نقرأ في الأصحاح التاسع عشر من إنجيل يسوع المسيح بتدوين متّى- حسب تسلسل الآيات: 3 الزواج والطلاق 13 الخصيان 16 الغنى.
وفيه خمس إشارات إلى العهد القديم؛ الأولى والثانية (1) في قول السيد المسيح: {أما قرأتم أنّ الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى؟ وقال: مِن أجل هذا يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جَسَدًا واحِدا}+ متّى 19: 4-5 والإشارة إلى سِفر التكوين 1: 27 والتكوين 2: 24
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف: [رأينا في كلام الرب {خلقهما ذكرًا وأنثى} أيْ: ذكرًا واحدًا لأنثى واحدة وأنثى واحدة لذكر واحد. فلا طلاق (ملاخي 14:2-16؛ الأمثال 17:2) ولا تعدّد زوجات. أي أن اقتران أحدهما بالآخر كاقتران أعضاء الجسد ببعضها، هذا الاقتران الذي يدوم بدوام الحياة لا يفكّه وينهيه إلا الموت (كورنثوس الأولى 39:7؛ رومية 7: 2-3؛ مرقس 12:10) فضلاً عن أنّ الاقتران يدل على اتحادهما قلبًا وقالبًا وعلى اهتمام كل منهما بالمحبة لإسعاد الآخر (أفسس 5: 28-31) لذا {فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان} أي أن الزواج رباط إلهي لا بشري. ومِن ثَمَّ لا يقوى إنسان على فكِّه. والخلاصة هي أن مبدأ الزواج ترتيب الله الأصلي الذي رتَّب للإنسان وقت الخليقة. فبحسب مشيئة الله أنّ عقد الزواج لا يُحَلّ ولا يُفسَخ، إنّما يُنظَر إلى الذكر والأنثى المقترنين معًا، كجسد واحد، فلا يجوز للإنسان أن يفرّقهما. وإن زنى واحد منهما فقد أبطل العقد. وهذا يصحّ سواء على الرجل وعلى المرأة]- بقلم: بنيامين بنكرتن.
وتعليقي: أرى أنّ معنى الزّنا غير محصور بترك أحد الطرفين الآخر لإنشاء علاقة عاطفية مع شخص ثالث، إنما المعنى أوسع وأدقّ- حسب الشّقَّين التاليَين؛
الأوَّل- من جهة الله؛ ففي الزِّنا إساءة إلى الله، لأنّ الزنا يعني الابتعاد عن وصاياه والانحراف عنها، ما قبل الإساءة إلى الشريك. والسبب: تعدّي الشريك على قدسيّة الزواج المقدَّس من الله.
والثاني- من جهة الإنسان؛ فإنّ لحظة تفكير أحد الطرفين بالانفصال عن الشريك، ما قبل الانفصال الفعلي، قد اعتبرتُها شخصيًّا لحظة زنا. هذا باستثناء حالة واحدة؛ هي إحساس أحد الطرفين، ولا سيّما المرأة، بخطورة استمرار الحياة مع الشريك. ففي حال شعورك- أختاه- بخطورة العيش مع رجلك، فاتصلي بأحد أقاربك، أو بجهة قضائيّة مختصّة، لحمايتك ومعالجة الموقف بأسرع وقت. لا تسمحي له بأن يتخطّى حدوده، كأن يعتدي عليك بالضرب أو الاغتصاب، بل اتركيه فورًا دون رجعة، لأن ثقافته منحرفة ما لم تكن مسمومة. لا تثقي في اعتذاره ولا توبته ما لم تشعري بصدقه في كلّ منهما، لأنه بحاجة إلى إصلاح اجتماعي طويل المدى. هذا مع حقّك في احتضان أطفالك بالتفاهم معه أو بالقانون، لكن لا تحاولي منعه من رؤيتهم، إلّا إذا ثبت لك فساد أخلاقه.
أمّا دينيًّا فإني أدعو خدّام الكنيسة إلى الإسراع في اتّخاذ القرار المناسب، بدون تقصير أو إهمال أو محاباة طرف على حساب آخَر. وما قصدت بالإسراع التسرّع، إنّما معالجة الموضوع بضمير حيّ وجدّيّة، بأسرع وقت ما أمكن، نظرًا إلى الحالة النفسيّة التي سيؤدّي إليها الخصام وطول الانتظار.
وإليك، بالمناسبة، قصّة قصيرة بقلم ألبير كامو (2) باختصار شديد؛ عن سيدة جميلة كانت برفقة زوجها في رحلة سياحية إلى واحة نائية جنوبيّ الجزائر. فشعرت برتابة العلاقة وببرودتها وبقلّة اهتمام الزوج، متخوّفة من الشيخوخة فالموت. فخرجت من الفندق، خلال إحدى الليالي الباردة نسبيًّا، لتقضي الليل حول سياج الفندق، متحرّرة من أي التزام اجتماعي. ثم عادت إلى غرفتها وزوجها ما يزال غاطًّا في نوم عميق.
وقد لمستُ التالي حينما قرأت القصّة أيّام الصِّبا؛ تركيز كامو على استحالة اتّصال السيدة برجل خلال نزهتها، لكنه اعتبر تصرّفها نوعًا من الزنا، ربّما لظنّه أنّها تمنّت إيجاد رجل آخر ليهتمّ بها ما يكفي. وأغلب ظّنّي أنّه استوحى قصّته من قول السيد المسيح: {إِنَّ كُلَّ مَنْ ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه}+ متّى 5: 28
بل عنوان القصّة أيضًا- المرأة الزانية- مستوحًى من قصّة المرأة الزانية المعروفة بهذا العنوان في الإنجيل- يوحنّا\8 ابتداءً بالآية الثالثة- ولم يكن كامو الوحيد بين المفكّرين الذين استوحوا من روايات الكتاب المقدَّس عبر التاريخ.
الإشارة الثالثة
هي في قول الفريسيّين حين سألوا يسوع: {فلماذا أوصى موسى أنْ يعطى كتاب طلاق فتطلّق؟ قالَ لَهُمْ: إِنَّ موسى من أجل قساوة قلوبكم أَذِنَ لكم أن تطلِّقوا نساءَكم. ولكن مِن البدء لم يكن هكذا}+ متّى 19: 7 والإشارة إلى سِفر التثنية 24: 1
وفي التفسير المسيحي- بتصرّف أيضًا: [قال «قلوبكم» مع أنّ الكلام عن أسلافهم، ليس فقط لأن اليهود في نظره أمّة واحدة، بل أيضًا لأن قلوبهم بقساوة قلوب آبائهم. وإلّا لما سألوه عن الطلاق.
قال الفريسيون في سؤالهم «أوصى» فقال المسيح في جوابه «أَذِن» وبين اللفظتين فرق في المعنى لا يُخفى. كان الإذن لهم تحت الناموس بتطليق نسائهم كاشفًا أمرَين:
الأوَّل- عجز الطبيعة البشرية، لسبب سقوطها، عن تنفيذ شريعة الله الأصلية للزواج.
والثاني- عجز الناموس نفسه عن إصلاح الطبيعة البشرية الساقطة.
فالسيد المسيح، بفضل نعمته على أبناء الملكوت، رجع بهم من جهة الزواج إلى شريعة الله في الجنّة، مُتجاوزًا ما حصل تحت الناموس كجملة مُعترضة، مُصادقًا على ما رتّب الله في الخليقة لبَرَكة الإنسان، لم يُصادق على القساوة التي وصلت إلى قلب الإنسان عن طريق دخول الخطية. إذًا موسى النبيّ كمُشترع؛ أذِن لهم بالطلاق، لكنّ الطلاق لم يكن بحسب قانون الله الأصلي للزواج. فأرجعه المسيح إلى أصله.
لذا فالمجامع الكنائسية لا تستطيع أنْ تحلِّل ما حرَّمَ الله؛ لكنّ من المعلوم أن أكثرها أجاز الطلاق لأسباب غير الزنا، فأظهر قساوة القلوب وعصيان تعليم الرب الصريح، لأنّ مَن حاول أن يتداخل بين الرجل وامرأته، زاعمًا أن له سلطانًا كنائسيًا في ذلك، يُظهر نفسه ضد المسيح تمامًا]- بقلم: بنيامين بنكرتن.
وتعليقي: نِعمَ ما حلَّل الله في الكتاب المقدَّس. إنّما سموّ هدف الله القُدُّوس المُحِبّ واضح وأبعاد الهدف صبّت جميعًا في مصلحة الإنسان؛ إذْ {أحَبَّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية}+ يوحنّا 3: 16 لذا فمن المستحيل أن يغشّ العالم أو يضلّه- حاشا الله من افتراء المفترين عبر التاريخ. فإذا حصلت أخطاء في العلاقة الزوجية فإنّ الإنسان، إذْ أساء اختيار شريك حياته منذ البداية، يتحمَّل مسؤوليّة اختياره. فلماذا يحمِّل الجهلةُ الله مسؤوليّات أخطائهم الشخصيّة؟
أمّا المحاكم الكنسية التي أذِنت بالطلاق لغير الزناة، كما يُظَنّ، فما أدراك ما معنى الزنا في الكتاب المقدّس حينما أوصى الله {لا تزنِ}+ الخروج 20: 14؟
إليك المعنى التالي الوارد في العهد القديم، آملّا في التأمّل جيّدًا:
{ولقُضاتهم أيضًا لم يسمعوا، بل زنوا وراء آلهة أخرى وسجدوا لها. حادوا سريعًا عن الطريق التي سار بها آباؤهم لسَمْع وصايا الرَّبّ، لم يفعلوا هكذا}+ القضاة 2: 17
{وكان بعد موت جِدعُون أنّ بني إسرائيل رجعوا وزنوا وراء الْبَعْلِيم، وجعلوا لَهُمْ بَعَلَ بَرِيثَ إِلهًا}+ القضاة 8: 33
{وخانوا إله آبائهم وزنوا وراء آلهة شعوب الأرض الذين طردهم الرب من أمامهم}+ أخبار الأيّام الأوّل 5: 25
فاستنتجت ممّا تقدَّم أنّ أيّ انحراف عن إحدى وصايا الله بمثابة زنا، سَواء أكان الزنا بالقلب أم بالفعل. وإليك الأمثلة التالية بناءً على استنتاجي:
1 لقد أوصى السيد المسيح وصيّتين تعلّق بهما الناموس كلَّه والأنبياء؛ محبّة الله وهي الأولى والعظمى. ومحبة القريب. فالثانية مثل الأولى (متّى 22: 37-40) فمن لا يحبّ الله يعتبر زانيًا لأنّه خالف الوصيّة. ومَن لا يحبّ قريبَه (أخاه في الإنسانيّة) كنفسه يعتبر زانيًا مثل الزاني الأوّل. عِلمًا أنّ معنى القرابة في الكتاب المقدَّس يشمل الناس جميعًا ولا يخصّ أقارب الدرجة الأولى ولا الثانية ولا العاشرة. والأمثلة كثيرة؛ منها التالي:
{وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك}+ متّى 18: 15 وانظر-ي أيضًا التالي ولوقا 17: 3
{وأمّا أنت، فلماذا تدين أخاك؟ أو أنت أيضًا، لماذا تزدري بأخيك؟}+ رومة 14: 10 وانظر-ي أيضًا رومة 14: 15 و21
وفي العهد القديم: {كالوطنيّ منكم يكون لكم الغريب النازل عندكم وتحبّه كنفسك لأنّكم كنتم غرباء في أرض مصر...}+ سِفر اللاويّين 19: 34 وانظر-ي أيضًا لاويّين 24: 22 وحزقيال 47: 22
2. لقد أوصى الرب يسوع قائلًا- كما أشرت أعلى: {إِنَّ كُلَّ مَنْ ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه} ومعنى الزنا بالقلب واضح لذوي الألباب وذواتها. والزنا بالقلب- في نظر الله- يعادل الزنا بالفعل، لأنّ كلًّا منهما خطيئة! ففي الإنجيل: {لأنّ أُجرة الخطيئة هي الموت، وأمّا هِبَة الله فهي الحياة الأبدية في المسيح يسوع ربِّنا}+ رومة 6: 23
3. لقد أوصى الله منذ القديم: {لا تقتل}+ الخروج 20: 13 فمن يقتل يعتبر زانيًا، لأنّه خالف وصيّة الله، ما قبل أن تُطلَق عليه صفة القاتل أو المجرم أو السّفّاح.
4. أوصى الله: {لا تسرق}+ الخروج 20: 15 فمن يسرق يعتبر زانيًا، ما قبل أن تُطلق عليه صفة السّارق أو اللِّصّ أو النَّصّاب أو الحَرامي.