حضور الشّيطان وقائع صلب المسيح
ما سجّلت الرواية الإنجيلية حضور الملاك جبرائيل (إسلاميًّا: جبريل) خلال صلب المسيح ليكون شاهد إثبات. ولم تسجّل حضور غيره من الملائكة سوى الساقط- الشيطان- وكان هدف هذا عرقلة مشروع الفداء الإلهي وإيقاف تنفيذه ما استطاع. فتكلّم بلسان بطرس- تلميذ المسيح- فانتهره السيد المسيح. حدث هذا قطعًا قبل حلول الروح القدس على التلاميذ (أعمال الرسل 2: 1-4) بعد صعود المسيح إلى السماء. وهذا هو روح الحقّ- الروح المعزّي- الذي وعد السيد المسيح تلاميذه بأن يرسله إليهم (يوحنّا 14: 17 و15: 26 و16: 13 و1يوحنّا 4: 6) لكن الدّجّال ابن إسحاق، ذا الخلفيّة النصرانية، نسب هذا الرّوح إلى رسول الإسلام فنقل عنه مفسِّرو القرآن وتاليًا الدّجّال أحمد ديدات والشيخ الأنيق عدنان ابراهيم الدّاعي إلى البحث وتقصّي الحقائق إلّا ما صبّ في مصلحة الإسلام- شكرًا للأخ رشيد على فضح الدجاجلة ببراهين قاطعة- انظري براهينه في الرابط (1) المذكور تحت.
ثمّ دخل الشيطان في قلب يهوذا الإسخريوطي لكي يسلِّم السّيّد المسيح إلى كهنة اليهود (يوحنّا 13: 2) لكنّ عمليّة الصلب كانت في الطريق إلى حيّز التنفيذ حتميًّا وبدون تأخير؛ سواء أبخيانة يهوذا أم بغيرها (2) عِلمًا أنّ السّيّد المسيح قد رفض تدخّل الملائكة لإنقاذه من الصلب- ردًّا على جهلة مستهزئين بقولهم: (كيف لا ينقذ الله ابنه؟) والدليل أنّ المسيح أمر بطرسَ بأنْ يردّ سيفه إلى غمده (متّى 26: 52 ويوحنّا 18: 11) قائلًا له: {أتَظُنُّ أنّي لا أستطيعُ الآن أَنْ أطلُبَ إلى أبي فيُقَدِّمَ لي أَكثَرَ مِنِ اثنَيْ عَشَرَ جَيشًا مِنَ الْمَلائِكة؟}+ متّى 26: 53 إنّما الذي حصل فالعكس تمامًا؛ إذ {قال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد! الكأس التي أعطاني الآبُ أَلا أَشرَبُها؟}+ يوحنّا 18: 11 وفي الإنجيل أيضًا: {وبَعدَ هذا الكلام، رفَعَ يَسوعُ عَينَيه إلى السَّماء وقال: يا أبي جاءَتِ السّاعة: مَجِّدِ اَبنَكَ ليُمَجِّدَكَ اَبنُك. بما أعطيتَهُ مِنْ سُلطانٍ على جميعِ البَشَرِ حتّى يهَبَ الحياةَ الأبديَّةَ لِمَنْ وهَبتَهُم لَه. والحياةُ الأبديَّةُ هي أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا يَسوعَ المَسيحَ الّذي أرْسَلْتَه. أنا مَجَّدْتُكَ في الأرضِ حينَ أتمَمتُ العَمَلَ الذي أعطَيتَني لأعمَلَه. فمَجِّدْني الآنَ يا أبي عِندَ ذاتِكَ بالمَجدِ الّذي كانَ لي عِندَكَ قَبلَ أنْ يكونَ العالَمُ...}+ بداية يوحنّا\ 17 ومَن احتاج إلى مزيد من الفهم فليس أمامه، بعد إرشاد الروح القدس، سوى قراءة التفسير المسيحي المتيسّر في كتبه وعبر الانترنت.
لكنّي أردّ على المنتقد-ين أيضا بواحدة من أشهر آيات الإنجيل، لعِلمي أنّ المنتقد لم يقرإ الإنجيل إلّا باحثًا عن غلطة ما أو تناقض، والأرجح أنه نقل من صفحة الكترونية مخصّصة لنقد الكتاب المقدَّس: كيف يُدافع الله عن ابنه في وقت {أَحَبَّ اللهُ العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحِيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ به، بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَديّة}+ يوحنّا 3: 16 أي أنّ الله قد أعدّ ابنه لإنجاز مهمّة فداء البشر لخلاصهم فكيف يُبعِد ابنه عنها مهما بلغت قسوتها ومرارتها؟ عِلمًا أنّ المسيح، لا غيره، مؤهَّل لأدائها بنجاح في الوقت المخصَّص لها وفي المكان المحدّد- حسب النبوّات. إنّما رأي الله ثابت ومدروس بدقّة وقراره حاسم من المستحيل أن يغيّره بآخَر. أمّا سبب الفداء وسبب تكليف المسيح به فقد شَرَحَهما جناب القمّص زكريّا بطرس بتفصيل في إحدى حلقات برنامج (أسئلة عن الإيمان) وشرحُهُ متوفّر على يوتيوب تحت عنوان: شروط الفادي الذي يكفّر عن خطايا البشر. ومدّة المقطع حوالي 28 دقيقة.
ـــ ـــ
سؤال منطقي عن مواقف الشيطان المتغيّرة
قد يخطر السؤال التالي حتّى في ذهن المسيحي-ة خلال قراءة الإنجيل ولا سيّما أحداث صلب المسيح؛ كيف غيّر الشيطان رأيه، إذ تكلّم بلسان بطرس في محاولة لإبعاد الصلب عن إرادة المسيح، ثمّ تراجع فحَثّ يهوذا الإسخريوطي- تلميذ المسيح الخائن- على تسليم المسيح إلى كهنة اليهود في محاولة ثانية؟ والجواب- وفق تأمّلي في الكتاب المقدَس:
رأينا أن الله ثابت على قراره. فإذا أردنا الحديث عن الشيطان فإنه أُلعُبان (ماكر مخادع) يحاول دفع الإنسان إلى التصرّف ضد وصايا الله وإلى أن يناقض نفسه بنفسه وإلى أن يغيّر موقفه ويستسلم لمزاجه. وقد رأينا أنّ الشيطان نطق بلسان بطرس محاولًا إيقاف مشروع الخلاص الذي يصبّ في مصلحة جميع أولاد آدم وحوّاء بدون أن يصبّ في مصلحته شيء ما منه. فلمّا انتهره يسوع ففشلت محاولته غيَّر موقفه! فدخل في قلب يهوذا الإسخريوطي لكي يجرِّب المسيح من جديد، بعدما فشلت تجاربه السابقة مع المسيح في أعقاب صوم المسيح أربعين يومًا (متّى 4: 1-11) والتجربة الجديدة: هل يستطيع المسيح أن ينتصر على الموت حقًّا، ممهِّدًا للقيامة وهي رجاء جميع الراقدين والراقدات؟ إذ لا رجاء للشيطان بعد إلقائه يوم الحساب العظيم في بحيرة النار المتّقدة بالكبريت مع الوحش والنبيّ الكذّاب (رؤيا 19: 20 و20: 10) فرأى بأمّ عينيه في نهاية المطاف أن المسيح قد قام من الموت بسلطان لاهوته منتصرًا على الموت. حقًّا قام!
ـــ ـــ
كهنة اليهود مصدر الشائعات الأوّل ما بعد الصَّلب
ما مَلّ الشيطان من ألاعيبه ولا كَلّ؛ فبعد فشل تجاربه مع السيد المسيح وفشلها أيضًا مع تلاميذه ورسله بعد حلول الروح القدس عليهم، دخل في الناس من غير المؤمنين ومن المشكِّكين فأضلّ كثيرين، حتّى سرت بين الناس شائعات؛ مصدرها الرئيسي- حسب دراستي- بعض كهنة اليهود الذين عاصروا زمن مجيء المسيح، رافضين التصديق بأنّه المَسِيّا المذكور في كتبهم والمنتظر منه- حسب ظنّهم- أن يجيء مَلِكًا "أرضيًّا" بحلّة داود الملك والنبي ليُعِيد إلى ممالك إسرائيل ازدهارها المفقود منذ زمن طويل نسبيًّا وينقذهم من حكم الأمم (والأمم تعبير عن الأمم الوثنيّة التي لا تعبد الله) ومن بينها الرومانية التي حكمت المناطق اليهودية زمن مجيء المسيح. إذنْ خابت ظنونهم كتابيًّا؛ إذ اعتبروا يسوع الناصري مُضِلّ الشعب بعد تأكيده شخصيًّا بأنه {ابن الله} خلال المحاكمة اليهوديّة وهو معروف عندهم بأنّه يسوع بن يوسف النجّار، كما خابت ظنونهم سياسيًّا؛ على أنّ المسيح لو كان المَسِيّا لحرَّرهم مِن حُكم الرّومان، كما تقدَّم، بينما جاء المسيح محرِّرًا من الخطيئة لأنها سبب كلّ شرّ: {فإِنْ حَرَّرَكُم الابنُ فبالحَقِيقة تَكُونون أَحرارا}+ يوحنّا 8: 36 وبعضهم اعتبره {معلِّمًا صالحًا} واعتبره آخرون نبيًّا "عاديًّا" من أنبياء الله. وقد خاف رؤساء الكهنة حصول مزيد من هذا "الضلال" فتنبّهوا إلى احتماليّة تسلّل تلاميذه إلى قبره لسرقة جسده فإشاعة قيامة المسيح من الموت بين الناس، كما المكتوب في كتبهم: {تعالَوا نَرجعُ إلى الرّبِّ لأنَّه يُمَزِّقُ ويَشفي، يجرحُ ويُضَمِّدُ، يُحْيينا بَعدَ يومينِ ويُقيمُنا في اليومِ الثَّالِثِ فنحيا}+ هوشع 6: 1-2 وهو ما أخبر به المسيح تلاميذه وأكّد عليه أزيد من مرّة: {ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسَلَّمُ إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت. ويُسَلِّمُونَهُ إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثالث يقوم}+ متّى 20: 18-19 وانظر-ي لوقا 24: 7 و46 فقيامة المسيح من الموت أرّقت كهنة اليهود وقضّت مضاجعهم. وما زالت الشائعات على قدم وساق إلى هذا اليوم، وتستمرّ حتّى المجيء الثاني المنتظر من السّيّد المسيح، إذ يجيء ديّانًا ومجيئُه قريب في نظر الرّبّ، ونظر الإنسان مختلف قطعًا عن نظره، وقريب وفق حسابه الزمني (السّمَاوي) حسابًا تختلف عنه جميع الحسابات الأرضيّة.
ومعلوم عن غالبيّة الشائعات افتقار كل منها إلى مصدر موثوق لتصديقها، من جهة ذوي الألباب وذواتها، ولهذا سُمِّيت "شائعة" وما سُمِّيت وثيقة أو شهادة حيّة أو حقيقة، لكنّ سذاجة تفكير غيرهم-هنّ بدليل غضّ النظر عن تحليلها (أي إهمال التأمّل في مصدرها وفي سببها وفي هدفها) من عوامل انتشار بعض الشائعات بسرعة نسبيّة عبر الزمن، فانتشرت من جيل إلى آخر كأنّها قصّة حقيقيّة ومن مكان إلى آخر باختلاط الثقافات.
وقد رأينا في الإنجيل دليلًا قاطعًا على ضلوع رُؤَسَاءَ الكَهَنة وشيوخ اليهود في تسريب الشائعة التالية ضدّ المسيح؛ إذ ورد بتدوين متّى عن أحداث قيامة المسيح ابتداء بالآية الأولى: {وبعد السبت، عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر} حتّى نصل إلى الآية الحادية عشرة فما بعد: {وفيما هما ذاهبتان إذا قوم من الحرّاس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكلّ ما كان. فاجتمعوا مع الشيوخ، وتشاوروا، وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين: قولوا إنّ تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه ونحن نيام. وإذا سُمِعَ ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه، ونجعلكم مطمئنّين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علّموهم، فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم}+ متّى 28: 11-15
فكيف يبدو تأثير الشائعة بعد مرور سنة عليها وكيف تبدو الشائعة بعد مرور قرن من الزّمان وتاليًا كيف تبدو بعد ستّة قرون؟ إنّما رواية الصلب الإنجيلية موثّقة برصانة ودقّة وورادة في مراجع عدّة، مسيحية ويهودية ووثنية، وفي كتب مؤرّخي ذلك الزَّمن، كما تقدّم في القسم الأوّل، فلا جدل في صحّة هذه الرواية ليقوى على دحضها! ولا مجال لأيّة هرطقة لتخترقها! ولا لشائعة لتدلِّس عليها مهما قويت وانتشرت وطال أمدها.