل "الله يحبك" بلغات أخرى. قد يفتح هذا بابًا سريعًا لمحادثة ودّية.
في بعض الأحيان، بسبب حاجز اللغة، قد يحتاج شخص ما إلى مساعدة خاصة في البحث عن مُنتَج موافق للشريعة اليهودية أو الإسلامية (كَشير/حلال). هذا النوع من المساعدة سيعني الكثير وقد يفتح أبوابًا للتعارف. نظرًا لأنك لا تلتزم بأحكام شرائعهم الدينية، فقد يتردّدون في القدوم إلى منزلك، ومع ذلك سيرحبون بك لزيارة منزلهم. بالإضافة إلى ذلك، قد يرتدي زملائك أو جيرانك ملابس أو يتحدثون أو يصلّون بشكل مختلف عنك. قد يكون هذا التباين أيضًا طريقة سريعة لبدء محادثة استفسارية.
3. حاول أن تفهم الغرباء من حولك، تعلّم واقرأ عنهم وعن مجتمعهم ومعتقداتهم، لكن تذكر أيضًا أن ما تتعلمه أو تقرأه هو ارشاد وتوجيه، وليس مُنزلاً. حتى لو كان الغريب لا يعرف كتابه المقدس جيدًا، تحدث عنه دائمًا باحترام، دون الإشارة إلى موافقتك على ما يقول. قَدِّم الاحترام الواجب لإيمان الآخرين أو عدم إيمانهم (إن كانوا ملحدين). لا تهاجم أبدًا رموزهم الدينية أو كتبهم المقدسة. هذا التوجّه سوف يمهّد الطريق في التعامل معهم وايصال رسالة المسيح بطريقة أفضل، وخير مثال على ذلك هو تعامل بولس مع الأثينيين (أعمال الرسل 17: 23- 31).
4. عامل الناس بإكرام وتذكر أن الغرباء، مثلي ومثلك، مخلوقون على صورة الله. كن مستعدًا بكل احترام لمساعدتهم عند الحاجة، فإذا كنت مثقلًا بربح الناس للمسيح، فعليك أن تكون جاهزًا لخدمتهم بطريقة عملية (1 كورنثوس 9: 19-22). حاول أن تضع جانبًا أي تحيّز وأظهر المحبة والاهتمام الحقيقيين بهم.
5. تذكر أن الغرباء ليسوا قالبًا واحدًا، بل هم - مثلي ومثلك- أفرادٌ لكل منهم أفكاره أو تقاليده المختلفة، وهناك طرق متنوّعة لمشاركة الأخبار السارة معهم أو شرحها لهم. إذا كان جارك هندوسيًا أو بوذيًا، مسلمًا أو يهوديًا أو ملحدًا، فابحث عن فرصة وطريقة للتقرّب منه. إذا طرح شخص ما أسئلة، أصغِ جيدًا لتتعرف على دوافعه، حياته أو معتقداته، وليس لمجرّد دحض حججه أو نقض أفكاره.
على فكره، عندما تستمع للآخر، عادةً ما يستمع الآخر أيضًا عندما تقدّم رسالة الانجيل بصورة واضحة ومُركّزة وقصيرة. لا تهتم أن تربح أي نقاش، بل صلِّ أن يربح الله قلب صديقك.
خلاصة القول هي أن نكون منفتحين ومستعدّين بروح الصلاة أن نتبع نهج المسيح في المحبة والاحترام والتقرّب للأشخاص الذين حولنا والوصول إليهم برسالة المسيح.
حاول أن تقرأ وإيّاي هذه الآية المعروفة، ولكن كأنك تقرأها لأول مرة: "هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤيا يوحنا 3: 20). إذا وجدت أن هذا تحدٍ مناسب لك، فأرجوك أن تعمله.