أصبحت مهنة الحراسة الشخصية مهنة مطلوبة جدًا، مع زيادة المخاطر والتهديدات أو المضايقات التي قد تواجه زعماء ومشهورين وأصحاب أموال وغيرهم، فكل منهم يوكل مهمة حمايته وسلامته إلى حارس شخصي أو مجموعة من الحرس يتناوبون على حراسته ليل نهار.
تعرف الموسوعة الحرّة (ويكيبيديا) الحارس الشخصي على أنه "رجل محترف في حراسة الأشخاص الذين قد يكونوا مهددين، فتوكل لهم مسؤولية حراستهم؛ وغالبا ما يكون شخصية سياسية أو من مشاهير الفن أو من رموز المجتمع أو من كبار الشخصيات ورجال الأعمال، ويكون مسؤولا عن حمايته من الاختطاف أو التعدي، ويكون الحارس الشخصي في العادة ذا بنية جسدية قوية، ويكون مسلحًا ومدربًا على الفنون القتالية المختلفة، مثل الكارتيه أو الجودو أو الملاكمة وغيرها، والغالبية العظمى من حراس الشخصيات هم من الذكور."
كم من مرة ومرات نسمع عن فشل هذه الحراسة في التصدي للمخاطر بأنواعها المختلفة، كما أن إمكانية هذه الحراسة لحماية سلامة جسد الشخص التي تقوم بحراسته محدودة الضمان، وقد تفشل لأسباب عدة، فكم بالحري لا تستطيع أن تحفظ وتحمي نفسه وروحه!
يخبرنا الكتاب المقدس أنه يمكن لكل واحد منا الحصول على أعظم حراسة وحماية شخصية، حتى ولو كنا من عامة الشعب، بلا مركز ولا شهرة ولا مال ولا جاه، وأن هذه الحماية والحراسة متى بدأت لن تتوقف أبدًا، وهي تعمل لمدة 24/7/365/∞، أي 24 ساعة في اليوم على مدار 7 أيام في الأسبوع لمدة طول السنة ولا نهاية لها فهي أبدية. والأهم أن هذه الحراسة والحماية تضمن ليس فقط سلامة الجسد، بل أيضًا وقبل كل شيء سلامة الروح والنفس، كما أنها مضمونة 100%.
إذ يخبرنا الوحي المقدس عن عناية الرّب بشعبه وأولاده، ليس لأي فضل فيهم أو ميزة خاصة لهم، بل من فرط محبته وعنايته ورأفته بهم، إذ وجدهم في قفر موحش بلا شيء، فاهتم بهم وسدد كل احتياجاتهم، بل أحاطهم بعنايته، ولاحظهم برأفته، وصانهم بحمايته، كما يصون الانسان حدقة عينه (حدقة العين، أي إنسان العين، هي البؤبؤ أي الدائرة الصغيرة في وسط العين، وتشير أيضًا إلى شدّة السواد)، وبالتالي يسجّل ويوثّق لنا النبي موسى بوحي الروح القدس مقدار عناية وحماية الرّب: "وَجَدَهُ فِي أَرْضِ قَفْرٍ، وَفِي خَلاَءٍ مُسْتَوْحِشٍ خَرِبٍ. أَحَاطَ بِهِ وَلاَحَظَهُ وَصَانَهُ كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ. كَمَا يُحَرِّكُ النَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِهِ، هكَذَا الرَّبُّ وَحْدَهُ اقْتَادَهُ وَلَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ أَجْنَبِيٌّ. أَرْكَبَهُ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الأَرْضِ فَأَكَلَ ثِمَارَ الصَّحْرَاءِ، وَأَرْضَعَهُ عَسَلاً مِنْ حَجَرٍ، وَزَيْتًا مِنْ صَوَّانِ الصَّخْرِ." (تثنية 32: 10 – 13).
هذه العناية والحماية، لا تعني أن الله يطلب من الانسان الخمول والكسل والاستهانة بالمخاطر لأنه هو يحميه ويحفظه، بل العكس هو الصحيح، هذه العناية والحماية السماوية تعمل على تدريب حواسنا الطبيعية وحواسنا الروحية لنعرف كيف نتعامل مع الامتحانات والتجارب والصعوبات والضيقات التي تواجهنا في مسيرة غربتنا، ففي نفس الفقرة التي تتحدث عن الحماية الإلهية، يذكر الوحي كيف أن النسر يحرك عشه ليحثّ فراخه على تدريب اجنحتهم على الطيران ليحلقوا، "كَمَا يُحَرِّكُ النَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِهِ، هكَذَا الرَّبُّ وَحْدَهُ اقْتَادَهُ وَلَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ أَجْنَبِيٌّ"، فقد يكون الجلوس داخل العش مريحًا نوعا ما وآمنًا أكثر، وحياة لا مخاطر فيها، أو لا إدراك لمخاطرها، إذ لا حاجة للاهتمام بتوفير الطعام فهناك من يستطيع تسديده، وهو أمر صواب نوعًا ما ولكن لفترة محدودة، فلأمان العش وقت وللطيران وقته، فبعد أن يتعلم فرخ النسر الطيران، سرعان ما يدرك أنه شتان الفرق بين أقعد ولا تعمل وبين حلّق في الفضاء ودرّب أجنحتك على شقّ مسارك في السماء، فمن يجرب الطيران والتحليق يدرك عِظَم متعة الحماية في الأعالي نسبة لما كانت عليه من خمول واتكال داخل العش الضيّق.
هكذا درّب الرّب تلاميذه لتقوية أجنحتهم الروحية ومواجهتهم للأزمات، فحمايته لهم لم تعن أنه لا مشاكل أو صعوبات، بل أوضحت أنه يجتاز معهم هذه الضيقات ويجد لهم المنفذ دائمًا ما داموا متمسكين به وملقين كل اتكالهم عليه، فعندما كان نائما معهم في السفينة، كانت عيناه ساهرتين على حمايتهم كحدقة عينه، وعندما هبت العاصفة وماجت البحيرة وهاجت، لم يستطع أحد أذيتهم، فالعناية والحراسة الإلهية تحيط بهم وتصونهم كحدقة العين، ولكنهم لضعف الايمان صرخوا واتهموه بعدم مبالاته، وهو الذي وان نام كابن الانسان، لكنه لا ينعس ولا ينام ربّ الإنسان، ابن الله، الله المتجسد، مخلصنا وفادينا له كل المجد. فقام الرّب ووبّخ ضعف ايمانهم، إذ لم يثقوا بحمايته السماوية، وأمر البحر والريح فصار هدوء عظيم: "فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟» فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «اسْكُتْ! اِبْكَمْ!». فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. وَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟» فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!»." (مرقس 4: 37 – 41).
بالرغم من هذه الحماية والعناية الإلهية كحدقة العين، فإننا نتفاجأ ونستغرب من ردّ فعل الشعب تجاه الحماية والرعاية السماوية، إذ يكمل الوحي قوله: "فَسَمِنَ يَشُورُونَ وَرَفَسَ. سَمِنْتَ وَغَلُظْتَ وَاكْتَسَيْتَ شَحْمًا! فَرَفَضَ الإِلهَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَغَبِيَ عَنْ صَخْرَةِ خَلاَصِهِ... الصَّخْرُ الَّذِي وَلَدَكَ تَرَكْتَهُ، وَنَسِيتَ اللهَ الَّذِي أَبْدَأَكَ." (تثنية 32: 15 و18).
فعلينا أن نتنبّه، إذ أننا عندما نعتاد على الحماية والرعاية الإلهية السماوية، قد نترجم سلامنا وامننا وأماننا بأنه محض صدفة، أو نزعم أنه ناجم عن نجاحنا أو حكمتنا أو قوتنا، أو ندّعي أنه نتيجة قوة أو سلطة ما مادية أو روحية ملائكية أو شيطانية على الأرض أو في السماء أو تحتها، ونخطئ في كل هذا، وننسى مصدر الحماية والعناية الإلهية، ونبتعد عن صخرنا والهنا وصانعنا، صانع السماوات والأرض وكل ما فيها، ومثبتها بحكمته وبقوة كلمته وسلطانه.
أليس هذا ما حصل للحكيم سليمان إذ أنه في بداية شبابه وحُكمه، تواضع أمام الرب وطلب رعايته وحمايته وسأل منه حكمة ومعرفة ليقود الشعب، وباركه الرّب بحكمة ومعرفة وبركات عظيمة إذ سأل الرّب: "فَأَعْطِنِي الآنَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً لأَخْرُجَ أَمَامَ هذَا الشَّعْبِ وَأَدْخُلَ، لأَنَّهُ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى شَعْبِكَ هذَا الْعَظِيم. فَقَالَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ هذَا كَانَ فِي قَلْبِكَ، وَلَمْ تَسْأَلْ غِنًى وَلاَ أَمْوَالاً وَلاَ كَرَامَةً وَلاَ أَنْفُسَ مُبْغِضِيكَ، وَلاَ سَأَلْتَ أَيَّامًا كَثِيرَةً، بَلْ إِنَّمَا سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً تَحْكُمُ بِهِمَا عَلَى شَعْبِي الَّذِي مَلَّكْتُكَ عَلَيْهِ، قَدْ أَعْطَيْتُكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً، وَأُعْطِيكَ غِنًى وَأَمْوَالاً وَكَرَامَةً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا لِلْمُلُوكِ الَّذِينَ قَبْلَكَ، وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهَا لِمَنْ بَعْدَكَ». (أخبار الأيام الثاني1: 10-12)، ولكننا بعد متابعتنا لحياة الحكيم العظيم نجد أنه بعدما تمكّن وتعزز حكمه وسلطانه، نجده ينسى من قام برعايته وحمايته، ونراه يتبع خرافات وعبادات سخيفة: "وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ. حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لآلِهَتِهِنَّ. فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ. فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ." (1 ملوك 11: 4-11).