"وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ."(إشعياء17: 1).
السؤال الذي يفرض نفسه علينا ونحن نقرأ هذا العدد الكتابي هو: هل نبوة اشعياء عن "زوال دمشق" تتحقق أو ستتحقق؟ أم أنها تمت في الماضي؟
قسم من المفسرين يقول بأن هذا الدمار تمّ تاريخيا حينما استولى الإمبراطور الآشوري تغلث فلاسر الثالث على آرام، التي كانت متحالفة مع مملكة إسرائيل الشمالية، وقد كان ذلك في عام 732 ق.م، إلا أنّ البعض الآخر من الشراح لا يوافقون على هذا التفسير لأنّ نبوءة إشعياء تتحدّث من وجهة نظرهم عن دمارٍ كامل للمدينة لم يحدث فعلاً في التاريخ. ويرجِّحون أن هذا التدمير سيحدث خلال أو ربّما قبل حربٍ قادمة.
أياً كان، يوضح لنا الكتاب المقدس ان معركة دمشق سيكون المتضرر الأكبر فيها دمشق نفسها التي ستتعرّض للتدمير بشكلٍ غير مسبوق، في حال كانت ساحةً لحرب عصاباتٍ طويلة، أو هدفاً لاعتداءٍ خارجي مدمر. فهل ستتحوّل دمشق، أو أجزاء كبيرة منها، إلى ركامٍ؟ الحديث عن دمشق لا يقتصر على سفر واحد ولكن سأحاول بتسلسل معكم ان نضع الآيات مع سياقها التاريخي ونعلق عليها حتى تنكشف الصورة شيئاً فشيئاً.
نبدأ بإرميا 49
23- عن دمشق: خزيت حماة وارفاد قد ذابوا لأنهم قد سمعوا خبرا رديئا في البحر اضطراب لا يستطيع الهدوء. 24- ارتخت دمشق و التفتت للهرب امسكتها الرعدة واخذها الضيق والاوجاع كماخض. 25- كيف لم تترك المدينة الشهيرة قرية فرحي. 26- لذلك تسقط شبانها في شوارعها وتهلك كل رجال الحرب في ذلك اليوم يقول رب الجنود. 27- واشعل نارا في سور دمشق فتاكل قصور بنهدد (ملك آرام - رمز لدمشق ومجدها).
يقول دارسي النبوات انه عبر التاريخ وخلال 7000 سنة كانت دمشق تُحاصر وتُحارب وتنتصر أو تُهزم لكنها كانت تستمر في الحياة كانت تُترك دائماً لتعود من جديد ما عدا في الأيام الأخيرة إذ يقول الكتاب: (كيف لم تُترك المدينة الشهيرة)، فالحدث الذي يتكلم عنه الكتاب المقدس في الأيام الأخيرة وسيحصل لأول مرة في التاريخ هو ان دمشق لن تُترك.
وليس هذا فقط ففي سفر عاموس نرى نبوة ثانية عن نفس الموضوع:
ص 1 الآيات (3-5): "هكذا قال الرب.من أجل ذنوب دمشق الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم داسوا جلعاد بنوارج من حديد. فأرسل نارا على بيت حزائيل فتأكل قصور بنهدد(ملك آرام). واكسر مغلاق دمشق واقطع الساكن من بقعة آون وماسك القضيب من بيت عدن ويُسبى شعب آرام إلى قير قال الرب.
هنا منطقة اسمها قير يقول الكتاب أن السوريين سيؤخذون إليها عبيداً ،في إرميا 49 عرفنا أن الرجال أو الشبان معظمهم سيموتون وهنا نرى ان من يتبقى سيؤخذون عبيد عند الذين غلبوهم في منقطة يسميها الكتاب (قير).
والآن نأتي الى الأصحاح الشهير اشعياء 17
“1 وحي من جهة دمشق: هوذا دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ردم2 مدن عروعير متروكة. تكون للقطعان، فتربض وليس من يخيف3 ويزول الحصن من أفرايم والملك من دمشق وبقية أرام. فتصير كمجد بني إسرائيل، يقول رب الجنود”.
يبدأ هذا الأصحاح بالقول أن دمشق ستزال من بين المدن (لم يقل ستتحطم لم يقل ستنهزم لكن “تُزال” والكلمة في الأصل العبري تعني أنه لن يبقى لها وجود). فدمشق مدينة عريقة موجودة منذ 7000 سنة، وقد دخلت في حروب كثيرة جداً وظلت دمشق ،لم يحدث في سنة من السنين ان دمشق لم تكن موجودة ،فهذه النبوة لم تتم حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، فيا تُرى ما نوع الضربة التي ستُضرب بها دمشق وما هو السلاح الذي سيزيل دمشق من الوجود؟
من خلال ما سبق نلاحظ ان هناك أمور عديدة مهمة سوف تحصل منها:
- ستختفي سوريا كبلد موحدة وتظهر المدن ،(دمشق ،حلب ،حماة مثلا).
- تكون الحروب طويلة ويموت الشباب السوري (تسقط شبانها في شوارعها).
- إزالة دمشق من الوجود.
- سبي الشعب السوري إلى قير [1] .
ففي الأيام الأخيرة ستنحل وستتفكك الدولة السورية المركزية ولن يعود هناك شيء اسمه سوريا، لكن سيكون هناك مدن ،دمشق ،عروعير، حماة، أرفاد..
لكن وإن صحّ أن دمار دمشق نبوءةٌ مستقبلية، وليست مجرَّد حدثٍ تاريخيّ حصل سابقا، فإن النصوص لا تؤكِّد بأنّ هذا التدمير سينجم عن ضربة نووية بالضرورة كما نسمع وكما يُقال، بل ربّما تكون حرب اهلية طويل الأمد هي التي ستتكفّل بإتمام النبوءة، وهذا يتفق مع الواقع فمنذ 2011 وسوريا في حرب طاحنة اكلت الاخضر واليابس ولم تنته حتى اللحظة. فهل ستؤدّي الأحداث في نهاية المطاف إلى خراب العاصمة السورية دمشق، تماشيا مع ما هو وارد في العدد الأول من الفصل السابع عشر من نبوءة إشعياء “وحيٌ من جهة دمشق: هوذا دمشق تُزال من بين المدن وتصبح رجمة ردم”؟
رغم أنّ البعض يرى في هذه النبوات انها تمت سابقاً، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أنّ هناك أي حدث تاريخي يمكن القول عنه أنّه تحقيق لقول إشعياء بأنّ دمشق تُزال من بين المدن وتكون رجمة ردم.
في النهاية، ما نراه اليوم في دمشق، وما يُرجح أن يتعاظم، هو التدمير الكامل لهذه المدينة الاقدم في العالم تقريبا بفعل خطايا أهمها الكبرياء، والرياء، وموت الضمير، والظلم فالتأليه للمدن مثلا والكلام عن مجدها وخلودها هو كبرياء بشري خطير، فكلّ ما يصنعه الإنسان سيزول إن استمرّ في خطاياه.
ان تخريب دمشق هو مرحلة هامة من الدينونة التي ستشمل كل أمم الارض بسبب الشرور وغياب العدل وانتشار الظلم.
كمؤمنين بالمسيح فإن كل هذه الأحداث وغيرها بالنسبة لنا هي مقدمة لولادة عالمٍ جديدٍ يحكمه المسيح الآتي ثانيةً، وهي تولد الرّجاء لدينا بإنّ الأفضل هو القادم في النهاية. هناك حيث لا دمار ولا حروب!
—————————————————
[1]الشعب السوري سيؤخذ سبايا، وهنا نتسائل!! عبيد في القرن الواحد والعشرين؟ نحن نعلم أنه ومنذ الحرب العالمية الأولى اتفق العالم ان اي انسان يؤخذ في الحرب يُسمى أسير حرب، له حقوق كاملة وينبغي ان يرجع ثانيةً بصرف النظر عن نتيجة الحرب هكذا يقول القانون الدولي ومن يخالف هذا القانون يسمى مجرم حرب، والعالم كله متعهد بحسب قوانين الأمم المتحدة أن يحاسبوه، فعصر العبودية والسبي انتهى. لكن الكتاب المقدس يقول أنه أنه في الأيام الأخيرة ستظهر في هذه المنطقة دولة ما أو شعب ما لا يؤمن بالقانون الدولي وسيأخذ الشعب السوري سبايا وعبيد. فإذاً سيتم سبي السوريين (الآراميين) الى قير كعبيد. فما هي قير؟ الحقيقة ان الكتاب المقدس يفسر نفسه فقد وردت قير في: “ويسبى شعب آرام إلى قير قال الرب” (عاموس 1:5). «أَلَسْتُمْ لِي كَبَنِي الْكُوشِيِّينَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَلَمْ أُصْعِدْ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ كَفْتُورَ، وَالأَرَامِيِّينَ مِنْ قِيرٍ؟ (عاموس 9:7). نفهم من هذا ان السوريين كانوا عبيداً في نفس البلد التي سيكونون فيها عبيداً في آخر الأيام ،فإذاً نفس الشعب الذي استعبد السوريين في الماضي والرب حررهم منه سيعود ويستعبدهم في المستقبل. فالسوريين استعبدوا في وقت ما من التاريخ. آحاز الذي هو ملك يهوذا واجه مشكلة تتمثل في ان ملك سوريا جاء يهدده ،فأرسل الى (تغلث فلاسر) ملك آشور ،فجاء ملك آشور الى سوريا ودخل دمشق وسبى السوريين وأنقذ آحاز (القصة كاملة في 2 ملوك أصحاح 16). فَسَمِعَ لَهُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ إِلَى دِمَشْقَ وَأَخَذَهَا وَسَبَاهَا إِلَى قِيرَ، وَقَتَلَ رَصِينَ. (2ملوك 16:9). إذن قير هي بلد أو مكان في العراق. وبلا شك فإن المفهوم النبويّ للنظرة الى الأمم، لا يصح فيه أن ندع مشاعرنا تحكم، فالرب له قصد وهدف نهائي من الأحداث التاريخية كل ما يحدث في العالم هو بترتيب الهي ويسير بشكل منظم وغير فوضوي وكله تحت سيطرة الرب.