المسيح هو الله الظاهر في الجسد وابن الله وابن الإنسان
لقد ورد في الإنجيل أنّ السيد المسيح {ابن الله} في آيات كثيرة؛ منها: مرقس 1: 1 ومتّى 14: 33 ولوقا 1: 35 ويوحنّا 1: 34 وأعمال الرسل 8: 37 ورومية 1: 4 وغلاطية 2: 20 والعبرانيّين 4: 14 ومعنى {ابن الله} الذي من الله، الآتي من الله؛ ليس المعنى الحرفي الدّالّ على الولادة الجسدية، فليس بالضرورة أن يكون الابن نازلًا مِن صُلب الأب، كما التّبنّي، لأنّ لـ "الإبن" أزيد من معنى! فتأمَّل-ي في معنى كلّ مِن: ابن الرافدين، ابن السبيل، ابن آوى، بنات الضّادّ... إلخ. وفكّر-ي أيضًا في معنى الثالوث الإلهي في ضوء قول مؤلِّف القرآن التالي بعد اختلاطه بنصارى ذلك الزّمان: (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمِنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة...)- النساء:171 فالثالوث: الذات الإلهية وكلمة الله (المسيح) وروح الله (الروح القدس) لكنّ مؤلِّف القرآن [زاد على المسيح لقب "رسول الله" فصار الثالوث تربيعا، ثمّ ناقض قوله تاليًا بقوله (ولا تقولوا ثلاثة) في الخاطرة نفسها]- بتصرّف عن "الشخصية المحمدية" للرّصافي، باب كيفية حمل مريم بالمسيح ص1037 أو ص685 على نسخة الانترنت.
عِلمًا أنّ لقب المسيح "رسول الله" لم يضرّ عقيدة النصارى بشيء، كما ظنّ الرّصافي في الباب المذكور، لأنّ الوحي الإلهي قال بلسان بولس الرَّسول: {ولكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَان، أَرسَلَ اللهُ ابنَهُ مَولُودًا مِنِ امرَأة...}+ غلاطية 4: 4 لذا فإنّ "ابن الله" المُرسَل من الله هو رسول الله أيضا، لكنّ "عبد الله" إذ الله {أخذ صورة عبد صائرًا في شبه الناس}+ فيليبي 2: 7 بدون أن ننسى قول الله منذ البدء: {نَعمَلُ الإنسَانَ عَلَى صُورَتِنا كَشَبَهِنا}+ التكوين 1: 26 و"رسول الله" لا تفيان السيد المسيح حقّه! لأنّ المسيح ذو طبيعة إلهية، وتميّز أيضًا بأنّه مولود من عذراء. غير مخلوق. بلا خطيئة. غافر الخطايا. فادي البشر. قام من الموت بجسد القيامة الممجَّد. أعطى سلطانًا لرُسُله، ومنهم تلاميذه الأحد عشر، لعمل المعجزات. أرسل روح الحقّ المعزّي إلى أتباعه ليمكث معهم إلى الأبد. ماكث مع أتباعه إلى انقضاء الدهر. هو القائل: {َالْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي ويُؤْمِنُ بالَّذِي أَرسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّة، ولاَ يَأْتِي إِلَى دَينُونة، بَلْ قَدِ انتَقَلَ مِنَ المَوت إلى الحَيَاة}+ يوحنّا 5: 24
كما ورد أنّ يسوع المسيح {ابن الإنسان} بلسان المسيح الطّاهر الشَّريف في مناسبات كثيرة، في الإنجيل، كما ورد بلسانه أنّ الله حالّ فيه (يوحنّا 14: 10) وورد بلسانه في الآية عينها {أَنِّي أنا فِي الآبِ والآبَ فِيَّ} وفي الآية التي تلتها أيضا، أي أنّ الله فيه وهو في الله، بل سبق له القول: {أنا والآب واحد}+ يوحنّا 10: 30 أي أنّ المسيح والله واحد، وهذا هو لاهوت المسيح: {في البَدء كان الكلمة، والكلمةُ كان عند الله، وكان الكلمةُ الله}+ يوحنّا 1: 1
فلا غبار على أيّ لقب من الألقاب الثلاثة: الله الظاهر في الجسد (1تيموثاوس 3: 16) وابن الله وابن الإنسان.
لكنّ مِن المؤسف احتجاج النّقّاد الإسلاميّين بالنصوص الإنجيلية الدّالّة على إنسانيّة المسيح (ما عدا الخطيئة) في وقت غضّوا النظر عن النصوص الدّالّة على ألوهيّته. ربّما ظنّوا أنّ المسيحيّين لا يعرفون المسيح جيّدًا ولا يفهمون الإنجيل كما يجب.
ـــ ـــ
قدرة الله
صحيح أنّ الله قادر على كلّ شيء، ما قد يفوق قدرة بعض الناس على التصوّر، لكن قدرة الله على أيّة حال مُدرَكَة بالعقل (الإنساني) لا تُناقضه ولا تقلِّل من شأنه. فلقد استطاع المسيحيون إدراك تجسّد الله بشخص السيد المسيح، في وقت صعب على غيرهم الوصول إلى مستوى هذا الإدراك ولا سيّما غالبيّة المسلمين، لا أقصد أنّ المسلم عاجز عن التفكير والإدراك، إنما أحاط عقله بسحابة قرآنية غامضة ومضِلّة في الوقت نفسه، آمِلا أن تتحوَّل إلى سحابة صيف، وقد تحوَّلت في الواقع لأنّ ملايين، من المسلمين وغيرهم، عبروا إلى نور السيد المسيح مُدركين أنّه الله الظاهر في الجسد؛ سواء من قوّة شخصيّته ومن قدسيّتها ومن رصانة أقواله ومن عظمة أفعاله، ما لم يحظَ به إنسان من قبل ولن يحظى به من بعد. فإنْ سأل سائل: ما قدرة الله التي ضدّ العقل؟ فالجواب في رأيي أنّ الأمثلة كثيرة؛ منها: قدرة الله على إرسال نبيّ جديد إلى أمّة ما، كالعرب والفرس والهنود، من بعد المسيح، لكنّ هذه القدرة ضدّ مشروع الله مع الإنسان الذي في ضمنه الأنبياء، بل ضدّ الإنجيل، لأنّ الهدف من اختيار الله رسله والأنبياء، ممّا في العهد القديم، هو التمهيد لمجيء المسيح مخلِّص العالم أجمع، فليس منطقيًّا إرسال الله شخصًا آخر بعد المسيح، حسب ذريعة إسلامية قائلة بتخليص الناس من عبادة الأوثان، فتقديس الأوثان باقٍ إلى اليوم وإلى أجل غير مسمّى! ذلك لأنّ عمل الله كامل، لا نقص فيه ولا عيب ولا ريب. عِلمًا أنّ اختيار الله كان محصورًا ببني إسرائيل فقط! والتفصيل في المقالة المذكور رابطها في الجزء الأوّل من هذه المقالة. وعِلمًا أنّ تخليص الناس من عبادة الأوثان لا يقتضي قتلهم، إنما دعوتهم، بمحبّة ولطف، إلى عبادة الإله الواحد، مع إعطاء فرصة للاختيار غير محدودة ولا مشروطة! ولنا في قول السيد المسيح خير مِثال: {مَن أراد أن يأتي ورائي فليُنكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني}+ مرقس 8: 34 وقد دوّن هذه الآية كلّ من متّى ولوقا، كما ذكرت في أزيد من مناسبة. ففي قوله {مَن أراد} أنّ كل إنسان حرّ في إرادته، ومن يتأمَّل في الآية جيّدًا لا يعثر على أيّ ترغيب في اتّباع المسيح ولا ترهيب. وأقول إنّ مَن يقرأ أقوال المسيح وأفعاله، ممّا في الإنجيل، يكذِّب جميع الأقاويل التي نصّت على أنّ الله أرسل نبيًّا للعرب، ما لم يرثِ لسذاجة عقول أصحاب تلك الأقاويل.
ولتقريب صورة علاقة الله الخاصّة بشعبه المختار- أي الشعب الذي اختار الله أن يأتي المسيح من نسله: لا يحقّ لأحد التدخّل في توريث ربّ الأسرة أبناءه وبناته من أملاك، لأن علاقة الرب بأسرته خاصّة ومختلفة عن علاقته مع كل من أقاربه وأصدقائه وجيرانه ورفاقه في حقول الحياة، لا يحقّ لأحد من خارج الأسرة أن يطالب ربّ الإسرة بسهم من الورث! لأنّ هذا يعتبر تعدِّيًا على خصوصيّات ربّ الأسرة. وقد ذُكِر في الكتاب عن مجيء المسيح بدقّة: {إلى خاصّتِهِ جاء}+ يوحنّا 1: 11 فاليهود خاصّةُ المسيح إذ وُلِد من العذراء مريم بنت داود (أي من نسل داود) من سِبط يهوذا بن يعقوب (إسرائيل) بينما العالم أجمع عامّتُه. فاليهود محطّة انطلاق المسيح إلى العالم، هذا ما صرّح به المسيح شخصيًّا بقوله للمرأة غير اليهوديّة- المرأة السّامِريّة: {لأنَّ الخلاصَ يَجيءُ مِنَ اليَهود}+ يوحنّا 4: 22
ومن الأمثلة أيضًا: (أنّ الله يُضِلّ من يشاء)- النحل:93 وفاطر:8 والرعد:27 وغيرها وقطعًا أنّ الله قادر على إضلال مَن يشاء لكنّ هذه القدرة تتنافى مع محبّة الله ومع مصداقيّته! فهذا الكلام مسيء إلى الله، عِلمًا أن الضلال من الشيطان، ليس من الله، بل يجب التفريق ما بين خصائص الله، كالمحبة والخير والغفران وتنوير العقول، وبين منهج الشيطان، وهو الشر بأنواعه، فلا يجوز أنْ يَنسِب المرءُ إلى الله ما للشيطان! وتاليا؛ حاشا الله أنْ يُضِلّ إنسانًا أحبّه فخلقه، فأخطأ إلى الله، فدعاه الله إلى التوبة، فأرسل إليه المسيح المخلِّص لكي يدفع عنه ثمن الخطيئة، لأنّ التوبة لا تعني دفع الثمن؛ فكم من مجرم ندم على خطيئته وتاب، سواء أقبل تنفيذه حكم القضاء أم بعده! لكنّ المسيح دفع ثمن الخطيئة البشرية على الصليب لينجّي البشر في النهاية من الهلاك الأبدي: {مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَص، ومَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ}+ مرقس 16: 16 وقد ذُكِر في الكتاب المقدَّس بوضوح شديد أنّ الله {يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النّاس يَخْلُصُون، وإلى مَعرِفة الْحَقِّ يُقبِلُون}+ 1تيموثاوس 2: 4
ـــ ـــ
مشروع الله
لقد بدأ مشروع الله مع الإنسان بعد سقوط آدم وحوّاء في الخطيئة {لأنَّ أُجرَةَ الخَطيئَةِ هيَ الموت، وأمَّا هِبَةُ اللهِ فَهيَ الحياةُ الأبدِيَّةُ في المسيحِ يَسوعَ ربِّنا}+ رومية 6: 23 ومِن معاني الهبة أن البشر لن ينالوا الحياة الأبديّة عن استحقاق! لكن الله {هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلا}+ رسالة يوحنّا الأولى 4: 19 إذ {هكذا أحَبَّ اللهُ العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الوحِيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ به، بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأبَدِيّة}+ يوحنّا 3: 16 فلزم الإنسان فداء، وشروط الفداء ثلاثة: الأوّل أن يكون الفادي إنسانًا، لا حيوانًا؛ أي أنّ الذبيحة الحيوانية لا تكفِّر عن خطيئة إنسانية ولا تكفي فداءً عنها، لكنّها رمزت في العهد القديم إلى الذبيحة الكفّاريّة التي قدّمها السيد المسيح على الصَّليب في العهد الجديد، ولا نباتًا؛ لأنّ قيمة الإنسان أعلى من قيمة كلّ خليقة أخرى، لهذا رضِيَ الله بذبيحة هابيل، حسب تأمّلي في سِفر التكوين، وكانت من أبكار غنمه (التكوين 4: 4) إذ رمزت الذبيحة الى المسيح، كما تقدَّم، في وقت لم يرضَ الله بقربان قايِين الذي قدَّم لله من أثمار الأرض (التكوين 4: 5) والثاني أن يكون الفادي بلا خطيئة! لأنّ الخاطئ لا يستطيع فداء خاطئ، ولتقريب الصورة: لا يستطيع أعمى قيادة أعمى فيَسقُط كِلاهُمَا فِي حُفرة (متّى 15: 14) لكنّ المعلوم أنّ المسيح هو الإنسان الوحيد الذي بلا خطيئة، فقد قال لليهود قولته الشهيرة: {مَن منكم يبكّتني على خطيئة؟}+ يوحنّا 8: 48 والثالث هو أن يكون الفداء غير محدود، لأنّ خطيئة الإنسان غير محدودة، ويلزم الفداء غير المحدود أنْ يكون الفادي أيضًا ذا طبيعة غير محدودة! فما من مكان لهذه الطبيعة ولا زمان إلّا شخص المسيح له المجد! لأنّ الله، غير المحدود، حالّ في المسيح (يوحنّا 14: 10) وتاليًا؛ لم تكفِ الإنسان توبته عن ذنب اقترفه وإلّا لأصبح جميع المجرمين أحرارًا لا رادع لهم ولا عقاب. والأهمّ؛ لم يستطع إنسان عاديّ أن يفدي البشريّة {إذِ الجميع أخطأوا وأَعْوَزَهُمْ مَجدُ الله}+ رومية 3: 23 فمقولة القرآن (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم)- النساء:157 باطلة وفق هذا المفهوم! إذْ أخطأ جميع الناس، حتّى الأنبياء، فمن المستحيل أن يسمح الله لأحد بانتحال شخصيّة المسيح، لأنّ الرّبّ إلهنا أمين، حاشاه من الخداع والتزوير! مَن ذاك "الشبيه" الذي "استطاع" أن ينتحل شخصية المسيح لفداء البشر؟ قطعًا أنّ هذه النظرية هُراء، من غير المعقول تفكير دارس الكتاب المقدَّس فيها ولا تصديقها. أمّا تفصيل سيرة السيد المسيح ففي الإنجيل، لا في كتاب منحول ولا في آخر مشبوه. ولي بالمناسبة مقالة تفصيلية عن حقيقة صلب المسيح: مصلوب ما صلبوه ولا شُبِّه لهُمْ!
عِلمًا أنّ الله لم يعصم نبيًّا من الخطيئة، بل لم يغضّ الطَّرف عن واحد من أخطاء أنبيائه، أيًّا كانت مهمّة النّبيّ الذي اختاره الله! إنّما عاقب المخطئين جميعًا بدون استثناء! لهذا لزم العالم أجمع تدخّل إلهي بشخص السيد المسيح للتكفير عن خطايا العالم. فإن سأل سائل ما خطيئة كلّ من إبراهيم وموسى وداود وغيره وماذا كانت عقوبة كلّ منهم؟ فالجواب في التوراة وفي سائر أسفار الكتاب المقدَّس.
ـــ ـــ ـــ