نقرأ كثيرًا في الكتاب المقدس عن شعب الله، ان كان في العهد القديم عن الشعب اليهودي شعب اسرائيل، وفي العهد الجديد عن الكنيسة.
منذ ايام آدم وحواء الى ايامنا هذه، نرى هذا "الصراع" بين الشعوب والامم على من هو شعب الله هذا، ومن هم بالفعل الذين ينتمون بالحقيقة لله الحي الحقيقي، الذين يعرفونه بصفاته ومحبته، واختبروا ذلك بحياتهم الشخصية، الذين عرفوا فكره، اقواله التي خرجت من فمه او على فم انبيائه، ومعرفة كتابه المقدس ليس فقط معرفة فكرية بل من كل القلب.
نرى هذا الخصام والجدال قائم من اولى صفحات الكتاب المقدس، والتُهم التي كانت بين آدم وحواء بمن هو المذنب ومن على الصواب.
لم يقتصر الامر بذلك، بل امتَدَّ الى صراع فكري شديد جدًا بين الاخوة قايين وهابيل، على من هو المقبول عند الله، وقرابين من كانت الافضل في نظر الله، حتى قتل احدهم الآخر وباسم من وماذا؟! باسم الله ومبدأ عبادة الله!!
وحتى في ايامنا هذه للاسف الشديد، عصر "الحضارة والانفتاح والحرية"، عصر كل شيء مسموح وجيد، عصر نرى فيه ان قتل الانسان لأخيه الانسان حلال بل ودعوة من الله، لنشر الدين الصحيح والحق!
هذا الصراع امتد منذ العصور القديمة حتى وسط شعب الله القديم شعب اسرائيل، الانقسام والخلاف الدامي بين مملكة اسرائيل ومملكة يهوذا، على من هو الاصدق والاصح، من هو الذي يسير في خطة الله ويطيع صوته.
هذا الخلاف والنزاع والانقسام لم يرحم حتى الكنيسة في العهد الجديد، فهناك من قالوا نحن لبولس، واخرون قالوا نحن لابولس حتى جاء صوت روح الله الصارخ في القلوب اننا كلنا للمسيح.
وحتى يومنا هذا، الكل يقول انا الافضل، انا وفقط انا ليس غيري يعرف الله، ليس احد غيرنا دُعي اسمه عليه غيرنا.
فهناك من يقول اليوم انهم هم وفقط هم شعب الله المختار، اخرون يقولون نحن اكبر واعظم واغنى طائفة في العالم، وهناك من يقول انهم افضل أُمَّة اعطيت بين الناس!
فمن هو الصحيح؟ من الصادق ومن الكاذب؟ من يتبع ويعبد الله الحي الحقيقي، خالق السماء والارض وكل ما فيها، ومن يتبع ويعبد الشيطان ومملكته؟
نقرأ في العهد القديم كيف دعى الله شعب اسرائيل لكي يكونوا نور لجميع الامم، كيف طرد الله امم وشعوب كثيرة واعطى ارض الميعاد لشعبه، وكيف بعد ذلك بددهم الله الى جميع بلاد العالم، وكيف عادوا الى الارض التي طُردوا منها، ارض اسرائيل.
اخوتي واخواتي، لا اريد ان اتطرق في هذا المقال الى امور سياسية علمانية، بل بودي ان نركز في الامور الروحية، بالفعل من هو شعب الله.
لكن اسمحوا لي ببعض الكلام، لاني انا شخصيًا عندي اختبار سلبي جدًا من جهة الشعب اليهودي شعب اسرائيل، لان قريتي هُجرت سنة 1948 الى لبنان وعادة بعد فترة، وفي تلك السنة قُتِل جدي في الحرب بدم بارد! ولكن كما قلت لا اريد هنا ان اتطرق كثيرًا لذلك بل التركيز على الامر الروحي، لان الله بالفعل غَيَّر فكري وحقدي الشديد هذا الشعب وهذه الامة، وعلمني بالفعل كيف احب وكيف اصلي "لاعدائي".
ان سألت اليهودي يقول لك نحن شعب الله المختار ولا غيرنا، والمسيحي يعترف انه يعبد الله الواحد، والمسلم يقول انه صاحب الحق المطلق وكتابه هو الكتاب الصادق، والكتب الاخرى حُرِّفت وزاغت عن الحق.
هل بالفعل من عرف الله الحقيقي، إله ابراهيم واسحاق ويعقوب، يقدر ان يكره ويحقد على اخيه الانسان بل ويقتله ايضًا؟ هل اعطى الله الدينونة لاحد منا، بغض النظر لاي "دين" ننتمي واي اله نعبد واي ايمان نعترف؟ هل لاحد منا الحق بان يدين الآخر ويلغي الآخر؟
وهل الجدال والاقناع يكون بالقوة والسيف ام بالحجة والرجوع الى الكتاب المقدس؟ ان كان بين الاديان المختلفة او حتى بيننا نحن كمسيحيين بكل الطوائف والمذاهب!
ان كان الله اعطانا العقل لنفكر ونحلل ونختار، فأي حق لي انا الانسان ان افرض بالقوة رأيي! وان كان الله قد قال: هلم نتحاجج يقول الله، فهل من الممكن لنا نحن ان نتحاجج بشكل حضاري، وباحترام ان نتحاور ونتجادل، وفي النهاية سوف يعطي كل منا حساب عن ذاته بشكل شخصي، وليس كجماعة او طائفة او دين او مذهب، بل الدينونة بشكل شخصي على ما قلناه وفعلناه.
ولكن الديان واحد هو الله، ليس انا ولا انت، حتى لو كنت مؤمنًا قديرًا او نبيًا عظيمًا، يبقى الديان وحده هو الله القدوس.
فمن هو شعب الله المختار هذا؟ هو الذي بالفعل يجتهد من كل قلبه ان يرضي قلب الله وان يسير في طريقه الصحيح، حتى يصل في نهاية المسار ونهاية الحياة على الارض الى حياة الخلود في السماء والنعيم الابدي.
من هو هذا الشعب:
- شعب الله المختار يعرف جيدًا ان الاختيار قبل كل شيء جاء من الله نفسه، وليس من البشر، وكما يقول الكتاب اننا نحن نحب الله لانه هو احبنا اولًا.
- شعب الله المختار يعرف ان كثيرين يُدعون وقليلين يُنتخبون، وبانه من يصبر حتى المنتهى يخلص، لانه يكون الآخرون أولين والأولون آخرين.
- شعب الله المختار يعرف جيدًا ان الله لا ينتمي لشعب او امة او قبيلة معينة، بل الله هو الذي دعانا كلنا، من كل قبيلة ولسان وشعب وامة تحت الارض، وان الله والانتماء له ليس دين ولا حتى عقيدة فقط، بل هي حياة جديدة نابعة من اعماق القلب، اساسها المحبة والفرح والسلام، سلام مع الله ومع اخيه الانسان!
- شعب الله يعرف ان الايمان الحقيقي والكتاب المقدس ليس بحكر على فئة او طائفة معينة، لا يهودية ولا مسيحية ولا اسلامية! لا ارثذوكسية ولا كاثوليكية ولا انجيلية! وان الله ما زال يدعوا حتى في ايامنا هذه، آخر الايام، المساكين بالروح لكي ينالوا الملكوت بالايمان برب المجد يسوع المسيح لا غير.
- شعب الله يعرف انه شعب خاطىء بطبيعته البشرية، وان يسوع المسيح اخذ خطاياه على عود الصليب، وبسفك دمه الكريم غفر الخطايا، وبموته وقيامته اعطانا حياة ابدية وحياة افضل على حساب النعمة، وليس على حساب "الاعمال الحسنة" (ان كانت بالفعل حسنة)، لانه قد صرنا كلنا كنجس، وكثوب عِدَّة (بالية او متسخة) كل اعمال برنا، وقد ذبلنا كورقة، وآثامنا كريح تحملنا.
- شعب الله يعرف ان الجميع اخطوا واعوزهم مجد الله الذي سطع بالصليب، شعب الله لا يفتخر لا بايمانه ولا ببره ولا باعماله الحسنة، يعرف ان كل الفضل هو من الله وان كل شيء هو عطية صالحة من ابي الانوار، الحياة الابدية وكل عطية ارضية مادية.
- شعب الله يعرف ان الله سكب روحه القدوس في قلوبنا لكي نصرخ يا ابا الآب، لكي يملأ قلوبنا محبة وفرح وسلام، سلام مع اخي المؤمن، سلام مع ابن بلدي، سلام مع اخي الانسان وحتى سلام ومحبة مع عدوي حتى لو كان يهودي، وقاتل جدي او حتى ابي وامي او ابني!
- شعب الله يعرف جيدًا ان عدو النفوس هو الشيطان، يعرف جيدًا ان اخاه الانسان ليس عدوًا له، بل غالبًا هو ضحية فخاخ ومكايد ابليس والشيطان. ولكنه يعرف ايضًا ان يسوع رآى الشيطان ساقط مثل البرق على الارض لكي يدمر ويذبح ويقتل، لكن يسوع جاء لكي يعطي حياة وحياة افضل.
- شعب الله يعرف ويدرك تمامًا ان يسوع سحق رأس الحي اي الشيطان، بل اشهرهم جهارًا ظافرًا بهم في الصليب.
- شعب الله يعرف جيدًا انه من غير المعقول ان نُدعى باسم الله، وان يهيمن ويسيطر على حياتنا الحقد والكراهية والانقسام، والشهوة والخطية، بل هو شعب يطلب معونة الرب كل صباح وكل مساء، وحتى اذا اخطأ في حق الله او اخيه الانسان، فيعرف ان يرجع الى الله من كل قلبه، ويطلب المعذرة والغفران من الله ابيه، والاعتذار من اخيه الانسان لو اوجب!
- شعب الله يعرف انه شعب وامة واحدة، من اليهود واليونانيين، من العرب والاجانب، يعرف انه جسد واحد وكرمة واحدة. يعرف جيدًا انه كان بدون المسيح قبل الايمان، اجنبيين عن رعوية اسرائيل، وغرباء عن عهود الموعد، بدون رجاء وبلا اله في العالم. ولكن في المسيح يسوع الذين كانوا قبلًا بعيدين، صاروا قريبين بدم المسيح. لانه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقض حائط السياج المتوسط اي العداوة، ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب، قاتلًا العداوة به.
- شعب الله اليوم اي الكنيسة، التي افتداها الرب يسوع المسيح بدمه الكريم، يعرف جيدًا ان الله لم يرفض شعبه القديم، حاشا! يعرف ان الله لم يرفض شعبه الذي سبق فعرفه (راجع رسالة بولس الرسول الى اهل رومية الاصحاح التاسع، العاشر والحادي عشر)، وانهم لم يعثروا لكي يسقطوا، حاشا! لانه ان كانت زلتهم غنىً للعالم، ونقصانهم غنىً للعالم، فكم بالحري ملؤُهم؟ وان كان رفضهم هو مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم الاّ حياة من الاموات؟ وهم ان لم يثبتوا في عدم الايمان سَيُطَعَّمون، لان الله قادر ان يطعمهم ايضًا، لان هؤلاء هم حسب الطبيعة، في زيتونتهم الخاصة؟
- شعب الله يعرف انه بالايمان ثبت، ولا يستكبر بل يخاف الله، لا يستكبر لا على الأغصان، ولا على الزيتونة البرية ولا حتى على زيتونتهم الخاصة!
- شعب الله يضم صوته لبولس الرسول، الذي يقول الصدق في المسيح، ولا يكذب، وضميره شاهدًا له بالروح القدس: ان له حزنًا عظيمًا ووجعًا في القلب لا ينقطع من اجل اخوته وانسبائه حسب الجسد، الذين هم اسرائيليون، ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد، ولهم الآباء، ومنهم المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل الهًا مباركًا الى الابد.
كيف لنا اخوتي ان نكره ونحقد اليوم على اليهود شعب الله القديم؟ ان كان الله لم ينساهم وبولس الرسول يَئِن من جهتهم بالروح القدس، فكم بالحري علينا نحن اليوم ابناء الملكوت وخدام السيد رب السماء والارض، ان نكون نور ليس فقط لشعب اسرائيل وملح ليس فقط لابناء ابراهيم، بل ان يضيء نور المسيح في حياتنا لهم ولغيرهم من كل قبيلة وشعب وامة تحت السماء، لان الله احب كل من تحت السماء بل وتحت الارض ايضًا، ونحن نترك الدينونة له هو وحده، ديان الجميع الله القدوس والرب يسوع المسيح. ان آمنوا فسوف يُطعمون، وان لم يُؤمنوا برب المجد يسوع، ملك اليهود بل وملك الملوك ورب الارباب، فهذا شأنهم وهذا اختيارهم، لانه كما نُزِعَ الملكوت من ابناء الملكوت في ايام الرب يسوع على الارض، هكذا سوف يهلك ويدان كل من رفض نعمة المسيح، نعمة الصليب والانجيل، يهوديًا كان او امميًا!
- شعب الله المختار يحب الجميع ويتمنى الخير للجميع، ويعرف جيدًا ان افضل خير هو معرفة المسيح ونيل الخلاص والحياة الابدية. لذلك هم يسعون كسفراء عن المسيح، ويدعون الجميع ان يتصالحوا مع الله من خلال صليب المسيح.
يسمعون دعوة الرب يسوع:
اذهبوا واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها، من آمن واعتمد خلص، ومن لم يُؤمن يُدَن. يعمدون باسم الآب والابن والروح القدس، يكرزون بالكلمة في وقت مناسب وغير مناسب، يمارسون اعمال صالحة لكي تظهر اعمالهم انها بالله مصنوعة ولا يفتخرون، وان افتخروا فيفتخروا برب السماء والارض فقط!
- شعب الله المختار يعيش حياته على الارض بكل خوف ورعدة، لا تغوي قلبه ملذات العالم ولا مكايد الشيطان، لا يعبد غير الله وحده، الله الآب القدوس وابنه المبارك الرب يسوع المسيح، يعبدون الله بالروح والحق، ويخدمون الملكوت ورب الملكوت بقوة وحكمة وارشاد الهي بمعونة الروح القدس.
- شعب الله المختار مَلَّ العالم وكل ما في العالم، شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، لا يُشبع قلبه غير الحبيب المسيح يسوع، يسهر ويصلي لكي لا يدخل في تجربة، منتظرًا مجيء الحبيب العريس على السحاب من السماء، لكي يلاقي الرب في الهواء، بعد ان قام من بين الاموات، كل من رقد بيسوع عند الممات، ونكون كلنا من آمنا بالاسم الذي هو اعظم من كل اسم، اسم يسوع المسيح، لكي نكون مع الله الآب ومع ابنه الرب يسوع المسيح، له المجد والقوة والسلطان، وشعب الله المختار يقول آمين.