هذه عودة سريعة إلى ما ذكرت في الأجزاء السابقة مع إضافات جديدة.
1 بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرت في ج4 أنّ في البسملة القرآنية- بسم الله الرحمن الرحيم- شِركًا بالله حسب المسألة الـ26 في تفسير القرطبي وحسب معنى "الرحيم" في معجم لسان العرب على أنّ رحمة الرحمن وسعت كلّ شيء فلا حاجة إلى التوكيد- الرحيم- الذي أجازه الجوهري، وهذا التوكيد في رأيي ليس من البلاغة في شيء؛ لأنّ كلا الصِّفتين (الرحمن والرحيم) مشتقّ من الرحمة، ولا سيّما [أنّ "الرحيم" يوصف به غير الله، أي العبد، بينما "الرحمن" صفة مطلقة لله وحده، لا يجوز إطلاقها للعبد] فكأنك تقول ما ورد في تفسير القرطبي "بسم الله الرحمن والرحيم" لاحظ-ي الواو (واو العطف) ما بين الرحمن والرحيم.
عِلمًا أنّ في تفسير الطبري للإسراء:110 بتصرّف: [1 أنّ المشركين سمعوا النبيّ يدعو ربّه: "يا ربّنا الله، ويا ربّنا الرحمن" فظنّوا أنّه يدعو إلهين، فأنزل الله (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى) احتجاجًا لنبيّه عليهم. 2 عن ابن عباس قال: كان النبيّ ساجدًا يدعو "يا رَحمَنُ يا رَحيم" فقال المشركون: هذا يزعم أنّه يدعو واحدا، وهو يدعو مثنى مثنى، فأنزل الله (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَن...) 3 عن مكحول؛ أن النبيّ كان يتهجَّد بمكّة ذات ليلة، يقول في سجوده "يا رَحْمَنُ يا رَحيم" فسمعه رجل من المشركين، فلمّا أصبح قال لأصحابه: انظروا ما قال ابن أبي كبشة، يدعو الليلة الرحمن الذي باليمامة، وكان باليمامة رجل يقال له الرحمن: فنزلت (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَن...] انتهى.
وتعليقي- أوّلا- أنّ محمّدًا احتجّ على المشركين بالرحمن فأنزل "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَن..." ما دلّ على أنّ المشركين سمعوا " يا ربنا الله، ويا ربنا الرحمن" ولم يسمعوا "يا رَحمَنُ يا رَحيم" ممّا روى كلّ مِن ابن عباس ومكحول، فلم يحتجّ على المشركين بالرحيم وإلّا لأنزل به شيئًا كما أنزل الإسراء:110
ثانيا- واضح أنّ المشركين لم يحتجّوا على قول محمد "يا ربّنا الله" إذْ عرفوا الله من خلال أهل الكتاب، إنّما احتجّوا على قوله "يا ربّنا الرحمن" العائد إلى رحمن اليمامة! وهذا يدلّ على أن محمّدًا لم يأتِ المشركين بجديد فيما تعلَّق بالتوحيد- كما زعم أهل التأويل ومفسِّرو القرآن وسائر المسلمين.
ثالثا- يبدو من تسمية محمد "ابن أبي كبشة" في تفسير الطبري للإسراء:110 أنّ رسول الإسلام قد أطلق على نفسه اسم "محمد" فيما بعد، لم يكن "محمد" اسمه الحقيقي، فـ "ابن أبي كبشة" ورد في تفسير القرطبي لسورة النجم:49 أيضًا! عِلمًا أنّ الإسم "محمد" مقتبس من الكتاب المقدَّس! فلا وجود لأيّ مستند تاريخي دالّ على أنّ "محمّد" من أسماء رسول الإسلام ولا من ألقابه إطلاقا، إنّما ركّز الباحثون على "قُثَم" مِنهم د. هشام جعَيْط [من مواليد تونس سنة 1935 حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس سنة 1981 وله سيرة على ويكيبيديا: هشام جعيط] والتفصيل حوالي 20 دقيقة في برنامج صندوق الإسلام- الحلقة العشرين- مراحل تطور القرآن/ فترة المدينة:
youtube.com/watch?v=fuPrisPa_F8
عِلمًا أنّ الشرك في بسملة القرآن ليس الوحيد في المصحف العثماني! ففي رأيي؛ حيثما وجدتَ "الله ورسوله" فاعلمْ أنّ هذا دالّ على إشراك "محمد" نفسَه بالله وإنْ سَكَتَ المفسِّرون عن هذه الكارثة أو غضّوا النظر أو أُجبِروا على السكوت؛ كقوله: (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ والرَّسُولَ)- آل عمران:32 كذا في محمد:33 وقوله: (أغناهُمُ اللهُ ورسولُه مِنْ فَضْلِه)- التوبة:74 وقوله (إذا قضى اللهُ ورسولُهُ أمرا)- الأحزاب:36 وقوله (ولا يُحرِّمون ما حرَّم الله ورسولُه)- التوبة:29 وهذا ما أيّدَ مفكِّرون من خلفيّة إسلاميّة؛ منهم الأخ رشيد والكاتب حامد عبد الصمد؛ شاهد-ي مقطع الفيديو التالي على يوتيوب، نحو سبع دقائق، تحت عنوان:
آية وتعليق: الحلقة 20 محمد والله في القرآن الجزء 1
youtube.com/watch?v=61GBEszhPHc
ـــ ـــ
2 الحمد لله ربّ العالمين
من الجيّد قطعًا أن نحمد الله، لكنّ ما ورد في القرآن عن الحمد ليس جديدا (انظر-ي التفصيل في ج1 من المقالة) بل أنّ مِن واجب المؤمن-ة بالله أن يشكره كلّ حين ويحمده ويتواصل معه. فهذا مؤيَّد بآيات كثيرة في الكتاب المقدَّس، مِن أوّله إلى آخره، آيات معروفة لدى الموحِّدين- أهل الكتاب- فإن احتجّ معترض بجهالة غير الموحِّدين، لكي يبرِّر الحاجة إلى القرآن، فالجهل مستمرّ إلى اليوم، في جهات الأرض، إلى أن تصل بشرى الإنجيل إلى كلّ إنسان فيعرف الله ويعبده {لأنّ كلمة الله حَيّة وفعّالة وأمضى مِن كلّ سيف ذي حدَّين، وخارقة إلى مفرق النفس والرّوح والمَفاصِل والمِخاخ، ومميِّزة أفكارَ القلب ونيّاته}+ عبرانيّين 4: 12
عِلمًا أنّ محمّدًا استفتح صلاته بـ "الحمد لله رب العالمين" لا البسملة؛ حسب المسألة السادسة في تفسير القرطبي للبسملة، فبتصرّف: [روت السيدة عائشة في "صحيح مسلم" قالت: كان "رسول الله" يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ "الحمد لله ربّ العالمين" وروى مسلم أيضًا عن أنس بن مالك قال: صلّيت خلف "النبي" وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ "الحمد لله رب العالمين" لا يذكرون "بسم الله الرحمن الرحيم" في أوّل قراءة ولا في آخرها] انتهى.
وتعليقي: من الممكن الاستنتاج، في ضوء المسألة السادسة في تفسير القرطبي للبسملة، أنّ الفقهاء الذين اعتبروا البسملة جزءً من "الفاتحة" في "المصحف العثماني" فأعطوها رقمًا قد حَرّفوا القرآن بزيادة البسملة على هذه السورة.
ـــ ـــ
3 الرحمن الرحيم
لقد بيّنت في ج4 من المقالة ما معناه أنّ "الله الرحمن الرحيم" شِرك بالله؛ لأنّ الله إله أهل الكتاب، والرحمن هو الله أيضًا لكنّ محمّدًا لم يقصد وصف الله بإله الرحمة، إنّما الشِّرك به لأنّه معبود مسلمة بن حبيب "رحمن اليمامة" الذي أشركه محمد في الدعوة، حتّى قال بلسان ربّه: (قُل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن أيًّا ما تدعوا فلهُ الأسماءُ الحسنى...)- الإسراء:110 إذْ سمعه المشركون وهو يدعو "يا ربنا الله، ويا ربنا الرحمن" في تفسير الطبري للإسراء:110 كما تقدَّم. فلم يذهب محمد إلى قتال مسلمة ولم تُطلَق على مسلمة صفةُ الكذاب إلّا بعد موت محمد، وتحديدًا بعد قيام الخليفة الأوّل بمحاربته لإرغامه وقومه على الإسلام فاستحصال الزكاة. والتفاصيل في الجزء المذكور مُدعمًا بـ "خبر رحمن اليمامة" في "المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام" للباحث العراقي الكبير د. جواد علي.
أمّا الرحيم فهي صفة منسوبة إلى "محمد" حسبما ورد في المسألة السادسة والعشرين من مسائل تفسير البسملة لدى القرطبي [كأنه قال: بسم الله الرحمن وبالرحيم] وهذا في رأيي من معالم الشرك بالله.
وأمّا بعد؛ فقد برّر الطبري (المتوفّى سنة 310 هـ) تكرار "الرحمن الرحيم" بأنه (لم يَرَ البسملة من فاتحة الكتاب آية) شأنه شأن القرّاء في كلّ من المدينة والشام والبصرة (ممّا في تفسير القرطبي- ت 671 هـ) وإلّا فأنّ هذا التكرار وأمثاله من الطعون في بلاغة القرآن. فإذا أخذنا رأي الطبري بنظر الاعتبار يصبح عدد أجزاء الفاتحة ستّة، على خلاف المصحف العثماني، أي بدون ترقيم البسملة، شأنها شأن أوائل جميع السور، باستثناء براءة (التوبة) لكن مِمّن حُكِيَ عنه أنّ البسملة آية مِن كلّ سورة إلّا "براءة" ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعلي (ممّا في تفسير ابن كثير- ت 774 هـ) فما أدراك ما في "اللوح المحفوظ" لحلّ الخلاف ما بين الفقهاء، وأين تجد الحلّ إذْ نُقِل عن ابن عبّاس أنّ [طول اللوح ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب]- تفسير البغوي (ت 516 هـ) ودوّنه ابن كثير في تفسير البروج:22 والغريب في نظري؛ كيف غُضَّ النظر عمّا حكى كلّ مِن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعلي ولكلّ مِنهم ثُقل في الإسلام، ممّا في ج3 من المقالة، فلم يعتبر الفقهاء البسملة "آية" مِن كل سورة، حسب المصحف العثماني، فتركوها بدون ترقيم إلّا في الفاتحة؟
ـــ ـــ
4 مالك يوم الدين
معلوم أن التنقيط والتشكيل قد غابا عن مخطوطات القرآن الأولى، حتّى حروف اللغة العربية في ذلك الحين كانت في حدود خمسة عشر حرفا، ليس الألف من ضمنها. لذا فأنّ قراءة "مالك" اختلفت ما بين القرّاء! فلم تكن سوى إحدى أربَع لغات: مَالِك ومَلِك ومَلْك- مُخفَّفة مِنْ مَلِك- ومَلِيك (ممّا في تفسير القرطبي) وفيه أيضًا أنّ الفقهاء اختلفوا في أيّما أبْلغ: مَلِك أو مَالِك؟ وقطعًا أنّ حلّ الخلاف في "اللوح المحفوظ" كما تقدَّم. والتفصيل في ج3 من المقالة أيضا.
ـــ ـــ
5 إيّاك نعبد وإيّاك نستعين
ورد في تفسير الطبري أنّ تكرار "إيّاك" أفصح في كلام العرب. أمّا تفسير "إيّاك نستعين" عن عبد الله بن عباس: [إياك نستَعِينُ على طاعتِك وعلى أمورنا كلها] وأردف الطبري: [فإنْ قال قائل: وما معنى أمر الله عبادَه بأن يسألوه المعونةَ على طاعته؟ أوَ جائز، وقد أمَرَهم بطاعته، أنْ لا يُعِينهم عليها؟ أم هل يقول قائل لربّه: إيّاك نستعين على طاعتك، إلّا وهو على قوله ذلك مُعان، وذلك هو الطاعة. فما وجهُ مسألة العبد ربَّه ما قد أعطاه إيّاه؟] فحاول الإجابة على هذه المسألة بقوله: [قِيلَ إنّ تأويلَ ذلك على غير الوجه الذي ذهبتَ إليه، وإنما الدّاعي ربَّه مِن المؤمنين أنْ يعينه على طاعته إيّاه، داعٍ أنْ يُعينه فيما بَقِي من عُمره على ما كلّفه من طاعته، دون ما قد تَقضَّى ومَضى من أعماله الصالحة فيما خلا من عمره... إلخ] والقناعة متروكة لقارئ القرآن وتفاسيره.
أمّا قارئ الكتاب المقدَّس فلا يدوخ بمثل ذلك التفصيل، لأنّ معنى الآية في الكتاب المقدَّس واضح وهو المهمّ وليس أسلوب كتابتها! لهذا لم يختلف مفسِّروه على معنى آية واحدة من آياته مهما اختلفت جنسيّاتهم ولغاتهم في أصقاع الأرض. ومن يقرأ سلسلة مقالاتي المتعلِّقة بإشارات العهد الجديد إلى العهد القديم، سواء إشارات إنجيل متّى وإشارات إنجيل يوحنّا، يجد أنّي أتيت بتفاسير مفسِّرين مِن جنسيّات مختلفة، منهم النّاطقون بالعربيّة. ولي في قول الوحي بلسان بولس الرسول خير برهان: {ليس أننا كُفاةٌ مِن أنفسنا أنْ نفتكر شيئا كأنّه مِن أنفسنا، بل كفايتُنا مِن الله، الذي جعلنا كُفاةً لأنْ نكون خُدّام عهد جديد. لا الحَرفِ بل الروح. لأنّ الحَرفَ يَقتُل ولكنّ الروحَ يُحيي}+ كورنثوس الثانية 3: 5-6
عِلمًا أنّ نصوص الكتاب المقدَّس الأصليّة ثابتة ومحفوظة، لأنّ الله ساهر على كلمته (إرميا 1: 12) وأنّ كلامه لا يزول (متّى 5: 18 و24: 35 ومرقس 13: 31 ولوقا 16: 17) ممّا قال بلسان السيد المسيح.
ـــ ـــ
6 اهدِنا الصِّراط المستقيم
قرأنا في تفسير القرطبي اختلافًا في لفظ "الصِّراط" ما بين ثلاثة: الصِّراط والسِّراط والزِّراط (انظر-ي ج3 مِن المقالة) والجواب في "اللوح المحفوظ" كما جرت العادة.
ونقرأ في تفسير الطبري- بتصرّف: [عن عبد الله بن عباس؛ قال جبريل لمحمد: قُلْ يا محمد "اهدِنا الصِّراط المستقيم" يقول: ألهِمْنا الطريق الهادي] والملاحَظ أنّ المقصود بالطريق الهادي، في أنظار مفسّري القرآن وأهل التأويل وسائر المسلمين الباقين على الإسلام، هو دعوة محمد. وهذا شأنهم جميعًا وخيارهم، ما ليس لي الاعتراض عليه إلّا إذا حاول أتباع "محمد" فرضَ شأنهم بالقوّة، سواء عليّ وعلى سائر أتباع السيد المسيح له المجد. عِلمًا أنّ استخدام القوّة لفرض أيّ دِين على الآخرين، أو رأي ما، مِن عوامل بُطلانه وهشاشته ومن أسباب سوء سمعته فيما بعد. وعِلمًا أنّ السيد المسيح قال:
{فَتِّشُوا الكُتُبَ لأنّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فيها حَيَاةً أَبَدِيّة. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي}+ يوحنّا 5: 39
وقال: {أنا هوَ الطَّريقُ والحقُّ والحياة، لا يَجيءُ أحَدٌ إلى الآبِ إلاَّ بي}+ يوحنّا 14: 6
وقال: {أنا الأَلِفُ واليَاءُ، البدَايَةُ والنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ والآخِر}+الرؤيا 22: 13
وتنبّأ قائلا: {انظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَد....... ويقومُ أنبياء كَذَبة كثيرون ويُضِلّون كثيرين}+ متّى 24: 4 و11
فالّذي ادّعى أنّه يؤمن بالسيد المسيح، بدون الالتزام بكلامه المدوَّن في الإنجيل، فإيمانُه فارغ وكلامه محاولة ضحك على الذقون.
والّذي تساءل: أيّ إنجيل أقرأ من "الأناجيل" الأربعة؟ فالجواب أوّلًا أنّ الإنجيل واحد مدوَّن بثمانية أقلام، كلّ قلم منها عائد إلى شاهد عيان، وأنّ هذه الكلمة- الإنجيل- يونانية الأصل لا يجوز فيها الجمع "أناجيل" كجمع بعض مفردات اللغة العربية.
ثانيًا أنّ مَن ينتقد الإنجيل، بدون قراءته وتفسيره المعتمد مسيحيّا، فلا احترام لنقده عندي! لأني لا أطيق غباءً في هذه المسألة ولا انحطاط الأخلاق الذي تعكسه! هو ذا كاتب هذه السطور قد قرأ القرآن وتفاسيره المعتمَدة لدى المسلمين، ثم كتب مقالاته النقدية وكلّ منها مدعم بأدلّة قاطعة وبراهين ساطعة. عِلمًا أنّ الكتاب المقدَّس أصبح متوفِّرًا، ورقيًّا والكترونيّا، ومعه التفسير المسيحي، فلا ذريعة لمَن ينتقده بدون قراءتهما.
أمّا المخدوع الذي علّق على إحدى مقالاتي بـ"أنّ كتابكم محرَّف" فما أتى بحجّتين مقنعتين أو ثلاث، ممّا يعمل به قضاء عادل ومُنصِف. لذا فليكفّ عن التعليق، ولينتبه إلى ضلاله قبل فوات الأوان! عِلمًا أنّ الكتاب المقدَّس كُلَّه موحًى به من الله (2تيموثاوس 3: 16) وتحديدًا من الروح القدس، فمَن جَدَّف عليه لن يغفر الله له؛ إذْ قال السيد المسيح: {لِذلِكَ أقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وتَجدِيف يُغْفَرُ لِلنَّاس، وأمّا التّجدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغفَرَ لِلنَّاس}+ متّى 12: 31 ولوقا 12: 10 ومعنى التجديف: الكُفر. عِلمًا أنّ الكتاب المقدَّس معنيّ بالمعنى لا الحرف (2كورنثوس 3: 6) فلا ينبغي النظر إلى الجوانب اللغويّة فيه بطريقة النَّظَر إلى القرآن؛ منها مسائل القرطبي الـ12 في الاستعاذة والـ28 في البسملة.
ـــ ـــ
7 صراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين
خطر في ذهني يومًا ما إطلاق هذا العنوان [ضوء على الّذِين والّذين والّذين] على إحدى مقالاتي، لاستخدام مؤلِّف القرآن "الّذين" في خواطر عدّة؛ منها: (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة)- المائدة:73 بدون تحديد هويّة "الذين" فالقول (إنّ الله ثالث ثلاثة) لا وجود له في الكتاب المقدَّس، لا حرفيًّا ولا معنويّا- حاشا الله! لكن مفسِّري القرآن ظنّوا أنّ المقصودين "النصارى" وهذا افتراء سببه "الذين" ما أدّى فيما بعد إلى اتّخاذ هذه الخاطرة وغيرها ذرائع لشنّ غارات الإرهاب على مسيحيّ الشرق، المعروف عنهم المحبة والوداعة والمسالمة، وعلى مواطني الغرب العِلماني الديمقراطي ذي الجذور المسيحية.
فأقول: لا عتب على مؤلِّف القرآن الآن؛ لأنّه مات وحسابه عند الديّان العادل يوم الحساب العظيم، لكنّ من حقِّي نقد خواطره، الافترائيّة منها والإرهابيّة، لأنّها شكّلت خطورة إلى أجل غير مسمّى، على العالم كلِّه، فليس أمامي سوى إثبات نسبتها إلى جهة أخرى غير الله! إنّما عتبي على كلّ مَن صَدَّق أنّ مؤلِّف القرآن مُرسَل من الله، إذْ صدَّقه بدون قراءة الكتاب المقدَّس، وبدون بحث في سيرة المؤلِّف، وبدون بحث عن مصادر القرآن، وبدون مقارنة خواطره مع خواطر إنسانية لمفكّرين كثر وفلاسفة. فلا شكّ لديّ في قصور القرآن أدبيًّا وعِلميًّا وأخلاقيّا. وتفصيل نقد المائدة:73 في مقالتي:-
عائض القرني – ج9 أخيرا: مَن قال إنّ الله ثالث ثلاثة؟
لكنّ قلمي عَفّ عن التشبّه بالتكرار الذي حفل به القرآن، فأساء مؤلِّفه إلى بلاغته؛ وهي المفترض توفّرها بأحسن صورة في كتاب منسوب إلى الله! فمِن مقتضياتها: حُسن البيان والحبكة الموضوعية، لا التكرار والشّكّ والغموض والإبهام.
هل تريد-ين حُجَجًا على بعض ما تقدّم؛ إنها كثيرة، أما قرأت القرآن؟
حَسَنا؛ إليك مِنها التالي لأنّك تعلّمت أنّ (البيّنة على مَن ادّعى واليمين على مَن أنكر)- رواه البيهقي بإسناد صحيح، بل بات لِزامًا على كلّ ناقد أن يدعم ادّعاءه بحُجّة، بدليلَين أو ثلاثة:-
[إن الذين كفروا مِن أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هُمْ شرّ البرية]- البيّنة:6 فأوّلا: مَن الذين كفروا مِن أهل الكتاب، مِن أيّة طائفة، في أيّة قرية أو مدينة أو دولة، بماذا كفروا وأنت تعلم أنّهم موحِّدون، أكفروا بالله أمامك، أم كفروا بدعوتك لأنّك عجزت عن إقناعهم بها حتّى مماتك، وكفروا بإلهك لأنه عجز عن تأييدك بمعجزة؟
تاليا: هل الكافر شرّ البرية؟ فأوّلا: هل كنت موحِّدًا بقولك "الله ورسوله" في مناسبات قرآنية كثيرة نسبيّا؟ ثانيا: هل يُدخِلك الجنّة أمْرُك بذَبْح كعب بن الأشرف وعصماء بنت مروان وبني قريظة وغيرهم، بينما يدخل النارَ الغربيّون إذ اخترعوا وسائل الإضاءة والراحة والسرعة والأمان وكلّ ما فيه خير للبرية؟ وأيضا؛ هلْ يَدخُل ساسةُ العالم الإسلامي "الموحِّد" الجنّة إذْ رفضوا استقبال اللاجئين السّوريّين إلى دولهم ولا سيّما دول الخليج "الموحِّدة" بينما يَدخُل النارَ ساسةُ دول الغرب الكافر بدعوتك، كالنمسا وألمانيا، جزاء لهم على حُسن استقبال أولئك اللاجئين؟ شاهد-ي على يوتيوب، سبع دقائق، تعليق الأخ رشيد على موقف العالم الإسلامي من اللاجئين السوريين:
youtube.com/watch?v=Wr5gev6nxeo
[وإنّ مِن أهل الكتاب لمَن (اللام للتوكيد، مَن: الذي، بمعنى الذين- طائفة) يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم...]- آل عمران:199 ما اسمُ طائفة أهل الكتاب التي آمنت بما أُنزِل إليك، متى وأين؟
[لكنْ شُبِّه لهُمْ]- النساء:157 مَنِ الشبيه، كيف تحمّل الصلب، ألم يعرفه أتباع المسيح؟ ثمّ لماذا حشرت نفسك في عقيدة ولم تكُنْ قريبًا مِن صاحبها لا جغرافيًّا ولا تاريخيّا، أليس هذا اعتداء صارخًا على كرامة الآخرين؟
[أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحَابَ الكَهْف]- الكهف:9 مَا جنسيّتهم، أين عاشوا ومتى وكم كان عددهم؟ عِلمًا أنّ قصّة أصحَاب الكَهْف رمزية (لم تكنْ حقيقية) تعليمية، ألّفها القديس مار يعقوب السّروجي (451 – 521 م) خلال اضطهاد المسيحيّين من الرومان، مدوَّنة باللغة السريانية ومحفوظة في الفاتيكان، ثم دّوِنت باللغة القبطية فالحبشية ثم تُرجِمت إلى العربية. وتفصيل القصّة في مقالتي: الاقتباس والتأليف وراء لغز شبهة التحريف – 2 من 3
[ويسألونكَ عَنْ ذِي القَرنَين]- الكهف:83 مَن هو، كيف تركْتَ اسمَهُ محتفِظًا باللقب، أين عاش ومتى؟ إليك حلّ لغز ذي القرنين في حلقة صندوق الاسلام 31 أساطير القرآن، بيت العنكبوت وذو القرنين:
youtube.com/watch?v=YnKrE35tv-Y
[إنّ شانئك هو الأبتر]- الكوثر:3 مَن الشانئ ومن الأبتر؟
[ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلّا بالحقّ]- أيّ حقّ قصدت؟
[سُبحان الذي أسرى بعبده ليلا]- الإسراء:1 أيّ عبد قصدت؛ أأنتَ أم يعقوب بن إسحق بن إبراهيم، ما الدليل؟ إليك حلّ لغز العبد الذي أسريَ به ليلًا في حلقة سؤال جريء 462 الإسراء والمعراج، حقيقة أم خرافة؟
youtube.com/watch?v=drifn8wp7U0
هذه مِن الأمثلة على غموض القرآن؛ نظرًا إلى ضعف بياناته ولنقل مؤلِّفِه أخبارًا مِن كتب الأوَّلين، سَمِعَها من مصادر عدّة، فتَلاها بأسلوبه لكنْ بدون تدقيق، على خلاف الكتاب المقدَّس، فاقرأ لكي تتأكد بنفسك وشاهد. أمّا بلاغة القرآن فأدعو إلى تصفّح "الشخصية المحمدية" للرصافي؛ باب بلاغة القرآن ص922 ورقيًّا أو ص614 على بي دي أف.
تاليًا؛ ما صِراط الذين أُنعِمَ عليهم؟ إنّ سامعك، أو قارئك، يعرف معنى الصِّراط (الطريق، السبيل) لكنّه يجهل الصراط المقصود في دعائك. وهذا أوّلا.
ثانيا: ما هي نعمة الرحمن ونحن نقرأ أولى سور المصحف؟ أين أنعم بها وعلى مَنْ دُون سِواهم ومتى؟ بل ما هي نعمة الإسلام؟ لعلّك تجد-ين الجواب في مقالتي:
وقفة بين الكتاب المقدَّس وبين غيره– ج13 الحمد لله على نعمة المسيح
ثالثا: مَنِ الذي غَضِب، ومَن المغضوب عليهم، ما سبب الغضب، إلى أيّة فترة استمرّ الغضب، ماذا كان عقابهم، هل خلا العقاب من رحمة الذي "وسعت رحمته كلّ شيء" في أيّ كتاب ذُكِرتْ فترة الغضب وسببه والعقاب؟ تاليًا ألمْ يَغضَب الغضبان على غيرهِمْ؟ وإذا افترضنا أنّ الرحمن هو الغضبان، أو الغَضِب أو الغَضوب، فلماذا لم يُدرَج "الغضبان" ضِمن قائمة أسماء الله الحسنى التي استُنبِطَت مِن القرآن، أسوة بالمُضِلّ وغيره؟
رابعا: مَنِ الضّالّون، هل الضَّلال مختوم عليهم بعلامة ما فارقة، إلى متى استمرّ الضلال، ماذا كانت عقوبة الضّالّين؟ لكنْ ما ذنبهم إذا ضَلّوا؛ أليس مكتوبًا عن الرحمن في قرآنك أنّه يُضِلّ مَن يشاء؟ ولماذا خَلَقَ "عَلّامُ الغيوب" الضّالّين وهو على عِلم مسبّق بأنّهم يضلّون، فلماذا النار مصيرهم، بل ما الذي دعا الرّحمن إلى إرسال رسول إليهم، أيًّا كان الرسول، وهو على عِلم بأنّ رسوله لنْ يهديهم إلى "الصِّراط المستقيم" مهما حاول؟
لقد تركتُ الإجابة على هذه التساؤلات- هنا- لأنّ مقالاتي النقدية المنشورة تضمّنتها معنويّا. لعلّ الجدير ذِكره بالمناسبة أنّ الشيخ محمد عبده (1849– 1905م) تجاوز ما استقرّ في كتب السَّلَف وهو (أنّ الذين أنعَمَ الرحمن عليهم: المسلمون، والمغضوبَ عليهم: اليهود، والضّالّين: النصارى) معتبرًا ما معناه (أنّ حال كلّ مِن الفئات الثلاث موجودة في الأمم كلّها) أي أنّ الإيمان ونقيضه غير مقتصرَين على أمّة ما وزمن ما ومكان ما.