(1 صم 9، 11: 13 – 21، 2 صم 1، 21: 1 – 9)
يستعرض تاريخ الملك شاول مأساة نفس عظيمة وموهوبة، لأنه كان ملكًا شجاعًا وموهوبًا. وكان نبيل النفس في العديد من المواقف، ومع ذلك فقد كانت نفسه معذبة بالأرواح الشريرة، نفس زجّت بنفسها في معركة انتحارية في معركة خاسرة، من بين كل الابداعات العظيمة للشعر اليوناني، لا يوجد شخص واحد تم تصويره نابضا بالحياة كشاول كما نراه أمامنا في سجلات إسرائيل الموحى بها.
إن شاول بن قيس، كان يمثل سبط بنيامين غير ذي الأهمية، مثل سميه في العهد الجديد (أع 7: 58، في 3: 5): ولذا فان شاول أهم اسم متميز في سلسلة أنساب سبط بنيامين. إن شاول العهد القديم أصبح ملكًا حسب قلب البشر، كما أصبح داود ملكًا حسب قلب الله (1 صم 13: 14، أع 13: 22)، ويرمز تاريخه لخطية اليهود ورفضهم، ولإقامة الله أبناء إبراهيم من بين الأمم (مت 3: 8 – 10).
إن الآمال التي كانت معقودة على حكم شاول، والمأساة التي اتسمت بها نهايته، تذكرنا بما كبث في رائعة شكسبير الخالدة، فمثل ما كبث، افتتح شاول حكمه بانتصار عظيم، ومثله أيضًا سقط تحت تأثيرات جهنمية، ومثله انحاز بمخاوف سببها الحقد واليأس والقتل.
كانت بداية حكم شاول واعدة بما فيه الكفاية، وكان الإسرائيليون كشعب متضايق غير مكتف بأن يكون الله ملكًا عليهم، وصموئيل كالنبي القاضي لهم. لقد أرادوا أن يحكمهم ملك منظور كالشعوب الوثنية من حولهم، وباتخاذ شر أبناء صموئيل كذريعة، طلبوا من صموئيل أن يعطيهم ملكًا. ولما أدرك النبي الخطية الكامنة وراء طلب الشعب، وبّخهم، ولكن الله تغاضى عن خطيتهم وسمح بتأسيس المملكة العبرية، معدًا الطريق بذلك، لمجيء وملكوت ابنه.
راق شاول في نظر الإسرائيليين الجسدانيين لقوة شخصيته، وأعطاهم الله إياه بغضبه (هو 13: 11). ولكن الشعب كان عليه أن يتعلم عن طريق الخبرة الفرق بين الملك الذي يختارونه (1 صم 8: 18، 12: 13)، والملك الذي في الوقت المعين، يرسله الله لهم (اش 52: 2، 3). ومنذ وقت تأسيس المملكة، عاقب الله الأمم بإعطائهم حكامًا من نفس النوع الذي يرغبونه في حماقة. « والسماء تعطي في معظم الأحيان ملوكًا للانتقام ».
كانت الصفات المناسبة التي تؤهل شاول للملك مثيرة للإعجاب، فلو كان قد ظل أمينًا لله، لاحتل مكانًا مرموقًا لنفسه في قائمة الملوك كملك قوي.
لقد كان طويل القامة ومن ذلك النوع من الناس الذي تلتفت إليه بإعجاب. ويصف الكتاب المقدس وسامته الفائقة (1 صم 9: 2).
كان متواضعًا (10: 22)، وكان يعرف كيف يكتم السر حتى يحين موعد الكلام (10: 16)، ولم يكن يعتبر أن ملكه يتعارض مع القيام بالأعمال المعتادة (11: 5). كان قائدًا شجاعًا فيما عدا في مناسبة لا تُنسى (17: 24) اكسبته أعماله الشجاعة مكانة عميقة في قلوب شعبه وثبتته في المملكة (9: 21).
كان يتصف بتلك الصفة المتميزة ألا وهي الوطنية الصادقة، وكانت لديه الغيره على شعبه، على الرغم أنها دائمًا غير مبنية على المعرفة (2 صم 21: 2، 9، رو 10: 2).
حارب بشدة لأجل الأمة، وبالرغم من الحروب الطويلة، ترك المملكة وهي وطيدة الأركان، أظهر شاول، في أيامه الأولى، تلك الفضيلة التي اتسم بها قيصر، من إظهار الشفقة والعطف نحو خصومه السياسيين (10: 27، 11: 12، 13، مز 72: 10).
رفض أن يكون قاسيًا بسبب صلاح الله (11: 13).
باركه الله في يوناثان الابن الشجاع الذي حول أن يمنعه من اضطهاد داود (20: 32) وقتله، كان الأب والابن محبوبين وحلوين في حياتهما ولم يفترقا في موتهما (2 صم 1: 23).
ومن الناحية الروحية، كان شاول أيضًا أهلا للمسئولية كأول ملك على إسرائيل: فالسجلات تقرر:
حل عليه روح الله القدس في مناسبتين (10:10، 11: 6)، أيد الله شاول أو مسحه، ليس عن رضى ولكن استجابة لسؤل الشعب، كما جاء في مز 106: 15. ولم يقتل داود شاول نظرًا لأنه مسيح الرب.
أعطى قلبًا آخر (10: 9) فهو الرجل الوحيد في العهد القديم الذي قيل عنه « أن الله أعطاه قلبًا آخر ».
كان من الواجب اتباعه كملك. فمنذ وقت تتويجه فصاعدًا، كان يجب أن يُعامل كمسيح الرب (10: 1 – 5، 2 صم 1: 4). وبقبول الشعب لشاول كملك، سرت في الشعب رنّة الفرح الكامنة في النشيد القومي « حفظ الله الملك – أول المملكة » الذي يعد صلاة لله، ممسوحة بكلمته، ولذلك يجب أن ينشد بخشية مقدسة (10: 24، 1 تي 2: 2).
كان من نصيبه نصائح وصلوات صموئيل، وبركات رئيس الكهنة والتابوت (12: 23، 14: 18)، وكذلك المزامير الملهمة لمرنم إسرائيل (1 صم 16: 23).
وعلى الرغم من كل العطايا والتشجيع الذي انهمر على شاول، إلا أنه فشل عند الامتحان « الصعاب تشحذ قدرات الإنسان وتكشف أين يضع ثقته الحقيقية » ووُزن شاول في الموازين فوُجدَ ناقصًا. ويمكن تلخيص فشله الثلاثي هكذا:
الكبرياء الذاتية: مات شاول من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه (1 أخ 10: 13). كان رجلاً يتسم بالكبرياء التي قادته الى السقوط.
الإعتداد بالذات: « من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه » (1 أخ 10: 13). ويقدم سليمان حديثًا عن ثمرة الغرور والاعتداد بالذات (أم 10: 8، 23: 1).
عدم طلب المعونة من الله: « فمات شاول بخيانته... لأجل طلبه الى الجان للسؤال » (1 أخ 10: 13). كان باب السماء مغلقًا في وجه صراخ شاول. وكبر حجم خطية شاول هنا بشكل تدريجي وبارز، قارن تواضعه، وتحكمه في غضبه، وروح التسامح التي كان يتسم بها بكبريائه الجريحة، وحدة الطبع، والروح الرديء الذي كان يعتريه ويدفعه للقتل (1 صم 9: 21، 10: 16، 11: 5، 13، 16: 23، 18: 8، 19: 1 – 15، 20: 30).
في وقت من الأوقات كان تبكيت شاول عميقًا، ومع ذلك فقد هلك أخيرًا في إثمه (1 صم 24: 16، 17، 26: 21، 31: 4).
كم كانت نهاية شاول مأساوية، لقد أنهى حضور صموئيل وتأثيره، ومسحه الروح قد زالت، لقد صار ضحية التشويش العقلي الذي كان يهدئه قيثارة داود في بعض الأحيان. لقد تبع السحر الذي أدانه مرةً، ومات على يدي نفسه، فالشاب العملاق الذي بدأ حكمه واعدًا، مات في الأربعين كخاطئ ومنتحر، فقلب البطل الشجاع قد خانه وألقى بنفسه على سيفه، لقد قتل نفسه.
رغم أن داود كان ضحية لؤم شاول، إلا أنه عندما سمع بموته لم يقم بذكر خطاياه. إن مرثاة داود الجميلة على شاول علامة على كرم أخلاقه (2 صموئيل 1: 17: 27).
ترجمة ادوار وديع عبد المسيح