يعتقد غالبية احبائنا المسلمين بان الكتاب المقدس قد تنبأ عن مجيء رسول الاسلام محمد. ففي سورة الاعراف 157 مكتوب "ألَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ" هذه الاية القرآنية تعد القاعدة التي يبني عليها المسلمون ادعائهم هذا. سوف نتناول بالتفصيل هذا الموضوع و نفند تلك الادعاءات من خلال هذه السلسلة من المقالات حول هذا الموضوع.
اكثر ما يثير حيرتي بان معظم علماء الاسلام يصرّون على أن الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد، قد تنبأ عن محمد و في نفس الوقت يصرّون على أن الانجيل قد تحرف و تبدل (سنتحدث عن هذا الموضوع لاحقًا) و ان الكتاب الذي بين يدينا ليس الكتاب الاصلي و هم بذلك يقعون في تناقض و ارتباك لافت لا تبرير له. كيف يكون كتاب محرف قد تنبأ عن مجيء رسول الاسلام و اذا كان محرفًا، كيف صدقت اذًا نبواته المزعومة عن محمد؟ سؤال طرحته على عدد من الاصدقاء المسلمين الذين لم يقدموا لي جواب شافي. اذا عجز المسلمون دحض ادلة المسيحيين التي تثبت سلامة التوراة و الانجيل، قالوا بان القران قد نسخ ما قبله اي انه ابطل حكمهما و حل محلهما.
سنتناول اليوم مثالين من العهد القديم عن تلك النبوات المزعومة. في سفر التكوين 49:10 يقول “ لا يزول قضيب من يهوذا و مشترع من بين رجليه حتى ياتي شيلون و له يكون خضوع شعوب" . الادعاء هنا بان يهوذا و التي تعني الحمد،و في العربية تعني أحمد ، و ان كلمة محمد من مشتقاتها فبالتالي تلك النبوة تشير الى محمد رسول الاسلام.
لو سلّمنا فرضًا و قبلنا ان المشار اليه في يهوذا هو محمد رسول الاسلام، فان الاية تصبح كالتالي " لا يزول قضيب من محمد و مشترع من بين رجليه حتى ياتي شيلون و له يكون خضوع شعوب". ان فعلنا ذلك فتصبح الاية في غير مصلحة المسلمين بل تنذر بزوال قضيب الملك و السلطة من محمد و بطلان شريعته و بعد ذلك ياتي شخص اسمه شيلون و له تخضع شعوب. فالنبوءة لا تشير الى مجئ يهوذا"او محمد" بل الى خروج شخص من يهوذا يصبح الملك و السلطة بين يديه و اسمه شيلون. فهذا ما لا يسلم به المسلمون لانهم يعتبرون محمد خاتم المرسلين فلا ينتظرون نبيًا غيره يأتي بعده و يكون له خضوع و شعوب. و من الظاهر لنا بان شيلون يولد من ذرية يهوذا و لكن محمدًا لا هو من ذرية يهوذا ولا هو من ذرية إسرائيل بل من قبيلة قريش وشتان بين قريش وبين بني إسرائيل.
المثال الثاني في العهد القديم و الذي يُعد الأشهر اقتباسًا من قِبل المسلمين، مأخوذ من سفر التثنية 18 و الآيتين 15 و 18 “ يقيم لك الرب الهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلي.له تسمعون...أقيم لهم نبيًا من وسط اخوتهم مثلك و اجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به"
يدعي المسلمون بان الايتين السالفتين تشيران الى محمد، حيث أن المقصود بالنبي الذي سيقيمه الرب من "اخوتك"، اي الاسماعيليين و الذين منهم اتى العرب، هو محمد وأن محمدًا كموسى تتشابه امورهما، فكلاهما نشأ في بيوت أعدائهما وكلاهما ظهرا بين عبدة الأصنام وكل منهما رفضه قومه أولاً ثم عادوا وقُبلوه. وقد هرب الإثنان من وجه أعدائهما فموسى هرب إلى مديان وأما محمد فهاجر إلى المدينة وأيضًا كل منهما نزل إلى ساحة القتال وحارب الأعداء وعمل المعجزات وفساعد موسى أتباعه من بعد موته على امتلاك أرض الموعد و محمد ساعد اتباعه على امتلاك مكة و المدينة.
اذا جاز للمسلمين ان يتخذوا من أخويّة اسماعيل لاسحق فرصة للدلالة على ان النبي الموعود به في هذه الآية هو محمد و إذا صح بناء على هذه القرابة اعتبار بني إسماعيل وبني إسرائيل إخوة فكم بالأولى كثيراً يكون أسباط إسرائيل الاثنا عشر إخوة بعضهم لبعض. ايضًا نرى في سفر التكوين 25: 1-6 ان هناك ستة امم ولدت لابراهيم بعد اسماعيل و اسحق وهؤلاء يحق لهم ان يدّعوا بانهم الاخوة المقصودون في تلك النبوة.
لـــكــن الحقيقة هي أن بني اسرائيل لم ينظروا البتة إلى نسل اسماعيل او الاولاد الستة من سراري ابراهيم او نسل عيسو بأنهم اخوتهم، بل نظروا اليهم كأجانب و لم يعتبر بنو اسرائيل احدًا من غير اسباطهم اخا لهم.
في سفر التثنية الاصحاح 17 و الاية 15 ، اي قبل اصحاح واحد من النبوة المزعومة،يقول: "فانك تجعل عليك ملكا الذي يختاره الرب الهك.من وسط اخوتك تجعل عليك ملكا.لا يحل لك ان تجعل عليك رجلا اجنبيا ليس هو اخاك”. من الواضح في تلك الاية أنهم لم يجعلوا عليهم ملكا من العرب، بل من إخوتهم، أي من بني إسرائيل و الرب يحذرهم من اختيار ملك ليس بأخيهم او ليس من وسطهم.
ان موسى عبراني من العبرانيين لحمًا و دمًا و وطنًا و دينًا و لغة و عادة اما محمد فليس هو بالعبراني و لا هو من لحمهم و لا دمهم و لا وطنهم و لا يعرف لغتهم و لا عوائدهم و لا هو بالمقيم وسطهم كما نَصّت النبوة.
ثم هل يليق بعدالة الله ان يرسل إلى بنى اسرائيل العبرانيين الاعجميين نبيًا بلسان عربي مبين، لسان لا يفهمونه و لا يعرفونه و من ثم يعاقبهم الله لانهم لم يسمعوا له و لا عملوا بكلامه؟
نرحب بكافة أسئلتكم و تعليقاتكم حول الموضوع و للحديث بقية.