متى 14:26-16 "حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ".
مرقس 10:14-11 "ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ وَاحِداً مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ مَضَى إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ. وَلَمَّا سَمِعُوا فَرِحُوا وَوَعَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. وَكَانَ يَطْلُبُ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ فِي فُرْصَةٍ مُوافِقَةٍ".
يوحنا 2:13 "فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ".
لا يوجد إنسان في الوجود معصوم عن ارتكاب الخطيَّة والمعاصي والأعمال الغبية. فكل إنسان منا يعرف يقيناً، سواء من خبرته الشخصية أو من معرفة ما يدور حوله، أننا كبشر نخطئ باستمرار. وقد تسبب خطايانا خسارة كبيرة لنا ولغيرنا، وتجعلنا آسفين لفترة طويلة جداً. ولربما لا ينفع حتى الأسف والندم.
في الآيات المقتبسة هنا من الإنجيل المقدّس، نجد أن أحد رسل الرّب يسوع المسيح قد ارتكب حماقة لا تقارن بغيرها بسبب ثقلها وفظاعتها. كان يهوذا الإسخريوطي رسولاً ومرافقاً للرَّب يسوع في السنوات الثلاث الأخيرة من خدمته الأرضيّة، ومع ذلك ارتكب حماقة وجريمة فظيعة أدت به أن يخسر كل شيء. لقد كان أمين صندوق الجماعة المسيحية الأولى المكونة من شخص الرّب يسوع والرُّسل الإثني عشر وبعض النسوة. ومع ذلك خان يهوذا أولاً أمانة الصندوق بسرقة المال الذي كان مُؤتَمَناً عليه، ثم خان سيده وربه، وانتهت حياته بشكل بشع وفظيع جدّاً.
كان يهوذا يتمتع بمزايا روحية يتمنّاها كل واحد منا: لقد اختاره الرّب من بين التلاميذ الاوائل ليكون أحد الرُّسل الإثني عشر. ولمدة تزيد على ثلاث سنين، رافق يهوذا الرّب يسوع وبقية الرُّسل في تجوالهم، ورأى بأم عينيه، وسمع بأذنيه، واختبر شخصياً عظمة ومجد الرّب يسوع: رآه يشبع الجياع، ويشفي المرضى، ويقيم الموتى، ويهدئ العاصفة، ويمشي على الماء. وسمع تعاليمه السامية وأمثاله الرائعة. والأهم من كل هذا أنه حظي بعلاقة قريبة مع رب المجد يتمنّاها كل مؤمن بشخص الرّب يسوع. ولكن رغم كل ما اختبره ورآه وسمعه، فإنه ارتكب أكبر وأغبى حماقة يمكن أن يرتكبها إنسان في الوجود: لقد أقدم يهوذا على خيانة معلمه وسيده وربه، وذلك مباشرة بعد أن قام الرّب بغسل رجليه مثل بقية الرُّسل. أجل: قام الرّب يسوع بغسل أرجل يهوذا بدافع المحبَّة، ولكن يهوذا اختار بملك إرادته أن يخون السيد من أجل حفنة من المال.
ثلاثة أسئلة تتعلق بخيانة يهوذا:
السّؤال الأول: لماذا أقدم يهوذا الإسخريوطي على فعل الخيانة الفظيع؟
كان يهوذا رجلاً له امتيازات كثيرة جدّاً. لقد كان رسولاً وأميناً لصندوق الجماعة المسيحيّة الأولى، ومرافقاً لرّب المجد يسوع بشكل شخصي، ومرافقاً أيضاً لأقدس جماعة بشريّة كانت على وجه الأرض، ومع ذلك جازف بكل شيء وأصبح ذكره مرتبطاً بالسرقة والخيانة.
أجاب النّاس على هذا السّؤال بطرق شتّى محاولين فهم الدوافع التي أدت بيهوذا أن يخون سيده، ومما قالوه:
1. إن يهوذا كان الرسول الوحيد الذي لم ينحدر من الجليل، فاسمه في اللغة العبرية يهوذا الاسخريوطي أي ايش كريوت، وكلمة ايش تعني رجل، أي أن يهوذا كان رجلاً من كريوت وليس الجليل بخلاف بقية الرُّسل. في حين أن الرّب يسوع وبقية التلاميذ كانوا جليليين، ولربما أن ذلك ولّد لديه إحساساً بعدم الانتماء قاده إلى ارتكاب خيانة الرّب.
2. آخرون قالوا أن يهوذا علم بالمؤامرة التي كان يحيكها رجال الدين اليهود مع والي روما للقضاء على الرّب يسوع وتلاميذه، وأراد بالتالي أن ينجو بجلده عن طريق العمالة والخيانة.
3. آخرون فسّروا خيانته بسبب خيبة أمله من الرّب يسوع. فقد توقع يهوذا أن يُقدم المسيح على مواجهة الاحتلال الروماني لفلسطين بالثورة العسكرية، ولكن الرّب يسوع علّم عن محبَّة الأعداء، وعن نبذ العنف، وعدم اللجوء إلى القوة لحل المشاكل.
لجأ المفسرون إلى تحليل اسم يهوذا قائلين أن معنى كلمة اسخريوطي في صيغتها اليونانية تعني "حامل الخنجر"، وبما أنه كان عضواً في إحدى الحركات اليهودية التي كانت تحارب الوجود الروماني في فلسطين بالثورة والعنف، فقد انضم إلى حلقة التلاميذ وتبع الرّب يسوع راجياً أن يكون المسيا المنتظر والملك الموعود به لخلاص اليهود من ظلم روما. ولكن آماله خابت، فقام بالخيانة على أمل دفع المسيا إلى اللجوء إلى العنف ومقاومة القبض عليه، ولكن ذلك لم يحدث.
4. مفسرون آخرون قالوا أن يهوذا لم يستطع أن يخفي حقيقته الداخلية عن الرّب يسوع. ففي محضر الرّب، عرف يهوذا حقيقة نفسه بأنه عريان ومكشوف، ولا يستطيع أن يظهر أمام الرّب بمظهر البر والتقوى كبقية الرُّسل. وبالتالي لجأ إلى خيانة الرّب للتخلص من إحساسه بالعار والخطيَّة.
5. إجابات أخرى مثل القول بأن يهوذا تعرض للخداع من قبل رجال الدين اليهود، أو أنهم هددوه بالقتل أو الحرمان إن لم يسلمهم المسيح.
الأسباب الخمسة التي ذكرتها هنا هي مجرد محاولات بشرية لفهم دافع يهوذا للخيانة. ولكننا في العودة إلى الكتاب المقدّس نجد أن السبب الحقيقي الاوّل للخيانة قد ذكر بكل وضوح وصراحة، وهذا السبب هو الطمع ومحبَّة المال التي هي أصل لكل الشرور. فيهوذا الذي تفسير اسمه "تسبيح الله" أصبح اسمه مرتبطاً بالعار والخيانة. ارتكب يهوذا حماقته التي لم تُغْفَرْ بسبب محبَّة المال والطمع تماماً كما نقرأ في متى 15:26 حين قال يهوذا لرؤساء الكهنة: "مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ". أي أن يهوذا فاوض رؤساء الكهنة على ثمن الخيانة، وحصل على 30 قطعة من الفضة، وبهذا المبلغ باع صداقته وعلاقته بالرّب يسوع، وأخذ يبحث عن الفرصة المناسبة لتنفيذ خيانته.
باع يهوذا سيده من أجل حفنة من المال، وللأسف الشديد ما أكثر الذين يبيعون شرفهم وحياتهم وانتماءهم ووطنهم من أجل المال، فيهوذا لم يكن حالة استثنائية، وما أكثر أمثاله في العالم اليوم من مرتزقة وخون يعبدون ويخدمون المال.
نقرأ في يوحنا 1:12-8 "ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. فَصَنَعُوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاءً. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَناً مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا فَامْتَلَأَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هَذَا الطِّيبُ بِثلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟ قَالَ هَذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقاً وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ. فَقَالَ يَسُوعُ: ﭐتْرُكُوهَا. إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ". نجد هنا أن يهوذا قد اعترض على قيام مريم بسكب الطيب على رجلي الرّب يسوع، وكانت حجته الظاهرة هي الحرص على الفقراء. ولكن الإنجيل المقدّس يخبرنا بوضوح أن يهوذا كان سارقاً، وكان يأخذ لنفسه ما يلقى في صندوق الجماعة المسيحية الأولى.
كان المال ولا يزال يعمل العجائب في حياة النّاس. محبَّة المال والطمع تدفع النّاس إلى أبشع الممارسات مثل السرقة والنفاق والنصب والاحتيال والزنى والخيانة وحتى القتل. وكم أدى المال إلى فساد رجال السياسة ورجال السلطة، سواء كانت سلطة مدنية أو عسكرية أو حتى دينية. يحول المال النّاس اللطفاء إلى وحوش كاسرة، ويدمر علاقات إنسانية رائعة بين النّاس.
محبَّة المال تدفع البعض إلى خيانة أوطانهم وشعوبهم. وتدفع الموظف أو العامل إلى سرقة المؤسسة أو المصنع الذي يعمل فيه. محبَّة المال تدفع القوي إلى استغلال الضعيف، وتدفع رجالاً ونساءً إلى الدعارة والسقوط في أحضان الخطيَّة.
كان يهوذا يسرق من الأموال القليلة التي كانت تلقى في الصندوق. ومع أن يهوذا سمع تعاليم الرّب يسوع ضد السّرقة وضد الطمع وضد محبَّة المال، إلا أن كل ذلك لم يؤثر في حياته، لأنه أراد التمتع الوقتي بالمال والخطيَّة. ورويداً رويداً أصبح بليد الشعور، ومن سرقة صغيرة إلى سرقة أكبر ثم إلى أكبر خيانة، لأن الثمن كان كبيراً جدّاً، أي ثلاثين من الفضة، وهذا المبلغ كان يعادل ثمن عبد بحسب شريعة العهد القديم. (خروج 32:21). يدل عرض رجال الدّين بدفع ثمن عبد للقبض على رب المجد يسوع على مقدار الكراهيّة والكبرياء في قلوبهم. ويبرهن قبول يهوذا لهذا المبلغ على درجة السّقوط الرّوحي والأخلاقي التي هبط إليها. لقد أعطى يهوذا المال والطمع فرصة للسيطرة على حياته. لقد أصبح عبداً للمال ولم يعد يرى أي شيء إلا مصلحته الخاصة جداً.
كان يهوذا تلميذاً للرَّب، ولكن ذلك لم يمنعه من السرقة والخيانة، لأن محبته للمال فاقت محبته للرَّب. وهذا تنبيه لنا أن نبقي محبتنا وثقتنا بالرّب قوية لكي لا ننهزم ونسقط بسبب الطمع ومحبَّة المال.
في قصة سكب مريم للطيب على قدمي الرّب يسوع نجد موقفاً صحياً ورائعاً من المال: فبالنسبة لمريم رأت في المال وسيلة لتعبر عن محبتها وعبادتها وتفانيها لشخص الرّب يسوع له المجد. أي أن مريم استخدمت المال لغرض صالح ومقدس. أما بالنسبة ليهوذا، فإن هذه المحبَّة الفيّاضة التي ظهرت في عمل مريم كانت خسارة، فيهوذا تحسّر على المال لأنه أراده لنفسه، وكأن لسان حاله كان يقول إن الرّب يسوع لا يستحق المال.
عبّرت مريم عن محبتها للرَّب بالعطاء غير المحدود، أما يهوذا، فإن المال كان عائقاً أمامه. وبقي يهوذا بعيداً عن الرّب لأن قلبه كان نحو المال، حتى قادته أطماعه أن يخون الرّب في سبيل المال. وهكذا فإن موقفنا من المال والممتلكات الأرضية يعكس بوضوح موقفنا وعلاقتنا بالرّب. نقرأ في تيموثاوس الأولى 6:6-10 "وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ، لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ. فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا. وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ النّاس فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ، لأَنَّ محبَّة الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ". أجل: محبَّة المال دفعت يهوذا إلى أن يتحالف مع الشيطان ضد رب المجد. لقد أحب المال أكثر من الرّب الذي سبق وأن سمعه يعلّم قائلاً: "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟" (متى 26:16). وهكذا ارتبط اسم يهوذا على مدى التاريخ بالعار والخيانة والطمع ومحبَّة المال.
السبب الثاني لخيانة يهوذا هو إتمام نبوات الكتاب المقدّس. نقرأ في العهد القديم عدداً كبيرا من النبوات التي تتحدث عن آخر أيام الرّب يسوع على الأرض، وعن صلبه، وموته، وقيامته، ثم صعوده حياً إلى السَّماء. وتوجد في جملة هذه النبوات آيات تتعلق بالخيانة التي سيرتكبها شخص ضد الرّب يسوع، وبأن هذا الشخص سيكون من مرافقيه، وبأنه سيقبض ثمن هذه الخيانة مبلغ ثلاثين من الفضة، وبعد ذلك يندم ويعيد المال ويموت في خطاياه.
*. زكريا 11:11-13: "فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي وَإِلاَّ فَامْتَنِعُوا". فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَقَالَ لِي الرّب: "أَلْقِهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ". فَأَخَذْتُ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ الرّب".
*. مزمزر 9:41: "أَيْضاً رَجُلُ سَلاَمَتِي الَّذِي وَثَقْتُ بِهِ آكِلُ خُبْزِي رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!".
*. مزمور 8:109: "لِتَكُنْ أَيَّامُهُ قَلِيلَةً وَوَظِيفَتُهُ لِيَأْخُذْهَا آخَرُ".
*.مزمور 25:69: "لِتَصِرْ دَارُهُمْ خَرَاباً وَفِي خِيَامِهِمْ لاَ يَكُنْ سَاكِنٌ".
*. مزمور 28:69: " لِيُمْحَوْا مِنْ سِفْرِ الأَحْيَاءِ وَمَعَ الصِّدِّيقِينَ لاَ يُكْتَبُوا ".
يعرف الله النّهاية من البداية. وقد عرف الرّب يسوع حقيقة شخص يهوذا من بداية دعوته له، حيث قال عنه لجميع التّلاميذ وبحضورة: " أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: "أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ الاِثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ. قَالَ عَنْ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ لأَنَّ هَذَا كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يُسَلِّمَهُ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ". (يوحنّا 70:6-71). لم تكن خيانة يهوذا لشخص الرّب يسوع قضاءً مفروضاً عليه، بل كانت عملاً اختار يهوذا القيام به بكل إرادته، وعرف الله هذه الحقيقية حتّى قبل سقوط يهوذا في مستنقع الخيانة المخزي.
السّؤال الثاني: ما الذي خسره يهوذا بسبب خيانته؟
1. أول وأفظع خسارة أصابت يهوذا كانت خسارة حياته الأرضية بالانتحار، علماً بأن قتل النفس خطية. قادت الخيانة إلى الانتحار. ينسى الإنسان أو يتناسى في لحظة ارتكاب الخطيَّة، أن نشوة ولذة الخطيَّة اللحظية تقود إلى نتائج فظيعة ومدمرة وخطيرة. فعندما استلم يهوذا المال فرح بهذه الثروة الكبيرة التي أخذها من رجال الدين اليهود، ولكن فرحته لم تدم، وأدرك سريعاً بشاعة ما عمله.
نقرأ في متى 3:27-6 "حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً. فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ".
*مات يهوذا قبل أن يموت الرّب يسوع.
*عُلّق يهوذا على حبل المشنقة قبل أن يعلق الرّب يسوع على عود الصليب.
*أطلق يهوذا حكم الموت على نفسه قبل أن يطلق بيلاطس حكم الموت صلباً على يسوع.
*مات يهوذا بحبل المشنقة، قبل أن يضرب الرّب يسوع بالسياط.
*مات يهوذا في عبوديّة إبليس والخطيَّة، قبل أن يطلق سراح باراباس.
*التف حبل المشنقة على رقبة يهوذا، قبل أن يوضع إكليل الشوك على رأس الرّب يسوع.
*مات يهوذا وبقي في قبره. ومات الرّب يسوع بعده، ولكنه قام في اليوم الثالث.
*يعاني يهوذا من الدينونة والعذاب إلى الأبد، ويملك الرّب يسوع في مجده الى الأبد.
2. الشيء الثاني الذي خسره يهوذا هو غفران الرّب يسوع له. صحيح أن يهوذا أدرك أنه قد أخطأ كما قال لرجال الدين في متى 4:27 "قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً". وكنا نتوقع أن يتوب يهوذا بعد إدراك خطئه، أي يجب تتم التّوبة بعد إدراك الخطأ، أما يهوذا فلم يتب؛ بل قتل نفسه مخالفاً ناموس الرّب القائل "لا تقتل" (خروج 13:20).
عندما عُلِّقَ الرّب يسوع على الصليب، صلى إلى الآب قائلاً: "يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لوقا 34:23). واستجاب الآب لطلب الرّب يسوع، وغفرت خطايا من صلبوا رب المجد، إلا يهوذا فقد خسر الغفران لأنه انتحر وأخذ حياته بيديه.
3. الشيء الثالث الذي خسره يهوذا هو السَّلام في القلب والنفس والرّوح. قال الرّب يسوع في يوحنا 27:14 "سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ". لم يعطِ المال ليهوذا أي راحة أو سلام في القلب، بل إحساس بالعار والفشل، لذلك ندم على عمله وانتحر بسبب عذاب الضمير. لقد خسر السَّلام وامتلأت حياته بالاضطراب. أي أنّ فقدان السَّلام قاده للانتحار. وما أكثر الذين ينتحرون في أيامنا بسبب الصراع النفسي الذي يعانون منه حيث لا سلام في العقل أو القلب أو الوجدان.
4. الشيء الرابع الذي خسره يهوذا هو اختبار حلول الروح القدس، والقوة التي تُحْدِث التغيير الحقيقي في حياة الإنسان. فبعد أربعين يوماً من انتحار يهوذا، وعد الرّب يسوع التلاميذ الأحد عشر في أعمال الرُّسل 8:1 بأنهم سينالون قوة بحلول الروح القدس عليهم ليشهدوا لكل العالم عن محبَّة الله التي تجسدت في موت الرّب يسوع وقيامته وهبة الحياة الأبدية. وتم الوعد حقاً بعد عشرة أيام من صعود الرّب يسوع حياً إلى السَّماء، أي في يوم الخمسين أو يوم العنصرة.
5. الشيء الأخير والأهم هو أن يهوذا خسر حياته الأبدية مع الله في ملكوت السماوات، وبدل ذلك فهو الآن يتعذب في لهيب الجحيم.
السّؤال الثالث: ما هي الدروس التي نتعلمها من حياة يهوذا ومن خيانته للرَّب؟
1. الخطيَّة خادعة جداً ولا تفي بوعودها: دخل الشيطان قلب يهوذا عندما أخذ لقمته الأخيرة في عشاء الفصح مع الرّب يسوع والتلاميذ، وظن يهوذا أن المال والمركز سيأتيان سريعاً، ولكن الذي جاء حقاً هو الحسرة والندم والموت والانفصال الأبدي عن الله.
2. من الممكن أن يكون الإنسان قريباً من الرّب، وأن تكون له شركة وعلاقة مع المؤمنين، وأن يشترك في الخدمة، ومع ذلك لا يختبر هذا الشخص الخلاص. فمن الممكن أن يتبع إنسان معين شخص الرّب يسوع ولكن هذا الاتباع يكون ظاهرياً وليس من القلب. تماماً كما قال الرّب يسوع في متى 21:7-23: "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ". لقد اعتمد يهوذا مثل بقية التلاميذ، كما وأنه وعظ بالإنجيل، ومع ذلك فإنه لم يحصل على الخلاص نهائياً. هذا الكلام يعني أن الحضور إلى الكنيسة والاشتراك في خدماتها لا قيمة له إن لم يسلم الإنسان قلبه بالكامل للرَّب، ويقبله مخلصاً شخصياً لحياته.
3. من الممكن أن تتاح للإنسان فرص عديدة للتّوبة، ومع ذلك يصرّ على عناده وعلى حياة الخطيَّة. كان لدى يهوذا فرص عديدة للتّوبة. فالرّب يسوع أجلسه بجانبه في عشاء الفصح، وغسل رجليه مثل بقية التلاميذ، وأثناء غسل الأرجل قال الرّب يسوع: "لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ" (يوحنا 11:13)، ولا بد أن هذه الكلمة كانت كالسهم الموجّه إلى ضمير يهوذا ليستقيظ ويتوب، ومع ذلك أصر يهوذا على خيانته للرَّب.
4. يترك الله الإنسان ليسير في الطريق الذي اختاره، وينفذ القرارات التي يتخذها. فالرّب لا يفرض نفسه على أحد، بل يتركنا لنعيش بحسب قراراتنا وأرادتنا. نقرأ في يوحنا 27:13 "مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ". فالرّب ترك يهوذا ليعمل ما يريده، وهذا ما حصل فعلاً.
5. الندم والحسرة بدون توبة حقيقية تقود إلى اليأس والفشل. تنتج الخطيَّة إحساساً فظيعاً في قلب الإنسان بالذنب والعار والأسف، ولكن ذلك لا يكفي، لأن الذي يعيد علاقتنا مع الله هي التّوبة، أي تغيير الفكر والعقل وطريق الحياة، والبدء مع الله من جديد بالاعتراف بالخطيَّة وطلب الغفران.
سيرة يهوذا تتحدانا اليوم:
هل نبق أمناء للرَّب في كل شيء، أم نخونه في وقتنا وأموالنا وسيرتنا؟
هل نبيع الرّب مقابل حفنة من المال وشهوات العالم، أم نسير معه حتى النهاية؟
يدعونا الله الى أن نكون امناء دائماً، لكي نحصل على السعادة الحقيقية وبالتّالي على الحياة الأبدية.