انه من المهم جدًا، ان نقوم باستخلاص تعليم الوحي الإلهي عن المعجزة، مما يظهره لنا من خلال سيرة الأنبياء؛ المشمولة في نفس ذات الوحي. وهذا يميز الكتاب المقدس عن جميع الكتب، أن سيرة أنبياءه، مشمولة به، فلا نحتاج لأي مصدر بشري لنعرف سيرتهم، وخلفياتهم!!
المعجزة هي ليست عمل بشري مذهل بارع يعمله إنسان، ويعجز عن عمله غيره من البشر. المعجزة هي كسر علني بديهي وواضح لقوانين الطبيعة؛ فالله وضع للطبيعة قوانين، والله أحيانًا يكسر قوانين الطبيعة بالمعجزة، التي يُظهرها بشكل بديهي وصارخ، لكي يكلم البشر، يؤثر عليهم، ويغير حياتهم. فالمعجزة هي ليست عمل بشري إبداعي عظيم يعمله شخص ولا يقدر أن يعمله غيره، كما يظن البعض؛ ولا هي حتى عمل إلهي إبداعي عظيم، مثل تكوُّن الجنين مثلا؛ لأن هذا ليس فيه كسرٌ لقوانين الطبيعة التي خلقها الله! بل المعجزة هي كسر لقوانين الطبيعة واضح وبديهي، يعمل بشكل علني أمام الجميع. وهو عمل لا يمكن أن يحدث بالطبيعة، إلا من خلال تدخل خالق الطبيعة والكون – الله. يرى ويدرك المعجزة الذكي والغبي، الكبير والصغير، المؤمن والكافر؛ ويدرك أنها معجزة تواجهه مع الله في أخذ القرار؛ وعندما يرفض أن يؤمن برسالة الله من خلال المعجزة، ليس له عذر ويعرف بقلبه أنه رفض الله.
وفعلا عندنا شهادة التاريخ عن قوة معجزات المسيح مثلا التي لا يمكن إنكارها؛ فلم يستطع حتى اليهود الذين كفروا به أن ينكروا معجزاته!! لذلك حاولوا أن يبرروا لأتباعهم كيف استطاع أن يفعل المعجزات بدلا من إنكار المعجزات؛ فطرحوا لشعبهم عنصرين أساسيين لتعليلهم: الأول، أنه استخدم السحر: ورد في التلمود البابلي عن المسيح: "يشو النصراني الذي مارس السحر وحرض ورفض إسرائيل" (التلمود البابلي؛ أطروحة السنهدرين، القسم ب، الصفحة 107، العمود "ب"). الثاني، استخدام عبارات مقدسة سرية: لقد ألف اليهود روايات متنوعة تسمى "تلدوت ييشو" (Toledot Yeshu)، تروي أحدها أنه كان على جوانب الحائط داخل قدس الأقداس في الهيكل كلمات مقدسة؛ يقرأها الكاهن خلال الطقس هناك. وعند خروجه، يزأر أسدان من حجر، فينساهما. أما المسيح فتسلل لقدس الأقداس بورقة، فكتب فيها العبارتين، وشق بسكين فخذه، ووضع الورقة في لحمه لكي لا ينساهما. فخرج، وبعد خروجه تمكن من استخدام هاتين العبارتين لعمل المعجزات!!! ومن الروايتين، نعلم أن المعجزة الإلهية الحقيقية المتمثلة بمعجزات المسيح، حتى الكفار لم يقدروا أن ينكروها! وهي لا تحتاج لإقناع ولا لبرهان أنها معجزة؛ حيث أن خرقها الصارخ، البديي والعلني لقوانين الطبيعة، يفهمه الصغير والكبير، الجاهل والحكيم، الغبي والذكي، المؤمن والكافر كما رأينا! ولا يحتاج النبي لأن يضيف أي شيء عليها، لكي يبرهن أنها معجزة، كما نرى من شهادة اليهود الذين كفروا بالمسيح بالمثلين السابقين!! وهي تبرهن مصداقية الوحي المقدس بشكل منقطع النظير عن أي ديانة أو كتاب آخر، عندما قال على فم تلميذ المسيح يوحنا: "37 وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ" يوحنا 12.
تعقيب على أكثر تعريف مقبول إسلاميًا للمعجزة:
لقد نهج معظم الفقهاء المسلمون أن يعرفوا المعجزة على انها: "أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم عن المعارضة. يظهر على يد مدعي النبوة، موافقاً لدعواه" (د. محمد القاسم الشوم، "علوم القرآن ومناهج المفسرين"؛ دار الكتاب العلمية – بيروت؛ ص 151). والمقصود من التعريف السابق، هو أن المعجزة هي عمل خارق لما هو معتاد عليه؛ يعمله مدعي النبوة أمام الناس متحديًا المجتمع فيه؛ ولا يقدر أي شخص آخر غيره عمله!!! ولهذا سميت بالمعجزة لأن الخصم يعجز عن الإتيان بمثلها (الفخر الرازي، "مفاتيح الغيب"؛ 14/ 119 – نفس المرجع السابق والصفحة). مع فائق الاحترام لهذه الرأي طبعًا، لكن في الحقيقة هذا التعريف ليس فيه منطقية بحسب رأيي الخاص لسببين: الأول: إن المعجزة هي عمل خارق لقوانين الطبيعة، وليس للعادة!!! والثاني: من جهة التحدي بلا معارضة، فهو لا يدل على حدوث معجزة أيضًا!! فهناك آلاف مؤلفة من الناس التي كسرت أرقام غينيس القياسية (Guinness World Records) وغيره في شتى المجالات عبر كل العصور، وهم أناس تحدوا العالم بما حققوه، ولم يقدر أحد غيرهم على كسر أرقامهم القياسية وأعمالهم؛ فهل هؤلاء عملوا معجزات إذا؟؟ وهل سيصبحون أنبياء إذا ادعوا النبوة؟؟ حيث أن معظمهم عملوا عمل: "خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة "؟؟؟ إنه لتعريف بحسب رأيي غير صائب وغير منطقي، مما نعرفه عن سيرة الأنبياء ومعجزاتهم الموحاة في الكتاب المقدس!!!
إن شرط المعجزة انه، يجب أن يحدث فيها كسر بديهي لقوانين الطبيعة (وليس للعادة)؛ ويجب أن تكون علنية، مرئية، يدركها الصغير والكبير، الجاهل والحكيم، الغبي والذكي، المؤمن والكافر؛ ولا يحتاج النبي أن يضيف أي شيء عليها؛ وبالتأكيد لا يحتاج لأن يبرهن لأحد أنها معجزة؛ لأنها تتحدث وتظهر بشكل يفهمه أبسط وأغبى الناس؛ هذه هي المعجزة.
المعجزة يفعلها الله ليستبدل الحوار والإقناع، لأنها أم البرهان والأقناع. فلا يحتاج النبي لأن يبرهن للناس بأنها معجزة؛ فلو احتاج ذلك، تكون ليست معجزة طعبًا!! كما يؤكد الوحي: "4 وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ (الذي الكثير من الناس تقدر أن تفعله)، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ (أي قوة معجزات الله)" 1 كورنثوس 2. وكما رأينا أعلاه في النقطة الأولى، قوة معجزات المسيح التي أخرست حتى الكفار، فلم يقدروا إنكارها! فنرى مما فعله حاخامات اليهود، كيف ألفوا روايات مضحكة ليعللوا من خلالها كيف استطاع المسيح صنع المعجزات. لكنهم لم يقدروا إنكارها إطلاقًا، وإلا لحمَّقهم شعبهم واستسخفهم، لأنه متأكد مما رأى وسمع من معجزات المسيح!! هذه هي المعجزة الحقيقية.