هذه الوقفة تخصّ الاحتلال باٌسم الدين ودفع الجزية.
لقد تعرّضت منطقة اليهودية لاحتلال الرومان الوثنيّين سنة 63 ق.م. بقيادة بومبيوس حسب المصادر المسيحية. والدوافع سياسية-توسّعية وليست دينية. وقد فرضوا جزية الدِّرهَمَين على أصحاب الأرض (متّى 17: 24) إلى أن انتهت فترة ذلك الاحتلال بعد انهيار الامبراطورية الرومانية. كذا توسّع المستعمرون الأوروبيون إلى خارج حدود القارة الأوروبية، ابتداءً بالقرن الخامس عشر وانتهاء بالقرن العشرين، ولم تكن دوافع الاستعمار دينية، بما رافقها من قتل الوطنيّين المعارضين، إلى أن انسحبت جيوشه في ما بعد، مانحين المستعمرات الاستقلال. والمواطنون الغربيّون، من أبناء الدول الاستعمارية، خجلون اليوم من ذِكر تاريخ ذلك الاستعمار وممّا رافقه من أحداث مؤلمة.
أمّا الغزوات الإسلامية تحت مسمّى "الجهاد في سبيل الله" والاحتلالات المسمّاة "فتوحات" فكانت دوافعها دينية تمامًا على أنّ الإسلام دين ودولة، وهدفها المزعوم نشر الديانة المسمّاة بالإسلام. وقد رافق نشرها قتل الرجال وسبي نسائهم وسرقة أملاكهم تحت مسمّى "الغنائم" وفرض الجزية على أهل الكتاب منهم (عن يد وهم صاغرون)-التوبة:29 (أي بإذلال) وإن لم يسلم بعضهم من القتل ولا سيّما بني قريظة، وقصتهم باتت معروفة من كتب التراث الإسلامي نفسها. فحسب المروَّج له إسلاميًّا؛ أنّ اليهود (نقضوا وثيقة كانت بينهم وبين محمد) لكنّ الباحث حامد عبد الصمد كشف النقاب عن حقيقة ما جرى ضدّ أولئك اليهود في سلسلة "صندوق الإسلام" وتحديدًا الحلقة 13 ورابط الفيـديو (23 دقيقة) في هامش المقالة (1) ولم يذكر التاريخ اسم يهودي واحد حمل السلاح ضدّ محمد ولا اسم نصراني.
لذا فليكفّ المسلمون، ممّن قدَّموا مبرِّرات شائكة للغزوات الإسلامية وحروب الرّدّة، من الضحك على ذقون السُّذَّج من الناس. وليحصوا غزوات قادة المسلمين باٌسم "الدين الجديد" مِن أوّلها إلى تاريخ كتابة هذه المقالة، فإنّ قائمتها طويلة ومستمرة. وفي نظري وفي أنظار كثيرين من أصحاب الضمائر الحيّة؛ يجب عرض الغزوات المذكورة على محكمة عدل دولية وليس تقديسها ولا الافتخار بها.
وإلى اليوم؛ ما يزال مسلمون، من جنسيات مختلفة ولا سيّما الناطقين بالعربية، يبررِّون الإرهاب الإسلامي الناشط حاليًّا بمبررات واهية، بصلف أحيانًا وبدون خجل، على أن الإرهاب ليس من الإسلام بشيء، وعلى أنّ الإسلام "دين الرحمة والسلام" متجاهلين وجود عدد من فقرات الحقد والكراهية والجهاد المسلَّح، سواء في القرآن وفي نصوص الحديث المحمدي الصحيحة (ممّا في البخاري ومسلم) وغاضّين بالنظر عن معالم إرهابية واضحة في التراث الإسلامي منذ الغزوة المحمدية الأولى، حتّى كأنّ النّاس لا تقرأ وكأنّ الباحثين لم يطَّلعوا على مجريات الأحداث في ما مضى. فأيّة رحمة بالغزو والحقد والكراهية وأيّ سلام؟ إنّما دين الرحمة والمحبة والسلام هو الدين الذي أسّسه السيد المسيح المدوَّنة نصوصه في الإنجيل بآيات شريفة سامية؛ على رغم احتلال الرومان المنطقة اليهوديّة، وعلى رغم تحدِّيات كهنة اليهود حينذاك. فانتشرت المسيحية بإعلان شريعة المحبة والسلام والخلاص الأبدي سواء في تعليم السيد المسيح وفي أعقاب استشهاد جميع تلاميذه ورسله، باستثناء يوحنّا الإنجيلي، إذ طافوا البلدان بسيف وحيد هو كلمة الله وليس السيف الحديدي. وما يزال الاضطهاد ضدّ اليهود والمسيحيّين مستمرًّا حتّى اليوم ولا سيّما الاضطهاد الإسلامي. ليت الأخ المسلم، مِن مؤيّدي الحقد القرآني، يسأل نفسه مرة واحدة: لماذا هذا الحقد على اليهودي تارة وعلى المسيحي المسمّى نصرانيًّا تارة وإلى متى ولحِساب مَن؟ وهل أضمن دخولي الجنة بقلب مليء بالحقد عليهم وعلى غيرهم وبالحسد وبالكراهية؟
أبناء البلد أحرار
إليك موقف السيد المسيح مِن الاحتلال ومِن دفع الجزية؛ لقد سمح السيد بدفع الجزية خلال فترة رسالته، لأنّ رسالته لخلاص النفوس ومصالحتها مع الله أسمى من أي اهتمام دنيوي. فنقرأ في الإنجيل: {وعِندَما رجَعَ يَسوعُ وتلاميذُهُ إلى كَفْرَناحومَ، جاءَ جُباةُ ضَريبةِ الهَيكَلِ إلى بُطرُسَ وسألوهُ: أما يُوفي مُعَلِّمُكُم ضَريبةَ الهَيكَل؟ فأجابَ: نعم. فلمَّا دخَلَ بُطرُسُ إلى البَيتِ، عاجَلَهُ يَسوعُ بِقولِه: ما رأيُكَ، يا سِمعانُ؟ مِمَّنْ يأخُذُ مُلوكُ الأرضِ الجِبايَةَ أو الجِزيَة، أمِنْ أَبناءِ البِلادِ أم مِنَ الغُرَباء؟ فأجابَ بُطرُسُ: مِنَ الغُرَباء. فقالَ لَه يَسوعُ: إذًا فالأبناءُ أحرارٌ في أمرِ إيفائِها. لكنَّنا لا نُريدُ أنْ نُحرِجَ أحدًا، فاَذهبْ إلى البحرِ وألقِ الصِّنَّارَةَ، وأَمسِكْ أوَّلَ سَمكَةٍ تَخرُجُ واَفتَحْ فمَها تَجِدْ فيهِ قِطعةً بأربعةِ دَراهمَ، فخُذْها واَدفَعْها إلَيهِم عَنِّي وعَنْك}+متّى\17 – حسب الترجمة المشتركة.
وسمعان هو اسم بطرس قبل اتّباعه السيد المسيح. والإستار (عن اليونانية) المذكور في ترجمة ڤان دايك: قطعة معدنية تساوي أربعة دراهم.
وفي التفسير المتعلّق بموضوع هذه المقالة- بتصرّف: [أراد الرَّبّ أن يقول لبطرس: إدفع الجزية مهما كانت جائرة! والله الذي له الأرض كلّها يعوِّضك مِن غناه. حين يرعانا الله فلا يعوزنا شيء. لاحظ حرج الموقف في ضوء معارضة اليهود الوطنيّين دفع الجزية للأجانب أي الرومان، إلّا أنّ المسيح فضّل أن يخضع للنظام الموجود فلا يعثر أحد. ولاحظ أيضًا فقر المسيح وتلاميذه، إذ لم يملكوا مقدار هذه الجزية، لكن الرب افتقر ليغنينا (2كورنثوس 8: 9) وإليك ملحوظة: لم يجد بطرس في بطن السمكة ثروة ما تجعله غنيًا، لكن النعمة تعطينا ما نحتاجه فقط]-بقلم: أنطونيوس فكري.
ونصّ آية كورنثوس كاملة: {فإنّكُمْ تَعرِفونَ نِعمةَ رَبِّنا يَسُوعَ المَسِيح، أنّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افتَقَرَ وهُوَ غَنِيّ، لِكي تَستَغنوا أنتُمْ بفَقْرِه} آمين.
ولا يخفى على قارئ-ة الإنجيل قول السيد المسيح عن الجزية الذي به فَصَلَ الدين عن الدولة، حينما جرّبه الْفَرِّيسِيُّونَ لِكَيْ يَصطادُوهُ بكَلِمَة، إذ أرسلوا إليه تَلامِيذَهُمْ مَعَ الهِيرُودُسِيِّينَ ليسألوه عن جواز إعطاء جزية لقيصر، فأجاب: {... أَعطُوا إِذًا مَا لِقَيصَرَ لِقيصَرَ ومَا لله لله}+ متّى 22: 21 ومرقس 12: 17 ولوقا 20: 25
الجزية في العهد القديم
وردت الضريبة أو الجزية في أسفار من العهد القديم، لكنها كانت رمزية، فإليها رمزت ضريبة الدرهمين المذكورين أعلى. وقد شُرِّعت لخدمة الهيكل وترميمه وتجديده. وهي في كلام الرب لموسى النبي في سِفر الخروج 30: 11-16 وفيه: {اَلْغَنِيُّ لاَ يُكَثِّرُ وَالْفَقِيرُ لاَ يُقَلِّلُ عَنْ نِصْفِ الشَّاقِلِ حِينَ تُعْطُونَ تَقْدِمَةَ الرَّبِّ لِلتَّكفير عَنْ نُفُوسِكُمْ} والرمز إلى تقدمة المسيح دمَهُ النفيس كفّارة عن خطايا البشر، ما لا وجه للمقارنة ما بينها وبين تلك البسيطة جدًّا (نصف الشاقل) التي قدَّمها الرجال فوق سنّ الـ 20 عامًا، بدون تمييز ما بين غني وفقير. فلم تُشَرَّع لأسباب تبشيرية ولا عدائية. أمّا كلّ من الجزية التي فرضها بَنُو إِسرَائِيلَ على الكَنعانِيِّين (يشوع 17: 13) وما فرض شَلْمَنْأَسَرُ(2) مَلِكُ أَشُّورَ على هُوشَع (الملوك الثاني 17: 4) وما وَضَعَ الْمَلِكُ أَحَشْوِيرُوشُ عَلَى الأَرْضِ وجَزائِرِ البَحر (إستير 10: 1) وغيرها فلم تكن بأمر الله! في وقت نقرأ أن بني إسرائيل أنفسهم قد فُرِضت عليهم الجزية: {السَّيِّدَةُ في الْبُلْدانِ صَارَتْ تَحتَ الْجِزْيَة}+مراثي إرميا 1:1 إلى أن انتهى عهدها بمجيء السيد المسيح- حسب نبوءة زكريّا النبي\ الأصحاح التاسع.
جزية سورة التوبة:29
أمّا مؤلِّف القرآن فقد شَرَّع الجزية بدلًا عن القتل؛ وإليك تفسير الطبري سورة التوبة:29 بتصرّف: [قاتلوا أيها المؤمنون القومَ الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يصدّقون بجنة ولا نار، ولا يُحرِّمون ما حَرَّم الله ورسوله، ولا يطيعون الله طاعة الحقّ (طاعةَ أهل الإسلام) مِن الذين أُعطوا كتابَ الله وهُمْ أهل التوراة والإنجيل، حتى يعطوا الخراجَ عن رقابهم، الذي يبذلونه للمسلمين دَفْعًا عنها وهُمْ أذلّاء مقهورون. نزلت هذه على "رسول الله" في أمره بحرب الروم، فغزا بعد نزولها غزوة تبوك] انتهى. والمزيد في ويكيپيديا: جزية.
وتعليقي: رأيت في ما تقدَّم افتراءً على أهل التوراة وعلى أهل الإنجيل! فإنّهم جميعًا مؤمنون بالله {إسمع يا إسرائيل: الربّ إلهنا ربٌّ واحد} وباليوم الآخر (يوم القيامة) ومصدِّقون بالجنة (مسيحيًّا: الملكوت السماوي) وببُحَيرةِ النَّار والكِبرِيت (مكان المَوت الأبدي) المُعَدَّة لإبليسَ والوحش والنبيّ الكذّاب وللْخَائِفينَ وغَيْر الْمُؤمِنِينَ وَالرَّجِسِينَ والْقاتِلينَ وَالزُّنَاة والسَّحَرَة وَعَبَدَة الأَوْثَانِ وَجَمِيع الْكَذَبَة (رؤيا\ الأصحاحات 19 و20 و21) وقد حَرَّموا ما حَرَّم الله وصلّوا وصاموا وما يزالون مواظبين على الصلاة والصيام.
أمّا القول "رسوله" فلا حجّة على أهل الكتاب بأنّ محمدًا- رسول الإسلام- مُرسَل من إله الكتاب المقدَّس! فمِن جهة أهل التوراة، أي يهوديًّا؛ من المستحيل أن يُرسل الله إلى بني إسرائيل غير المَسِيّا المنتظر قدومه من نسلهم، كموسى وداود، وما كان محمد من نسلهم إطلاقًا. ومن جهة أهل الإنجيل، أي مسيحيًّا؛ من المستحيل أن يُرسل الله رسولًا إلى العالم من غير رُسُل السيد المسيح، سواء في الماضي والحاضر والمستقبل، وما كان محمَّد من ضمنهم ولا مسلمة بن حبيب الحنفي ولا ميرزا غلام أحمد... إلخ.
وتاليًا؛ ما الدليل على أنّ الأمر بحرب الروم وغزو تبوك مِن وحي الله، أمَا ورد في حديث محمَّدي صحيح: (اغزُوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم)- تفسير الطبري التوبة:49؟ أليست فكرة هذا الغزو نابعة من تفكير محمَّد بالاعتداء على أناس آمنين في ديارهِمْ وهُمْ لم يعتدوا على أحد، فأين ذهب قوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين)-البقرة:190؟ والأسئلة كثيرة.
وإليك أيضًا تفسيرًا شِيعِيًّا من كتاب الشيخ المفيد (المقنعة) ص269 بتصرّف أيضًا: [الجزية واجبة على جميع "كفّار أهل الكتاب" مِن الرجال البالغين إلّا مَن خرج عن وجوبها منهم بخروجه عن "اعتقاد الكفر" وإن دخل معهم في بعض أحكامهم مِن "مجانينهم ونواقص العقول منهم" عقوبة من الله تعالى لهم لعنادهم الحقّ وكفرهم بما جاء به محمد... وجحدهم الحقّ الواضح باليقين "قال الله" عزّ وجلّ: (قاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ باللّه... إلخ)-التوبة:29 والذي يمتنع عن أعطاء الجزية يُقاتَل حتى يُسلِم أو يُعطي الجزية] انتهى
وتعليقي: ما كان من حقّ الشيخ المفيد إلصاق تهمة الكفر بأهل الكتاب، فإنّها عكست جهله بالكتاب المقدَّس أو عكست افتراءه عليهم بدون وجه حقّ. ولا كان مِن حقّه اعتبارهم "مجانين ونواقص العقول" ليتجنّب احتماليّة قيام شخص منهم، أو من أصدقائي المسلمين، بعكس القول على قائله وبردّ الصّاع صاعَين. وتاليًا؛ لا يقولنّ أحد إنّ تفسير أئمّة الشِّيعة أفضل من تفسير أئمّة السُّنَّة ولا العكس.