تذكر دائرة المعارف الكتابية بأنّ “فوط” هو اسم عبري معناه “قوس”. وفوط هو الابن الثالث لحام بن نوح[1] (تك10: 6)، وهو أخو كنعان ومصرايم (جد المصريين)، وكوش (جد الأفارقة ويدلّ عادةً على منطقة السودان وأثيوبيا). وتتابع هذه الموسوعة بأن فوط “اسم شعب، والأرجح أنهم سكنوا ما يعرف بليبيا الآن. وذِكر فوط مع مصر وكوش وكنعان، واستخدام الاسم في أسفار العهد القديم، يرينا انهم على الأغلب سكنوا الشمال الأفريقي على ساحل البحر المتوسط، غرب مصر…”
يقول د. ديفيد إرميا بأنّه “ليس هناك أيّ شك حول هوية هذه الأمّة، لأنّ الخرائط القديمة تبيِّن بأن المنطقة التي تسكنها أمّة فوط في أيام حزقيال هي دولة ليبيا الحالية .وتشير موسوعة ويكيبيديا Wikipedia، إلى أن هذه المنطقة من المحتمل أن تشمل تونس والجزائر أيضاً . وبشكل عام تتفق كثير من المراجع على أن “فوط” تشمل كل هذه البلاد.
الكتاب المقدس يخبرنا عن بعض أسماء المؤمنين الليبيين مثل سمعان القيرواني الذي شارك المسيح في حمل الصليب على طريق الجلجثة (.متى 27: 32) ولوكيوس القيرواني (أعمال الرسل 13: 1) وهو كان يخدم ويعلّم في إنطاكية مع مؤمنين آخرين.
فوط ذكرها النبي حزقيال مع الامم التي ستتحالف مع ملك الشمال في الايام الاخيرة:
وكان إليّ كلام الرب قائلاً: “يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج [حاكم] أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال وتنبّأ عليه، وقل ‘هكذا قال السيّد الرب هأنذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وتوبال. وأرجِعك، وأضع شكائم في فكّيك، وأخرجك أنت وكلّ جيشك، خيلاً وفرساناً كلّهم، لابسين أفخر لباس، جماعةً عظيمةً مع أتراس ومجانّ كلّهم ممسكين السيوف. فارس وكوش وفوط معهم كلّهم بمجنّ وخوذة. وجومر وكلّ جيوشه وبيت توجرمة من أقاصي الشمال مع كل جيشه شعوباً كثيرين معك.’” (حزقيال38: 1-6).
كلّ هذه الأحداث والتقلبات السياسية الاخيرة في هذه المنطقة المسماة فوط هي بداية لتحقيق نبوات سبق واخبرنا بها الكتاب المقدس، اهمها حزقيال 38 فهل نحن ككنيسة ننظر إلى ما يحدث بعين النبوءة؟ أم اننا منشغلون بأمورٍ أخرى، ونتابع الاخبار كأيّ متفرِّج عادي لا يدرك معنى السيادة الإلهية وخطّة الربّ في التاريخ والشعوب؟
والحق يُقال، انه لا شيء يمكن أن يوحِّد فِكر وتوجه منطقة فوط سوى تلك الصحوة الدينية خصوصا وانها شعوبٍ تتقارب عِرقيّاً وجغرافياً وتاريخياً وتقع في منطقة حسّاسة من العالم.
هذا معناه اننا ربما نشهد في القريب تحالف ليبيّ-تونسيّ-جزائري، في حال وصلت قيادات إسلامية إلى الحكم في كل من تونس والجزائر، مع العلم ان الحكم في ليبيا هو نظام عسكري ذو ميولٍ إسلامية واضحة، وربّما يأتي بعده نظام أكثر تشدُّداً تماشياً مع موجة التطرُّف التي تسود المنطقة والعالم. أي أنّه من المحتمل أن نرى “فوط” من جديد كمنطقة ذات توجُّه فكري واحد واضح، أو على الأقلّ يمكننا أن نرى بدايات لهذا الموضوع. فظهور حكومات إسلامية هو الرابط الوحيد الذي يمكِّن بلدان هذه المنطقة من الاقتراب من بعضها، بعد عقود من الاختلاف التام في التوجُّهات وأنظمة الحكم. ولنا في التقارب بين بعض حكومات منطقة الشرق الأوسط والحكومة الإسلامية التركية، بعد سنوات من التوتّر والتنافر، خير مثالٍ على هذا. والمثال الإيراني- التركي أيضاً حاضر والتعاون يتنامى، بعد قرون من التوتّر والعداء الشديدين.
منطقة فوط (ليبيا والمغرب العربي) تتحضّر تدريجياً لأن تلعب دورها الكبير في الأيام الأخيرة؛ وهذه الثورات التي أوصلت الإسلاميين والجهاديين للحكم والنفوذ في الدولة والمجتمع ليست صدفة تاريخية بلا معنى، بل هي أحداث ترتِّب لظهور الممثّلين الحقيقيين على مسرح الأحداث الآتية.
لو بحثنا عن كل الأمم التي ذكرها حزقيال أعلاه، فارس(إيران)، ماشك وتوبال وتوجرمة وجومر (أجزاء في آسيا الصغرى شكّلت تركيّا الحالية)، سنجد بأنها الآن متحالفة فعلياً مع بعضها البعض، أو في طريقها إلى التحالف تدريجياً. وفوط هي تلك المنطقة التي تشهد تغيّرات كبيرة حالياً، ويبدو أنها مرشَّحة لكثير من التغيُّرات اللاحقة.
وبلا شك فإن اكتمال هذه النبوءة يحتاج إلى عدة عناصر، أحدها عودة فوط/ ليبيا وما حولها كمنطقة قوية مؤثرة في المنطقة.
[1] ذُكرت "ليبيا" في قائمة الأمم بعد الطوفان باسم "فوط" من أبناء حام بن نوح (تك 10: 6، 1 أخ 1: 8). وقد سكن الليبيون الساحل الشمالي من أفريقية، إلى الغرب من مصر. وتوجد ثلاث كلمات عبرية تدل على ليبيا أو الليبيين، هي: "كوب"، و "لوبيم" (وهي دائماً في صيغة الجمع)، و "فوط". ولعل "فوط" تشير إلى المنطقة التي عرفت عند الرومان باسم القيروان، والتي تقع غربي الصحراء المجاورة لدلتا النيل.