تضمّن ج3 من المقالة نبذة مختصرة عن أئمّة الشِّيعة وسبب تسمية الشيعة بالرافضة أو الروافض (بالفيديو) وخلفيّات الغَيبة لدى الشِّيعة وتاليًا مفهوم انتظار ظهور الإمام. والانتظار محور هذه المقالة. لذا يتضمّن البحث في هذا الجزء، وهو الأخير، جذور انتظار ظهور الإمام الثاني عشر الغائب من وجهة نظر شيعيّة ومن مصادر شيعيّة. والهدف عمومًا: الوصول إلى قناعة ما تبرِّر الإنتظار في المفاهيم الدينية اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة.
…..
في ضوء الإمامة
أعلن المفكّر العراقي الشِّيعي أحمد القبانجي، في محاضرته الرَّصينة المذكور رابطها أدنى (1) عن إيمانه بأنّ الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري قد وُلِد. فلم يُنكر السيد وجوده إيمانيًّا، لكنه موضوعيًّا يحتاج إلى أدلّة علميّة، سواء عنه وعن صعود السيد المسيح إلى السماء. والإيمان والقَناعة مِن حقِّ المؤمن وأمّا خِلافهما فمِن حقّ غير المؤمن. وكشف في المحاضرة عن حقائق من التراث الإسلامي، سأضع كلًّا منها بين قوسين كبيرين، لعلّ أبرزها [أنّ الإمامة، وتاليًا مجيء الأئمّة الإثني عشر بعد النبي، لا أصل لها في القرآن ولا في نهج البلاغة (أي مجموعة أحاديث الإمام علي بن أبي طالب ورسائله…) لأنّ الإمامة كانت وليدة الحاجة بعد موت النبي وأنّ كلّ إمام حُجّة هو إمام زمانه فقط. عِلمًا أنّ أوّل مَن طَرَحَ نظريّة الأئمّة الإثني عشر: بنو أميّة- وهم أبرز عشائر قُرَيش…] وقال أن للإمامة ثلاثة مستويات ولدت بالتدريج: سياسي [أي الحاجة إلى الخلافة بعد النبي] وفِقهي [أي الحاجة إلى المرجعيّة (الفتاوى\ الأحكام الفقهيّة…) بعدما يئس الشيعة من استلام السلطة، نظرًا لرفض الإمام الثورة على الحاكم لتولّي الخلافة] ومعنوي [أي الحاجة إلى إمام معنوي\ رمزي ينتمي إليه الشيعة ويوصلهم إلى الله، بعدما تمّ إنشاء الفقه وتاليًا استقلالية المذهب]
ونقل القبانجي عن الإمام الرِّضا قوله- ردًّا على الواقفة الذين كانوا ينتظرون عودة الإمام موسى الكاظم: (ما فائدة الإمام الغائب؟ يجب أن يكون الإمام حاضرًا وظاهرًا لكي يحلّ مشاكل النّاس، بل من المستحيل أن يجعل اللهُ الإمامَ غائبًا…) وكشف القبانجي النقاب عن روايات أفادت بأنّ الإمام الحسن العَسكري [توفِّي وهو شابّ ما عنده ولد. توفِّي ولم يعلم أحد من الشِّيعة بأنّ عند الحسن العسكري ولدًا. فحصل انقسام بين تلامذة الإمامَين الهادي والعسكري…] وأضاف: [وفقًا لنظرية الحاجة والانسجام فإن الحاجة دعت إلى وجود الإمام وأمّا غيبة الإمام فإنها انسجمت مع مفهوم الغيبة في الفكر الشِّيعي…] والنَّتيجة النِّهائيَّة: [الآن تدعو الحاجة بشدّة إلى إزاحة الشريعة الإسلامية كلّها وإحلال منظومة من القوانين المدنيّة تؤمن بحقوق الإنسان والمساواة والحرِّيّة والتعدُّديّة… لا نحتاج إلى شريعة مُفرِّقة تؤكد الطائفيّة وتفضّل مذهبًا على آخَر وتكفِّره… إنما نحتاج إلى إسلام ليبرالي؛ فيه حبّ الله والتوكّل عليه وحبّ النّاس. وفيه حكومة مدنيّة- قوانين مدنيّة- تشريعات مدنيّة…] والمزيد المفيد في باقي المحاضرة.
.….
رأيي في ضوء ولادة الإمام المهدي المنتظر
لفتني في المحاضرة المذكورة أنّ عالِمًا أفغانيًّا (آصِف محسني) نقل في كتابه "مشرعة بحار الأنوار" عن كتاب البحار للعَلّامة المجلسيّ (2) تسعًا وأربعين رواية عن المهدي المنتظر. فأثبت آصف محسني، في نهاية بحثه، صحّة سند رواية واحدة منها فقط وهي التي تُثبت أنّ الإمام المهدي وُلِد. أمّا الروايات الـ 48 فقد ألّفها علماءُ الشيعة. والمهمّ في الرواية المقصودة هو أنّ السيدة أمّ الحسن ادّعت إنّ إحدى الجواري، من محظيّات الحسن العسكري، حامل. ثمّ ثبت بعد انتظار دام بضعة أشهر أنها لم تكن حاملًا فأُطلِق سَراحُها. ولهذا السبب [قسمت الحكومة السُّنِّيَّة- الحنفيّة- حينذاك وِرث الحسن، أي ماله وقِطَع أراضيه وجواريه، مناصفة بين أمّ الحسن وبين جعفر أخيه الملقَّب عند الشيعة بـ الكَذّاب] ثم عاد السيد القبانجي إلى الحديث عن نظرية الحاجة والانسجام.
أمّا رأيي، بناء على نظريّة الاحتمال، فإنّ أفضل استنتاج من الوضع الحرج الذي كان قائمًا أيّامَذاك هو القبول بولادة المهدي، في الخفاء، نظرًا لأنّ العائلة العلوية عاشت تحت ظروف إقامة جبرية قاسية في سامرّاء، من جرّاء خلافات مع أبناء العمومة من السلالة العباسية الحاكمة وتحت عيون رقبائها. فكلُّ ذَكَر وُلِد من نسل السلالة العلويّة شكَّل في المستقبل خطرًا ما على استمرارية سلطة السلالة العباسية. ولهذا آثَرَ الحسن العسكري وزوجته إخفاء أمر المولود الجديد- المهدي- بعيدًا عن أنظار بني العبّاس. فكان من حقّ المهدي وحكمته في ما بعد أنْ يَظْهَر لخاصّته وللمقرَّبِين مِن أنصار أبيه.
لكنّ ما لفتني أكثر في إحدى الروايات الشيعية الرسمية، وهي كثيرة، هو باختصار: أنّ والدة المهدي المنتظر- السيدة نرجس- هي (ابنة يشوعا بن قيصر إمبراطور الروم. تنتمي من جهة الأمّ إلى شمعون أي سمعان، وصيّ السيد المسيح وأحد حواريّيه…) انتهى
وتعليقي: ليت الراوي سأل أيّ مسيحيّ عن اسم أحد أولاد سِمْعَان (بطرس- أحد الإثني عشر) لكي يتحرّى الحَقِيقَةَ قبل تأليف رواية خيالية أو وهميّة. لأنّ المسيحي يعرف الجواب الصحيح وهو: لا أحد يعرف! فكيف وَصَلَ الراوي بنسب نرجس من جهة الأمّ إلى سمعان؟ إذ ذَكَرَ الإنجيلُ اسمَ أبيه (يُونا) واسم أخيه (أَنْدَرَاوُسَ) لأن أندراوس من الإثني عشر. لكنّه لم يذكر اسم ولد واحد من أولاد سمعان ولا اسم زوجته ولا اسم أمّه. بل لا دليل على أنّ لسمعان أولادًا. إنما المذكور: شفاء المسيح حماةَ بطرس من حُمَّى شَدِيدَة (متّى\8 ومرقس\1 ولوقا\4) حتّى اسم الحَماة غير مذكور.
وفي رواية أخرى- باختصار: (إنّ نرجس وقعت في أسر المسلمين بعد معركة عمورية. فاشتراها أحد خاصّة الإمام الهادي بمئتين وعشرين دينارًا من سوق نخاسة في بغداد. ونقلها باحترام إلى سامراء. فلمّا دخلت على الإمام الهادي رحّب بها كثيرًا، ثم بشَّرها بولد يولد لها من ابنه الحسن العسكري؛ يملك الدنيا شرقًا وغربًا ويملأ الأرض قِسطًا وعدلا. ثم أودعها عند أخته " السيدة حكيمة" لتُعلِّمها الفرائض والأحكام. فبقيت عندها أيّامًا. بعدئذ وَهَبَها ابنَهُ العسكري فتَزوَّجها وهي في ربيع الشباب) انتهى
وتعليقي- من وجهة نظر مسيحية: كيف يجوز لإنسان، مهما نال حظوة عند الله، أن يملأ الأرض قِسطًا وعَدلًا بوجود إبليس ومَلائِكَتِهِ الذين سمح لهم الله بأنْ يعيثوا في الأرض؟ فتقتضي العمليّة أوَّلًا إخراج إبليسَ ومَلائِكَتِهِ من الأرض لأنهم مصدر كلّ شرّ، أو تفضّل الله بإلقاء إبليسَ في النَّارِ الأَبَدِيَّة المُعَدَّة له ولمَلائِكَتِه (متّى\25) ممّا وعد به الله يوم القيامة. فهل سيُعطي اللهُ المهديَّ المنتظر سلطة على إبليس ومَلائِكَتِه؟ لا دليل على هذا الافتراض. لكنّ شهود الإنجيل نقلوا لنا بأمانة سلطانَ المسيح على إبليسَ ومَلائِكَتِه؛ مثالًا: {وفِيمَا هُمَا خارِجَانِ، إِذا إنسَانٌ أَخْرَسُ مَجْنُونٌ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ (أي إلى المسيح) فلَمَّا أُخْرِجَ الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأخرَسُ، فتَعَجَّبَ الجُمُوعُ قائِلِينَ: لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هذا في إسرائِيل!}+ متّى\9
مثالًا آخر: {ولَمَّا جاءُوا إلى الجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِيًا لَهُ وقائِلا: يا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فإِنَّهُ يُصْرَعُ ويَتَأَلَّمُ شَدِيدًا، ويَقَعُ كَثِيرًا في النَّارِ وكَثِيرًا في المَاء… فانْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ. فشُفِيَ الغُلامُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَة}+ متّى\17
وأمّا الذي يحصل في آخر الزّمان فقد ذكره الوحي الإلهي بآيات كثيرة، حرفيًّا وضمنيًّا، لكنّ المهمّ في موضوع الانتظار المسيحي هو أنّ الدينونة (أي الحساب) في يد السيّد المسيح لا غير! وقد أُعطيَتْ له منذ البدء: {كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ ويُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. لأَنَّ الآبَ لا يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى الدَّيْنُونة كُلَّها لِلابْن، لِكَيْ يُكْرِمَ الجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلامِي ويُؤْمِنُ بالَّذِي أَرْسَلَنِي فلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّة، ولا يَأتِي إلى دَيْنُونة، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ المَوْتِ إِلَى الحَيَاة. اَلْحَقَّ الحَقَّ أقُولُ لَكُمْ: تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ الله، والسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ… فيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إلى قِيَامَةِ الحَيَاة، والَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلى قِيَامَةِ الدَّيْنُونة}+ يوحنّا\5
قلتُ أخيرًا كما أوّلًا: مَنِ المُنتظَرُ إذًا غيرَ المسيح؛ مَسِيّا اليهود أم الخليفة أم الإمام؟ لعلّ خيرَ ما أختم به المقالة قولُ الوحي المقدَّس بوضوح: {فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ}+ يوحنّا 1:1 {أَنا الأَلِفُ واليَاءُ، البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ والآخِر}+ رؤيا يوحنّا 13:22
…….
1. السيد أحمد القبانجي- محاضرة نظرية التطور في المذهب الشيعي https://www.youtube.com/watch?v=nw_R3H1ph2M
2. بحار الأنوار: أحد كتب الحديث المشهورة لدى الشيعة الإثني عشرية. جَمَعه العَلّامة المجلسيّ (1037 - 1111 هـ) أحد علماء الشيعة الإمامية في زمن الدولة الصَّفوية. ويُعَدّ من أكبر كُتُب الحديث حيث يتكون من 110 مجلَّدات.
¤ ¤ ¤