نقرأ في الأصحاح العشرين من إنجيل يسوع المسيح بتدوين متّى:-
1 مَثَل العمّال 18 إنباء المسيح تلاميذه بتسليمه إلى رؤساء كهنة اليهود وإلى الرومان وجلده وصلبه وموته وقيامته في اليوم الثالث 21 طلب أمّ ابنَي زبدى إلى المسيح أن يجلس ابناها عن يمينه وعن يساره في ملكوته.
30 إبراء المسيح أعمَيَين بعد خروجه من أريحا؛ وقد ذكر مرقس 10: 46 اسم واحد منهما- بارْتِيمَاوُس ابْنُ تِيمَاوُسَ- كذا لوقا 18: 35 ولم يذكر الثاني! لسببين في تقديري؛ الأوَّل: أنّ الأعمى الثاني لم يكن معروفًا بالإسم أو أنّ قصّته لم يذع صيتها مثل الأوّل. والثاني: أنّ مرقس ولوقا لم يكونا من تلاميذ المسيح، في وقت كان متّى تلميذًا مرافقًا، فركّز الإنجيليّان على المعروف بالإسم أو الذي اشتُهِر شفاؤه أكثر من الآخر. فالمهمّ أنّ معجزة الشفاء حصلت، أمام شهود عيان وفي وضح النهار، سواء لشخصين أو لشخص واحد.
وفي التفسير المسيحي أيضًا- بتصرّف: [أنّ صراخ هذين الأعمَيَين قائِلَين: {ﭐرْحَمْنَا يَا سَيِّدُ يَا ابْنَ دَاوُدَ} كان اعترافًا منهما بمَسِيّانيّته. لقد أبصرا الحقيقة بقلبَيهما بأنه ابن داود الموعود الذي سيعطي البصر للعميان ويقوم بأعمال معجزيّة أخرى... فَلمسَ المسيح أعينهما وفي الحال حصلا على الإبصار وتبعاه في الطريق. فبينما رفضه المعظّمون في إسرائيل والمُبَجَّلون، وجدنا أن هذين الإثنين، اللذين كانا أعمَيين منذ سنين ويتسوّلان، قد عرفا أنه الملك الحقّ لإسرائيل وأقرّا به هكذا بكلّ سرور]- بقلم هنري أ. أيرونسايد.
والجدير ذِكرُه أنّ الإنجيليّين الثلاثة أكّدوا حضور المسيح إلى أريحا وأنّه صعد منها إلى أورشليم صعودًا علنيًا، بصفته ملِك أورشليم الحقيقي. وقد يستنتج القارئ-ة الذي لا معلومات جغرافية لديه من القول "صعد من أريحا إلى أورشليم" أنّ أورشليم أعلى من أريحا. وللعلم أنّ أريحا (أو ريحا) واقعة تحت مستوى سطح البحر بـ 846 قدمًا (258 مترًا) أو 825 قدمًا، حسب إحصائية أخرى، ما جعلها أوطأ مدينة على سطح الأرض.
وقد كتبت في ما مضى عن قضية الصلب والفداء، وعن النبوءات عنها وعن إنباء المسيح شخصيًّا تلاميذه عن هذه القضية أزيد من مرّة، أزيد من مقالة ولا سيّما "وقفة تأمّلية في طريق الجُلجُثة" (1) وسلسلة "جذور صلب المسيح" (2) لمن أراد-ت الاطّلاع.
لذا سأنتقل إلى الأصحاح الحادي والعشرين. وفيه:
1 دخول المسيح إلى أورشليم وسط ابتهاج الشعب 12 إخراج الباعة من الهيكل 19 لعن شجرة التين 24 إفحام رؤساء الكهنة 28 مَثَل الإبنَين 33 مَثَل الكرّامِين السّافكين الدم.
وفي هذا الأصحاح خمس إشارات إلى العهد القديم:
الإشارة الأولى
{قولوا لابنة صهيون: هوذا مَلِكُكِ يأتيكِ وديعًا، راكبًا على أتان وجحش ابن أتان}+متّى 21: 5 والإشارة إلى سِفر أشعياء 62: 11 وإلى سِفر زكريّا 9:9
وقد اقتطفت التالي من التفسير المسيحي- بتصرّف- والتأمّلات كثيرة ومعانيها متّفقة مع روح النّصّ الإنجيلي وإن اختلفت أعراق المفسِّرين وطوائفهم، لأنّ جوهر الإيمان واحد:
الأوّل: [كانت أعمال يسوع المسيح دائمًا في وقتها وفي محلِّها. والوقت قد حان لدخوله إلى مدينة داود على هيئة ملكية رسمية بمحفل عظيم من شعبه لكي يقبلوه أو يرفضوه علنًا ورسميًا. ولم يفعل ذلك قبل الآن؛ إذ كان عليه أوّلًا أن يعلن حقيقة كونه الملك الشرعي بتعاليمه وأن يُقيم الدليل عليها بمعجزاته.
لقد ترك الوحي لفظتين من كلام النبي زكريّا؛ هُما {عادل ومنصور} لأنّ المسيح لم يحضر وقتئذٍ مُجرِيًا العدل ومُنتصرًا على أعدائه. لا شكّ أنه سيأتي هكذا في المُستقبَل (انظر-ي المزمورَين 2 و45 والرؤيا 19: 11-21) وابنة صهيون التائبة المُتذلّلة ستُرحب به ترحيبًا قلبيًا. لكنه أتاها أوّلًا بالوداعة والتواضع فلم تقبله. على أن الجموع المرافقة في الطريق تأثّرت وقتيًا وأظهرت علامة الفرح والخضوع له، لكن غيرتها الشديدة، وإن كانت في محلِّها، فترت تجاه مُقاومة الرؤساء]- بقلم بنيامين بنكرتن.
والثاني: [ممّا لا ريب فيه أن أولئك الذين رحّبوا بالمسيح داخلًا إلى أورشليم، راكبًا على أتان، قد فكّروا أنّ ساعة انتصاره قد أتت، واعتقدوا أنه على وشك أن يفرض سلطته الملكية ويبدأ حكمه السعيد الكريم على إسرائيل، جاعلًا من أورشليم مركز عالم متجدّد. كل شيء يحدث في الوقت الذي يحدّده الله، لكن للمسيح عملًا آخر لينجز أوّلا. هكذا فإنّ دخول المدينة وسط الهتاف والتصفيق والاستحسان الذي قابلته به عامّة الناس كان تمهيدًا لموته على الصليب الروماني، حيث كان عليه أن يصير كفّارة استرضائية، وليس مصالحة فقط، عن خطايا الشعب (عبرانيين 2: 17) وكما رأينا بالنسبة له أنْ لا ملكوت بدون الصليب. فكان أولئك الذين ابتهجوا بمجيئه إليهم قليلي الإدراك ليعرفوا حقيقة الأمور، وما كانوا يفهمون نبوءات الأنبياء عن آلام المسيح. إنّما كان هذا الحادث تكرارًا لذاك الذي حدث قبل قرون مضت، عندما رحّبت المدينة بسليمان بن داود ملكًا (الملوك الأول 1: 38- 40) فالذي لم يكن سليمان سوى رمز له قد صار الآن في وسطهم! ومع ذلك فالذين لم يعرفوه كثيرون: {ولَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارتَجَّتِ المَدِينَةُ كُلُّها قائِلَة: مَنْ هذا؟ فقالت الجموع: هَذا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ ناصِرَةِ الجَلِيل}+ متّى 21: 10-11
بإيمان مُتَّقد؛ أعلنت الحشود المُبتهجة يسوعَ نبيّا. لا بدّ أن معظمهم كان جليليًّا وقد جاؤوا وهم مقتنعون بأنه كان نبيًّا صادقًا فعلًا، وتمامًا كما كان يقول. إنّما الذين رحّبوا بيسوع بصخب شديد سلكوا بتوافق كامل مع كلمة الله عندما اعترفوا به الابن الحقيقي لداود الذي سيملك في صهيون. وكما في مناسبات أخرى كثيرة؛ برهن كهنة اليهود والكتبة، في هذا الاحتفال الخطير، على أنهم بعيدون عن هذه الواجهة كُلِّيًّا، على رغم معرفتهم بحرفيّة الكلمة...]- بقلم هنري أ. أيرونسايد.