1) سلسلة نسبها: يذكر عن مريم أم يسوع أنها كانت نسيبة لأليصابات التي كانت " من بنات هرون " (لو 1: 5) ، مما قد يدفع إلى الظن بأن مريم كانت أيضاً من سبط لاوي ، بينما يكاد الإجماع ينعقد على أنها كانت من نسل داود الملك ، وأن عبارة " من بيت داود " ( لو 1: 27) يمكن أن تكون وصفاً للعذراء أو ليوسف ، كما أن الملاك يقول للعذراء إن المولود منها " يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه " ( لو 1: 32 ) .
ويقول زكريا الكاهن : " أقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه " ( لو 1: 69). وإطلاق لقب " ابن داود " في مواضع كثيرة على الرب يسوع ( مت 9: 27 ،15: 22 ،20: 30 و31 ، مرقس 10: 47 و48 ) يتضمن أنه سواء من جانب أمه أو من جانب يوسف ، كان الرب يسوع من نسل داود . وقد جاء في النسخة السريانية لإنجيل لوقا - التي وجدت في دير سانت كاترين في سيناء – لأن كليهما ( مريم ويوسف ) كانا من بيت داود " ( لو 2: 4). ويرى الكثيرون أن لوقا يعطينا في الأصحاح الثالث سلسلة نسب مريم ( لو 3: 23-38) . ويذكر إنجيل يعقوب الأوَّلى ( وهو إنجيل أبوكريفي ) أن والديها يواقيم من الناصرة ، و حنة من بيت لحم . ولا يذكر في الكتاب المقدس من أقربائها سوى أختها ( يو 19: 25). وبالمقارنة بين مرقس 15: 40 ، مت 27: 56 ، يكاد يكون من المؤكد أن أختها هذه كانت سالومة أم ابني زبدي ، وفي هذه الحالة يكون يعقوب ويوحنا ابني خالة للرب يسوع .
2) الخطبة: تربت مريم في الناصرة ، والأرجح أنها كانت في العقد الثاني من عمرها عندما خطبت . وفي كتاب " تاريخ يوسف النجار " ( من القرن الرابع ) يقال إنها كانت بنت اثنتي عشرة سنة عندما خطبت ليوسف ، الذي كان أرمل في التسعين من العمر ، وصاحب عائلة كبيرة . أما القصة الكتابية فتفترض أنه كان شاباً يشرع في الزواج لأول مرة .
3) البشارة: ( لو 1: 26-38) . في أثناء فترة الخطبة ، ظهر الملاك جبرائيل ، وحياها بالقول : " سلام لك أيتها المنعم عليها .. الرب معك " . فهي ليست مصدر النعمة تستطيع أن تمنحها لآخرين ، بل هي نفسها قد نالت نعمة من الرب . فاضطربت مريم من كلامه ، فقال لها الملاك : " لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله . وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع . هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه . ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية ".
وقد سألت مريم السؤال المنطقي : " كيف كون هذا وأنا لست أعرف رجلاً ؟ " . ولم يكن هذا عن شك أو عدم إيمان بالرسالة كما فعل زكريا أبو يوحنا المعمدان ( لو 1: 18) ، بل انتابتها الحيرة عن كيفية إتمام ذلك . فأجابها الملاك: "الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك، يدعى ابن الله" . وهو قاطع بحبل مريم العذراوي.
وأردف الملاك بالقول : " هوذا أليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها ، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً ، لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله " ( لو 1: 36 و 37) ، فأجابت مريم بكلمات تدل على مدى وداعتها واتضاعها وإيمانها وخضوعها للرب : " هوذا أنا أمة الرب . ليكن لي كقولك " ( لو 1: 38) .
4) زيارتها لأليصابات ( لو 1: 39-56): بعد أن مضى من عندها الملاك ببضعة أيام ، ذهبت مريم لزيارة منزل زكريا واليصابات . ويكتفي لوقا بالقول إنها " ذهبت بسرعة إلى الجبال ، إلى مدينة يهوذا " ، ولكن يقول التقليد إن بيت زكريا كان في قرية " عين كارم " التي تبعد خمسة أميال إلى الغرب من أورشليم . وإذا صح ذلك ، فإن مريم تكون قد قطعت ما يزيد عن ثمانين ميلاً من الناصرة .
وعندما دخلت البيت وسلَّمت على أليصابات ، فوجئت بقول أليصابات : " مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلىَّ ؟ " . قالت أليصابات ذلك لأن الجنين ارتكض بابتهاج في بطنها حالما سمعت سلام مريم ، كما أنها" أمتلأت من الروح القدس " ، وأضافت : " طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب " . فترنمت مريم بأنشودتها العذبة تعظيماً للرب وابتهاجاً " الله مخلصها ". ونرى في الترنيمة عمق معرفة مريم بكلمة الله ، إذ فيها الكثير من روح المزامير وترنيمة حنة أم صموئيل ( 1 صم 2: 1 – 10) . ومكثت مريم عند أليصابات نحو ثلاثة أشهر ثم رجعت إلى بيتها في الناصرة .
5) قصص طفولة يسوع: وبعد عودتها إلى الناصرة بقليل ، " وجُدت ( مريم ) حبلى من الروح القدس " ، ويوسف رجلها إذ كان باراً ، ولم يشأ أن يُشهرها ، أراد تخليتها سراً دون أن يعرضها للعار ، بل وللرجم . " ولكن فيما هو متفكر في الأمور ، إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً : " يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك ، لأن الذي حُبل به فيها من الروح القدس " (مت1: 18- 20) ، وطلب منه ما سبق أن طلبه من مريم ، أن يسمي الطفل " يسوع " ( ومعناه " يهوه خلاص " ) " لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " ( مت 1: 21) . وحالما " أستيقظ يوسف من النوم ، فعل كما أمره ملاك الرب ، وأخذ امرأته . ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر " ( مت 1: 24 و 25).
ومن قصة متى وحدها ، قد يتبادر إلى الذهن أن بيت لحم كانت مقر إقامة يوسف ومريم ، ولكن لوقا يشرح لنا سبب ذهابها إلى بيت لحم ، فقد أصدر أوغسطس قيصر أمراً " بأن يكتتب كل المسكونة " . وقد اتهم بعض النقاد لوقا بعدم الدقة ، على أساس أن التاريخ لم يذكر أن تعداداً حدث في وقت ولادة المسيح، وأن الأمر لم يكن يستوجب أن يقطع الإنسان نحو ثمانين ميلاً لكي يملأ بطاقة التعداد . ولكن الاكتشافات الأثرية أثبتت دقة لوقا.
ولا شك في أنه بسبب ازدحام مدينة بيت لحم بالقادمين من أجل التعداد ، امتلأت فنادقها بهم ، حتى لم يكن لمريم ويوسف " موضع في المنزل " ، فاضطرت مريم أن تُضجع الطفل في " مذود " ، ربما في كهف قريب ( كما تذكر بعض الأناجيل الأبوكريفية ).
وفي الحقول ، كانت جماعة من الرعاة يحرسون حراسات الليل على رعيتهم . وكانت هذه القطعان توجد دائماً قريبة من منطقة أورشليم لإمكان تقديم الذبائح في الهيكل في أورشليم ، الذي لم يكن يبعد عنهم بأكثر من ستة أميال . وظهر ملاك الرب للرعاة وبشرهم بولادة المسيح المخلص ، فأسرعوا إلى بيت لحم ووجدوا الطفل مقمطاً مضجعاً في مذود ، كما قال لهم الملائكة ، ورووا ما شاهدوه وما سمعوه . " أما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها " ( لو 2: 19) .
ولا يذكر لنا متى كم من الوقت كان قد مضى بعد مولد الرب يسوع ، عندما جاء المجوس من الشرق ، يقودهم النجم الذي رأوه في المشرق ، بحثاً عن المولود ملك اليهود . فلما سمع هيرودس أخبارهم ، اضطرب . وعندما تحقق من رؤساء الكهنة والكتبة أنه يولد في بيت لحم بناء على نبوة ميخا النبي ( مي5: 2)، فاستدعى المجوس وأرسلهم إلى بيت لحم لاستقصاء الأمر ، والعودة إليه . وكانت العائلة المقدسة قد انتقلت إلى بيت ، فجاء إليه المجوس " ورأوا الصبي معي مريم أمه ، فخروا وسجدوا له " . ثم " قدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومراً . ثم إذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس ، انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم " (مت 2: 1-12).
وفي اليوم الثامن تم ختان الصبي حسب الناموس " وسمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن " ( لو 2: 21).
ولما كملت الأربعون يوماً لتطهيرها حسب الشريعة ، صعدوا إلى أورشليم ليقدموه للرب ، وقدموا ذبيحة زوج يمام أو فرخي حمام ، وهي الذبيحة التي كان يقدمها الفقراء " الذين لم تنل يدهم كفاية لشاة " ( لا 12: 2-8 ، لو 2: 22-24).
6)الحياة في الناصرة والرحلة إلى أورشليم: يقول لوقا : " وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة ، وكانت نعمة الله عليه " ( لو 2: 40) ، فقد كان البيت بيتاً يهودياً يتميز – بلا شك –بالتقوى واللهج في كلمة الله. وكانت الأسرة تذهب كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح ، وفي إحدى هذه الزيارات السنوية ، عندما كان الصبي في الثانية عشرة من عمره ، تخلف الصبي عن العودة مع يوسف وأمه ، " وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم . وكل الذين سمعوه بُهتوا من فهمه وأجوبته . فلما أبصراه ( مريم ويوسف ) اندهشا ، وقالت له أمه : " يا بني لماذا فعلت بنا هكذا ؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين " . فقال لهما : " لماذا كنتما تطلباني ، ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي ؟ " فلم يفهما ما قال . " ثم نزل معهما إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما . وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها " ( لو 2: 41-52).
7) الأحداث في أثناء خدمة المسيح : كانت مريم أمه موجودة في عرس قانا الجليل الذي دعى إليه أيضاً يسوع وتلاميذه. ويبدو أنها كانت مسئولة – ولو إلى حد ما – عن الإشراف على الخدمة ، إذ يبدو أن أصحاب العرس كانوا من الأقرباء المقربين. وعندما فرغت الخمر ، قالت له أمه : " ليس لهم خمر " . ولا شك في أنها كانت قد بدأت
تدرك – إلى حد ما – حقيقته، فكانت تتوقع أن يفعل شيئاً لإنقاذ الموقف ، ولإشهار حقيقيته. ومن هنا جاء قوله لها : " لم تأت ساعتي بعد " . ( يو2: 1-5 ).
8) عند الصليب : يذكر يوحنا الحبيب أن مريم أم يسوع كانت بين الواقفات عند الصليب ، " ولما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً ، قال لأمه : يا امرأة هوذا ابنك .ثم قال للتلميذ : هوذا أمك ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته " ( يو 19: 25- 27). وتقول بعض التقاليد إنها عاشت بقية أيامها مع يوحنا سواء في أورشليم ، أو رافقته إلى أفسس .
9) بعد القيامة : لا تذكر الأناجيل شيئاً عنها بعد ذلك ، ولكن لوقا يذكر في سفر أعمال الرسل إنه بعد قيامة المسيح وصعوده إلى السماء ، ورجع التلاميذ من جبل الزيتون إلى أورشليم وصعدوا إلى العلية التي كانوا يقيمون فيها ، " وكانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته " ( أع 1: 12-14 ) في انتظار تحقيق وعد الرب بإرسال الروح القدس ، وهو ما تم في يوم الخمسين. ولا يذكر الكتاب المقدس شيئاً عنها بعد هذا.
إن جميع المسيحيين ، بل والكثيرين من غير المسيحين يطوبونها لأنها أم يسوع ، وهي بلا شك تستحق ذلك فجميع الأجيال تطوبها ( لوقا 1: 48 ).