الألم

في العهد القديم، يُرى الألم غالباً كنتيجة للأعمال الشريرة التي تستدعي العقاب. ومع ذلك، يمكن أن يكون الألم جزءاً من التدبير الإلهي، كما في قصة يوسف التي تُظهر كيف يمكن للأمور المؤلمة أن تتحول في النهاية إلى خير. الألم ليس مجرد تجربة سلبية، بل يمكن أن يكون له دور وجزء من التدبير الإلهي.
17 سبتمبر - 08:44 بتوقيت القدس
الألم

"فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا بِالْجَسَدِ، تَسَلَّحُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهذِهِ النِّيَّةِ. فَإِنَّ مَنْ تَأَلَّمَ فِي الْجَسَدِ، كُفَّ عَنِ الْخَطِيَّةِ"{1 بط}.

المتتبّع للنصّ المقدس نجد التسلسل: الألم _ العذاب والموت والقبر والقيامة، والسؤال هل من باب الصدفة، أم ان هنالك معان روحية لاهوتية نجهلها ؟

لن نسهب هنا بهذا الخصوص، فسنكتفي بعرض سريع لمعنى الألم في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

اللفظة " Pascho _ الم معاناة تحمّل عذاب" هو اختبار شيء ينجم من خارج المرء،لكنه يؤثر فيه تأثيرا حسنا أو سيئا، وهذا الفعل لم يكن يعني في الأساس شيئا سوى ان يؤثر عليه من قبل، أما من ناحية الكيفية،التي يتمّ بها التأثير،فقد تمّ التعبير عن ذلك بكلمات إضافية " Pascho _Kakos "ان تكون في حالة سيّئة، و " pascho  EU " الذي سيكون في حالة جيدة،غير انه بالنظر إلى ان هذه الإضافات مالت إلى ان تكون فعل سلبي، فان الفعل نفسه اكتسب بالتدريج معنى سلبيا ما لم توجد إشارات واضحة تشير إلى العكس.في معظم الحالات يكون الأمر متعلقا بالتسليم إلى مصير معاكس أو إلى آلهة وبشر حاقدين.

الوضع مشابه مع الاسم " Pascho “وهي تعني ما يمكن اختباره سلبيًّا، غير ان هذه اللفظة تصف " Pathos  " في معظم الأحوال عواطف النفس، بمعنى ان المعاشر والنزعات الإنسانية لا ينتجها الإنسان في داخله بل يجدها موجودة بالفعل ويمكنها ان تؤثر على مسلكه. فقد اكتسبت كلمة Pathos "“ معنى سلبيا سائدا يفيد الشهوة الجنسية  خصوصا عند الرواقييين.

طُرحت العديد من الأسئلة في فترة مبكّرة فيما يتعلّق بالألم ومعناه: وسّع الرواقيون من فكرة الألم وأضفوا عليها سمة العالمية والكونية. فكل الكائنات غير السماوية معرضة للألم بمعنى أنها تتأثر بعواطف ومؤثرات خارجية. غير ان هذه العواطف تعوق المعرفة وممارسة الفضيلة وعلى ذلك يتوجب التغلب على الأهواء حتى تصل إلى مثالية النزاهة " Apatheia ".

ترد اللفظة " Pascho " فقط 22 مرة في الترجمة السبعينية ويقصد بها الشعور بالشفقة {خروج 5: 16 وزك 5 :11 } أو لكي تؤثر على إثارة إعجاب {عاموس 6:6 } ومع ذلك فانه على الرغم من تكرار وروده فان الافكار التي عبّر عنها هذا الفعل ومشتقاته موجودة في العهد القديم.

سبب الالم موجود في الغالب في النتيجة المتأصلة للعمل الشرير الذي لا بدّ وان يتولّد عنه عقاب لان ذلك من عواقبه المحتومة، ومن ثمّ ينتج الالم. وفي بعض الحالات نجد ان الالم الناجم عن عمل شرير يمكن ان يؤثر في مجموعة من الناس {تك 7 _3 :20  و 1 صم 46 _24 :14 } بل وقد ينال الشعب باسره {يشوع 7 } غير ان الالم  في العادة يكون مقصورا على الشخص ولا سيما في اشعار الحكمة { امثال 27 :26 }.

ان هاتين الفكرتين ليستا متعارضتين حينما كان الاسرائيليون يدعون الى تحمل الالم كانوا دائما يحاولون فهم كان يعمله الله، وهو الخير والشر من عند الله، {قارن ايوب 10 :2 وعاموس 6 :3 } يفسح العهد القديم مجالا ضيقا للألم الذي هو شيء عرضي{قضاة 23 :9 و 1 مل 23 _19 :22 وايوب 1:1 الى 10 :2 } ولا يعتبر الالم من الناحية الأنثروبولوجيا  بهدف الحصول على بصيرة اعمق لوجوده.لكنه امر  يرجع الى التدبير الالهي.

قصة يوسف مثلا نرى في النهاية كتوجيه الله للأمور المؤلمة في النهاية خير لشعبه.

الحقيقة انه ليس هناك توتر بين مشكلة المعاناة بحد ذاتها والمشكلة الخاصة بالمعاناة الفردية التي يشار اليها بمزامير الرثاء { مزمور 22 } مثل هذه المزامير ليست بسيرة ذاتية لكاتبها ولا هي بتقارير مجازية لتجاربه الروحية،بل نظم طقوس للعبادة المشتركة ضمن جماعة العهد القديم،فلم يكن مهمّا لكاتب المزامير ان يحلل آلامه الشخصية،بل اختباره الراحة التي يشعر بها لدى سماعه كلام الله،او يجد في الله مأوى وحصنا وملاذا { مزمور 8 :17 }.

ان قضيّة الغرض من الالم من الموضوعات التي تظهر بمرور الزمن {امثال 1 :13 و1 :12} نشير الى القيمة التربوية فالألم يحسّن الشخصية ويهذبها.

يركّز سفر ايوب بشكل خاص على الالم، فأيوب بالنسبة لحالته لم ير صلة سببية بين الخطيئة والالم {ايوب 24 :6} ولكنه يدرك ان البشر لا يمكن او يقاضوا الله العظيم {ايوب 33 _32 :9} وهكذا يختم السفر بترنيمة معلنا فيها الله قدرته الكلّية، وان حكمته التي لا يمكن سبر غورها قد تحمل البشر على ان يقفوا امامها صامتين حتى في مواجهة الالم الذي لا يدرون له سببا {ايوب 1 :38 الى 6 :42} ويطالبنا سفر ايوب الا نقدّم ولائنا على نحو اعمى لأي فكر ديني يربط بين الخطيئة والالم بل يجب علينا بالأحرى ان نخضع لله.

ناحية اخرى من الالم، تتمثل في الالام التي تحملها افر اد مختارون مثل موسى {العدد 11:11 }  وايليا { 1 مل 19 } وهوشع {1_3 } وارميا { 18 _14 :20 و 18:18 و 10 :15 }.

يمكن ان نوجز،رفض اسرائيل رسالة النبي ،بهذا رفضوا الله، لذا فان المصير الذي لاقاه الانبياء يوضح عداء اسرائيل لله، وبتعبير اخر معاناة الله كنتيجة لخطيّة شعبه تجد له صورة  في معاناة بعض الاشخاص المختارين.

يأتي مفهوم الالم الذي يتحمله شخص عن الاخر بين، الى ذروته في سفر اشعياء،من الفتى المتألم حيث معاناته ترى كعقاب لخطايا الاخرين  {اشعياء 6 _4 :53 }.

في حكمة سليمان تظهر السمة التربوية للألم مرّة اخرى {امثال 22 :12 } فأعداء اسرائيل  يعانون من خلال العقاب والتحذير{امثال 27 _25 ،20 :12 } في حين يتألم اولاد الله اثناء لقيادهم بعنايته الى التوبة {ام 21 _19 :12 }.

مهما تكون السمات التربوية للمعاناة، فإنها تأخذ تأكيدا اقل من سماتها الهادفة  لأمر ما والتعويض طبقا ل نص سفر المكابيين {2 مكابيين} فانه حتى الذين يتّقون الله يعاقبون بالألم على خطاياهم { 2 مك 32 _ 18 :7 } على الرغم من الفرح يتولّد من تحمّل الالم كشهيد لأجل مخافته { 2 مك 30 :6 }.

حسب الربانيون بعد توقف تقديم الذبائح اصبحت قوة الكفارة تعزى الى كل الم ينجم عن الخطيئة بالنظر الى ان الالم كان يقصد به ان يقتاد الخاطئ الى التوبة، وليس بوسع المرء سوى ان يشكر الله عليه. وفضلا عن ذلك طوّر الربانيون تعليما يتحدث عن تحمّل الالم النيابيّ وهو الالم الجدير بالتقدير.

في الواقع ان الالام الارضية يمكنها ان تخفف من العقوبة الاخروية{1 بطرس 1 :4 }  وفي تفسير الحكماء لسفر التكوين  الشيوخ {تك 6 ك44 و 1 :15 } ان البار بوسعه ان يرى محبة الله عاملا فعلا في الامه في حين ان الشرير الذي لا يتحمّل الامه يجون قد حُرم من فرصة اصلاح حاله.

استخدم الفعل {Pascho} في العهد الجديد 42 مرة اكثرها في الاناجيل الازائية واعمال الرسل والعبرانيين ورسالة بطرس الاولى والاسم {Pathema} يرد 16 مرة في رسائل بطرس وبولس.

وفي الرسالة الثانية تي{3 :2 و 8 ك1 } العلاقة مع الالم كاتباع يسوع في يعقوب { 13 :5 } والصيغة –الصفة "يؤلم المسيح "  وردت فقط في سفر الاعمال { 23 :26 } والصيغة " Sympetheo " استخدمت مرتين بان المسيح الممجّد { عبرانيين 15 :4 وشعبه يعقوب 34 :10 } قادرين على ان يشفقوا فترد " Pathos " في رومية 26 :1 وكو 5 :3 واتس 5 :4 .

في الاناجيل الازائية لم تستغل كلمتي { Pascho _Pathema } في يوحنا{11 ،5 :1 } قُدمت حياة الكلمة المتجسد كلها كقصة الامه التي تمجّد من خلالها.

بعض من النصوص استخدمت اللفظة الم بمعناها العام مثل زوجة بيلاطس {متى 19 :27 } والمرأة نازفة الدم { مرقس 26 :5 ولو 2 :13 واعمال الرسل 5 :28 وغل 4 :3} ومع ذلك فان كل فئة هذه الكلمات استخدمت بصفة اساسية لوصف الام المسيح وتلاميذه.

اللفظة {Pascho} استخدمت استخداما مزدوجا فيما يتعلق بآلام المسيح حصريا تفيد موته وبصفة خاصة في العبارات التي على الرغم من ان موت يسوع لم يذكر فيها صراحة الا ان الامه كانت تذكر بجانب شيء اخر مثل القيامة {لوقا 46 :24 اع 18 :3 وقارن اع 3 :17 و 15 :3} او دخوله الى المجد {لو 26: 24 } او اظهار نفسه وهو حيّ  { اع 3 :1} في هذه الفقرات كانت الامه {عب 9 :2  Pathema tou thanatou} والترجمة الحرفية " الم الموت" اي " الموت نفسه" { عبرانيين 12: 13 }.

في العبارات التي تُعلن فيها الام المسيح الوشيكة اولا {مر31: 8 و12: 9} فعبارة" ينبغي ان يتألم كثيرا" تشير الى تلك الالام السابقة على محاكمته امام رئيس الكهنة ولم تكن اشارة الى موته.

انتبه كيف موت المسيح جاء ذكره منفردا، باعتباره العنصر الثالث من بين العناصر الاربعة التي ذكرت ومع ذلك في لوقا {25 :17} نجد انه يتألم من بعض الاشياء " ينبغي ان يتألم كثيرا ويرفض" لكن متى البشير يوسع المجال " ويتألم كثيرا..." {متى 23 _20 :16}.

يثرّ العهد الجديد عل ىان الام المسيح لم تأت كحدث عارض بل ضرورة الهية متى 21 ك16 لو 33 ك13 و 25 :17 و 26 :24 واع 3 ك17} وتنبّا لها العهد القديم {مر12 :9 اع 18 :3 1 بط 11 :1} ومن ثم يقول كاتب العبرانيين انه مثل ذبيحة الخطيئة في العهد القديم {لاويين 27 :16} ويجب ان يتألم يسوع خارج بوابة اورشليم {عب 13 _11 :13}.

اكتسبت الام المسيح مغزاها الخلاصي من حقيقة انها نيابية في طبيعتها اي تنوب عن التكفير ذبيحة تكفير خطايانا {عب 12 :13 و 1 بط 21 :2 } وهذا ما تنبّأ عنه اشعياء { 53 قارن 1 بط 24 _22 :2  قارن اشعياء 9 _3 :53 } وهكذا من خلال موته { عب 10 _9 :2 } ويصبح المسيح موثوق به كخلاصنا.

الام المسيح نابعة من ذلك واستخدام المسيح في الازائيين "الم_ الام" ليشير الى الامه الوشيكة وفي الرسالة الى العبرانيين اقتصر استخدام اللفظة مع المسيح {عب 32 :10} وهو يؤكد تفرّد ذبيحته الكفاريّة {عب 12 :19 و 27 :7 قارن رو 10 :6 و 1بط 18: 3 }.

ان موت المسيح النيابي لا يعني بالنسبة لأتباعه الخلاص من الآلام الأرضية بل تسليم لها. لقد تألم وجرّب مثلنا{ عب 18: 2 }ومع ذلك بلا خطية فهو منزه عن الخطية { عب 15 :4 } والواقع  انه من حيث المسيح قد شارك شعبه في كل شيء، فهو قادر على كل شيء باعتباره المسيح الممجد ان يرثى لضعفاتهم والامه. كانت تجربة دُعي ليخوضها ومن خلالها تعلم الطاعة { عب 8 :5 } واذا جرّب بالآلام فمن ثم اصبح مثالا لنا وقدوة { 1 بط 21 :2 } والامه تطلب منا باعتبارنا اتباعه ان نتبع خطواته { عب 13 _12 :13 و1بط 21 :2 } وُصف المسيح بانه {Pathetos } اي انه خاضع للآلام وذلك فقط في سفر الاعمال { 23 :26 } وبما ان الالام والقيامة يذكران معا فان الفكر هنا مماثل لما في لوقا { 26 :24 واع 3 :17 }وعلى ذلك يكون السؤال ما اذا كان المسيح،وهو الاله يمكن ان يتألم هذه مناقشة هرطوقية كافرة ملحدة تبين جهل مدّعيها وسببها الدوسينية.

فكرة الالم المتلازمة لمفهوم العهد الجديد الشركة {Koinonia}، {1 بط 1 :4 2 كو 29 -23 :11 } وان تتألم كمسيحي { 1 بط 16 :4 } معناه ان تشترك في الام المسيح { فيلبي 10 :3 و1بط 13 :4} وان تتألم معه { رومية 17 :8}.

والواقع ان هذه الوحدة السريّة توحّد بين المسيح وجسده حتى ان آلام المؤمنين يمكن وصفها بانها وحدى واحدة {2 كو 5 :1} وثمة كنائس مختلفة وحدت بينها الام مشتركة {1 تس 14 :2 و 1بط 9 :5 } ونفس الشيء ينطبق على اية كنيسة مستقلة. واذا كان الاعضاء اية كنيسة ان يظهروا ليس مجرد التعاطف بين بعضهم البعض،بل شفقة عملية فاعلة { Sympascho }هنا يتطلب الامر وحدة حقيقية في الايمان { 1 كو 26 :12 وعب 34 :10 }.

الشركة في الالام يمكن ان توجد بين الرسول والكنيسة المحلية { 1 كو 7 _6 :1 } او بين الرسول واي تلميذ { 2 تي 8 :1 و  3: 2 }واعظم مثال لذلك يسوع { 1بط 21 : 2 و 1 بط 10 :5 و2 تي 11 _10 :3 } او الذين دعوا الى السيد { 1 كو 1 :11} وتحمّل الرسل { يع 10 :5 } وتبيّن الخادم الحقيقي للكنيسة { 2 كو 29 _23 :11 } وما تحمّل بولس { كو 24 :1 }.

يجب ان يتألم المسيحي { 1 بط 16 :4 } وظلما { 1 بط 20 _19 :2 } وليس كقتلة { 1 بط 15 :4 قارن  لو 33 _32 :23 } والام حسب مشيئة الله { 1 بط 19 :4} ومن اجل المسيح { اع 16 :9 وفيلبي 29 :1 } ولأجل الانجيل { 2 تي 8 :1} ومن اجل البر { 1 بط 14 :3 } وملكوت الله {2 تس 5 :1 }.

السمة الاخروية للآلام { عب 10 :2 و1بط 9 :5 و1بط 10 :5 } ويؤكد بولس {روم 18 :8 } ان آلام الزمن الحاضر لا تقاس { فيلبي 29 :1 و1بط 19 :2 و1بط 10 :5 اله كل نعمة قارن فيلبي 10 :3 رو 17 :8 1 بط 10 :5 وتس 5 _4 :1 وعب 32 :10 ورو 25 _18 :8 }.

لن ندخل هنا عن الفاكهة المعروفة " بيسفلورا _ Passiflora من الأصل اللاتيني flōs Passiōnis والتي تعني " زهرة الألم" وعلاقتها بآلام السيد المسيح.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا