هذه الوقفة تخصّ الصـلاة التي في الكتاب المقدَّس. وكلٌّ من المكتبات المسيحية والمواقع الالكترونية المسيحية زاخر بموضوع الـصلاة وما يتعلَّق بها من معنى وضرورة وواجب وفائدة. فإذا وضعت على گوگل "قوة الصلاة" تجد تفاصيل باهرة ورائعة، بينما تجد الصلاة في ديانات مختلفة في كتب أخرى وعلى مواقع أخرى ومنها ويكيپيديا: صلاة. وسأحاول الإجابة على جوانب من الصلاة بشكل "سؤال وجواب" للسهولة، لأن موضوعها طويل ومتنوّع ومتشعّب، في ضوء تأمّلات شخصية مستوحاة من الكتاب المقدَّس:
1 ما هي الصلاة؟ إنها تواصل مستمر مع الله أنّى كان ظرف المؤمن بالله: {واظِبوا على الصَّلاة}+ تسالونيكي الأولى 5: 17
2 أين ذُكِرت الصلاة أوّل مرّة في الكتاب المقدَّس وحَرفيًّا؟ بصيغة الإسم: صلاة حَنَّة أمّ صموئيل- آخر قُضاة بني إسرائيل- في سِفر صموئيل الأوَّل 1: 12 أمّا بصيغة الفعل المضارع "يصلّي" فقد وردت في كلام الله إذ أوحى إلى أبيمالك في حُلم قائلًا: {فالآن رُدَّ امرأة الرجل (إبراهيم) فإنّه نبيّ فيصلّي لأجلك فتحيا...}+ تكوين 20: 7 وأمّا بصيغة الفعل الماضي "صلّى" فمكتوب أنّ إبراهيم صلّى إلى الله وقد استجاب الله لصلاته: {فصلّى ابراهيم الى الله. فشفى الله أبيمالكَ وامرأتَهُ وجواريَه فوَلَدنَ}+تكوين 20: 17
3 مَن عَلَّمك الصلاة؟ يسوع المسيح، خلال الموعظة على الجبل.
4 ماذا قال يسوع عن الصلاة؟ قال ضمن الموعظة: {ومتى صَلَّيتَ فلا تكنْ كالمُرائين، فإنهم يُحبّون أن يصلّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظهروا للناس. الحقّ أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم! وأمّا أنت فمتى صلَّيتَ فادخُلْ إلى مخدعك وأغلق بابك، وصَلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية. وحينما تُصلّون لا تكرِّروا الكلام باطلًا كالأمم، فإنهم يظنّون أنّ بكثرة كلامهم يستجابُ لهم. فلا تتشبَّهوا بهم. لأنَّ أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه}+متّى 6: 5-8
وقد قصد في قوله {أبوك، أباك، أبيك} الأب السماوي أي الله، لأنّ علاقة المسيحي مع ربّه صارت بالمسيح علاقة أب مُحبّ مع أولاده وليست علاقة سيّد مع عبد: {إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وخاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ المُؤمِنُونَ بِاٌسْمِه}+ يوحنّا\ الأصحاح الأوَّل.
وتعليقي في مناسبة ذكر المُرائين، ما من المؤسف ذكره؛ هو أنّي رأيت أحد المصلِّين مرّة، عابس الوجه، فظًّا في التعامل مع الناس، بعد انتهائه مِن أداء الصلاة، كأنّه مَنَّ على الناس بصلاته. فالمفترض أنّ الصلاة طهّرته من الداخل ولطَّفت طلعته في الخارج؛ لأنّ من أحبَّ الله، بعد محاولة التقرّب إليه بالصلاة، وجب عليه أن يحبّ سائر خليقة الله إذ أحبَّها الله فخلقها. قلتُ له: ما شأن الناس بك إذا صلّيت وما شأنك بالنّاس مِن غير المصلِّين؛ هل عيَّنك الله رقيبًا عليهم، ألا يحاسب الله الجميع يوم الحساب؟ فإذا صلّيت وأنت تفكّر بهذه الطريقة فأغلب ظّنّي أنّ صلاتك مرفوضة، حتى إذا قضيت عمرك كلّه في الصلاة. وأظنّ أيضًا أنّ عقاب المذنبين مِمّن يعرفون الله، يوم الحساب، أقسى مِن عقاب البعيدين عن الله ومِن عقاب الذين لم يعرفوا الله. قال السيد المسيح: {لا تَدينوا، فلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أحدٍ، فلا يُحكَمُ علَيكُمْ. إِغفِروا، يُغفَرْ لكُم}+لوقا 6: 37
5 ماذا قال آباء الكنيسة القديسون عن الصلاة؟ أقوالهم في آثارهم وفي كتب تفسير الكتاب المقدَّس. وبالمناسبة مثالًا؛ يجد الباحث-ة "وصايا القديس أغسطينوس العشر عن الصلاة" في المكتبات المسيحية، كما أشرت أعلى، وعلى الانترنت.
6 ما هي الصلاة التي عَلَّمَ يسوعُ تلاميذَهُ والشعب؟ الصلاة الرَّبِّيَّة أو الربّانية- حسب الترجمة المشتركة: {أبانا الّذي في السَّماوات، ليتَقدَّسِ اَسمُك، ليأتِ مَلكوتُك، لتكُنْ مشيئتُك، في الأرضِ كما في السَّماء. أعطِنا خُبزَنا اليَوميّ، واَغفِرْ لنا ذُنوبَنا كما غَفَرنا نَحنُ لِلمُذنِبينَ إلَينا، ولا تُدخِلْنا في التَّجرِبَة، لكنْ نجِّنا مِنَ الشِّرِّير}+ متّى\6 ولوقا\11 وهي التي يصلّيها كل مسيحي-ة بلغته. وسأذكر سبب اختياري الترجمة المشتركة في القسم الثاني من المقالة، في معرض ردّ على نقد.
7 كيف نعلم أننا نصلّي كما ينبغي أن تكون الصلاة؟ إنّ الروح القدس يرشد المؤمن-ة ويُعِينه على ضَعفه ويشفع له عند الله+ رومة 8: 26
8 ما الظروف التي تسمح للإنسان بالصلاة وما التي تمنعه؟ إن الصلاة ممكنة في نظري أيًّا كانت الظروف. وفي نظري أيضًا؛ أنْ يكون الله ماثلًا بين عيني الإنسان، كلّ حين وفي كل مكان، حالة من حالات الصلاة. والمعنى: أنّى كان ضمير الإنسان حيًّا وتفكيره سليمًا وعمله صالحًا فهو في حالة صلاة. عندما أفكّر بضمير مرتاح يرضي الله فإني أصلّي. وعندما أحبّ الآخرين ولا أؤذي أحدًا منهم بكلمة جارحة أو فعل قبيح فإني أصلّي. وهكذا عندما أنجز عملًا ما مقبولًا عند الله.
وبالمناسبة؛ وَصَفَ الموسيقار الراحل منير بشير الموسيقى بأنها علاقة تواصل مع الله، أي أن الموسيقى في نظره صلاة من طراز خاصّ. فنصح الجمهور مرّة، خلال حلوله ضيفًا على برنامج الإعلامية جِيزَيل خوري "حوار العمر" قُبَيل رحيله أواخر سبتمبر 1997 بالتوقف عن إظهار علامات الإعجاب (الصفير والتصفيق والتطبيل) خلال أداء الفنان عمله، كأنه قال "لا تقطعوا على الفنان صَلاته" كما أشاد بأدب لياقة أهل الذوق في هنغاريا من الذين حضروا له عددًا ممّا عزف (على العود) هناك، عِلمًا أن زوجة الراحل هنغارية.
9 ما المطلوب في الصلاة أوّلًا؟ {ملكوت الله وبِرّه}+متّى 6: 33
10 ما الدليل على استجابة الله للصلاة؟ لقد رأينا كيفية استجابة الله لصلاة إبراهيم في العهد القديم. أمّا في العهد الجديد فمتى عاش المؤمن-ة باستقامة فإن الله يستجيب إلى طلبته إذا طلبها باٌسم ابن الله (1) يسوع المسيح إذ قال: {ومَهْمَا سَألتُمْ بِاسْمِي فذلِكَ أفعَلُهُ لِيَتمَجَّدَ الآبُ بالابْن}+يوحنّا 14: 13
وفي الإنجيل أيضًا: {11 وهذه هي الشهادة: أن الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه.... 14 وهذه هي الثقة التي لنا عنده: إنْ طَلَبْنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا. 15 وإن كنّا نعلم أنْ مهما طلبنا يسمع لنا، نعلم أنّ لنا الطلباتِ التي طلبناها منه} +يوحنّا الأولى\5
أمّا إذا شعر المؤمن بتأخر استجابة الله لصلاته فلا بدّ من وجود سبب ما. وفي هذه الحالة؛ توجد احتمالية مرور المؤمن بتجربة ما ظرفية، قد يطول أمدها وقد يقصر، لكن عليه أن يشكر الله دائمًا ويحمده على أيّة حال، لأنّ الله يعرف عواقب الأمور فيستر ويدفع ما هو أقسى وأمَرّ. ولا ريب في أنّ استجابة الله للصلاة يقرِّرها الله. فكم شكرت الله على صليب حملته قائلًا: أشكرك ربي وإلهي إذ مكّنتني من حمل هذا الصليب روحيًّا ومعنويًّا وماديًّا. أو: أشكرك ربّي لأنك لم تحمِّلني صليبًا أثقل فإنّ طاقتي على التحمّل محدودة ومتواضعة.
11 أين مكان الصلاة الانفرادية؟ حيثما وُجِد مكانٌ مناسب لها. وهذا من البديهيات.
12 أين مكان الصلاة الجَماعية: كما سبق؛ قال الرب يسوع: {حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باٌسمِي فهُناكَ أَكُونُ في وَسْطِهِمْ}+ متّى 18: 20 فالقدّاس الإلهي (اجتماع العبادة) وبالآراميّة (قُربانا قدّيشا) تنفيذ لقول السيد المسيح لتلاميذه خلال عشاء الفصح الأخير {اصنعوا هذا لذِكْري}+ لوقا\22 وكورنثوس الأولى\11 أمّا آداب الصلاة، ولا سيّما الجَماعيّة فلا يتسع المجال هنا لذكرها، لكنّها معروفة في تقليد كل طائفة.
13 أين اتجاه الصلاة: لا يوجد في المسيحية اتجاه محدد؛ لأن الله موجود في كلّ مكان مالئ الكون، وهو يرى المصلّي، ويسمع تضرّعاته سواء أصلّى بشفتيه أم بقلبه.
14 هل تجوز الصلاة لغير الله؟ كلّا؛ إنها لله فقط، شأنها شأن السجود والتسبيح والاستغفار والشكر والحمد. لأنّ الله هو الذي يلبّي دعوة المؤمن-ة ويُنعم عليه ويبارك.
15 ما قولك عن الوساطة أو الشفاعة؟ شأنها متروك للمؤمن-ة (2) ومعلوم أنّ الله يُجازي حسب القلب أو النيّة!
16 هل يُصلّي الله على إنسان أيًّا كان أو مِن أجل إنسان؟ كلّا قطعًا، لمَن يُصلّي الله؟ إنّ الله لَأسمى منزلة من مخلوقاته، بدون استثناء، فهي مَن وجب عليها تسبيحه والتمجيد والعرفان بالجميل والشكر على نعمه والبركات. فالصلاة تنطلق من الخاطئ إلى الغافر لا العكس!
أمّا صلاة الإنسان من أجل أخيه الإنسان فهي جائزة وموصًّى بها، إذ نصّت عليها آية إنجيلية حَرفيًّا: {اِعتَرِفُوا بَعضُكُمْ لِبَعضٍ بالزَّلات، وصَلُّوا بَعضُكُمْ لأَجْلِ بَعْض، لِكَيْ تُشْفَوا. طلبَةُ البارِّ تَقتدِرُ كثِيرًا فِي فِعلِها}+ يعقوب 5: 16
وإليك مثالًا آخر من العهد القديم، بالإضافة إلى صلاة إبراهيم المذكورة أعلى: {وَالآنَ فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ واذهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ...}+ أيّوب 42: 8
17 هل تعرف أحدًا من أتقياء الله ممّن أشار الكتاب المقدَّس إلى صلواتهم، بالإضافة إلى إبراهيم وأيّوب وحَنّة؟ إليك نماذج من العهد القديم: إسحاق، يعقوب، موسى، يشوع، صموئيل، داود، إيليا، أليشع، حَزَقِيَّا، دانِيال. ومن العهد الجديد: السيدة العذراء ابتداء بـ (لوقا 1: 46) وحَنّة النبيّة بِنْتُ فَنُوئِيلَ (لوقا 2: 37) ورُسُل المسيح واستفانوس شهيد المسيح الأوّل. أمّا الملائكة فقد ذكرهم البشير لوقا في قصّة ميلاد يسوع المسيح وهم يسبّحون الله قائلين: {الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وبالنَّاسِ المَسَرَّة}+ لوقا 2: 14 واكتفيت بهذا القدر.