هل تجوز للقرني قراءة الإنجيل؟
إنّ مِن أعمال الشيطان، في نظري، نَهْيَ شيوخِ الإسلام الإخوة المسلمين والأخوات المسلمات عن قراءة صحف الكتاب المقدَّس [إلّا الراسخين في العلم لبيان ما ورد فيها من التحريفات والتضارب بينها]- عن\ فتاوى اللجنة الدائمة 3/ 311
وتعليقي أوّلًا أنّ المقصود بالعلم هنا "العلم الشرعي" لا غير! و[العلوم الشرعية: علوم تفرعت عن الكتاب والسُّنّة وإجماع علماء الشرع، كالعقيدة والفقه والقرآن وعلومه والحديث وعلومه واللغة العربية وفروعها... إلخ]- عن ويكيبيديا: علوم شرعية. وسنرى بعد قليل مدى صحّة تسميتها علومًا ومدى استحقاق تسمية أهلها علماء.
وتعليقي ثانيا: لقد ذكرت في أزيد من مناسبة أنّ على الإسلامي الذي يدّعي شبهة ما أكبر من رأسه؛ مثل "تحريفات في الكتاب المقدَّس وتضارب بين صحفه" أن يأتي ببَيّنة تتضمّن دليلًا وبرهانا، التزامًا في الأقلّ بحديث محمّدي ذي إسناد صحيح (البيّنة على المُدّعي، واليمين على مَن أنكر) وإلّا فهو إمّا معتوه يهذي فلا يؤاخَذ على لسانه، وإمّا عاقل مغفَّل، لكنّ (القضاء لا يحمي المغفَّلين) والقضاء يطالب المدَّعي بشهادتين أو ثلاثة.
فعلى اللجنة الدائمة أن تأتي ببيّنة، مِثل البيّنة التالية التي ستقضّ مضاجعها الآن، الآن وليس غدا، والهدف هو تعليمها أدب النقد!
فأقول: إنّي- كاتب هذه السطور- أدَّعي أنّ القرآن محرَّف ومتناقض؛ والأدلّة فيما يأتي، من كتب إسلاميّة معترف بها عند اللجنة المذكورة:-
أوّلًا: مِن أدلّة تحريف القرآن
1 تحريف لغوي؛ كما في قول محمد (لَولا أَن تَدَارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّه...)- سورة القلم:49 ففي تفسير القرطبي: [قرأ ابن هرمز والحسن "تدّاركه" بتشديد الدال; وهو مضارع أدغمت التاء منه في الدال، بينما قرأ ابن عباس وابن مسعود "تداركته" وهو خلاف المرسوم...] انتهى. فلدينا أربعة شهود على قراءة "تداركه" بطريقتين مختلفتين، إحداهما خلاف المرسوم في مصحف عثمان.
2 تحريف لغوي آخر؛ كما في قول محمد (إنّ البقر تشابه علينا)- البقرة:70 وفي تفسير القرطبي- باختصار: [قرأ الحسن والأعرج "إنّ البقر تشّابه" بالتاء وشدّ الشين، والأصل: تتشابه، ثم أدغم التاء في الشين. وقرأ مجاهد "تشبه" كقراءتهما، إلّا أنّه بغير ألف. وفي مصحف أُبَيّ بن كعب "تشّابهت" بتشديد الشين. وقرأ يحيى بن يعمر "إنّ الباقر يشابه" جعله فعلًا مستقبلا... والبقر والباقر والبيقور والبقير لغات بمعنى، والعرب تذكّره وتؤنّثه] انتهى.
وعلى اللجنة أن تفكّر طويلًا في الصحيح المكتوب في اللوح المحفوظ المزعوم في آخر سورة البروج.
3 تحريف بالنقص: [روى ابن حبان في صحيحه والطبري في تهذيب الآثار عن زرّ بن حبيش قال: قال لي أُبَيّ بن كعب: كمْ تعدّون سورة الأحزاب مِن آية؟ قلت: ثلاثًا وسبعين، قال أُبَيّ: والذي يُحلَف به إن كانت لتعدل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالًا من الله...] قال ابن حزم: [هذا إسنادٌ صَحِيحٌ كالشَّمس، لا مَغْمَز فيه] وقال ابن كثير: [هذا إسناد حَسَن، وهو يَقتضِي أنه قد كان فيها قُرآن ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهُ وَحُكْمُهُ أيضا، واللَّهُ أعلَم] انتهى.
4 تحريف آخر بالنقص: [روى أبو عبيد في "فضائل القرآن" للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام ص320 عن... عن ابن عمر قال: لا يقولنّ أحدكم: قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن لِيقُلْ: قد أخذت منه ما ظهر منه] وهذه الرواية صحيحة لا إشكال فيها مُطْلقا، لا في سَنَدِها ولا في المَتْن.
ثانيًا: مِن أدلّة التناقض في القرآن- خلاف قول محمد: (أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)- النساء:82
1غالبًا ما وجدت قولًا في مكان ما من القرآن ونقيضه على أرض الواقع. فقد قال بلسان ربّه (وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين)- الأنبياء:107 لكنه قال (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقا)- الأحزاب:26 انظر-ي كيف ذبح بني قريظة حسب تفسير الطبري، ممّا لدى السّنّة، وحسب تفسير "مجمع البيان في تفسير القران" للطبرسي ممّا لدى الشيعة، تأكيدًا على تلك الجريمة البشعة والمصنّفة في زماننا من جرائم الحرب. فهذا واحد من التناقض القرآني ما بين القول وبين الفعل، يا لهُ مِن واحد!
2 تناقض ما بين قولين في مكان واحد، في الخاطرة نفسها؛ إذ قال بلسان ربّه أيضا (قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيء)- الأعراف:156 فالرحمة التي تسع كلّ شيء لا ينبغي أن يشوبها عذاب أو قتل... وإليك تفسير الطبري: [قال الله لموسى: هذا الذي أصبتُ به قومَك من الرَّجفة، عذابي أصيب به من أشاء من خلقي، كما أصيب به هؤلاء الذين أصبتهم به من قومك. ورحمتي عمَّت خلقي كلّهم. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك... إلخ] انتهى.
3 تناقض ما بين تحليل الخمر وبين تحريمها؛ إذ حَرَّمها في الدنيا (المائدة:90 و91) وحَلَّلها أمام عرش ربّه في الآخِرة (محمد:15) وهذا التناقض مكاني وزماني.
فلا أدري ما كان القرني من "الراسخين في العلم" لكنّي أدعو الإخوة المسلمين والأخوات المسلمات إلى تجاهل الفتوى المذكورة ونظائرها لأنّ أصحابها أنفسهم في ضلال مبين. وأقول: معلوم لي أنّ الحديث (اطلبوا العلم ولو في الصين) مضعَّف بل مُبطَل، لكن يوجد ما هو بديل له مصحَّح: (طَلَبُ العِلْمِ فرِيضَة على كُلِّ مُسلِم) وسيكتشف المسلم-ة أن المقصود بالعلم هنا "العلم الشرعي" أيضا، لا الكيمياء ولا الفيزياء ولا الرياضيات ولا البيولوجي (علوم الحياة) ولا الحاسبات، وهذه أقسام كلية العلوم في جامعات العراق، تنقّلت ما بينها قبل هجرتي إلى إحدى دول الغرب حاملًا شهادة مصدّقة من أحدها.
قال سفيان الثوري عن العلم المفروض على المسلمين: (هو العلم الذي لا يُعذَر العبد في الجهل به) فقلت: لا ما شاء الله، واحسرتاه على الشباب الضائع في "علوم" القرآن والحديث، هل ساهم أحسن العلوم المزعومة في صنع العدستين اللتين استخدمهما الشيخ عائض القرني لكتابة قصيدته "آمنت بالمسيح" وفي صنع الميكروفون الذي أوصل خطبه إلى المصلِّين، أم أنه اعتبر علوم الكفّار دنيوية، لا ترقى إلى "العلم الإلهي" الذي في القرآن؟ فلقد أصغيت إلى خطبة لافتة ألقاها في ليبيا، مفسِّرًا فيها قول محمد بلسان ربّه: (ولقد آتينا داود وسليمان عِلما)- النمل:15 فدفعني فضول علمي إلى الاطّلاع على العلم الذي آتى ربُّ القرآن كُلًّا من داود وسليمان، فماذا يتوقّع متابع الخطبة بعد مرور حوالي 40 دقيقة على بدايتها وقبل سماع بيت القصيد، أي قبل سماعه "عِلم القرآن" الذي شرح القرني فيما بعد؟ فلمّا طال انتظاري ذهبت إلى أحد التفاسير الإسلاميّة- الطبري- فوجدت [عِلم كلام الطير والدَّوابّ وغير ذلك مِمّا خصّهما الله بعلمه] إذ انشغل القرني في البداية بشرح أهميّة قول "الحمد لله" وتفسير الفرق ما بين "آتينا" وبين "أعطينا" وإيضاح سبب مخاطبة الله عباده بدون ألقاب، ثمّ صدع رأسي بالهدف مِن تكلّم ربّ القرآن بصيغة الجمع (إنّا، نحن، قَولُنا، أرسلنا، ولنبلونّكم...) والقرني لا يعلم أن محمّدًا اقتبسها من التوراة فاستحسنها لكي ينسب خواطره إلى الله! فمِثالا: {وقالَ الله: نَعمَلُ الإنسَانَ عَلَى صُورَتِنا كَشَبَهِنا}+ التكوين 1: 26
عدتُ إلى الخطبة لأسمع رأي القرني بالعِلم القرآني، لكنّي أترك الحُكْم للقرّاء؛ فعنوان الخطبة على يوتيوب: (قصة من قصص القرآن الكريم للشيخ عائض القرني) عِلمًا أنّ قصّة النمل من القصص الأسطورية التي نسبها محمد إلى الله: (قالت نملة يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يَحطِمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)- النمل:18 فعلّق القرني قائلا: [نملة دَعَتْ وأنذرت وحَذّرت ووعظت واعتذرت. نملة واحدة قامت خطيبة فألقت موعظة موجزة...] والغريب أنّ محمّدًا انتقد قول المشركين عن رواياته (إنْ هذا إلّا أساطير الأوّلين)- النمل:68 أي "ما هذا إلّا أساطير الأوّلِين" أفليست خطبة النملة من الأساطير؟
والأغرب أنّ محمّدًا زعم: (إِنَّ هذا القُرآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إسرَائِيلَ أَكثَرَ الّذي هُمْ فيه يَختلِفُون)- النمل:76 كأنّ بني إسرائيل تركوا التوراة وسائر أسفار الأنبياء، مختلفين على أساطير، فجاء محمد ليخبرهم بالصحيح، فقصّ عليهم القصص التي أوحِيَ إليه أنها صحيحة، منها قصّة هذه النملة، ما دلّ بوضوح على أنّ بعض أساطير اليهود من مصادر القرآن. فقلت: أسأل الله أن يُشرق بنوره على عقول المسلمين ولا سيّما الشيوخ.
ـــ ـــ
موقف "الرّاسخين في العِلم" من الباحثين عن الحقّ
ما كان في إمكان الشيخ عائض القرني أن يقول في قصيدته شيئًا ما عن "عيسى" يخالف به الوارد في القرآن، حتّى إذا عرف من طريق ما حقيقة ما خالفها مؤلِّف القرآن أو افترى عليها، وإلّا فلا أظنّ مصيره أفضل من مصير رائف بدوي وغيره. لأنّ كلّ مَن خالف القرآن، أو خالف ما أفتى به "الراسخون في العلم" أو خرج من بودقتهم ولو قليلًا، يُعتبَرُ في أنظارهم من الخوارج وما شابه؛ أيًّا كان مركزه المجتمعي وأيًّا كان مستواه العِلمي. أرى أنّ السبب الذي يدعو المسلم-ة إلى مخالفة القرآن، سواء في رأيه وفي ضميره، هو أنّ القرآن مليء بثقافة منحرفة عن ثقافة الكتاب المقدَّس انحرافًا خطيرا، إنّها في نظري هابطة لا يتقبّلها عقل سليم، فلا يقبلها إلّا مغيَّب العقل، وليس في وسع المسلم المسكين أن يسأل عن أشياء إن تُبْدَ له تسُؤه (المائدة:101) ولا يحقّ له اعتراض على ثقافة إسلاميّة ما وإن ثبت له أنّها ضدّ العِلم، سواء أكان من العلوم الإنسانية أم من العلوم الطبيعيّة. لعلّ الباحث-ة عن الحقّ يجد على غوغل دحض جميع مزاعم تجّار "الإعجاز العلمي في القرآن" بحجج دامغة، إذا صعب عليه العثور على كتاب ورقي تولّى صاحبه مهامّ الدحض.
فإذا اعترض قليل الاطّلاع على ما تقدَّم قائلا: وماذا عن علماء المسلمين المعروفين، من المذكورين في مدارسنا الحكومية، سواء بالكيمياء والرياضيات والطب... إلخ؟ فالجواب: إمّا ألحدوا بعدما آثروا العقل على النقل فلم يجدوا صعوبة في اكتشاف مصادر الوحي بالقرآن بشكل خاص وفي معرفة حقيقة الإسلام بشكل عام، أو اتُّهِموا بالكفر أو الزندقة أو السّحر والشَّعوذة؛ منهم مَن صدرت في حقّه فتوى بهدر دمه ومنهم من قُتِل. وإليك عددًا منهم، بالإضافة إلى الأدباء وسائر المفكّرين، مع التهمة الملصقة بكلّ منهم، باختصار شديد في الغالب:
الحسن بن الهيثم: الزنديق الأكبر.
الفارابي: ملحد كذّب الأنبياء.
جابر بن حيّان: اتُّهِم بالسحر والشعوذة فتمَّ قتله.
الكندي: عارض القرآن بكلامه.
الرازي: زنديق، تمّ هدر دمه.
إبن سينا: زنديق لُقِّب بإمام الملاحدة.
عباس بن فرناس: اتُّهِم بالسحر والزندقة.
نصير الدين الطوسي: نصير الكفر والإلحاد.
عِلمًا أنّ معنى الكفر: تكذيب محمد- رسول الإسلام- وهذا من حقّ كل إنسان، لكنّ المسلمين أنكروا هذا الحقّ على الناس فقتلوا الكفّار والمرتدّين منذ فجر الإسلام، بينما استُتيب الكافر بالله. فليس معنى الكفر إنكار وجود الله ولا تكذيب أنبياء الكتاب المقدَّس.
أمّا معنى الإلحاد فهو نفي وجود الله، وهذا من حقّ كلّ إنسان أيضا، بناءً على ما معناه (أنّ الله إن كان موجودًا فهو الدّيّان لا الإنسان) لكن بلغني أنّ الإسلاميّين من "أهل العلم" اهتمّوا بالكفر واغتمّوا، لأنهم اعتقدوا أن ربّ القرآن سيُقعِد رسوله على عرشه- حسب تفسير (عَسَى أَنْ يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودا)- الإسراء:79 وحسب حديث صحيح: (مَن قال حين يسمع النداء: اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، حلّت له شفاعتي يوم القيامة)- رواه البخاري، فيدخل المسلم الجنّة (وإن زنى وإن سرق)- عن البخاري ومسلم، لكنّ حديثًا آخر صحيحًا ينسف شفاعة محمد لأيّ مسلم يوم القيامة وينسف شفاعته حتّى لنفسه: (لن يدخل أحد منكم الجنّة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلّا أن يتغمدني الله برحمته)- صحيح مسلم.
ابن بطوطة: اتُّهِم بالافتراء على العلماء، وقطعًا أنّ المقصودين علماء الدين الإسلامي.
ابن رشد: ملحد، أحرِقت كتُبُه.
ثابت بن قرّة: صابئ وكافر وملحد.
ابن المقفّع: قُطِّعت أطرافه، بأمر من الخليفة العباسي الثاني، وشُويت وأُجبر على أكلها. انظر-ي كتيّب "الحقيقة الغائبة" للمفكّر المصري المغدور فرج فودة.
الجاحظ: اتُّهِم بالزندقة وأُهدِر دمه.
الحلّاج: اتُّهِم بالزندقة في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله؛ فلم يقرّ الحلّاج بما رُمِيَ به من ذلك، فعاقبه الخليفة بصلبه حيًّا أيّامًا متوالية، ثم حُبِس. فأقام في الحبس سنين كثيرة، ونُقِل من حبس إلى آخر، حتى حُبس في النهاية بدار السلطان، فضُرِبَ بالسياط نحوًا من ألف سوط، وقطعت يداه ورجلاه، وضُرِبت عنقه (أي قُطِعت) وأُحرِقت جثته ونُثِر رمادها في نهر دجلة، ونصب رأسه للناس على سور الجسر الجديد، وعُلِّقتْ يداه ورجلاه إلى جانب رأسه،. والمزيد في ويكيبيديا: الحسين بن منصور الحلاج.
لسان الدين الخطيب: سُجن بتهمة الزندقة، ثمّ خُنِق في السجن.
أبو العلاء المعرّي: سُجن بتهمة الكفر والزندقة.
إبن طفيل: مِن أئمّة ملاحدة عصره.
إبن باجة: اتُّهِم بالإلحاد والخروج عن تعاليم الدين، فحاربه المسلمون؛ نشأ في سرقسطة وكان من أبرز الفلاسفة المسلمين، اهتم بالطب والرياضيات والفلك والأدب والموسيقى، وكان أحد وزراء الدولة المرابطية وأحد قضاتها. والمزيد في ويكيبيديا: ابن باجة.
وأقول إنّ من دواعي سروري أن يُكتب إسمي ضمن هذه القائمة الشريفة، بتهمة الكفر بربّ القرآن، لكن العائق أني كافر من خلفية مسيحية، أمّا أعضاء هذه القائمة فمِن خلفية إسلامية. فإليك الصورة التي وصلتني من أحد الإخوة الملاحدة، لعلّها واضحة:
فلمْ يَنه الشيوخ عن قراءة الكتاب المقدَّس فحسب، إنّما نهوا عن قراءة كلّ علم دنيوي خالفه القرآن (مثالًا: دوران الأرض) وحرّموا فنون الدنيا، كالموسيقى والشطرنج، واعتبروا صاحب كلّ رأي تضمّن انتقاد القرآن إمّا كافرًا أو ملحدًا أو زنديقًا أو مرتدّا، كما تقدَّم، وبرّروا عجزهم عن الرّدّ بذرائع عدّة، منها (ما بعد الكفر ذنب) ومنها (أنك لا تعرف الإسلام على حقيقته) ومنها بيت شعر ليوسف الفارسكوري، نسبة إلى فارسكور، في محافظة دمياط حاليّا:
لو كلّ كلب عوى ألقمتَهُ حجرًا – لأصبح الصخر مثقالًا بدينار
وقد استخدم الشاعر لفظة الصخر في عجز البيت لأن الحجر يُخلّ بموسيقاه (أي وزنه الشعري) وسنرى في نقد قصيدة القرني، في جزء لاحق من المقالة، شيئًا من هذا القبيل.
أمّا سبب كفري بربّ القرآن فيعود إلى أنّ القرآن في نظري: كتاب مُضِلّ وخطير في الوقت نفسه، رأيت أنّ أخطر سُوَرِه التوبة فالمائدة، وقد اعتُبرتا ناسختين ما قبلهما، لم يَعِش محمد فترة أطول لكي يغيّر رأيه، كما جرت العادة، فينزل ناسِخًا ما من ربّه (المُسارع في هواه- ممّا نقل البخاري عن السيدة عائشة) عِلمًا أن كلّ سورة في القرآن مؤلَّفة من خواطر شعرية، على طريقة تدوين أسفار الكتاب المقدَّس الشعريّة. وقد استوحى محمد خواطره من مصادر متنوّعة، مدّعيًا الوحي بها من الله وأنّه من رسله وأنبيائه، بل الخاتم والمهيمن، فحاول فرضها على البشر بالسيف. انظر-ي مقالتي: مسيحي يُطالع القرآن- القلم
هناك مَن علّق على إحدى مقالاتي، مبتعِدًا عن موضوعها، كما جرت العادة، كاتبًا ما معناه (أنّ علماء أشادوا بمحمد وبالقرآن وأنّ مشاهير دخلوا في الإسلام... إلخ) من شائعات غبيّة لا دليل لواحدة منها إلّا على خلافها. فمشكلة المدّعي أنّه صدّق الشائعات التي تخدم الإسلام، وكذّب خلاف المزروع فيه منذ نعومة أظفاره، بدون قراءة وبدون بحث وبدون تدقيق. لكنّي واثق بأنّ كثيرًا من الإخوة المسلمين قد تنبّهوا إلى حقيقة الإسلام مِن طرق كثيرة ومتنوّعة. إليك إحداها: سؤال جريء 409 ماذا قال العظماء عن محمد؟
وغالبًا ما وجدت الشيوخ منهارين أمام العقلانية؛ غضبوا من المنتقد فسبّوه ولعنوا ودعوا عليه بالشرّ، عبر الميكروفونات التي صنعها الكفّار وعبر الفضائيات وقنوات يوتيوب. فتساقطوا في أنظار ذوي الألباب وذواتها كأوراق الخريف، أمام أبسط أنواع النقد. ما عندهم ردّ على نقد، لأنّ دينهم هشّ لا يقوى على الصمود أمام موجة نقدية واحدة، وأنّ في القرآن غموضًا واختلافًا كثيرا، على خلاف المزعوم في النساء:82 فلم يندم كافر على كفره بهذا الدين. عِلمًا أنّ انتقاد الإسلام مدعم بحجج من تفاسير القرآن المعتمَدة إسلاميًّا ومن الصَّحيحَين، لكنّ المغسول دماغه لعن الناقد وسبّه متجاهِلًا حُجّة ما على القرآن من كتاب معترف به إسلاميّا! في وقت أتى الناقد الإسلامي المسيحيّين بادّعاءات على الكتاب المقدَّس من كتب منحولة، لا يعترف بها أيّ مسيحي! ووصل به الصَّلَف (أي التَّكبُّرُ والعَجرَفة) إلى مطالبة المسيحيّين بالاعتراف بها، مثل "إنجيل برنابا" المكتوب في القرن الخامس عشر الميلادي، وإلّا فالمَسِيحيّون (انقادوا للقسّيسين الذين عرفوا الحقيقة وأضلّوهم) مشبّهًا القسّيسين بشيوخ الضَّلال ومنهم تُجّار الإعجاز العلمي.
وأتاني ناقد آخر ببدعة وجود إنجيل ما، بدون كتابة عنوانه ولا اسم كاتبه، مذكور "فيه" أنّ عيسى (بشّر بنبي من بعده اسمه أحمد) فبما أنّ اسم أحمد غير مذكور في إنجيلنا، لذا فهو "محرّف" وهذا الزعم في نظري من أثمار الغباء الإسلامي؛ لأنّ الإنجيل انتشر بلغات عِدّة قبل ظهور محمد حتّى أنّه لم يكن مترجَمًا إلى العربية في زمن محمد! ثمّ أنّ من يقرأ سيرة السيد المسيح المدوّنة في الإنجيل، ويعرف الهدف من مجيئه إلى الأرض، ويركّز على تعاليمه ووصاياه، وعلى الطريق الإلهي الذي سار عليه، يستبعد جدًّا ما نُسِبَ إلى لسان السيد المسيح في القرآن.
عِلمًا أنّ الكتاب المقدَّس المحفوظ عبر تاريخ طويل منذ زمن موسى النبي، انتشر منذ بزوغ فجر المسيحية على أرجاء المعمورة بلغاتها الحيّة، لأنّ التبشير به واجب على كلّ مسيحي ما أمكن، فما قال أحد أتباع الديانات الأرضية "إنّ كتابكم محرّف" لأنّ سيّدنا "فلان" غير مذكور فيه إلّا المسلمون، لا زرادشتي قال ولا هندوسي ولا صيني ولا يوناني ولا روماني... إلخ من شعوب وثنية عاشت ما قبل الميلاد ثمّ اعتنق بعضها المسيحية ما بعده. ومن جهة أخرى؛ لم تنعت الكنيسة وثنيًّا بالكفر لأنه رفض اعتناق المسيحية، لكن نعتت بالهرطقة كلّ مَن نسب إلى الإنجيل ما ليس فيه قولًا أو تفسيرا.
وإليك مثالًا لتقريب صورة رفض بعض المسلمين الاعتراف بالحقيقة وإن أتى الناقد بحجّتها من القرآن؛ إذ دار الحوار التالي في هامش إحدى مقالاتي المنشورة حديثًا على فيسبوك موقع لينغا- بتصرّف:
[مسلم: ياجماعة؛ لماذا تنزلون من مستواكم مع ابن المتعة ابن القسيس اسألوه: من أبوك؟
مسيحي: ماذا يستفيد المسلم من قراءة (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك...)- الأحزاب:50 لماذا سُمِح لمحمد أن ينكح المؤمنة التي وهبت نفسها إليه؟ المسلمون يقرءون بدون فهم، صلّوا على ناكح المؤمنات يا مسلمين.
مسلم آخر: أيها الغبي؛ النكاح يعني الزواج.
مسيحية: الزواج مقدس بزوجة واحدة، أمّا النكاح فيعني تسخير النساء للاستمتاع بكُلّ منهنّ مقابل أجر (من ضروب الزنا حسب الكتاب المقدَّس) قارن ما بين قول محمد في الأحزاب، بلسان منسوب إلى الله زورا (فلمّا قضى زيد منها وطرًا زوّجناكها 37) وبين قوله في السورة نفسها (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك 50) ما دلّ على أن النكاح مختلف عن الزواج. متى تقرأ أمّة لا تقرأ؟!
فأجاب المسلم الآخر مقتبسًا من القرآن: تعالى الله عَمّا تصِفون] انتهى.
وأقول كما قلت من قبل: إن الله خلق الإنسان ذكرًا وأنثى مُلزِمًا الرجل بزوجة واحدة والمرأة برجل واحد. أمّا محمّد فقد شَرّع لجنوده نكاح ما طاب لهم من النساء (النساء:3) وهذا زنا طويل المدى وغير محدود، هو ضدّ إحدى الشرائع الإلهية- شريعة الزوجة الواحدة- ممّا في الكتاب المقدَّس. فوَفْقَ القرآن؛ لا يجب على الأخت المسلمة أن تعترض على اتخاذ زوجها زوجة أخرى على رغم أنفها وعلى حساب مشاعرها!
وتوجد علامة استفهام كبيرة أمام: (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة...)- النساء:24 فهذا في نظر ذوي الألباب وذواتها ترخيص قرآني صريح بما يجري في بيوت الدعارة، أي ممارسة الجنس مقابل أجر.
فنصيحتي للإخوة المسلمين: أفيقوا مِن سُبات الثقافة القرآنية لأنها مُضِلّة عن طريق الحقّ! هذا ما اكتشف كلّ عابر إلى نور المسيح بعد قراءته الكتاب المقدَّس، إذ عَرَف الحقّ فألقى بالباطل في أقرب سلّة للمهملات أو موقد للمحروقات. ويُعَدّ العابرون والعابرات بالملايين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ