كثيرا ما يهاجم المسلمون ايمان المسيحيين باقتباس ايات من سفر صموئيل النبي ١٥: ١ - ٣ عندما مسح شاول ملكا وقال له: ”فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا“. ومن هنا يدعي المسلمون ان الله في الاسلام ليس وحده القاسي، فها هو اله المسيحيين واليهود يأمر بقتل الاطفال وهو ما لم يفعله اله المسلمين في القران.
من المهم ان ندرك ان المصير الارضي لا يعني المصير الابدي، فلو سمح الله بقتل طفل في حرب او كارثة ارضية، فهذا لا يعني ان مصيره الهلاك، حتى لو كان يعيش في عائلة تعبد الها غير الله، خالق السماء والارض، وجاء في انجيل متى ١٠: ٢٨: ولا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم.
لقد أمر الله بقتل شعب عماليق وعدم ابقاء احد منهم، وقال موسى ان للرب حربًا مع عماليق من دور الى دور. فمن هو هذا عماليق الشرير؟ ولماذا اراد الله ابادتهم؟! على عكس كل الشعوب الاخرى التي عبدت الاصنام في ذلك الزمان؟
لكي نجيب على هذا السؤال، دعونا نتعمق في شعب عماليق لنتعرف على الشرور التي كان يصنعها! ولماذا استثناه الله عن باقي الشعوب الوثنية؟ وهل المتطرفين الاسلاميين وداعش وثقافتهم هي استمرارية لعماليق ؟
يقول الكثير من المفسرين ان شعب عماليق هو من نسل عيسو ابن اسحق بن ابراهيم، بحسب سفر التكوين ٣٦ في العدد ١٢: وَكَانَتْ تِمْنَاعُ سُرِّيَّةً لأَلِيفَازَ بْنِ عِيسُو، فَوَلَدَتْ لأَلِيفَازَ عَمَالِيقَ. هؤُلاَءِ بَنُو عَدَا امْرَأَةِ عِيسُو. وهناك اعتقاد مختلف، لان الآية المذكورة سفر التثنية ٢٣: ٧: لاَ تَكْرَهْ أَدُومِيًّا لأَنَّهُ أَخُوكَ. لاَ تَكْرَهْ مِصْرِيًّا لأَنَّكَ كُنْتَ نَزِيلاً فِي أَرْضِهِ. تظهر لنا رأفة الله لابناء ادوم اي نسل عيسو، بما معناه ان شعب عماليق الشرير المذكور هنا ليس من نسل سام، لكنه شعب يسكن قرب الأموريين ومتحد معهم مصيريًا، ولهذا يُعتقد انه من نسل كنعان ابن حام (التكوين ١٤: ٧).
المفسرون للاعتقاد الثاني يستندون الى ان ارض العماليق ذُكرت قبل ولادة اسحق، في سفر التكوين ١٤: ٧: ثُمَّ رَجَعُوا وَجَاءُوا إِلَى عَيْنِ مِشْفَاطَ الَّتِي هِيَ قَادِشُ. وَضَرَبُوا كُلَّ بِلاَدِ الْعَمَالِقَةِ، وَأَيْضًا الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي حَصُّونَ تَامَارَ. ولهذا فهم يشيرون الى ان شعب العماليق اقدم من ابونا ابراهيم، فقد ذكر الكتاب ارضهم عندما كان ابراهيم بلا نسل، أي انهم شعب قديم ظهر بعد بناء برج بابل بقليل.
وقد اتت كلمة عماليق من الكلمة العبرية עמלק وتعني شعب شرير او قاسٍ، وقد ذكرها الدكتور مكرم مشرقي بكتابة ”قاموس اعلام الكتاب المقدس“ بمعنى عمل، شعب يلعق (يلحس) و حربيّ. وجاء معناه بتفاسير اخرى ”المحاربون“ او بمعنى ”مد يده على كرسي الرب“ اي على شعب الرب اسرائيل، لان عماليق هاجم اسرائيل عند خروجه من ارض مصر من ارض العبودية، وذلك بعد الضربات العشرة التي اصابت المصريين وبعد شق بحر سوف، وهذه معجزات انتشرت وشاعت في الارض في تلك الايام وخصوصا بين المصريين والشعوب المجاورة لمصر. وكأن شعب عماليق يصر على محاربة العبرانيين، وبهذا الفعل يعلن تحديه للرب الذي اخرجهم من أرض العبودية، من مصر.
وكان هذا الشعب الشرير يسكن جنوب ارض كنعان، وهم من البدو الرحل سكنوا بما يسمى اليوم صحراء النقب حتى شمال ايلات، وامتدوا شرقا الى شمالي شبه الجزيرة العربية، ولهذا يعتقد المؤرخون ان البقية منهم انخرطت مع العرب واصبحوا من آباء القبائل العربية القديمة.(١)
وبحسب موقع الوطن السعودي فإن عماليق اول شعب سكن المدينة المنورة، وذكر الطبري، الإمام ابو جعفر محمد بن جرير الطبري، إمام المفسرين، أن عماليق سكنوا مدينة يثرب ويذكر ابن خلدون قبائل عربية من نسل عماليق (انظروا الرابط اخر المقال) ويرى الطبري أن جدهم عمليق هو أول من تكلم العربية (٢)
وجاء في سفر التثنية ٢٥: ١٨، ان عماليق لم يخف الله، في دلالة ان عماليق سمع عن الله الذي اخرج اسرائيل من مصر، وسمع عن معجزاته وقوته التي ارهقت فرعون، الامبراطور العظيم، ومع هذا فهو لم يخف! لقد نصب نفسه عدوا لاسرائيل لكي يبيده بدون ذنب!
وكان عماليق اول شعب يهاجم شعب اسرائيل عند خروجه من مصر من العبودية، واتى لملاقات العبرانيين في ارض ليست ارضهم، استهدفوا مؤخرة الشعب، المستضعفين عندما كان الشعب كليلًا ومتعبًا (تثنية ٢٥: ١٨).
وجاء في سفر صموئيل الاول ٣٠: 1 وَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى صِقْلَغَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، كَانَ الْعَمَالِقَةُ قَدْ غَزَوْا الْجَنُوبَ وَصِقْلَغَ، وَضَرَبُوا صِقْلَغَ وَأَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ، 2 وَسَبَوْا النِّسَاءَ اللَّوَاتِي فِيهَا. لَمْ يَقْتُلُوا أَحَدًا لاَ صَغِيرًا وَلاَ كَبِيرًا، بَلْ سَاقُوهُمْ وَمَضَوْا فِي طَرِيقِهِمْ.
يوضح الكتاب هنا ان عماليق كان شعبا طفيليا يعيش على حساب غيره، فلم يتعبوا ولم ينشئوا حضارة، بل كانوا يعيشون على السبي والغزوات، في كل مرة نفذت مونته استهدفوا القبائل الاخرى، سبوا النساء والاطفال، وأجبروا النساء على ارتكاب الخطيئة وممارسة الجنس، اعتبروا ذلك حقًا شرعيًا لهم.
ما يؤكد استهدافهم للغلمان والنساء، هو ان داود عندما عاد الى المدينة ووجدها محرقة بالنار، وجد نساؤهم وبنيهم وبناتهم قد سبوا، من بينهم امرأتاه ”اخينوعم اليزرعيلية“ و ”ابيجايل امراة نابال الكرملي“، لحق عماليق مع رجاله، وفي الطريق وجدوا غلاما مصريا عبدا لعماليق، تركه سيده ليموت بعد ان مرض. هذا يؤكد ان عماليق لم يكن لديهم اهتمام بحياة وصحة خدمهم. هذا يعزز فكرة أن عماليق كان شعبًا طفيليًا يعيشون على الغزوات والغنائم للبقاء.
شعب عماليق كان دائما شعبا معتديا، حروبه كانت هجومية وليست دفاعية. ولم يكن هدفه الاعتداء فقط وانما ليمارس افعاله الشريرة بالاطفال والنساء بدون سبب، وكان ينشر الخطية والعثرة لبقية الشعوب، لم يكتف بفعل الخطية وحده، بل نشرها الى الشعوب المحيطة به، سواء بالتهديد او بالقوة. كان ينتشر كمرض السرطان الذي ينبغي استقصاله.
بعد أكثر من ٤٠٠ سنة من خروج بني اسرائيل من مصر، وعلى الرغم من سماعهم عن اله اسرائيل ومعجزاته ووصاياه، لأنه لا يترك نفسه بلا شاهد، لم يُظهروا أي نية للتوبة، بل استمروا في صنع الشر وتربية اولادهم على تقاليدهم المتوارثة. ان ٣ أجيال او ٤ كافية لانشاء جيل صالح، ولكن ١٠ اجيال مدة استثنائية لم تنتج طفلا واحد صالحا! الله كان سيعدل عن دمار سدوم وعامورة لو وجد ٥ اشخاص صالحين! اكتملت زمن الخطيئة ولم يبق امل في اصلاح هذا الشعب.
ولان العثرات كانت جماعية لذلك العقاب كان غالبا جماعيا.
عندما عاقب الله سدوم وعامورة، رحم الشعوب الباقية من شرهم وفسادهم.
لقد نجّس شعب عماليق الارض ودنسوها، فقذفتهم الارض بسبب افعالهم (اللاويين: ١٨: ٢٥)
اذا تأملنا في الحروب الاخيرة في الشرق الاوسط وافريقيا وما فعله المتطرفون الاسلاميون، داعش وبوكو حرام، في الشعوب الاخرى التي رفضت فكرهم ومعتقدهم، وكيف سبوا النساء وطالبات المدراس ليمارسوا الجنس معهم، نتذكر قول الله ان له حربًا مع عماليق من دور الى دور.
يقول الكتاب المقدس: ويل للعالم من العثرات! فلا بد أن تأتي العثرات ولكن ويل لذلك الانسان الذي به تأتي العثرة (متى ١٨: ٧) وقال النبي أشعياء في سفره ”اعدوا، اعدوا، هيئوا الطريق، ارفعوا المعثرة من طريق شعبي“ (اش ٥٧ ١٤)
في العهد القديم، واجه عماليق شعب الله وقاوم خطته لخلاص الشعب الذي كان الله يُحضّره ليأتي من خلاله المسيح، واليوم نرى شعوبا تقاوم خطة الله لخلاص النفوس وترفض صلب المسيح، متوعدين باذلال اتباع المسيح وشعوب الارض الاخرى ونشر ثقافتهم وايمانهم على الجميع! فهل سيستمر مسلسل عماليق باسماء جديدة في العهد الجديد؟
(١) https://ar.wikipedia.org/wiki/عمالقة
(٢) https://www.alwatan.com.sa/article/183730