إن هذا سؤال هام يتسائله الكثير من الناس، لا سيما غير المسيحيين. ولكي نستطيع أن نجيب عليه بوضوح، يجب علينا أن نجيب على سؤال آخر قبله، وهو:
ما هو الإنجيل؟
ونبدأن أولاً في تعريف كلمة "إنجيل" من الناحية اللاهوتية:
إن كلمة "إنجيل"، بحسب ما ورد في العهد الجديد، لا تعني كتاب؛ بل تعني خبر مجيء المسيح المنتظر؛ مولده وحياته، تعاليمه وأعماله، صلبه وقيامته، وحتمية مجيئه في اليوم الآخر، لكي يدين الأموات والأحياء ويملك إلى الأبد هو وقدِّيسيه.
إن كتاب العهد الجديد الذي يحتوي على ٢٧ سفر، يبدأ فيما يسمى بالأناجيل الأربعة، والتي كتبت بوحي من الروح القدس. جميعه، أي الـ ٢٧ سفرًا، يسمى أيضًا بالإنجيل؛ فهكذا استخدم تلك الكلمة جميع الذين أوحي لهم بكتابته. فيقول بولس بوحي من الروح القدس في العهد الجديد: " اُذْكُرْ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ بِحَسَبِ إِنْجِيلِي" ٢ تيموثاوس ٢: ٨ (كذلك استخدم نفس الكلمة في رومية ٢: ٦ و١٦: ٢٥). فهذا لا يعني أنه يوجد إنجيل خامس كتبه بولس؛ بل يعتبر بولس أن جميع ما كتبه بوحي من الروح القدس في رسائله للكنيسة، تكلم عن بشارة الإنجيل التي علم بها اليهود والأمم لخلاصهم. وهذا ما فهمه جميع الرسل الموحى لهم بالإنجيل (أي بالعهد الجديد).
لذلك إن العهد الجديد شدد أيضًا على وحدانية الإنجيل؛ فيقول المسيح:
"..اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مرقس ١٦: ١٥)، ولم يقل المسيح "اكرزوا بالأناجيل". واستخدمت صيغة "كلمة الإنجيل"، اي خبر الإنجيل، للدلالة على العهد الجديد؛ مما يُثَبِّت ذلك المعنى عينه (كما في أعمال الرسل ١٥: ٧).
ولكي نوسع المعنى التطبيقي أكثر للإنجيل، إن الإنجيل يعلم أيضًا أنه ليس كتاب موحى به فقط؛ وإنه ليس خبر مجيء المسيح المخلص فحسب. لكنه تجسد شخصية المسيح في حياة الإنسان، وليس فقط تَعَلُّم كلمات كتاب موحى به. في يوحنا ١: ١-١٨، يعلم بأن كلمة الله الأزلي، تجسد، وصار بشرًا، وحل ذلك البشر بيننا بشخص المسيح. ومشيئته هي أن يحل ذلك الشخص يسوع المسيح، في حياة أتباعه ويغير: مصيرهم، أهدافهم، سلوكهم، وبلادهم؛ ويجعلهم على صورته في سلوكهم وحياتهم (راجع رومية ٨: ٢٩).
أما من جهة المعنى الحرفي للكلمة "إيفنجليون - إنجيل"، فهي تعني الخبر السار؛ لذلك تستخدم كلمة تبشير، لكل من يحمل تلك الرسالة فقط، لأنها تتكلم عن خبر وبُشرى سارة. سمي خبر مجيء المسيح وعمله خبرًا سارًا، لأنه بخلاف جميع الديانات والمذاهب، قد دفع المسيح ديْن ذنوب الإنسان، الذي لا يستطيع أن يدفعه بأعماله؛ وقدم له الحياة الأبدية في الجنة بشكل مجاني، بإنعام الله. وحرر الإنسان من عبئ ذنوبه وخطاياه؛ وخوفه من الموت والعذاب؛ لأنه أعطاه حياة أبدية مضمونه معه في الجنة. وذلك بناءً على عمل الله لأجل الإنسان خلال يوم الأضحى العالمي، حينما قدم الله عن البشر ذبيحة المسيح على الصليب، للتكفير عن خطاياهم. لكي لا يكون عندهم أي عذر لعدم التوبة والرجوع إليه. فبعدما أخطأ آدم وغوى، لم يُعده الله للجنة كما نعلم؛ وأيضًا دخل الموت على حياة آدم، فلم يعد فيما بعد خالد من الموت كما كان. فالإنخيل هو عمل الله بواسطة مُخَلِّص الإنسان يسوع المسيح، حيث استرد أهم عطية أعطاها الله للإنسان قبل أن ينفصل عن الله بسبب خطاياه - وهي عطية الطُهر والحياة. فانتصر المسيح على أهم مشكلتين ابتلى فيهم آدم البشر، وهما الخطية والموت. لذلك بعدما افتدى المسيح البشر بدمه، بُعث حيًا من القبر والموت، بقيامته. فلأن المسيح كان خالٍ من أي خطية؛ من الكبائر والصغائر؛ قبل البعثة وبعدها؛ انتصر على الموت بقيامته، فقال لأتباعه: "... إني أنا حيٌّ فأنتم ستحيون." (يوحنا ١٤: ١٩).
لماذا يوجد أربعة كتب للإناجيل؟
إن الوحي أوحى بأربعة كتب أناجيل، بالرغم من التشابه في بعض الأحداث، لكي ينقل في كل واحد منها هدفًا معينًا:
بشارة متى، كتبت لإبراز أن يسوع هو المسيح المنتظر، بحسب جميع النبوات التي وردت عنه في كتاب العهد القديم، بمئات السنين قبل مجيئه. ومتى يبرز أيضًا أن يوحنا المعمدان هو خاتمة الأنبياء والمرسلين، حيث به انتهت رسالة الأنبياء؛ وأما بالمسيح، فبدأ دهر جديد يسمى الدهر الأخير، الذي سيسبق يوم الرب العظيم - اليوم الآخر. ومرقس جاء ليبرز شخصية المسيح الفريدة كخادم، أتى ليس ليتعظم على الناس، بل ليخدم البشر. أما لوقا، فكتب لكي يبرز طبيعة المسيح البشرية؛ لذلك نجد هناك قصة بشارة الملاك لمريم؛ حياته كطفل؛ بعض التفاصيل عن ولادة قريبه يوحنا المعمدان؛ وغيرها. أما بشارة يوحنا، فكتبت لكي تبرز السبب الذي كان يجب على المسيح أن يموت لأجله، عن كيفية العلاقة بينه وبين الله الآب. مبرزًا شخص المسيح كإبن الله، والتي تعني أنه أقنوم لا يمكن فصله عن الذات الإلهية، كأقنوم الابن الذي كان في حضن الآب منذ الأزل. وفي نفس الوقت، أبرز إخلائه لذاته كإنسان كيف كان خاضعًا لله الآب في جميع أعماله وأقواله. وبهذا أبرز أنه هو النبي الذي تنبأ عنه موسى في تثنية ١٨: ١٥؛ وكيف جاء لكي يكمل ناموس موسى؛ عن طريق إرجاع محبة الله لهذا الكون الساقط؛ وبهذا أرجع المجد الإلهي للبشر من جديد، المتمثل بالحياة والطهر والمحبة.