“ها أنا حقير،فماذا أجاوبك؟….”(ايوب ٤:٤٠) “لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد”(ايوب ٦:٤٢).
لمست من واقع حياتي الشخصية انه من السهل ان تتصور انك في المسار الصحيح بينما في الحقيقة تنجرف بعيدا.
اتذكر انني رددت وبدون فهمٍ كافٍ جُملة رددها احد مشاهير الوعاظ وربما اكثر من شخص، ورددها الكثيرون وراءه: كل حق هو حق الله (هو الحق الالهي). هذا المبدأ اصبح يبُرر للاسف استخدام نظريات علم النفس بدون فحص أو تمييز. لكن الرب افهمني: لا تستخدم علم النفس لتوضيح او تكملة مبدأ من المبادئ الكتابية.
أيقنت اني يجب أن أتوب عن الايمان ذو الصبغة النفسانية الذي انجرفت نحوه واعود الى المسيحية الصحيحة التي محورها الله والمؤسسة على كفاية المسيح والكتاب المقدس.
لا ينبغي ان يتأثر وعظنا بما قرأناه أو عرفناه عن نظريات علم النفس الباطلة والعقيمة حتى في نظر أربابها.
إن دمج أو مزج المسيحية بعلم النفس هو شر. بني اسرائيل قيل عنهم: “كانوا يتقون الرب ويعبدون آلهتهم كعادة الأمم الذين سبوهم من بينهم”(ملوك الثاني ٣٣:١٧). ونحن اليوم نفعل نفس الشيء فإن العديد من المسيحين المؤمنين وقعوا في فخ المزج التوفيقي بين المسيحية وعلم النفس الانساني الدنيوي الا ان الاثنان لا يختلطان.
يُريدونا ان نصدق أن قوة الانجيل المغيرة التي ساندت القديسين في كل التجارب التي يمكن تصورها، هذه القوة ليست كافية للتعامل مع المشاكل التي يُعاني منها المسيحيون في أواخر القرن العشرين.
اخوتي إن برامج التعافي التي تستخدمها بعض الكنائس هي انحراف عن المسار الصحيح لان الكتاب القدس يتعامل ويهتم بالقلب بالدرجة الاولى وليس بتعديل السلوك من الخارج.
علم النفس المسيحي يضع تركيز الانسان على نفسه ليس على الله ومجده، ان احد اكثر الاخطاء انتشارا التي تغلغلت داخل الكنيسة في السنوات الخمس والعشرين الماضية هو ان الكتاب المقدس يُعّلم بأن علينا ان نحب أنفسنا وننمي تقديسنا للذات. هذه الفكرة تقتحم عشرات الكتب المسيحية الشعبية.
علم النفس المسيحي ساهم في اعلاء شأن الانسان في خطيته وأنزل الله من مكانه ليكون مجرد “صديقنا اللطيف” الذي يُحبنا بلا شروط حتى نستطيع نحن ان نقبل أنفسنا، لكن الكتاب المقدس يرفع الله ويعطيه المكانة التي يستحقها لانه قدوس ومجيد ويُجرد الانسان من كبريائه وبره الذاتي.
علم النفس المسيحي لا يوجه الانسان نحو التركيز السليم على تمجيد الله والحياة من اجل إرضائه مهما كانت التكلفة الشخصية وبدلا عن ذلك فإنه يستخدم أو يستغل الله والكتاب المقدس لغايات انانية كالسعادة والسلام الداخلي.
لنحذر فإن كتب علم النفس المسيحية/ التنمية الذاتية ممكن ان تستعين بآيات من الكتاب المقدس وفي بعض الاحيان تؤيدها وهذا ما يُكسب تلك الكتب قشرة خارجية ثمينة حتى تبدو صحيحة كتابيا إلا ان جوهر المنهج الذي تتبعه هو استخدام واستغلال الله لجعل النفس الانسانية سعيدة وراضية بدلا من أن تخضع لله لتمجيده لانه يستحق ذلك.
أوهمونا أن العلاج لمشكلاتنا العاطفية يتحقق عندما نتعلم أن نركز على انفسنا وأن نحب أنفسنا وننمي ونبني احترامنا للذات/ العنصر المفقود في شخصياتنا.
خلافا لعلم النفس المسيحي يدعو الرب يسوع لإنكار النفس وحمل الصليب كل يوم (لوقا ٢٣:٩). ولا يمكن للطريقتين أن يمتزجا، فإما ان تتوب عن محبة الذات والكبرياء وتموت عن ذاتك لتحيا لمجد الله وهدفه أو تحاول عبثًا أن تستغل الله للحصول على مزيد من السعادة.
لكي تتبع الرب يسوع يجب ان تُنحّي الذات عن منصبها على عرش قلبك.
أوهمونا أن يسوع المسيح والروح القدس لا يكفيان لأنك تحتاج الى البصيرة التي يمنحها علم النفس لتتعامل مع صراعاتك العاطفية. بولس نفسه قال انه كان مثقلا بدرجة يصعب احتمالها حتى أنه يئس من الحياة، لكن هل ذهب لزيارة الطبيب النفسي وتعلم أن يشعر بالرضا عن نفسه؟ لا.
مهم ان نؤكد انه عندما نتحدث عن كفاية المسيح فنحن لا نستبعد الحاجة الى الاخوة المؤمنين للاستماع والرعاية وتقديم المشورة ولكن ينبغي لنا أن نساعد بعضنا البعض في توافق مع المسيح وليس بموجب تقنيات العلاج النفسي الخاصة بالتركيز على الذات.
علم النفس المسيحي يُضعف سلطة الله اي يُضعف كفاية الرب يسوع المسيح والروح القدس فإن علم النفس يخبرنا بأن الكلمة المقدسة جيدة على قدر ما تختص به إلا انها لا تتعامل مع جميع المشاكل المعقدة التي نواجهها هذه الايام وان الكتاب المقدس نافع في التعامل مع المسائل الروحية المتعلقة بالخلاص ولكن عندما يتعلق الأمر بالصراع مع المشكلات العاطفية فأنت تحتاج الى معالج نفسي محنك.
علم النفس يتدخل في قضايا تم التعامل معها بوضوح في الكتاب المقدس ومنها: الغضب،الشهوة”الادمان الجنسي”،المرارة، القلق، الكلمات البذيئة، الاكتئاب، الخ . الكتاب المقدس يقول لنا بوضوح كيف نتعامل مع المشاكل النفسية نفسها التي يزعم علم النفس بأنه يستطيع المساعدة على حلها.
من المغالطة ان نفترض أن علم النفس هو على قدم المساواة مع الطب الحديث، هناك حرفيا المئات من العلاجات النفسية المتنافسة ولا تتمتع اي منها بمصداقية علمية راسخة، لو كانت هناك حقائق نفسية فإنها سوف تتوافق مع الكتاب المقدس وفي هذه الحالة يكون علم النفس شيء زائد وغير ضروري.
علم النفس المسيحي يقلل من شأن النظرة الكتابية عن الخطية والمسؤولية الشخصية، إن الحركة دأبت على استخدام المصطلحات الطبية التي تعني ضمنا ان الشخص ليس مسؤولا عن مشاكله فمثلا أصبحنا نقول:
هو مدمن على الجنس وليس عبدا للشهوة
هو مدمن على الكحول وليس سكيرا
هو في طريقه الى التعافي وليس للتوبة.
تم خداعنا بأن قيل لنا بأننا نتعافى عن طريق حبنا لذواتنا والتركيز عليها، نشعر بالراحة عندما نساند انفسنا، نحب الناس الذين يحبون ويعتنون بأنفسهم و ان يصبح لدينا احساس وهمي باحترام الذات، هذا هو الكلام الفارغ الذي غرقت الكنيسة فيه، إنه ببساطة مجرد صدى للثقافة الحالية التي تركز على الاحساس بالظلم وقبول الذات مهما كانت فظاعة خطية الشخص.
كالفن قال: من تعلم ان يكون مستاء كثيرا من نفسه فقد استفاد استفادة عظيمة. ولا يكون كالعالق في الوحل ولا يتقدم خطوة واحدة للامام، وانما يُسرع الى الله ويتوق اليه حتى بعد ما يشترك في حياة المسيح وموته يولي اهتماما بالتوبة المستمرة.
لن تجد في كتب علم النفس المسيحية اية معالجة كتابية تعتمد على انكار الذات. نحن لا نُحسن الى الخطاة بأن نعالجهم علاجا سطحيا لطبيعتهم الخاطئة التي تظُهر الكبرياء والشهوة والطمع والغيرة والتمركز حول الذات وانما بالحقيقة نحن نقترح العون للخطاة عندما نساعدهم بحب وبأمانة على رؤية الحق كما هو معلن في كلمة الله. كلما اقترب الشخص أكثر من نور حضور الله كلما وضحت الرؤية أمامه ليرى الفساد الذي تسببته الخطية في القلب فاذا عرف حقا المسيح مخلصا له من خطاياه سيكره الخطية التي يراها بداخله ويجاهد لكي يقلعها من جذورها، ويعمل بامتنان شاكرا على نعمة الله الغنية وغفرانه.
اذكر لي مشكلة واحدة لا يوجد بالكتاب المقدس حل لها بينما يوجد حل لها في علم النفس؟
علم النفس لا يُقدم اي شيء ضروري للحياة والتقوى غير موجود في الكتاب المقدس فاذا كانت المشكلة سببها عضوي او خلل وظيفي كيمائي في المخ ،فهنا يحتاج الشخص الى حل طبي. ولكن فيما يختص بتقديم حلول للمشاكل العاطفية التي نواجهها او المشاكل التي تختص بالعلاقات، فعلم النفس ليس لديه ما يقدمه للمؤمن بل يحتوي على ما يمكن ان يخدع المؤمن ويسبب له التشويش والحيرة.
المشورة التعليمية او المهنية مثل تغير وظيفة او تقييم موهبة مختلفة تمامًا عن الهراء والكلام الفارغ الخاص بالمعالجة النفسية الذي يغزو كنائسنا.
الشخص المصاب بالفصام مثلا، اذا كانت مشكلة لها سبب عضوي فهو بحاجة الى طبيب واذا لم يكن السبب عضويا فهو بالتأكيد لا يحتاج الى طبيب نفسي وانما بحاجة الى ان يتعامل مع الافكار الشريرة مهما كانت الدوافع والسلوكيات الخاطئة التي سببت هذا الانهيار. آخر ما يحتاجه المراهق هو ان يسمع العالم النفساني وهو يقول له “انت بحاجة لبناء احترامك لذاتك”.
لآلاف السنين ظل الكتاب المقدس ملائماً لتجهيز واعداد القديسين لاجتياز الظروف المأساوية ومواجهة الاضطهاد بل وحتى الاستشهاد.
إخوتي: نحن لسنا بحاجة لعلم النفس ولا لعلم الاجتماع ولا للفلسفات البشرية ولا للدراسات الانسانية الدنيوية ولا حتى للطب النفسي نحن بحاجة الى الرب وكلمته فقط.