وصلت بالبحث في الإنجيل، بتدوين متّى البشير والرسول، إلى الأصحاح السادس عشر. وفيه بحسب تسلسل الآيات 6 قول الرب يسوع لتلاميذه أن يتَحَرَّزوا من خَمِير (تعليم) الفَرِّيسِيِّينَ والصَّدُّوقِيِّين 16 اعتراف بطرس وجزاؤه 21 إنباء يسوع بموته وقيامته 24 شرط اتّباع السيد المسيح: {إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائي فلْيُنكِرْ نَفسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ ويَتْبَعْنِي} آمين.
وفي هذا الأصحاح إشارتان إلى العهد القديم، هما التالي:
الأولى: في قول السيد المسيح: {جِيلٌ شِرِّيرٌ فاسِقٌ يَلتَمِسُ آيَة، ولا تُعطى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونانَ النَّبيّ}+متّى 16: 4
والإشارة إلى سِفر يونان وتحديدًا قصّته مع الحوت.
وإليك تفسيرًا مسيحيًّا بقلم بنيامين بنكرتن- بتصرّف: [عاد قوم من الفرّيسيِّين والصَّدُّوقيِّين يقصدونه ليجربوه. لقد كان الفريقان مضادّين لبعضهما بشدة من جهة معظم تعاليم الكتاب المقدَّس، لكنهما اتّحدا في رفض الرب يسوع- المَلك الموعود به- وإذ كانوا يعرفون الأنبياء عَلِموا بوجود آيات\علامات مزمع حدوثها قبل ظهور المَسِيّا. فجاءوا إلى يسوع وسألوه أن يُريهم آية من السماء، أي من الآيات الدالة على حُلول عصر المسيا، ذلك ليس لأجل معرفة الحق بل {لِيُجَرِّبُوهُ- متّى 16: 1} فوبَّخهم الرب يسوع على عدم إيمانهم إذ كانوا قادرين على تمييز وجه السماء من جهة أحوال الجو، وأمّا علامات الأزمنة فلا يستطيعون تمييزها. لو كانت عيونهم مفتوحة لرأوا أنّ معجزات المسيح كلها هي علامات الدهر الآتي الدالة على حضور المَلك.
لقد كان المَسِيّا في وسطهم، ربّ السماء والأرض كان معهم، لكن {الظُّلْمَة لَمْ تُدْرِكْهُ- يوحنّا 1: 5} كانوا عميانًا فلم يستطيعوا أن يدركوا أمجاده الأدبية والروحية. كانت أمامهم أعظم آية أعطاها الله للإنسان: شخص ابنه الحبيب الذي تنكسف أمامه الآيات كلها. لكن عدم الإيمان، أمام نور أبهر من لمعان الشمس، لا يزال يطلب أيضًا ضوء شمعة!
فأجابهم الرب هذه المرة جوابًا مختصرًا جدًا ثمَّ {تَرَكَهُمْ ومَضَى - متّى 16: 4} لماذا يصرف وقتًا أكثر معهم وقلوبهم الغليظة قد أعمت عيونهم (متّى 13: 15)؟ فلم يُجِبْهم سوى أن الله يردّ على طلبتهم ويعطيهم آية يونان النبي. وهي آية رجل اختفى عن شعب اليهود جائزًا في رمز الموت (البحر) ثم رُدَّ إليهم ثانية. فهي ترمز إلى الموت والقيامة. وعندما تمّت الآية، إذ قام الرب يسوع من الأموات، لم يقتنع أولئك المقاوِمون...] انتهى
الثانية:
في قول السيد المسيح: {وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكلّ ما تربطه على الارض يكون مربوطًا في السماوات. وكل ما تحلّه على الارض يكون محلولًا في السماوات}+متّى 16: 19
والإشارة إلى الوارد في العهد القديم {وأجعل مفتاح بيت داود على كَتِفه، فيَفتح وليس مَن يُغلق، ويُغلق وليس مَن يَفتح}+إِشَعْيَاء 22: 22
وفي التفسير المسيحي؛ كتب القمّص تادرس يعقوب في تفسيره- بتصرف: [إن كان ملكوت السماوات عملًا إلهيًّا يعلنه الآب في قلوبنا بالروح القدس في ابنه، فقد قدّم مفاتيح هذا الملكوت بين يديّ الكنيسة، لا لتسيطر، إنما لتخدم البشريّة. لقد تسلّمت السلطان لا لتعمل بذاتها بل بالروح القدس الساكن فيها. فتشترك العروس في عمل العريس نفسه، لتنال كرامة الشركة معه على أن تتم إرادته الإلهيّة في سلوكها.
مفتاح الملكوت في الحقيقة هو في ملكيّة ابن داود نفسه الذي يفتح ولا أحد يُغلق، ويُغلق ولا أحد يفتح، فإن كان السيّد قد وهب كنيسته هذا المفتاح الإلهي إنّما يأتمنها عليه ويبقى هو العامل سرّيًا في داخلها، يعرف من يستحق فيفتح له خلالها ومن يتركه خارجًا يغلق عليه] انتهى.
ثمّ أضاف القمّص تادرس عددًا من أقوال آباء الكنيسة القدامى، إليك منها اثنين:-
الأوّل: [ليت الذي يربط غيره أو يحلُّه أن يكون هو نفسه بلا لوم، فيوجد مستحقًا أن يربط أو يحلّ في السماء. من يقدر أن يغلق أبواب الجحيم بفضائله تُعطى له مفاتيح ملكوت السماوات كمكافأة. فإنه إذْ يبدأ إنسان في ممارسة كل نوع من الفضيلة يكون كمن يفتح لنفسه أبواب السماء، إذ يفتحها الرب بنفسه، فتكون الفضيلة عينها هي باب السماء ومفتاحه. كل فضيلة إنّما هي ملكوت السماوات]+ بقلم العلامة أوريجينوس.
والثاني: [الأساقفة والكهنة الذين لا يفهمون هذا الأمر (فيحكمون بلا تمييز) يأخذون لأنفسهم نوعًا من كبرياء الفرّيسيّين فيظنّون أنهم يقدرون أن يدينوا الأبرياء ويغفروا للمجرمين؛ لكن الله لا ينظر إلى حكم الكهنة وإنما إلى حياة الذين يُدانون]+ بقلم القديس جيروم.