ذكرت في معرض بحر الرَّمَل شيئًا عن الإفلاس مع بيت من الشِّعْـر. وفي ودِّي ذِكر أشياء أخرى عنه وعن مفهومه المرتبط بالصّفر. والصّفر في لسان العرب- بضمّ الصّاد والفتح والخفض: (الشيء الخالي. ج: أصفار. يقال: بيتٌ صَفِرَ من المَتاع- المال والأثاث- أي خلا. ورجُلٌ صِفْرُ الـيَدَيْن. وأَصْفَرَ الرجُل فهو مُصْفِر، أي افتقر. وأصفَرَ البيتَ: أَخلاه) ... إلخ. وللصّفر كعدد صحيح مكانة في الرياضيّات وفي الفيزياء ما يسهل الوصول إليه في ويكيپـيديا. وقد يَستاء تلميذ المدرسة من حصوله على الصفر عقب الإمتحان بمادة ما، أي لا شيء استحقّ التلميذ لقاء تعبه من دراسة تلك المادة وإِنْ تعب، لكن الصّفر لا يعني معاناة التلميذ من جهل مطلق، كما أن الدرجة 100% لا تعني وجود علم مطلق بالمادة لدى تلميذ آخر مجتهد. ذلك على افتراض وجود قانون مُوحَّد لتقسيم الدرجات الإمتحانية صادر من وزارة التعليم. فلا يجب تقسيمها وفقًا لمِزاج المُعَلِّم! لأنّ هذا المزاج يضرّ برغبة التلميذ في العِلم والتعلُّم أي بطموحه ومستقبله وتاليًا بصحّة العمليّتين التعليمية والتربوية، مثلما يضرّ ناخبٌ جاهلٌ ببلده؛ قال الرئيس الأميركي الأسبق جون كندي أنّ (جَهْل ناخب واحد في نظام ديمقراطي يضرّ بأمن المجتمع كلِّه) ولا مجال هنا للتوسّع في مواضيع التربية والتعليم
ومِن أقوال الأديب المصري توفيق الحكيم: (لا يوجد إنسان ضعيف، لكن يوجد إنسان يجهل في نفسِهِ موطن القوة) أمّا في الحياة العامّة فليس عيبًا نزول رصيد المواطن المصرفي إلى الصّفر. هذا ما حصل لي؛ تارة خلال الأسبوع الأوّل من الشهر وتارات خلال أسبوعه الأخير، لكنّي شكرت الله على أنّ الرّصيد لم ينزل يومًا إلى ما تحت الصّفر ولم أفتح عينيّ صباحًا لأجد حالي مَدينًا لأحد. فما أروع قول المُغنِّي الأميركي المعاصر عازف الگـيتار غارث بروكس: (لستَ غنيًّا إلّـا إذا كنت تملك شيئًا لا يمكن شراؤه بالمال) لذا وذاك ما بات صِفر المصرف يهمّني بشيء. والصّفر ليس أدنى الدرجات، كما يُظَنّ، إنما هو نقطة انطلاق جديدة
ومِن الأمثلة على نقطة البداية والإنطلاق؛ قيام المحتفلين والمحتفلات في ليلة رأس العام الميلاديّ الجديد بعَـدِّ الثواني العشر الأخيرة بفرح ابتداءً بالرقم 10 فنزولًـا إلى الصفر قُبَيل إطلاق الألعاب النارية في فضاء المدينة للإشارة بها إلى بدء عام جديد. كذلك حصل في بطولة أمم أوروبا الأخيرة بكرة القدم قُبَيل بدء المباراة الأولى وسائر المباريات؛ كم من الجهود بُذِلتْ للوصول إلى الصِّفر وكم من النقود صُرِفتْ، أمّا بَعْدَ الصّفر فكم حُقِّق من النجاح والأمل وكم تحتاج بطولة مثلها إلى التفكير والعمَل. لذا أقول هنيئًا لمن وَصَلَ بعِلمِه وعَمَلِهِ إلى هذا الصفر كي يبدأ بداية صحيحة في مجالات الحياة كافّة. فواقع كلّ من المناسبتَين المذكورتين أشار إلى حالة صعود إلى الصفر وليس نزولًـا إليه. وإلّـا فما معنى قول الشاعر نزار قبّاني- مِن بَحْر السَّريع
عشرون عامًا فوق دَرْبِ الهوى * ولا يزالُ الدَّربُ مجهولا
عشرون عامًا يا كتابَ الهوى * ولمْ أزَلْ في الصَّفحةِ الأولى
وقد سبق لي فهْمُ حادثة رواها المفكِّر الفرنسي ألبير كامو بطريقة فهمي البيت السابق؛ حاول بطل روايته عشرين سنة (إذا أسعفتني الذاكرة) الفوز بقلب محبوبته فلمّا حظِيَ به فتزوَّجا، دام الزواج فترة قصيرة. سألتهُ عن سبب تخلِّيهِ عنها فأجاب: حالة ضَجَر. عشرين سنة؟ نعمْ. والآن؟ اٌنتهتِ الحالة. عِلمًا أن كامو من الشخصيّات التي أذهلتني في صِباي، حتى قرأت لهُ بالعربية أزيَدَ مِن عَمَلين (أعراس، السَّقطة، المقصلة، ...) فتأثَّرت بأسلوبه في الكتابة. وكم تمنّيت لو سمح لي الوقت بقراءة أعماله كلِّها
أمّا بعد فإنّ هَضْمَ بحور الشعر هو الصَّخرة التي يبني الشاعـر الواعـد والشاعرة طموحهما المشروع عليها لينشدا النجاح في المستقبل، بعد إتقان الإملاء وقواعد اللغة ودراسة أساليب نظم مئات القصائد العمودية ابتداءً بزمان المُعَلَّقات العشر. فما يؤسِفني اليوم هو قراءة محاولات، شعرية ونثرية، مليئة بغلط إملائيّ وآخَر نحويّ، سبق لي الكتابة عنهما قبل عرض هذه السلسلة. وقد سبقني الشاعر والأستاذ إبراهيم طوقان إلى إظهار الأسَف بمعارضته قصيدة “المُعَلِّم” للشاعر أحمد شوقي- من بحر الكامل
شوقي يقولُ وما درى بمصيبتي * (قمْ للمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبجيلا) ت
لو جَرَّبَ التعليمَ شوقي ساعة * لقضى الحياة شقاوةً وخُمُولا
لكنْ أصَلِّحُ غلطةً نحويَّةً * مثـلًـا وأتَّخِذ الكتابَ دليلا
وأكادُ أبعَـثُ سِيبَويهِ مِن البلى * وذويهِ مِن أهل القرون الأُولى
فأرى حِمارًا بَعْـَد ذلكَ كُلِّهِ * رَفَعَ المُضافَ إليهِ والمفعـولا
ت= تضمين. فكلّ شطر (أو بيت تام) وُضِعَ بين قوسَين يُقصَد به أنهُ لشاعر آخر، قد احتاج الشاعر إليه ضمن قصيدته لغاية ما. وقد أشرت مسبّقًا إلى التضمين في معرض بحر البسيط وتحديدًا مشطور البسيط
وقد سُمِّيَ الكاتبُ شاعِرًا في «لسان العرب» لفِطْنَتِه! ولا نجاحَ يُرجى من كتابة الفوضى التي نسَبْتُها، في معرض بحر الهَزَج، إلى بَحْر الخُزَعْـبَلات. فإذا كتبَ مُتشاعِـر مئة محاولة- بالفصحى- معتمِدًا القوافي فقط وحصل على مئة علامة “لايك” فيسبوكيَّة عن كلّ منها فاٌستحقاقها عندي دون الصِّفر؛ لأنّه بنى أملًـا على أساس مِن الرَّمْل، ساكبًا مشاعره في قناة ليست من القنوات الأكاديميّة ومحاولاته لا تصلح سوى أمثلة على هبوط الشعر إلى أدنى مستوى له- منذ الفترة المُظلمة التي أعقبت احتلال هولاكو بغداد. وقد يُشبه المتشاعر تلميذًا حاول حلّ مُعادلة رياضيّة لكنّه أخطأ من الخطوة الأولى فاٌستحقّ صفرًا بالقلم الأحمر والخطّ العريض
* * * *
تاسِعًا: بَحْرُ السَّرِيع
ينضمّ السَّريع إلى مجموعة البحور البسيطة نظمًا والشائعة استعمالًـا. أمّا وزنه
مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ مَفعولاتُ- مرّتين- لكنّه يُستعمل كالتالي
مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ فاعِلُنْ * مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ فاعِلُنْ
وقد اٌستُحسِن في مُستفعِلُنْ الخَبْنُ مفاعِلُنْ والطّيّ مُفتعِلُنْ، لكنّ الخَبْلَ مَفَعِلُنْ (أو فَعِلَتُنْ) المقبولَ بعض الشَّيء في الرَّجَز غيرُ مُستحَبّ في السَّريع. أمّا مَفعولاتُ فقد اٌشتُقَّ منها الصَّلْمُ مَفْعُوْ= فعْلُنْ- بفتح الفاء أو خفضه- والكَشْفُ مَفْعُوْلا= مَفْعُوْلُنْ والوَقْفُ مَفعولاتْ- بإسكان التاء. فتمّ الحصول على عَروضَين؛ الأولى مكشوفة مطويّة فاعِـلُنْ ولها ثلاثة أضرُب: فاعِـلُنْ مثلها، فاعِلانْ، فَعْلُنْ
أمّا العَروض الثانية فَعِلُنْ (بخفض العين) فغير لائقة بهذا البحر- في رأيي- وإن ابتدعها مؤلِّف “العقد الفريد” ج5\3 في الأندلس أو نقلها؛ بل مُسيئة إلى عَرُوض السَّريع المشهورة {فاعِلُنْ} التي تغنّى بها شعراء من الطبقة الأولى. وقد وضع المؤلِّف لـ فَعِلُنْ ضربَين؛ الأوّل مثلها والآخَرُ أصْلَمُ فعْلُنْ- بإسكان العين. كما ابتدع غيرها في السريع وغيره، ما أدّى إلى صعوبة هضم جوازات البحور لدى هواة الشعر
أوّلًـا؛ العروض الأولى فاعِلُنْ وضربُها الأوَّل فاعِلانْ، اي
مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ فاعِلُنْ * مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ فاعِلاْنْ
الداهية- المُهَلهِل؛ ت ٥۳۱ م
وهو خال اٌمرئ القيس
جارتْ بنو بَكْرٍ ولمْ يَعْدِلوا * والمرءُ قد يعرفُ قصْدَ الطَّريقْ
جارتْبَنُوْ- بَكْرِنْوَلمْ- يَعْدِلُوْ * وَلْمَرْؤقدْ- يَعْرِفُقَصْ- دَطْطَرِيْقْ
مُستفعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فاعِلُنْ * مُستفعِلُنْ- مُفتَعِلُنْ- فاْعِلاْنْ
حلّتْ رِكابُ البَغْيِ في وائلٍ * في رَهْطِ جَسّاسٍ ثِقالِ الوُسُوقْ
يا أيّها الجاني على قومِهِ * جنايةً ليس لها بالمُطِيقْ
جنايةً لمْ يَدْرِ ما كُنهُها * جانٍ ولم يُصبحْ لها بالخلِيقْ
كقاذِفٍ يومًا بإجرامِهِ * في هُوَّةٍ ليس لها مِن طريقْ... إلخ
سُمِّيَت هذه القصيدة بالداهية وهي إحدى القصائد السّبْع المعروفة عند العرب بالمنتقيات. قالها المهلهل في أعقاب مقتل أخيه كُليب. وقد عثرتُ منها على سبعة وثلاثين بيتًا في كتاب «شعراء النصرانيّة» للأب لويس شيخو اليسوعي ج 1 ص 172 وفي مناسبة الحديث عن الإفلاس قلت: كفى ادّعاءً بأنّ (الشعر الجاهلي منحول) من حُجَّة واهية أطلقها د. طه حسين، رحمه الله وغفر له، في كتابه «في الشعر الجاهلي» في وقت كان يتغنّى في «حديث الأربعاء» بقصائد شعراء “جاهِليِّين” ساعة بمُعلَّقة زهير بن أبي سُلمى وساعتين بمُعلَّقة لبيد بن ربيعة ورابعة بمُعلَّقة طرفة بن العبد. فلا مصلحة لأحد في نحْل قصيدة للمهلهل وأخرى لاٌمرئ القيس وثالثة للأعشى قيس، بدون أن يصِلنا شيء عن اٌسمه ونسبه وأسلوبه وغايته
- - -
ابن الرومي؛ ت 283 هـ
شاعر عباسي رُومِيّ الأصل وُلد في بغداد، مِن طبقة بَشّار بن بُرْد والمتنبي
ظَبْيُكَ يا ذا حَسَنٌ وَجْهُهُ * وما سِوى ذاك جميعًا يُعابْ
فاٌفهَمْ كلامي يا أبا مالكٍ * لا يُشبهُ العنوان ما في الكتابْ
- - -
ابن دُرَيْد؛ ت 321 هـ/ 933 م
قال البيتين التاليين في هجاء مُعاصره الأديب نِفْطَوَيْه
أُفٍّ على النحو وأربابهِ * قد صار مِن أربابهِ نِفطوَيْهْ
أحْرَقهُ الله بنصْفِ اٌسْمِهِ * وصَيَّرَ الباقي صُراخًا عَلـيْهْ
لكنّ ابن دريد أديبٌ من البصرة؛ قيلَ عنه في كتاب ما: (أعلم الشعراء وأشعر العلماء)- ويكيبيديا وقد ورد فيها أيضًا: (تخرَّجَ على يديه كثير من العلماء والأدباء، منهم أبو الفرج الأصفهاني وأبو الحسن المسعودي مؤلِّف "مروج الذهب" وأبو علي القالي مؤلف "الأمالي"...) فكيف صدر عنه ما صدر في حقّ أديب مثله؟ عِلمًا أنّ نِفْطَوَيْه مِن أئِمَّة النحو ت 323 هـ/ 935 م؛ قال عنه أبو منصور الثعالبي: (كان عالمًا بالعربية واللغة والحديث وكان من طهارة الأخلاق وحسن المُجالسة والصّدق فيما يروي، على حال ما شاهدت عليها أحدًا)- ويكيبيديا. ولم يصِلني من سيرة نفطويه أنه هجا ابن دريد ولا ردّ على هجائه! لذا خَطَرَ في ذهني الآن قولٌ للأديب عبّاس محمود العَـقَّاد: (ليس الحاسدُ مَن يطمع في أن يساويك بأن يرقى إليك، بل الذي يريد أن تساويه بأن تنزل إليه!) انتهى. وخطر أيضًا ردّ على ابن دُرَيد- بالنيابة عن نفطويه
لو عَلِمَ الحُسّادُ قدْرِي اٌلّذي * مَيَّزهُ النُّحَاةُ في سِيْبَوَيْهْ
لَمَا تخطَّى اٌبنُ دُرَيْدَ اٌلمَدَى * فاٌنطلقَ الهِجاءُ منهُ إِلـيْهْ
يُدعى هذا الفنّ بالمعارضة، قُوبِلَ هنا بيتان ببيتين من وزنهما وقافيتهما بالضبط. ولا يُشتَرَط في المعارضة الإتيان بعدد مساوٍ من الأبيات، إنَّما في الإمكان معارضة قصيدة ذات سبعة أبيات بأخرى ذات عشرين بيتًا فأزْيَدَ والعكس صحيح أيضًا
* * *
ثانيًـا؛ العروض الأولى فاعِلُنْ وضربُها الثاني فاعِلنْ مثلها، اي
مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ فاعِلُنْ * مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ فاعِلُنْ
امرؤ القيس
يا دارَ ماويّةَ بالحائلِ * فالسَّهْبِ فالخبْتَينِ مِن عاقلِ
صَمَّ صداها وعـفا رَسْمُها * واٌسْتعجَمَتْ عن منطق السّائلِ
صَمْمَصَدَا- هَاْوَعَـفا- رَسْمُها * وَسْتعْجَمَتْ- عَنْمَنْطِقِسْ- سائلِي
مُفتَعِلُنْ- مُفتَعِلُنْ- فاعِلُنْ * مُستفعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فاعِلُنْ
حَلَّتْ لِيَ الخمرُ وكنتُ اٌمْرَءً * عَنْ شُرْبها في شُغُلٍ شاغِلِ
فاليومَ أُسقى غيرَ مُستحقِبٍ * إثمًا مِن الله ولا واغِـلِ
الحائل وما بعده: أسماء لأماكن. حَلَّتْ لِيَ الخمرُ... قال السيد المسيح: {ليس ما يدخل الفم يُنجِّس الانسان. بل ما يخرج من الفم هذا يُنجِّس الانسان}- مَتّى 11:15 وقال الوحي الإلهي بلسان بولس الرسول: {ولا تسْكَروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل اٌمتلِئوا بالرّوح}- أفسس 18:5 مُستحقِب: مُحتمِل. واغـل: آثِم. الخمر مؤنّثة، جاز تذكيرُها
- - -
أبو نؤاس
ما مِثْلُ هذا اليومِ في طِيْبهِ * عُطِّلَ مِن لهْوٍ ولا ضُيِّعا
فما نرى فيهِ وما ذا الذي * تُحِبُّ في ذا اليومِ أنْ نصنعا؟
هلْ لكَ أنْ تغدو على قهوةٍ * تُسْرِعُ في المرءِ إذا أسرعا؟
ما وجَدَ الناسُ ولا جرَّبوا * للهَمِّ شيئًا مِثلَها مَدفَعا
* * *
ثالثًـا؛ العروض الأولى فاعِلُنْ وضربُها الثالث فعْلُنْ، اي
مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ فاعِلُنْ * مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ فعْلُنْ
بَشّار بْنُ بُرْد؛ قال في محبوبتِهِ عَـبْدَة
أنّى دعاهُ الشّوقُ فاٌرتاحا * مِن بعد ما أصبحَ جَمّاحا
ذكَّرَهُ عَهْدَ الصِّبى صاحبٌ * كان لهُ إذّاكَ مفتاحا
ذكْكَرَهُوْ- عَهْدَصْصِبا- صاحِبُنْ * كانَلَهُوْ- إذْذاكَمِفْ- تاحا
مُفْتَعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فاعِلُنْ * مُفْتَعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فعْلُنْ
أيّامَ عبّادةُ مِنْ شأنِهِ * إنْ لمْ يزُرْها باكِرًا راحا
فالقلبُ مَشعوفٌ بما قد مضى * يَلقى مِن الأحزانِ أتراحا
وكيفَ لا يصبو إلى غادةٍ * تكفيكَ في الظَّلماءِ مِصباحا
- - -
عِلمًا أنّ العَروض والضّرب في بَيتَي الشاعر نزار قبّاني المذكورَين من هذا الطِّراز
- - -
عباس بن الأحنف، قال في محبوبتِهِ فوز
يا فَوْزُ يا مُنْيَة عبّاسِ * قلبيَ يفدي قلبَكِ القاسي
أسأتُ إذ أحسنْتُ ظنِّيْ بكُمْ * والحَزْمُ سوءُ الظنِّ بالناسِ
يُقلقني شوقي فآتِيكُمُ * والقلبُ مملوءٌ مِن الياسِ
* * *
رابعًا؛ مِثالًـا (من الكاتب) على العَروض الثانية فَعِلُنْ التي ضَرْبُها مثلها، أي
مُستفعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فَعِلُنْ * مُستفعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فَعِلُنْ
أخْجَلَها أنِّي أغازلُها * ومنتهى الحُبِّ أبادِلُها
قالتْ ألا تمَلُّ مِن غَزَلٍ * وقولةٍ قد ماتَ قائلُها؟
قالتْألـا- تَمَلْلُمِنْ- غَزَلِنْ * وقَوْلَتِنْ- قدْماتَـقا- إِلُهَا
مُستفعِلُنْ- مَفاعِلُنْ- فَعِلُنْ * مَفاعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فَعِلُنْ
قلتُ اٌطلُبي ما شِئتِ يا كَبِدي * لديَّ أفعالٌ تُقابِلُها
* * *
خامسًا؛ مِثالًـا على العَروض الثانية فَعِلُنْ التي ضربها فعْلُنْ، أي
مُستفعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فَعِلُنْ * مُستفعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فَعْلُنْ
إلى النسم- سعيد عقل؛ من ديوانه م 4 ص 210
لبناني معاصر (زحلة 1912 م) من أبرز شعراء العربيّة حاليًّا؛ لُقِّب بالشاعر الصغير لأنه نظم الشعر في صباه وتميّز شعره بالتجديد¤ عَمِلَ في التعليم والصّحافة
لا أَنَا... أنتَ اٌحْمِلهُما واٌمْضِ * عَينيَّ وَسْطَ الشَّجَرِ الغَضِّ
يا نَسَمًا مَرَّ على شَعَرِي * فهَدَّني بَعْضًا على بَعْضِ
يا نَسَمَنْ- مَرْرَعَلا- شَعَرِي * فهَدْدَنِي- بَعْضَنْعَلا- بَعْضِي
مُفْتَعِلُنْ- مُفْتَعِلُنْ- فَعِلُنْ * مَفاعِلُنْ- مُستفعِلُنْ- فَعْلُنْ
وقال أنْ في الأرضِ لي سَفَرٌ * كيفَ وبيْ قد سافرَتْ أرضي؟
فالشاعر سعيد عقل وكاتب المقالة قد أتقنا عِلم العروض وسهل عليهما فهم الإبداع المذكور في “العقد الفريد” لكنْ ليس كلّ إبداع مُفيدًا والذوق الذي فيه رفيعًا. عِلمًا أنّ كلّ بحر قابل للتوسّع وباب الإبداع فيه مفتوح، لكني اعتدت على ذِكر المشهور من كلّ بحر، ما تذوّقه أرقى الشعراء والشاعرات في تاريخ الشعر العربي، مُنوِّهًا بشيوع عروض ما وما قابلها من ضروب- في هذا البحر وذاك- ونوَّهت بالنَّدرة
* * *
الضَّربَان فَعِلُنْ وفَعْلُنْ مَعًا في قطعة قديمة
والجديرُ ذِكرُه هو ورود الضَّربَين معًا مختلطَين في قطعة واحدة منسوبة للشاعر اٌمرئ القيس، ما يُعتبر شاذًّا عن القاعدة وما يجب تجنّبُهُ في القصيدة العموديّة. أمّا في القصيدة الحديثة فجاز التنوّع بالقافية، كما جاز خلط الضروب بأناقة وبحسب ذوق الشاعر الذي أتقن الوزن. وهنا القطعة
أحللتُ رَحْلي في بَنِي ثُعَلٍ * إنَّ الكريمَ للكريمِ مَحَلْ
أحْللتُرَحْ- لِيْفِيبَنيْ- ثُعَلِنْ * إنْنَلْكري- مَلِلْكَرِيْ- مِمَحَلْ
مِمَحَلْ= فَعِلُنْ- الضرب الأوَّل
وَجَدْتُ خيرَ الناس كُلِّهِمِ * جارًا وأوفاهُمْ أبا حَنبَلْ
وَجَدْتُخَيْ- رَنْناسِكُلْ- لِهِمِي * جارَنْوَأوْ- فاهُمْأَبا- حَنْبَلْ
أقربَهُمْ خيرًا وأبْعَدَهُمْ * شرًّا وأسْخاهُمْ فلا يَبْخَلْ
حَنْبَلْ، يَبْخَلْ= فَعْلُنْ- الضرب الثاني
* * *
السَّريع والشِّعْـر الحديث
يبدو أنّ روافد بحر السريع من الشِّعْـر الحديث قليلة العدد؛ منها بالتالي
وَجَدْتُها- فدوى طوقان
وَجَدْتُها في يوم صَحْوٍ جميل
وجدتها بعد ضياع طويل
جديدة التربة مخضوضرة
نديانة مُزهرة
وجدتها والشمس عبر النخيل
تنثر في الحدائق المعشبة
باقاتها المذهبة
. . .
وجدتها، يا عاصفاتُ اٌعصفي
وقنّعي بالسُّحْب وجه السَّما
ما شئت، يا أيامُ دُوري كما
قُدِّر لي، مشمسةً ضاحكة
أو جهمة حالكة
فإنَّ أنواريَ لا تنطفئ
وكلّ ما قد كان من ظلِّ
يمتد مسودًّا على عُمْري
يلفّهُ ليلاً على ليلِ
مضى، ثوى في هوّة الأمسِ
يومَ اٌهتدتْ نفسي الى نفسي
* * *
ماذا يقول النهر- نازك الملائكة
أغنية
قديمة، بنتُ ليال طِوال
غنّى أساها مرّة عاشق
والليلُ سكرانُ بكأس الجمال
مثقلة بالدفء، ما زال في
ألحانها بعض حنين الجمال
وخشعة الهودج تحت الدجى
ووقع أقدام الحُداة الثقال
. . .
تسبيحة
من بابل النشوى بعطر البخور
وموكب الكهّان في معبد
دجلة يطوي سرّه والصخور
وذكريات الليل والشمس عن
مدينة الشمس وراء العصور
وعن حَمُورابي وعن حُبِّهِ
وما طوى سِفْرُ الزمان الغدور
* * * * *