في المقالة السابقة تأملنا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي فقط به لنا الغفران لخطايانا، وخطايا كل من يُؤمن به، وانه من دون سفك دم لا تكون مغفرة، سفك دم ابن الله الوحيد، يسوع المسيح.
في هذه المقالة، سوف نتأمل اخوتي بيسوع المصلوب، وكلمات النعمة التي خرجت من فمه الكريم، وهو معلق على عود الصليب، ورغم آلامه الرهيبة لم يكن مشغولاً بذاته، بل بالآخرين وبالأخص الذين صُلبا معه.
قبل ثلاثة ايام، وانا في مكان عملي، دارَ حديث شَيِّق مع الطبيبة التي اعمل معها في نفس العيادة، وهي يهودية غير متدينة بل علمانية، ولكنها تهتم كثيراً في الامور الروحية، بعد ان سألتني عن فصح المسيحيين، تكلمنا عن صلب المسيح، موته وقيامته من بين الاموات في اليوم والثالث، وما اعجبني بهذه الامرأة انها قالت عن المسيح هكذا، " يا لهذا المسكين، لم يجدوا وقت اخر لصلبه الا وقت الفصح “، طبعا نفهم من كلامها انها قصدت فصح اليهود، وانا اشهد انها لم تستهتر في كلامها هذا، بل كانت جدية بما تقول.
كلام هذه الطبيبة اثار اهتمامي، وذكرني بعشاء الرب مع الاثنا عشر رسولا (لوقا 14:22)، بانه ذكر الكأس مرتين، في عدد 17 في نفس الاصحاح، والعدد 20.
نرى هنا ان عهد تقديم الذبائح كان على وشك الانتهاء، وكأن المسيح يقول ان كل نبوءات العهد القديم قد تحققت، واهمها ان المسيح قدم نفسه ذبيحة على الصليب، وبهذا أعلن المسيح عن كأس العهد الجديد في العدد 20، " وكذلك الكأس ايضاً بعد العشاء قائلاً، هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم "، الدم سُفِكَ عني وعنك، وعن هذه الطبيبة التي سمعت رسالة النعمة والخلاص، وانه فقط بصليب المسيح وسفك دمه، لنا الغفران للخطايا والفردوس الذي وعد به المسيح لكل من يؤمن، وذلك المذنب الذي صلب معه.
الله يحب الجميع، وليس عنده اي تفرقة، ومشيئته ان يخلص الجميع من كل الشعوب والامم والالسن، بل كما قال بولس ان مشيئة الله خلاص الكل، وهذا ما نراه من الحوار الذي دار بين يسوع المصلوب، مع المذنبين الذين صُلِبوا معه، ومع ان يسوع قد مات على الصليب من اجل المذنبين، بل من اجل العالم اجمع، فالأول قبل رسالة الخلاص، واعترف انه انسان خاطئ ومستحق الدينونة، لأنه كما يقول الكتاب ان الجميع اخطأوا، واعوزهم مجد الله اي عمل المسيح الكفاري على الصليب، ولم يعترف فقط بخطيته بل اعلن بِر يسوع المسيح، والاول اجاب الاخر بل وانتهره ايضاً (لوقا 40:23)، (وما زال في ايامنا هذه روح الرب يُبَكِّت ويوبخ عدم الايمان، ورفض خلاص المسيح)،
وهذا ما قاله المذنب: اولا انت تخاف الله، اذ انت تحت هذا الحكم بعينه؟ اما نحن فبعدل، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، واما هذا (اي يسوع) فلم يفعل شيئاً ليس في محله!
ونحن نعلم ان يسوع لا يريد ان يدين أحد، بل ان يُقبل الجميع الى التوبة الحقيقية، وترك الخطية واعمال الشر، فهل انت من الذين يعترفون بخطيتهم وببر المسيح، ام تَضُم صوتك للمذنب الاخر الذي صُلب مع يسوع مجدفاً وقائلاً: ان كنت انت المسيح، فخلص نفسك وايانا!
اخوتي واحبائي، نعلم انه كان باستطاعة المسيح ان يخلص نفسه وبان ينزل عن الصليب، ولكن ان كان قد حدث هذا، لكان قد هلك اللص الذي كان بجانب يسوع وهلكت معه الخليقة من آدم وحواء، حتى لآخر مولود على وجه الكرة الارضية!
ولكن فكر المسيح هو غير فكر العالم، وفكر الله مخالف تماماً فكر الشيطان، والذي علم جيدا انه عن قريب جدا سوف تكون هزيمته على عود الصليب، بموت يسوع المسيح على الصليب، لأنه به أَشهَر الرياسات والسلاطين (اي الشيطان ومملكته) ظافراً بهم بالصليب.
فنطق الشيطان على فم اللص، كما نطق على فم سمعان بطرس بانه حاشا ليسوع ان يموت على الصليب، وللأسف الشديد ما زال الشيطان يَعمي اذهن غير المؤمنين عن خلاص المسيح، عن سفك دم يسوع، صلب يسوع، موته وقيامته من بين الاموات.
عندما اتكلم مع الاخرين عن الايمان المسيحي وعن يسوع المسيح، فمن الممكن ان يقبلوا العديد من الحقائق عن حياة يسوع الى الصليب!
يوافقون انه كان نبياً عظيماً من عند الله، انه كلمة الله بل وروحه ايضاً، بل هنالك من يوافق ايضاً على انه ابن الله، بل المخلص، السيد والرب ايضاً، ولكن يتهاونون بكلمة الصليب، عمل الصليب والمعنى الحقيقي للصليب،
فهل الصليب هو فقط تاريخ وذكريات، ام اننا ننكر ذواتنا، ونحمل صليبنا ونتبع يسوع الى اين يذهب؟
لأنه ليس كل من قال يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل ارادة الله الآب الذي في السماوات، وان لم نرجع ونصير مثل الاولاد، فلن ندخل ملكوت السماوات!
اخوتي واحبائي، الشيطان يكره العالم، يكره الخليقة والبشر، يكره الصليب واشد ما يكره دم الحمل (اي دم يسوع الذي سفك على عود الصليب)، في العهد القديم في خروج 13:12، نقرأ ان الدم كان العلامة على البيوت، واين كان الدم لم تكن ضربة ولا هلاك، ولكن في عهد النعمة، العهد الجديد، عهد يسوع المسيح مع خليقته التي أحبها اجمع، انه كل قلب قد مُسِح بدم يسوع تغفر خطاياه، وكل من قال ليسوع، مع ذاك اللص الذي كان معلق معه، اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك، يسمع صوت الحبيب يسوع قائلاً:
" الحق اقول لك، أنك اليوم تكون معي في الفردوس"
اسمح لي يا اخي/اختي بان اسأل اهم سؤال في حياتك، من اي فريق انت؟ من المجدفين على اسم يسوع المسيح وعلى صليبه، رافضاً نعمة خلاصه، ام من الذين رفعوا اصواتهم مع ذاك المذنب، بان يذكرك الرب يسوع المسيح في ملكوته؟
يسوع وحده صاحب السلطان ان يكتب اسمك في سفر الحياة، وكما قال لذلك المذنب، اليوم، اليوم وليس غدا، تكون معي في الفردوس، اليوم لأنه غداً ربما يكون الوقت متأخر، اي برجوع المسيح الثاني ليدين الاحياء والاموات، او بعد الموت، لأنه عندها لا تشفع لا صلاة ولا وجود المطهر المزعوم، والذي هو أكذوبة اخرى من اكاذيب ابليس، الى فقط دم المسيح الذي يطهرنا اليوم من خطايانا.
ما أعظم المسيح يسوع الرب، يا لسمو اسمه، عظمته وسلطانه، تبارك اسمه وحده الحبيب مع ابانا القدوس، فهو يدعوك اليوم وليس غدا، وان سمعتم صوته فلا تُقَسوا قلوبكم.
يسوع قال للمذنب اليوم تكون معي في الفردوس، لان يسوع كان على وَشَك ان يموت، ويرافق ذلك اللص التائب الى الفردوس، لان يسوع وحده الطريق والحق والحياة، ولا أحد يأتي الى الله الآب الى به، ذاك اللص علم جيدا انه ليس بأحد الخلاص الا بيسوع المسيح، لأنه ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطِي بين الناس، به ينبغي ان نخلص، فهل تُؤمن كذلك اللص، هل تعترف بفمك بالرب يسوع، وتؤمن ان الله اقامه من الاموات لكي تخلص؟ ام ما زلت مجدفا على المسيح وعلى الصليب؟
هل هناك اي دين او عقيدة تعطي يقين الخلاص؟
هل هنالك اي نبي يعطي هذا اليقين بان نكون معه في الفردوس، غير المسيح الذي دفع ثمن خطايانا، واعطانا اليقين اننا له، وكما تكلم على فم اشعياء النبي 1:43:
لا تخف لأني فديتك، دعوتك باسمك، انت لي، انا الرب إلهك مُخلصك، وكما قال لنا الحبيب يسوع، ونحن نصدق من احبنا وبذل نفسه لأجلنا قائلا:
خرافي تسمع صوتي، وانا اعرفها فتتبعني، وانا اعطيها حياة ابدية، ولن تهلك الى الابد، ولا يخطفها أحد من يدي.
هل انت من مجموعة الخراف التي تحب وتتبع المسيح، وتعمل اعمال حسنة تشهد عن ايمانها، والذين سوف يسمعون صوت يسوع قائلا:
تعالوا يا مباركي ابي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، ام من الجداء الذين ينكرون السيد المسيح بأعمالهم قبل عدم ايمانهم؟؟!!
ما زال صوت الرب يدعو الجميع الى التوبة والخلاص قائلاً:
"من اعلم بهذه منذ القديم، أخبر بها منذ زمانٍ؟ اليس انا الرب ولا إِله آخر غيري؟ إِله بارٌّ ومُخَلِّصٌ ليس سواي؟ التفتوا الي وأخلصوا يا جميع اقاصي الارض، لأني انا الله وليس آخر" (اشعياء 21:45).
احبائي، الرب تنبأ على فم اشعياء قبل الاف السنين قائلاً التفتوا الي يا جميع اقاصي الارض واخلصوا، المذنب سمع النداء ودخل الفردوس في لحظاته الاخيرة على هذه الارض، وما زال الرب يسوع يدعوك بالروح القدس ان تلتفت الى الصليب، حيث سفك الدم الكريم على عود الصليب عني وعنك، لكي نكون مع يسوع في الفردوس فهل تستجيب لدعوة الرب الاله؟
اختم بحلم قد أخبرني به أحد اصدقائي وهو مسلم، بانه حَلِم ذات يوم بصليبين! وقال لي، لماذا رأيت في حلمي صليبين وليس صليب واحد؟
قلت له: في يسوع المصلوب لنا الفداء، الخلاص والحياة الابدية...
الصليب الاول هو صليب من قالوا نعم ليسوع وقبلوا خطة فداء الله للبشرية اجمع...
الصليب الثاني هو صليب من رفضوا نعمة الخلاص المجانية، التي قدمها الله الآب للعالم اجمع في يسوع المسيح ابنه...
فأي صليب انت حامل اليوم، صليب النعمة، الخلاص والفردوس كذاك اللص التائب؟ ام صليب الدينونة والهلاك الابدي كاللص الآخر الذي رفض يسوع المسيح المصلوب، بل وجدف متفاخراً ايضاً على اسمه المبارك القدوس؟