يا لحكمة الله، مجده وجبروته، يا لقدرة الرب يسوع المسيح وعظمته، وهو مصلوب ومُتألم أَشَد الآلام، نراه مشغولًا بغيره، بشعبه، بأُمه، تلاميذه بل واعدائه ايضًا.
الله الآب ينظر من السماء ابنه الوحيد الحبيب، بل ويتركه ايضًا في ساعات الظلمة، عندما اخذ خطايانا وخطايا العالم في جسده على الصليب، ويسوع بألم شديد يعلن كلمات النعمة التي تأملنا بها، كلمة تلو الاخرى، اعلان محبة يتلو اعلان محبة، وبهذا المقال اخوتي سوف نتأمل بأخر كلمة لربنا المعبود، وهو على عود الصليب.
انها الكلمة السابعة التي سوف نتأمل بها، نعم الرقم سبعة يذكرنا بسبعة ارواح الله المكتوب عنها في سفر رؤيا يوحنا 4:1، 1:3، 5:4، 6:5، ليس ان الله له سبعة ارواح، بل هو روح واحد، آب واحد، الرب الواحد يسوع المسيح، اي ان الله واحد وليس ثلاث، كما يتهموننا اننا نشرك بالله، حاشا لنا.
يسوع أعلن في الاناجيل انه في الآب، وان الآب فيه، وفي مشهد الصلب يمكن لنا ان نفتكر بألم الآب القدوس على ابنه الحبيب يسوع، والم يسوع الشديد وهو على الصليب، نقول ثانية انه تألم كانسان، عطش كانسان ومات كانسان، كما كتب بولس في رسالة فيلبي الاصحاح الثاني، ان يسوع اذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة ان يكون معادلًا لله، لكنه اخلى نفسه آخذا صورة عبد، واطاع حتى الموت موت الصليب.
الرقم سبعة، كلمات يسوع السبعة وهو على الصليب، رقم الكمال، رقم الله القدوس ورقم الارواح السبعة، بمعنى سلطان الله الكامل على الكون، على الأحداث واهمها الصلب والقيامة.
نعم اخوتي وسط الالم والحزن الشديد، الله صاحب الكلمة الاخيرة، يسوع صاحب الكلمة الاخيرة، أَلَم يخبر يسوع اليهود في انجيل يوحنا 19:2، انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاث ايام أُقيمه؟ وهم تفكروا ان يسوع يقصد عن بناء الهيكل، وهو كان يقول عن هيكل جسده.
وفي يوحنا 17:10، يعلن يسوع عن سلطانه العظيم والمطلق حتى على الموت والقيامة، لأنه قال:
ان الآب يحبني، لاني اضع نفسي لآخذها ايضًا، ليس أحد يأخذها مني، بل اضعها انا من ذاتي. لي سلطان ان اضعها ولي سلطان ان اخذها ايضًا، هذه الوصية قبلتها من ابي.
بكلمات اخرى، ان يسوع المسيح له السلطان المطلق على الموت، بيده نفس وروح كل بشر، وقبل كل شيء كان له السلطان المطلق عندما أسلم الروح بارادته الكاملة، خضوعًا وطاعة للآب القدوس لإتمام عمل الفداء، بسفك دمه وموته على الصليب، وبعد الموت كان له السلطان كما قال ان يسترد نفسه، اي ان يقوم من الاموات.
هذا ما نقرأه في الأناجيل، متى 50:27، ان يسوع صرخ بصوت عظيم، وأسلم الروح. نعم اخوتي بصوت عظيم، لانه صاحب السلطان، مع انه مات بضعف شديد كما يقول الكتاب، وكان هذا باختياره المطلق لانه احبنا، وأسلم نفسه لاجلنا، ولكنه صرخ بصوت عظيم، بعد العطش والجوع، بعد الجَلد ودَق المسامير في يديه ورجليه، مع الالم الشديد يصرخ بصوت عظيم، وما تزال تلك الصرخة تُدَوّي في قلوبنا، لانه تألم من اجلنا الحبيب، فهل انت سامع اخي تلك الصرخة التي اطلقها ابن الله يسوع المسيح، قبل ان يسلم الروح؟ صرخة يدعوك فيها ان ترجع اليه من كل القلب.
يتابع متى البشير في عدد 51، انه بعدما أسلم يسوع الروح (اي بعد موت يسوع الانسان بطبيعته البشرية وليس كالله الابن بلاهوته)، اذا حجاب الهيكل قد انشق الى اثنين، هذا الحجاب الذي كان يفصلنا عن قدس الاقداس، والذي كان يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، ها هو ينشق، وكما نقرأ في كتاب العبرانيين 19:10، انه لنا ثقة بالدخول الى الاقداس بدم يسوع، طريقًا كَرَّسَهُ لنا حديثًا حيًا بالحجاب اي جسده، اي انه بسفك دمه على الصليب صار لنا الثقة والحق في الدخول الى الاقداس، لانه غفر خطايانا بسفك دمه، الاقداس اي محضر الله، ليس في اورشليم فقط، ولا حتى في السامرة، بل في كل مكان وكل زمان لنا الثقة بالدخول الىمحضر الرب الاله، فهل اختبرت اخي هذه البركة الروحية؟ واليوم نحن لسنا بحاجة الى السفر الى "الحَج" لكي "نرضي" الله ! لسنا بحاجة الىالسفر لا الى روما للحج، ولا الى اليونان، لا مَكَّة ولا طهران ولا حتىاورشليم ، بل عبادة الله الآب القدوس هي بالروح والحق، نقول ثانية في كل زمان وكل مكان، لكل مؤمن قَبِلَ عمل الفداء بسفك دم الحمل يسوع المسيح، ونال غفران لخطاياه التي كانت تفصله عن محضر الله.
فارجوكم لا تقولي لي بعد، انه علينا ان نسافر الى هنا وهناك لكي نتبارك، ولكي نرضي الله ونعبده!
انا شخصيًا زرت روما وكنت في اورشليم (او نقول القدس لكي لا يعتب علينا احد)، لكني اختبرت بركة الرب لحياتي وحضوره المبارك لا في روما، ولا حتى في اورشليم! لاني تعلمت من سيدي المبارك يسوع المسيح، ان الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا. لانه تأتي ساعة، وهي الان، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لان الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له.
نعم له هو وحده، الآب القدوس، ولابنه الحبيب ربنا يسوع المسيح السجود، العبادة والاكرام، لانه على حساب دمه الكريم وانه أسلم الروح على الصليب لنا هذه البركات الروحية، فنسجد له وحده، نعبده وحده هو الله الاب، الله الابن، كما نقرأ في رؤيا يوحنا 9:22، اسجد لله، لا لنبي ولا لانسان، بل لله وحده.
وهذا ايضًا ما نتعلمه من سيرة حياة بولس الرسول الذي عبد الله بروحه، في انجيل ابنه اي يسوع المسيح، العبادة لهم وحدهم كما يعلمنا الانجيل، الخدمة لهم وحدهم، ولملكوتهم السماوي والعروس المحبوبة اي الكنيسة. (رومية 9:1، فيلبي 3:3).
حجاب الهيكل انشق الى اثنين من فوق الى أسفل، نعم من فوق لان الله الآب احبنا، وهو الذي بادر بالصلح معنا ومع كل خليقته، والارض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين، كل هذا حدث ويقولون لنا شُبِه لهم!
صلاتي اخوتي ان يُعلن الله لنا ، قوة قيامة المسيح التي تعمل فينا نحن المؤمنين، وتعلن خلاص الله لجميع البشر، خاصة لكل من يتمسك بعد بكل عبادة نافلة وباطلة باسم المسيح، وايضا لهؤلاء الذين ما زالوا يقولون حتى يومنا هذا انه شبه لهم بموت يسوع، شبه لهم بقيامته من بين الاموات، لعل الهنا المحب الرحيم يزلزل ارضهم بل ارضنا ايضًا، من كل ضعف او عدم ايمان، وصخور الشك والظن تتشقق بقوة قيامة الرب يسوع، وان تتفتح قبور الاموات ليس فقط في اورشليم، عندما أسلم الرب الروح، بل اليوم احبائي نقوم من قبورنا وموتنا الروحي، كما تنبأ حزقيال بما قال الرب: هانذا افتح قبوركم واصعدكم من قبوركم يا شعبي (حزقيال 12:37) ، كذلك بولس يدعوا ويقول: استيقظ ايها النائم وقم من الاموات، فيضيء لك المسيح، (افسس 14:5).
دعونا نقوم من ضعفنا، شكوكنا وموتنا الروحي، وندخل المدينة المقدسة، ندخل الى محضر الله ونعبده بالروح والحق، لكي يكون لنا نصيب مع جميع القديسين بالدخول الى اورشليم السماوية، الى الحياة الابدية مع الرب.
في مرقس 39:15 نقرأ عن شهادة قائد المئة، بعد ان شاهد يسوع يصرخ ويسلم الروح قائلًا "حقًا كان هذا الانسان ابن الله"، فهل نشهد نحن معه عن موت يسوع المسيح وقيامته؟ ونعلن للعالم ان يسوع المسيح ابن الانسان وابن الله، هو وليس اخر مخلص العالم.
يوحنا الانجيلي البشير يعلن لنا اعلان مبارك جدا، لكي يكمل لنا باعلان الروح القدس مشهد الصلب وموت يسوع الكفاري، وهذه الاعلان هو ان يسوع قبل ان يسلم الروح نكس رأسه، اي ان ابن الله عاش كل حياته على الارض ليس كاله (مع كونه الله الابن المتجسد) لكنه عاش حياته كلانسان الكامل بلا خطية، ابن الانسان يسوع عاش حياته في خضوع وطاعة كاملة للآب القدوس حتى الصلب، وفي التعبير نكس رأسه نرى ان يسوع طاعة مشيئة الآب حتى النهاية، حتى الصلب والموت على الصليب تبارك اسمه القدوس.
فهل نتعلم نحن من سيدنا المبارك الطاعة والخضوع لله في كل ظروف حياتنا، الحلوة منها وايضًا المرَّ؟
هل نقول لتكن مشيئتك انت إلهي وليس مشيئتي؟
كما صرخ ربنا المعبود، ان أمكن ان تعبر عني هذه الكأس، ولكن لتكن مشيئتك انت يا الله، نخضع لك وحدك انت، ونخضع بالمحبة أحدنا للاخر كما اوصانا الحبيب، واعطانا مثالًا لذلك في حياته.
شخص اخر تعلم من السيد، كان هو ايضًا ممتلىء من الروح القدس والقوة، الذي وبخ الشعب القديم ورئيس كهنتهم على قساوة رقابهم بل قلوبهم ايضًا، الذين قاوموا الروح القدس، والذين أسلموا القدوس البار يسوع وقتلوه، هذا الشخص هو اول شهيد للكنيسة، الذي تعلم من سيده ان الشهيد لا يَقتُل باسم الله، ولكن يُقتَل من اجل الله، هو استفانوس، الذي ما زلنا نذكر ايمانه، حكمته وقوته.
فهو الذي رأى مجد الله، والسماء مفتوحة، وابن الانسان اي يسوع قائمًا عن يمين الله، وهو الذي عند رجمه من اعداء الصليب واعداء كل بِر كيومنا هذا، كان يدعوا ويقول ايها الرب يسوع اقبل روحي، وجثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم:
يا رب، لا تقم لهم هذه الخطية، واذ قال هذا رقد.
اسفانوس تعلم من السيد الذي قال، يا ابتاه اغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون، وهو قبل ان يرقد غفر، فهل نتمثل ايضًا نحن بسيدنا المبارك يسوع، ومن استفانوس ان نغفر لمن يسيء الينا ويضطهدنا، قبل ان نرقد ونسلم الروح؟ لان الذي لا يَغفر، لا يُغفر له!
يسوع يصرخ بصوت عظيم ويسلم الروح، يسلم الروح لابيه السماوي، عندما قال:
" يا ابتاه، في يديك استودع روحي ".
ربنا يسوع المسيح، ابن الانسان يسلم الروح للاب السماوي، نعم بعد 33 سنة من مطاردة ملوك الارض، من اضطهاد، جوع، عطش والام شديدة ابشعها الصلب والموت كخاطيء، ها هو الحبيب يستريح في حضن الاب، يرجع من حيث جاء، من السماء، لان ملكوته ليس بأرضي بل سماوي.
فهل نسلم نحن اليوم اخوتي، أجسادنا، نفوسنا وارواحنا، لاله السلام الذي يقدسنا الى التمام، لكي يحفظنا بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح، او عندما نسلم نحن الروح؟ (تسالونيكي اولى 23:5).
هل في قلوبنا اليقين، كما أسلم يسوع الروح للاب القدوس، انه نحن ايضًا سوف نسلم الروح ونكون مع الآب القدوس في الفردوس؟ لانه يسوع قبلنا قد أسلم الروح، لكي يحضرنا الى بيت الآب، حيث توجد منازل كثيرة. هل عندنا اليقين ان يسوع يعطينا حياة ابدية، ولن نهلك الى الابد، وانه لا أحد يخطفنا من يده المباركة، ولا من يد الآب الذي اعطانا للمسيح لكي يحفظنا، لان يسوع والآب واحد (يوحنا 28:10).
هل نتمثل اليوم بسيدنا الذي استودع روحه في يدي الآب، ونستودع نحن ارواحنا بين يديه؟
وكما كان يسوع مع غنيٍ عند موته (اشعياء 9:53)، بل مع المطلق في غناه، ابانا السماوي، نكون نحن ايضًا اخوتي مع الغني الذي احبنا، وأرسل ابنه لكي يموت على عود الصليب ويسلم الروح، وفي اليوم الثالث قام كما وعد، واقامنا معه، واجلسنا معه في السماويات، لكي نقول نحن ايضًا مع الحبيب يسوع:
" يا ابتاه، في يديك استودع روحي ".