نقرأ في سفر اشعياء 45: 7 هذا الاعلان عن الله انه هو" مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر"
يرتبط بهذا العدد بعض الاعداد الاخرى التي تبدو وكأنها تعلن ان الله هو مصدر الشر عاموس 3: 6 و مراثي ارميا 3: 38. الكثير من الناس في العالم لا يؤمنون بالله، ومن ضمن اسباب عدم ايمانهم، اعتقادهم بأنه طالما الشر موجود في العالم فلابد ان الله غير موجود، اذ ان الله هو خير والله الكامل لا يمكن ان يخلق كونا به شر، وطالما ان الله هو الذي خلق كل شيء فلابد اذن انه هو الذي خلق الشر... واله مثل هذا لا يمكن ان يكون هو الله، هذا هو تفكير الملحدون.
دعونا نبدأ هذا التحليل بشرح لمعنى كلمة شر كما وردت في اشعياء 45: 7 لانه النص الاهم حتى يمكننا فهم ما هو المقصود من هذا التعبير "خالق الشر".
معنى كلمه الشر:
ليس المقصود دائما بكلمة الشر عندما ترد في العهد القديم ان يكون المعنى هو الشر الادبي والانحراف عن كل ما هو مستقيم. فهذا المعنى هو احد معانى كلمه " רע - رَع " العبرية وهذه المعاني كما يوردها جيزنس صـ 772 كلمه رقم 7453 كالتالي:
1- شيء ما رديء ( لاويين 27 : 10 ، تث 17 : 1 ، 2مل 2 :19 )
2- سوء الحظ ( اش 3 : 11 )
3- اما الكلمة في المؤنث "רעה - رعه" وهي الواردة في اشعياء 45 : 7 بحسب ما يقول جيزنس صـ 773 كلمه رقم 7451، فهي اما ان تشير الى ذلك الشر الذي يصنعه اي انسان (ايوب 20 : 12 مز 97 : 10) او الشر الذي يحدث لاي انسان، وبذلك يكون هذا الشر هو المصيبة او البلوى او المأساة التي تصيب الانسان. فالمعنى الاول هو من الاتجاه الادبي اما الثاني فهو يشير الى ما هو من نتاج الاول او عقابا بسببه. في سفر عاموس 3: 6 ترد ذات الكلمة وتترجم "بلية" وفي مراثي ارميا 3: 38 نقرأ "من فم العلي الا تخرج الشرور والخير" ونجد في هذا النص ان فم العلي يشير الى انه لا يحدث شيء على الارض والله لم يكن محددا له قبل ذلك، لا يوجد من يمكنه ان ينفذ اراده له ويصدر امر وهو ضد المشيئة الالهية المعينه من قبل، لذلك فالخير والشرور " المصائب " هما تحت السيطره الالهية "
سفر الجامعه اصحاح 5 يؤكد على ان يوم الولادة ويوم الممات لهم وقت محدد من قَبل، وكل ما بينهما هو ايضا محدد من قَبل" جامعه 5: 1 ". ما نفمهه اذاً ان المقصود بكلمة " الشر" هنا ليس الخطية ولكن" المأسى" وبهذا المعنى ترجمتها غالبية الترجمات الحدثية الى الكلمات الانجليزية الى calamity , disaster اشار بارنس الى انه يجب ان يفهم العدد من خلال المقطع الذي فيه، وفي اش 45 : 7 نفهم ان الله سوف يُنجح كورش وان الامم التي سوف يقهرها سوف تنال عواقب وخيمه، فهذا عقاب الله لها بواسطة اداتهِ كورش وكل ما يحدث لها هو من مآسي هو تحت التوجيه والسيطرة الالهية. هو ليس من عمل الصدفة ولا من صنع الهةٌ اخرى، انه من ارادة الله، وبهذا المعنى يكون الله هو الذي خلق الشر أي عاقب شر البشر باصابتهم بمآسي.
الشر ليس مخلوق :
لا تشير كلمة خلق هنا في اشعياء 45: 7 الى تكوين شيء من لا شيء، او الى خلق مادة ما تخضع لقوانين الطبيعة، فالشر ليس مخلوقاً فيزيائياً له ابعاد ممكن ادراكه كمادة ما يمكن رؤيته او سماعه او لمسه.
النور عكس الظلمة لكن الشر ليس عكس السلام :
استخدم الشعر العبري في الكتاب المقدس اسلوب سمي التوازي، وهذا التوازي قد يكون متشابه ويسمى توازي متشابه وذلك بان يكون هناك مقطعين احداهما له نفس معنى الاخر مع اختلاف الكلمات، او يسمى توازي مضاد، اي ان احد المقطعين مضاد للاخر، وهنا في اشعياء 45: 7 نجد ان النور مُضاد للظلام ولكن الشر ليس المضاد للسلام بل الخير، لذلك ليس المقصود من الشر هنا هو ما عكس الخير ولكن ما هو عكس السلام اي الاضطراب والقلق والمآسي.
في سفر الجامعة اصحاح 3 تكلم الحكيم عن 14 مريزم "الشيء وضده" من التضاد وهذا الاسلوب يسمى في العبرية מריזם merism وهي كالتالي:
1- الولاده والموت 2- الغرس والقلع 3- القتل والشفاء
4- الهدم والبناء 5- البكاء والفرح 6- النوح والرقص
7- التفريق والجمع 8- المعانقه والانفصال 9- التمزيق والتخييط
10- السكوت والتكلم 11- الكسب والخساره 12- الصيانه والطرح
13- الحب والبغضه 14- الحرب والصلح
وهذه الكلمه الاخيرة "الصلح" تأتي في النص العبري "שלום - شلوم" وهي الكلمة ذاتها المستخدمة "السلام" في الكتاب، اذن عكس السلام هو الحرب وليس الشر فالمقصود اذن في اش 45: 7 هو المأسى وليس الشر الادبي.
الله يكره الشر الادبي:
لا يمكن ان يكون الله هو مصدر الشر الادبي " الخطية " فقد اعلن كثيراً في كتابه انه يكره الخطية والشر ( قارن 2 اخبار 19 : 7 ، ايوب 34 : 10 ، مزمور 5 : 4 ، 92 : 15 ، ارميا 2 : 25 ، تيطس 1 : 2 ، جامعه 12 : 14 ، روميه 13 : 4 ، حبقوق 1 : 13 )
كان ايوب يفهم هذا المعنى جيداً لذلك قال لزوجته عندما حلت به المصائب" الخير نقبل من عند الله والشر لانقبل " ايوب 2 : 10 "