(تك 10: 8-12، أخ 1: 10)
مع الابن السادس لكوش، نجد بدايات الإمبراطورية ذات القوة الوحشية. إن تاريخ بابل ونينوى مليء بأحدث نتيجة للرغبات الأنانية والمنغلقة والمجرَّدة من المبادئ بعد الحصول على الممتلكات أو القوة. ونمرود أول جبار حرب في الكتاب المقدس والذي بهرت كفاءته في القتال أعين الناس، حتى برغم الكوارث الناجمة عن صحوة الطموح المجرَّد من المشاعر الانسانية.
نمرود، أول شخص بعد الطوفان قد ذُكر عنه شيء أكثر من مجرد إسم، فقد ذُكر في سفر التكوين انه من نسل حام (تك 10: 8)، الإبن الشرير غير الموقّر لنوح (تك 9: 22)، والذي ورث نمرود لعنته، والذي بدوره، كالجد الأعلى للمالك قد ميّز نفسه بعدم التقوى تجاه الله، وعدم المعاملة الإنسانية تجاه البشر، إن رذائل حام كانت في دم نمرود، وكانت سمة مميزة أيضًا للمالك التي أسسها.
ومع أن نمرود لم يذكر بالتحديد بأنه « ملك » فهو أول شخص في الكتاب المقدس يرتبط « بمملكة » وقد مدّ سلطانه حتى أصبح ملكًا للأمم التي أسسها أول ملك يذكر اسمه في تاريخ الكتاب المقدس، كان نمرود مؤسسًا لبابل التي عُرفت لمدة طويلة بإسم (أرض نمرود) وقد أنشأ 8 مدن، 4 في بابل و 4 في أشور. هذه المدن كانت مجتمعات قبلية صغيرة ومستقلة، ولكن نمرود حوَّلها الى ممالك أو إمبراطوريات. في المجموعة الجنوبية نجد بابل، المدينة الأعجوبة، وإرك وأكد وكالنل. وفي المجموعة الشمالية كانت نينوى، العاصمة الشهيرة لإمبراطورية أشور ورحوبوت عير وكالح ورسن.
بعد موت نمرود، جُعل الهًا وأصبح اسمه مرادفًا لمردوخ. وكان يُمتدح كالبطل الممثل للامبراطوريتين العظيمتين بابل وأشور التي أسسهما. بقدوم نمرود، نرى بداية استعمار شرير، يتسم بالثورة الصريحة ضد المقدسات الإلهية والبشرية.
ينسب العرب إليه، في أرض انجازات نمرود، كل الأعمال العظيمة في العصور القديمة، ويحتفظون باسمه بلدة « برس نمرود » بالقرب من بابل، وفي « تل نمرود » بالقرب من بغداد، وفي « صدر نمرود »، السد الذي على نهر دجلة.
يكشف اسم نمرود عن شخصيته، وعلى الرغم أن بعض الدارسين يقول إن نمرود يعني حاكم، إلا أنه يبدو أنه مشتق من مجموعة أسماء الأعلام التي تعبّر عن المتاعب والعصيان. الاسم « نمرود » مشتق من الكلمة العبرد مرد Marad أي « يتمرد » وهي تقال ايضا عن « الذي إبتدأ يكون جبارًا في الأرض ». ومثل هذه العبارة توحي بأنه ناضل بحثًا عن الشهرة والنفوذ، وعن طريق قوة الإرادة والقوة الفعلية حصل عليها، وإذا كان متعطشًا للقوة، فإن طموحه كان بلا حدود حتى أنه تنهد حسرة مع الإسكندر الأكبر على عدم وجود عوالم أخرى ليفتحها.
إن السجل الكتابي عن هذا الاستعمار الأول يساء فهمه غالبًا، فقد قيل عن نمرود إنه كان « جبار صيد أمام الرب » ولكن العبارة « أمام الرب » لا تعني هنا نفس الشيء عندما نقرأ عن ابراهيم أنه سار أمام الرب، وأن داود رقص أمام الرب، فلم يكن هناك خشوع أمام الله في عمله كصياد. كما أن نمرود لم يكن خبيرًا في فن الصيد للدرجة التي تجعل الله نفسه يقر بعظمته في فنه.
فالكلمة « أمام » Liphnee عد 16: 2 تعني « مقاومة » فقد كان متمردًا أمام الرب – في تحدٍ صريح له (تكوين 6: 11)، وكان يخطئ بجسارة وتحدٍ ضد سلطة الله. كان نمرود وراء خططه الاستعمارية في معارضته للنواميس الإلهية، وكصياد، كانت قدرته غير محدودة لحماية الناس من الحيوانات المفترسة عندما كانوا في خطر دائم. يقول الأسقف أندروز إن نمرود « كان يتفوق على الناس كما على الوحوش في الغابة ».
أصبح نمرود صيادًا للناس كما كان صيادًا للحيوانات، فعن طريق الغزو والتسلط، أصبح حاكمًا للبشر، وشهوته للسلطة جعلته أقرب ما يكون لحيوان مفترس منه الى إنسان بشري، كما حدث مع أدولف هتلر، وقد وُصف نمرود أربع مرات بأنه « جبار »، وهي كلمة تعني « قائد »، « رئيس قبيلة » أو « بطل » وطموحه الزائد كان ينحصر في أن يصنع لنفسه إسمًا، بغض النظر عمن يعانون في سبيل ذلك، إن الالواح البابلية القديمة تمثِّله كملك منتصر في قتال أسد، والتاريخ العالمي، مع ذلك، يسجل أن نمرود كان يُسر بصيد الرجال، كما كان يُسر بصيد الحيوانات المقدسة.
يقول يوسفيوس المؤرخ اليهودي: « لقد أغرى نمرود الجنس البشري بألا ينسبوا سعادتهم لله، وإنما يعتقدون أن تفوقهم هو مصدر السعادة. وسرعان ما اتجه نمرود إلى الطغيان، معتقدًا أنه لا توجد طريقة أخرى تبعد الناس عن خوف الله، سوى بجعلهم يعتمدون على قوته هو ».
يقول ترجوم يوناثان: « منذ تأسيس العالم، لم يوجد شخص كنمرود، قويًا في الصيد، وفي التمرد على الرب ».
ويعبر ترجوم أورشليم عن ذلك بالقول: « كان قويًا في الصيد وفي الشر أمام الرب، لأنه صيادًا لأبناء الناس، وقال لهم لا تحذروا من عقاب الرب وخافوا من عقاب نمرود! » ولذلك يقال: « كنمرود القوي، القوي في الصيد والشر، أمام الرب ».
تقول الصياغة الكلدانية لما جاء في أخ 1: 10 « كوش ولد نمرود الذي بدأ يكثر الشر لأنه سفك دمًا بريئًا، وتمرد على الرب ».
لقد استغل نمرود طاقته لأغراض شريرة. فإذ كان مجردًا من خوف الله، لم يعمل أي حساب لتحقيق الصالح العام للبشر، وقد استخدمت القوة المكتسبة في الطغيان والظلم، يُنسب الفضل للملك ألفريد الكبير لقوله: « لا يمكن للسلطة أن تكون خيِّرة إلا اذا كان الممسك بها خيرًا ». وتقول ترجمة دكتور موفات لما جاء في ميخا 5: 13 « لا يجب أن تسجد فيما بعد للأشياء التي تصنعها ». كانت حماقة نمرود في أن قواه لم تُسخِّر لأغراض خيِّرة. ولم يستخدم قوته ومهارته، لإنقاذ زملاءه الضعاف، ولكنه استخدمها ضد مصلحة الآخرين، وإذ أساء نمرود استعمال قوته، فقد أصبح مجردًا من الإنسانية، وحشيًا قاسيًا متحديًا لله.
اشتركت بابل في صفات مؤسسها، وأصبحت المقاوم الرئيسي لحث الله لشعبه، ولا نستطيع التغاضي عن أن نرى في نمرود أول محاولة شيطانية لأقامة حاكم بشري عالمي للناس، لقد كان رائدًا لمن جاءوا بعده من الاستعماريين المتعطشين للقوة، مثل الإسكندر ونابليون وهتلر وموسوليني والدكتاتوريين الشيوعيين القساة.
إن عقاب الله لا يتغير « فكل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون ». (متى 26: 52). إن مصير الاستعماريين المتعطشين للدماء، سوف لا يثير إشفاق أحد، بل سوف يكون مصدر فرح للأتقياء والرحماء (مز 9: 19، 58: 10، يع 2: 13، رؤ 18: 20). إن نمرود ومن على شاكلته، هم أضداد المسيح، الذي علم أن التضحية بالذات، وليست القوة، هي السبيل للعظمة الحقيقية والدائمة (إش 52: 14، 15 ، متى 20: 25- 28).
ترجمة ادوار وديع عبد المسيح