(ملوك الايام الثاني 21: 1 – 9، أخبار الايام الثاني 33: 1 – 9)
يبدو أن دراسة تاريخ الإصلاح يدل على أن كل إصلاح، تعقبه محاولة أكثر تصميمًا من جانب الشر على تقويض الخير وهدمه، وهكذا، فإن منسى، طول مدة ارتداده الطويل، قضى على العقيدة التي رسّخها أبوه التقي في البلاد.
كان منسى بن حزقيا وحفصيبة، وُلد لهما في السنة الثالثة من الـ 15 سنة التي أضيفت إلى عمر حزقيا، وهي السنوات التي تميزت بالايمان المهتز والرجاء الضعيف (اشعياء 38: 15). ملك منسى لمدة 55 سنة، وهو أطول مدة حكم لملك يهودي، وإسمه يعني « الناس » وسمِّي هكذا لأن الله جعل أبوه ينسى متاعبه (انظر-ي تكوين 41: 15) يا له من اسم محزن للشخص الذي أصبح أردأ الملوك اليهود! إن اسمه الثاني في قائمة الملوك الذين قدموا هدايا لأسرحدون.
خلال حكم منسى، كانت أشور تحت قيادة آسرحدون وأشور بانيبال، في أوج قوتها وزهوها « كانت مدة حكم منسى الطويلة تمثل حياة هادئة تقريبًا وخالية من الأحداث لملك عبد، ذليل بإرادته، قانع بأن يكون ملكًا تابعًا في إمبراطورية عالمية شهيرة، معتنقًا لكل افكارها الدينية والثقافية، ومستعدًا للاشتراك في مؤسساتها الحربية وغيرها من المؤسسات»
إن سجل منسى يبرزه بوضوح كوثني رجعي، فقد ملأ الهيكل بأحط أشكال الوثنية، وبذلك عجّل بدمار يهوذا، اقد أضل شعبه ليفعل شرًا أكثر من الأمم الفاسدة الأخرى التي دمرها الله. وكلمة « أضل » تعبير لم يستخدم لوصف أي ملك سابق.
من خلال تأثير منسى انجرف يهوذا بفعل أكبر الموجات الكاسحة للثقافة الوثنية الطقسية الألية، النابعة من المراكز العالمية للثقافة والحضارة، ويا لها من قائمة طويلة مرعبة من الخطايا التي ارتكبها منسى! التنجيم، والاتصال بالأرواح، والشعوذة، والشر، وتقديم ذبائح بشرية، وغواية الآخرين، وإقامة مرتفعات للأصنام.
أعاد منسى إحياء كل الرجاسات التي قضى عليها والده حزقيا، وأضاف عليها! وملأ أورشليم بالدم البريء، وأعاد الثقافة المهملة لعبادة الطبيعة التي كان أبوه قد قضى عليها، وجعل يهوذا يعود لعبادة البعل العقيمة التي أدخلها آخاب. إن « خطيته التي أخطأ بها » أي خطيته الظاهرة، كانت إقامة الأصنام التي عملها في بيت الله، التي قال الرب عنه في أورشليم يضع اسمه الى الأبد.
ازدهرت فنون السحر الأسود، وكل أنواع الشرور تم الانغماس فيها، والصوت النبوي للديانة الحقيقية والذي كان ينعي كل عبادة باطلة، لم يلتفت اليه احد (اشعياء 1: 13) صم الملك اذنه عن سماع صوت الله الذي يناديه أن يتأمل طرقه. إن هذا الملك الذي عاش طويلا واصر على السير في طرقه الشريرة، على الرغم من التحذيرات الإلهية والبشرية.
ولكن برغم كل هذا الشر القومي، فإن البقية التقية، ظلت متمسكة ولم تتنجس، بفضل التأثير الملهم لأشعياء النبي. اضطهد منسى الأنبياء وتابعيهم، وسفك دمًا بريئًا جدًا. يقول التقليد إنه قتل اشعياء بوضعه داخل شجرة مجوفة ونشره الى نصفين (عبرانيين 11: 37)
حل العقاب بمنسى، فإن ملك أشور أخذه بخرامة وقيده بسلاسل، وذهب به الى بابل. « بخزامة » تعني بخطاطيف أو حلقات. يوجد أثر قديم يظهر الملك آسرحدون يقود أسيرين بخطاطيف أو حلقات من شفتيها، ويحمل النقش القائل: «نقلت (من سوريا) الى آشور رجالاً ونساء بلا عدد... ومن بين عبيد مملكتي 12 ملكًا من سوريا وراء الجبال، وبالون ملك صور، ومنسى ملك يهوذا»
في فترة تذلله، وتوبته في بابل، تَفتّحت عينا منسى على المعنى الحقيقي للتقوى. في السبي، عرف الشرور المريعة لعبادة الأوثان الظالمة، وفي حين أن سجله في سفر الملوك لا يذكر توبته، إلا أن اخبار الايام يعلن أن منسى اعترف بخطاياه وتركها، فرُحم (أمثال 28: 13) لقد عرف أن الرب هو الله (أخبار الايام الثاني 33: 19)
عند عودة منسى الى اورشليم، أزال المذابح الوثنية وأعاد العبادات في الهيكل، واستأنف عبادة الله الذي أخطأ ضده، ومع ذلك، سمح ببقاء الكثير من المرتفعات أو معابد الأوثان. يتساءل أحد المفسرين فيما اذا كان حق يهوه على شعبه هو الحافز الوحيد الذي دفع منسى لمعرفة الله؟ وكون منسى لم ينجح في جعل أمته، في أيامه الشريرة، تخضع خضوعًا كاملا للسيطرة الوثنية، يظهر في حقيقة أنه بعد موته بسنوات، استطاع يوشيا التقي أن يثبت مرة أخرى عبادة الإله الحقيقي في الأرض.
أما عن نهاية منسى، فالكتاب يقول إنه اضطجع مع آبائه ودُفن، ليس في قبور الملوك، ولكن في بستان بيته « اضطجع مع آبائه » وصف جميل للموت.
وهو مستخدم عن الملوك الأخيار والأشرار على حد سواء، حتى عن يهوياكين، الذي لم يُدفن.
كتاب كل ملوك وملكات الكتاب المقدس، بقلم هربرت لوكير.