كم كان صعباً أن أجلس مقابلاً له أنظر وأنتظر!! متى تحلُّ لحظة الفراقِ القادمةِ، وهو وأنا على يقين بأنها قادمة لا محالة. إلى أين يأخذك التفكير والتأمل وأنت تشعر بأنك ستترك هذا العالم الذي تدركه وتعيه، وهو يمثل الحقيقة والواقع بالنسبة لك؟ وستنتقل إلى عالم آخر لم تدركه ولم تعهِ، نفسك تؤمن بوجوده، تخبرك أنك غير منتهٍ إلى العدم، وتقول لك: إنّ لك نفساً خالدةً تتخطى محدودية هذا الجسد الضعيف الذي يمرض ويفنى!!
الطعامُ كثيرٌ والخيُر وفيرٌ. كم هي جيدةٌ هذه الشجرة، حيث أجد فيها كل ما أحتاج إليه .كم هي كثيرةٌ هذه الأوراق الخضراء تكفيني وتزيد، كذلك أشعر بالأمان على هذه الشجرة بعيداً عن الأخطار. أشكرك يا أمي لأنك وضعتني هنا وكأنك تعلمي ما أُحبُ، فعلاً هذه الأوراق مغذية، ياااه عندما أنظر إلى نفسي كم كبرتُ! فعندما كنتُ صغيرةً، صغيرةً جداً لم أُصدق أَنني سأكبرُ إلى هذا الحد، عندما أتذكر بعدما خرجتُ من تلك البيضةِ، وبدأت في قضم غلافها لقد كفاني وأشبعني، الآن أنا آكل بشراهةٍ من تلك الأوراق، ياااه الوجبة التي آكُلها اليوم تعادل مائة غلاف من تلك البيضة، حقيقةً لقد كبرتُ كثيراً !!! لكن لحظه... إلى أين سأصلُ؟
أشعر أن الحياة أصبحت مملةً، لا هم لي سوى أن آكل وأكبر، لقد تغير لوني أصبحتُ خضراءَ كلونِ تلك الأوراقِ، حتى جميع أخواتي عندما أنظر إليهن، ليس لهن همٌ سوى التغذي على تلك الأوراق، لا لعب، لا احاديث، لا تقارب، ولا صداقة، كأني أعيش في هذا العالم لوحدي، أريد صديقاً أريد رفيقاً حتى أمي لا أعرف أين هي ولا أبي. لماذا تُرِكتُ على وجه الأرض هكذا؛ ما هذه العائلة؟
ما الذي أعجبهم في هذه الحياة حتى تركوني لوحدي؟
هل الحياة هكذا، ليس فيها ما يمتع سوى الأكل؟
إني أرى هذه الحياة ماديةً جسديةً ليس فيها أي قيمٍ أخرى. حقيقةً لقد سئمتُ، لكن ما العمل؟ لقد حاولت سابقاً أن أكف عن الأكل فلم أستطع كبح نفسي، فالجوعُ يحثني على الأكل والأكل، ولكن إلى أين وإلى متى؟
لقد أَرَّقني هذا السؤال فعلاً. تعبتُ، أريد إجابةً، هل سأقضي كلَ حياتي على شجرةٍ واحدةٍ؟
أريد أن أُسافرَ إلى أبعدِ من ذلك، أريد أن أرى أوطاناً أُخرى، أريد أن أتذوقَ طعماً آخر غير الطعم الذي أَلفْتهُ، صوتٌ داخلي يناديني، يعلو ويعلو، يقول لي: يوجد أفضل. أنا لست دودةً، لم أُخْلقْ للزحف على ورقةٍ، إنني محصورةٌ في هذا الجسدِ، إنَّ لي نفساً تحلق عالياً بغير حدود، حدودٍ لا أُدركها، لا أَعيها، لكنها تحرك فيَّ أشواقاً لا أعرف ماهيتها، تُلهِبُني من الداخل، تُخرجُني عن المنطق، تدفعني لأنطلق وأحلق عالياً جداً، قد يَشبعُ جَسدي، قد يكتفي، لكن أفكاري وأشواقي لا فإن كل هذا العالم المنظور ليس بشيء أمامها، أنا لا أتذمر، بل أشعر بشيءٍ فيَّ داخلي يقول لي إنني لم أُولد لهذه الحياة، أشعر أن هناك حياةً أخرى أرغب في عيشها، هل سأبقى أنتظر حتى يأتي ذلك الطائر المرعب!!!!
أنا لا أُساوي في فمه سوى مضغةٌ، هل سأنتهي في بطنهِ!
هل أكبر وأكبر لكي أُشْبِعُ جوعه!
أين أنتِ يا أمي!
هل ما زلت تعيشين أمْ أكَلَكِ ذاكَ الطائر اللعين!
كم أَرتعدُ عندما أرى ظِلَّهُ في السماءِ!
أصبحتُ خائفةً بلْ أَشعرُ بالجُبنِ كُلما تحرك شيءٌ من حولي...
يا إلهي!!! لو لم أذكُره، ها هو قادم، أين سأختبئُ منهُ؟!
صحيح أَنّ لوني الأخضر يساعدني، لكنهُ بدأ يعرفُ كلَ حِيَلي في الإختباءِ، لقد أصبحتُ كبيرةً على التخفي بسهولةٍ. لحظة! ما هذا ؟ أرى أنه صغيرٌ جداً فهو لا يستطيع أكلي، أرى أنني أكبرُ منه، لا يا إلهي سوف يقف على نفس الورقة! يجب أن لا أتحرك عَلَّه لا يراني.
مرحبا أيتها الدودة! أنا متأسفٌ لتنصُّتي وإستماعي إلى ما كنتِ تتكلمين به، لقد جذبني حديثكِ عن نفسكِ.
"ما هذه اللطافة في الحديث لم أعهدها من الطائر اللعين، يبدو وكأنه يحاول مُماطَلَتي لكي يتغلب على صغرِ حجمه، الِحكمة الحِكمة، ماذا سأقول له؟ لا أستطيع تجاهله، حقيقةً قد رأني وسَمِعَ ما تكلمت به، ما هذا المأزق؟ ليس لي مهرب سوى الحديث معه، سأكون حريصةً وفطنةً قدر الإمكان"
أنا مُتأسِفة إنْ كنتُ قد أزعجتُكَ، لم أنتبه أَنَّ هناك أحداً في الجوارِ، كنتُ أظنُ نفسيَ وحيدة.
"يا إلهي ما هذا المَخلوق؟ ما هذا الجمال؟ أنا لم أرى طائراً بهذا الجمال من قبل، إنَّهُ في غاية الروعة، ما هذه الأجنحة الرائعة؟ وهذه الخفة و القوام الرشيق؟ إنه ملون بالكامل، هذه العيون أيضاً جميلة، أين فمه؟! ماهذا ! ليس لديه فم ! كيف يأكل ! هل لأنه صغير! ما هذا الخرطوم! أنا لا أفهم، إنه فعلاً بديع. هذا ليس من عالمي، لم أرى مثيلاً له، لقد أبهرني. لكن الحذر، ليس مهم الشكل قد يخفي وراء هذا الجمال شيئ أخر أجهله".
هل تعلمي أيتها الدودة أن عندي إجابة لكل تساؤلاتك!!
هل تسمحين لي أن أتبادل الحديث معك! كوني على ثقه أنني لن أَمَسَّكِ بسوءٍ! وإسمحي لي أن أقدم لك نفسي. بدايةً أنا لست ذلك الطائر اللعين المرعب الذي يخطف ويميت! أنا أُدعى الفراشة ولي إسم آخر أجمل وهو البَشَّارة، أتفهم تخوفك، وآمل أن تصغي إلي بعض الوقت، لعلي أستطيع أن أشرح لك عن نفسي وأبشّرك بالخبر السار المفرح.
ماذا يَهُمُني في نفسك، وما سَتشرح لي عن نفسك؟ يَكفيني هَمي، أنا مستآءةٌ مما أنا عليه.
إنْ كان عِندُكَ هذا الإستياء من نفسكَ أنا لا أُريد الغَمَ، وأرى أن لِكُلِ واحدٍ هَمهُ،أنا لا أستطيع مساعدة نَفسي في تغيير وضعي، فكيف لي أن أُساعدُكَ أنت؟ ما هو همكَ!! على الأقل تستطيع الطيران والتنقل ليس مثلي وكأنني زُرعتُ على هذهِ الشجرة، لكن- الحمد لله- ما زلت أعيش وأجد الطعام.
أنا أتفهمكِ! لكن تَريَثي قَليلاً فأنا لم أقل شيئاً حتى الآن، أنا هنا لأُساعدكِ على فَهمِ نفسِك، لكي تحصلي على السعادة، وتُحقِقي أحلامكِ، وتَسعي نحوَ أشواقكِ، وتَجِدي ضالَتكِ المنشودة.
أرى أَنكَ جميلٌ جداً، و كلامكَ جاذبٌ، يبدو لي أنكَ لطيفٌ. متأسفه إن كنتُ فضَّةً في الكلام معكَ! أعدكَ أن أصغي لما ستقول، لا أعلم، لكنني أشعر بالإرتياح معك، حقيقةً أول ما رأيتك كنت خائفةً منكَ، لكن طول بالكَ وصبركَ علي أشعرني بالخجل من نفسي، تفضل في الحديث لن أقاطعك.
حسنا!!
بداية يا عَزيزَتي الدودة أريد أن أقول لك أنني كنت سابقا دودة مثلك تماماً، وكان عندي نفس التساؤلات التي لديكِ، ولَكِنَني عِندما أصبحتُ فراشةً فهمت ما كنتُ عليهِ سابقاً وما أصبحتُ عليهِ الآن.
مهلاً! مهلاً! صحيح أنني وعدتكَ بعدم المقاطعة،لكن ما تقوله غير منطقي وغير مقبول، ولا أفهم سبب قولكَ ذلك! لا بد أن لكَ مأرباً خاصاً تريد أن تصل اليه، أُريدكَ أن تكون صريحاً معي من البداية، أنا مختلفةٌ عنكَ! لَكِن عِندي القدر الكافي من الفهم لِكي أستَطيع أن أُميزَ الصوابَ .كلامك غيرُ صائِب وليسَ فيهِ من المَنطق بشيء، إِنْ كُنتَ تُريدُني أَنْ أُصغي إليكَ، يجب أن تَكون صادقاً أو غَير ذلِك أُترُكني وشأني.
صدقيني!!! إنني لم أقل سوى الصدقَ وغيرُ ذلك أكونُ مدعياً وكاذباً. أنا أتفهم إستغرابكِ من ذلك، لكن حقيقةً لا أستطيعُ العودةَ إلى الوراءِ لكي أُثبتَ لكِ صدقَ كلامي، علاوةً على ذلك أنا لا أرغب في العودةِ كدودةٍ! هل أترك هذا المجد الذي أنا فيه، وأرجعُ إلى ما كنتُ عليه سابقاً! لا وألف لا، في الواقع هذه هي الحقيقة،أنا لا أقلل من شأنكِ كدودةٍ، لكن أصبح ليَ شأنٌ أعظم وأفضل لا يقارن، هذا هو الواقع،أنا لا أتملقُ في الكلامِ، إفعَلي ما تُريدين، ليس عندي سوى الكلام، فقط الكلام، لأقنعك بما أنا عليه الآن، ولكن الجميل في الموضوع أنكِ ستصبحين كما أنا فراشةً جميلة!!.
لقد شَوّشتَ تَفكيري أكثر من السابق، لو صَدقتُ الأولى أقول هذا شأُنكَ، أما أنا فمِن أين أتيتَ بهذا الكلام "فراشة ههه"،يبدو لي أنك مغرورٌ بِبَهائِكَ وجَمالِكَ، الآن بَدأت أفَهم لماذا تُطيل الحَديث معي لأن لا أحد يرغب في الحديثِ معكَ بسببِ غروركَ الذي أوصلكَ إلى أنْ تَتَكلم مع دودةٍ حقيرةُ الشكل محدودةُ القدرةِ مثلي مقارنةً بِكَ، أُنظُرْ إليَّ وتَعلم، أنا لستُ بِمَغرورةً، وأعرف حجميَ وقُدراتي، وأقبلُ بما أنا عليه، أنصحكَ أن لا يُصيبُكَ الغرور أكثر من ذلك لكي يبقى لك اصدقاء، ولولا غروركَ لكان لك أصدقاء من نفس جنِسكَ، أُنظر إلى أين وصلتَ، تَتَنازل لتُكَلِم دودةً حقيرةً مثلي! يا لهُ من غرورٍ أوصلكَ إلى هُنا، يا لِبؤسِ حالكَ،أتريد إقناعي بأني سأُصبِح مثلكَ لِكَي تُصادِقَني!! سأقولُ لكَ شيئاً! إنْ تغيرتَ وتواضعتَ،سأكونُ صديقَتُكَ، ليس لديَّ شرطٌ آخر، فَأنا أشعرُ أنني بحاجةٌ لشخصٍ أكلمهُ، شخصٌ أرى فيه الجمالُ من الداخلِ قبل الخارجِ، هذا شَرطيَ فَهل تَقبَل !!!!!
يا سيدتي الجميلة، ما دفعني لأتنازلَ وأكلمكِ هو المحبة وليس الغرور. على كل الأحوال أنا أقبَلُ شَرطُكِ.
أرجوكَ كن صادقاً مع نفسكَ ومعي، فأنا لست بجميلةٍ، ما أنا إلا دودةً قبيحةً، لكن هذا أنا و أقبل بما أنا عليهِ! فأنا واقعيةٌ ومنطقيةٌ، لا تحاول أنْ تستَغِلَ كَلامي! كُنتُ أبوحُ وأصرّحُ بما في داخِلي لِنَفسي وليس لكَ، أتمنى لو كُنتَ قد سمِعتني من البدايةِ،فأنا أشكر ما أنا عليه، لكنْ هذه أحلام وأشواق يقولها أيُّ شخصٍ طموح.
يا عزيزتي صدقيني أنتِ فراشةٌ جميلةٌ، أصلُكِ مني وتَنتَمي لي، وأنا أُحِبُكِ، وما يدفعني للحديث معكِ هو المحبة، فقط المحبة! وأحلامك ليست أحلام، وطموحاتك قابلة للتحقيق، أنت فراشةٌ مثلي، هذا مَصيرُكِ وهذا ما سَتكونين عليه، و لاحظي! أنَنيّ أُغامر في تركِكِ لي وإنهاءِ هذه الصَداقة التي بِالكادِ بَدأتْ، أرجوكِ إستمعي لي، لن يضركِ شيءٌ على العكسِ من ذلك، في النهاية ستكونين على رجاء التغير والتجديد الذي سيحصل لا محالة! إنني أتذكرُ شرطُكِ، ولا أريدُ أن أخسرَ هذه الصداقة، على العكسِ من ذلك إنّ لي أملٌ وطموحٌ أكبر من الصداقة، بدايةً دعيني أُوضحُ لكِ ما ستأول إليه الأمور وما سيكون، وإنْ لم تقبلي أو تقتنعي فأنت حرةً، لكن شرطي الوحيد أن تُمهِليني الوقت والإصغاء الكافي، لِكَي أوضح وأشرح ذلكَ دَعيني أدخلُ قَلبَكِ إلى أعمَاقِ فِكركِ،سَلِمي لي، ثِقي بي فأنا أضمَنُ لكِ النجاة والحياة.
حسنا! حسنا! يبدو إننيّ فضةً جداً، أعِدُكَ أننيّ لن أنسحب حتى تُكمِل قولُك، و تَشرح ما تريد. تفضل.....
حسنا! في البداية كُنتِ بيضةً، وتَكونتِ داخلها، ومن ثَم خرجتِ منها إلى عالمكِ، عشتِ على هذه الشجرة، وهذه الشجرةُ هي كل الحقيقةِ بالنسبة لكِ هي عالمكِ، فيها الغذاء والأمان والمأوى، وأنتِ لا تدركينَ ولا تعينَ غير ذلك، لكن ما جذبني للحديثِ معكِ هو ما في داخلكِ من أشواقٍ لكي تُغادري موطنكِ إلى عالمٍ أكبر وأروع، وهذه حقيقةٌ لن تحدثَ وأنتِ مُجرد دودة! لَكِن عِندما تُصبِحين ما أنا عليه الآن سيكون بإمكانك التنقل والطيران كفراشةٍ مثلي، وتَتَذَوَقي طَعمَ حياةٍ أُخرى من كل أصناف الورود، وأُزيدُكِ علماً بأن عالَمكِ الذي تحلمين به أكبرُ بكثيرٍ مما تتوقعين، سوف تكونين خفيفةً ورشيقةً مثلي، سيصغرُ حجمكِ وسَيَنبُتُ لكِ جناحين جميلين مثل جناحيَّ، وسيكون بإمكانكِ الطيران لِلأعلى، ويمتدُ بَصَرُكِ إلى عوالمٍ كبيرةٍ غير مُنتَهيةٍ، أنا أعيشُ ذلك، وأقول لك عن تجربتي الشخصية، أنا مستمتعٌ جداً في هذه الحياة، كم هي كبيرة النَقلة ما بين ما كُنتُ عليه وأنا دودةً وما أصبَحتُ عليه الآن كفراشةٍ، لا ينقصني شيءٌ، فأنا أعيش في عالمٍ آخر غير عالمكِ المحدودِ، إنَّ عالمي غير محدودٍ و مُتَرامي الأطراف، ويوجد فيه من الجمال والروعة أعظمُ مما قد يَصِل إليه تفكيركِ، أُنظري إلى جمالي إنه إنعكاسٌ لعالمي، وأنظري إلى جمالكِ، هو إنعكاسٌ لعالمكِ وقارني، صدقيني!!
وأنتِ التى قلتِ أنكِ أصبَحتِ خضراءَ كَلون هذه الشجرة التى تمثلُ عالَمَكِ، إذ جمالي إنعكاسٌ لعالمي أنا لا أقول ذلك غروراً بنفسي، هذا واقعي الذي أعيشه، لكن أقوله لكِ لكي تعلمي وتفرحي وتدركي ما ستكونين عليه، أنا أرى فيك جمالاً داخلياً رائعاً، فكم سيكون عندما تتغيري لفراشةٍ رائعةٍ! أريد من هذه اللحظة أنْ أخطبكِ لنفسي! فأنا بالحقيقةِ أحببتُكِ وأتمنى أن تكوني عَروسيَ، أنا أعلمُ أنّ ذلكَ بالجديد عليكِ.
لحظة أنا لا أفهم معنى الزواج، ولا أجدُ ذلك ممكناً، فنحن الدودُ بلا جِنس ولا نَتَزوج.
إذاً هذا هو السؤال الكبير المحتاج إجابةً.من أين أتيتِ يا حضرةُ الدودة ؟
كيف كان لكِ أب وأم وأنت تعلمي وتدركي أنّ الدودَ لا يتَزوج؟
عندما كنتِ بيضةً ملتصقةً بتلك الورقةِ؛ من وضعكِ هناك؟
ألم تقولي في البداية عن أُمكِ، أشكركِ يا أُمي لأنكِ وَضَعتني على هذه الشجرةَ أين هي أُمكِ؟
ما شكلُها؟
وأين ذلكَ الأب وما شكله؟
عزيزتي، قريبا سوفَ يتغير العالم بالنسبةِ لكِ، لكن يجب أن تتغيري في بادئ الأمر، ثِقي! أنا كنتُ كما أنتِ الآن، لقد أكلتُ ورقَ الشجرِ حتى مَلَلتُ من ذلك، وكُنتُ أخضرَ اللونِ كَلون الورقِ، وقَبيحُ الشكلِ كما أنتِ الآن، لا أقصدُ الإساءةَ لَكِن أقول ذلك لِتُدرِكي مدى الفرق وتَسعي نحو الأفضل، وهذا الأفضل يَتَطَلب مِنكِ رِحَلةً طَويلَة ومؤلمة، لكنَ الفوز والربح في النهاية حَليفُكِ، ثِقي أنا أُريدُ لكِ الخير،أُريد أن أكونَ على عَلاقةٍ معكِ تَدوم العُمر كُلهُ، دَعيني أشرحُ لَكِ ما سيؤلُ إليه الأمر وما سيكون.
بداية يجب أن يكون لِديكِ الإيمانُ الكامل أَنَّ هناكَ حياةً أُخرى أفضل من هذهِ الحياة التى ستكون نِهايَتُها الموت، لذلك يجب أن تَموتي عن كَونكِ دودةً لَن تَستَطيعي أن تَحيي كفراشة وأنت دودة، هذا القُبح يجب أن يموت لكي تَلبَسي الجديد، لقد مررتُ بذلك من قبلكِ أنا أضمنُ لكِ القيامة من جديدٍ ببهاءٍ ومجدٍ عظيمٍ، إنْ آمنت فقط، الإيمان بذلك هو الضَمان لِتِلكَ الحياة، إنَّ إعترافكِ بِقُبحكِ وحاجتكِ للتغيّر وإيمانك بتلك الحياة المجيدة هي الطريق الوحيد للعبور، لأن ذلك سيعطيكِ القوة والدافع لكي تتمسكي جيدا على غصنِ هذه الشجرة، وتقومي بتمزيقِ جلدكِ، وتَحمُل الألم الناتج، وغزل كَفَنك بِنَفسك،سَتَرقُدين في قَبركِ هذا لِفترة من الوقت،
وخلال ذلك سوف تتحللين من الداخل وتذوبين ذواباناً وتختفي كل معالم جسدكِ، لكن ثِقي أنَّ بعد ذلِكَ الموت توجد حياة، حياة مَجيدة مع رَفيق عُمرٍ يُحبُكِ ويَشتاقُ لَكِ كل طُموحهِ وأشواقُ قلبهِ وروحهِ أن تَحيي مَعهُ لأنهُ أحَبكِ، إنْ آمنتِ سيكون لكِ ذلك، ولكن حذاري إنْ شككتِ ولم تؤمني لن تُرهِقي نفُسكِ في غزل الخيوط الكافية للتثبتِ والتشبثِ بشكلٍ جيد في هذهِ الشجرة عندها سَتَسقُطين وسيكون سقوطكِ عظيماً وستَخسَرين حَياتكِ الى الأبد، ها أنا قد أخبرتك، تمسكي بالوعودِ، أنا في إنتظاركِ، لا تهملي كلامي! و أنا في شوقٍ غامرٍ لك، أنتِ عَروسي،جَميلتي، وقتُ إنحلالكِ قد بدأ ! إنحلالكِ من قيودِ القبحِ! إنحلالٌ كاملٌ من الخارجِ حيث سيُمَزَّقُ هذا الجلد القبيح! وإنحلالٌ من الداخلِ سيُذَّوِبُ جَسدكِ ويخلقُ لكِ جسداً آخر، يستطيع أن يستمّتع بالحياة الحقيقية التى خُلِقتِ لها، لقد خُلِقتِ لتُحَلقي في الفضاءِ، ستنسين أيام الزحف، خُلِقتِ لتشتمي وتتذوقي الرحيق وتنسي الشراهة في الأكلِ!! سترين العالمَ الملونَ بِعُيونٍ آُخرى جديدة تستطيع أنْ ترى الجمال الحقيقي، الأرض القديمة لن تُرى، الكلُ قد صار جديداً، وستَكونين مثمرةً، وسيولدُ لكِ ابناءٌ، سوف تَنحلُ قُيودكِ وتتحررين من جَسد تِلكَ الدودة، وسَتلبَسين العزَ، ستَعيشين في مملَكَتي، ومَجدي يُرى عليكِ، والموتُ لن يدنو منكِ، ثقي أنا قد غلبتُ ولكِ أن تَغلبي.
لا أعلم ما الذي أصابني، لقد أوقضتَ في أحلاماً كانت بعيده المنال، أرى أنكَ محبٌ، أراكَ ضالتي المفقودة، أراكَ حَبيبي، وأنا محتاجةٌ لكَ لِكي ما تُسنِدَني وتُشجِعَني،أعنّي على ضعف إيماني، أريد أنْ أتكل عليكَ، فكم أنتَ لطيفٌ معي،كم أنت طويلُ البالِ وصبور، إنني أُصدقُكَ ولأجلِ ذلكَ سأتَمَسك بالوعود، وأُعاهدُك بأني سأكونُ لكَ ولِغيركَ لن أكون، خصصتُ لكَ ذاتي أنتَ فرحي، أنتَ عَريسي، أنتَ حَبيبي،كم أنتَ جميلٌ، كم أنتَ محبٌ، سأُمَزِق هذا الجلدَ القبيح لكي أَصلُحَ لكَ، فحُبكَ يَغمرني، يقويني، أُريد التغيير، أُريد الإنطلاق إلى اللامحدود، أُريدُ الرفعةَ،أُريدُ الرفقةَ، لا الوِحدة، أنا أُومن أننيّ سأعبُر، سأقوم من جديد،سأحيا ثانيةً في عالمٍ رائع مع عَريسي، مع حَبيبي. يا حَبيبي إنني أنام وأبيتُ هذا الليل على رجاء تَفَجُّر الصباح، فلا أقول وداعاً، وإنما إلى لِقاء، وأي لِقاء، سأفتح عينّي لأراك هناك!!!.
نامي يا حَبيبتي فعينيَّ عليكِ ليوم اللقاء ها أنا في إنتظارٍ، وكلي شوقٌ للقاء .....
إستيقظي يا فراشتي، يا جميلتي، أُدخُلي مملَكَتي، لقد لَبِستِ عِزكِ، وَصَلُحْتِ لِلمملَكة، والآن حان وقت اللقاء، إرفعي الرأس عالياً، و إفردي الجناحين وحلقي في الفضاء، هلم لننطلق معاً !!!!.
هل تعلم يا حَبيبي عندما كنتُ دودةٌ، كنتُ محدودةَ النظرِ، قصيرةَ البصرِ،لم أرى جمالكَ الكامل، لا أصدقُ ما تراه عيني لقد منحتني عينان تستطيعان أن ترى وتقدر الجمال. حقيقةً لقد رأيِت معنى الحب.
يوحنا 11: 25
قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا»
مزمور 19: 1-4
1 اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ.2 يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاَمًا، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْل يُبْدِي عِلْمًا .3 لاَ قَوْلَ وَلاَ كَلاَمَ. لاَ يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ.4 فِي كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ.
عزيزي القارئ أُنظر إلى الطبيعة من حولِكَ تُتحدِث بِمَجد الله.
لقد أَسّرني ما رأيِتُ من دورةِ حياة تلكَ الدودة وكيف تتحللُ من الداخل لتَتَحول الى ذاكَ السائِل! أي إِنها في الواقعِ تَموت و تَحيا من جَديد. حياةً اخرى بشكلٍ وجوهرٍ جديد. إذا كان الله قد وضع الإيمان في ذلكَ المَخلوق الصَغير مَحدودَ العقلِ أنهُ سوفَ يتغيّر الى مجدٍ أعظم، وقبل أن يُميّتَ نفسهُ بنفسهِ بَل يُكافِح لأجلِ ذلكَ الموت، ليَحصُل على مجدٍ أعظم كيفَ وأنتَ الإنسان تاجُ خليقة الله بهذا العقل، وتَقبَل وتُسَلِم بالموتِ بأنهُ حقيقة واقعة لا محالهَ!، وتَعلَم وتُدرِك في داخلُك أن شيءً يقولُ لكَ أنكَ أبدي وأنك أكثر من مُجرد جَسد فاني، وأن لك نفساً خالدة لن تنتهي لكن أين هو مصيرها؟ أرجو أن تَكونَ لكَ حِكمَة تِلكَ الدودة وتُحدِد طريقَكَ منَ الآن وقبلَ فوات الأوان، إصغِ جيداً، ها هو عَريسُك ينادي عليكِ، يقرع على باب قلبك، يستأذنك بالدخول، ليُنيَر لكَ هذه الحقيقة، ليُريكَ يديهِ المثقوبَتين وجنبهُ المطعون، لقد ماتَ من أجلك، وقامَ بإقتدار، وأصبح باكورة الراقدين، كاسراً شوكة الموت، واهباً لك الحياة!. حياةً أبدية، داعياً إياك إلى مملَكَتِه بِثوبِ عَروسٍ جديد، ثوبٌ مُلوكِي لا قبحَ فيه، كَلَفَه دماً غالياً يليق بذاك العريس.
كتبت قبل يومين من إنتقال الحبيب الغالي نادر بطارسه الى الأمجاد السماويه.
استمع اليه وهو يردد هذه الايه قائلاً:
فليبي 1 :23
لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا.
آمين
لتحميل القصة Pdf "هل انا دودة"