في الكتاب المقدَّس: {كلّ الكتاب هو موحىً به من الله…}+ 2 تيموثاوس 16:3
أمّا القرآن، المقدَّس عند الإخوة المسلمين، فقد (نزل به الروح الأمين)- الشعراء: 193 لكن أيضًا (ما ينطق عن الهوى؛ إنْ هو إلّا وحيٌ يوحى)- النجم: 3-4
والنتيجة هي أنّ كلًّا من الكتابين موحىً به. وأنّ الكتبة الذين دوّنوا وحي الكتاب المقدّس عبر تاريخ طويل صادقون في ما أوحِيَ إليهم. وإن اختلف ظرف أحدهم عن الآخر، أكان الظرف زمانيًّا أم مكانيًّا. وأنّ رسول الإسلام صادق في ما أوحِيَ إليه. عِلمًا أنّ كلّ من يقول إنّه أوحِيَ إليه بشيء فإنّي أصدّقه أيضًا! فلا مشكلة عندي مع ما أوحِيَ ولا مع ما يُوحَى في ما بعد، إنما مشكلتي مع شخصيّة المُوحِي الذي أوحى. فالأسئلة التي يجب طرحُها هي التالي:
أوّلًا: ما هي طبيعة الكائن الذي أوحى؛ روحيّة أم مادّيّة أم معنويّة؟
ثانيًا: هل الإله الذي أوحى بالكتاب المقدَّس هو ذاته الذي أوحى بالقرآن؟ والجواب ببساطة ووضوح: كلّا. ولا يحتاج الباحث المنصف إلى وقت طويل لكي يقول: كلّا. فشتّان ما بين هذا وذاك. بل حاشا الله الذي أوحى بالكتاب المقدَّس أن يُوحي بالقرآن. ولديّ أدلّة قاطعة، مدروسة بعناية وتدقيق، لا تستطيع أكبر شخصيّة إسلامية دحضها بما أوتِيَتْ من علم. ومنها الأدلّة البسيطة التي في هذه المقالة.
ثالثًا: هلْ يوحي الله إلى أيّ إنسان؟ والجواب قطعًا: نعمْ، إن اتّفق الوحي مع فكر الله، أو أنّ الموحى به في الأقلّ لا يتعارض مع فكر الله، من محبة وخير وسلام وعِلم وفنّ وإبداع، لأنّ كلّ ما يأتي من الله صالح: {مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ… هكَذا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً}+ متّى\7
الفرق بين الصِّفات الإلهيّة وبين الصِّفات البشريّة
إنّ الله، بحسب إيماني وإيمان كثيرين، هو خالق الكون. وهو الذي أوحى بالكتاب المقدس الذي يقدِّسه المسيحيّون والذي يقدِّس اليهود العهد القديم منه. وإنّ من خصائص الله التي في الكتاب المقدّس؛ ثبات الرأي واستقامة التوجّه ووضوح الشريعة. فلم يناقض الله فكره في الكتاب الذي أوحى به، لا في زمان ما ولا في مكان ما، لأن التناقض والتغيّر من الصفات البشرية. فمثالًا؛ أوصى الله في العهد القديم، في سفر الخروج وغيره، وصايا أكّد العهد الجديد عليها في ما بعد: {لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ}+ مرقس\10 ومتّى\19 ولوقا\18
وقد سبق لي أن كتبت مقالة، منشورة على موقع لينغا، تحت عنوان "كم كتابًا لله" ركّزت فيها على أنّ لله كتابًا واحدًا، لأنّ تأليف أزيد من كتاب ميّزة بشريّة. فإذا قال قائل بوجود صفات مشتركة بين الله والإنسان فقوله صحيح، لكنّه لا ينطبق على جميع الصفات. فمثالًا: إن لله كتابًا واحدًا فقط، أمّا الإنسان فقد يحتاج إلى تأليف أزيد من كتاب. ومثالًا آخر: إنّ الله يُحبّ ويرحم ويغفر ويرأف ويهدي، من صفات اتّصف بها الإنسان أيضًا لكنْ بصورة نسبيّة. وهذا لأنّ الله خلق الإنسان على صورته (تكوين 27:1) لكنّ الخلق الإلهي والمحبة الإلهية والرحمة الإلهية والحكمة الإلهية صفات مطلقة. أمّا الوحي الذي يوحى إلى إنسان، أيّ إنسان، فقد يكون من الله وتحديدًا الروح القدس، أو مِن الشيطان أو مِن بنات فكر الإنسان نفسه أو مِن فكر إنسان آخر.
الفرق بين وحي الكتاب المقدَّس وبين وحي القرآن
والآن حان دور إيجاد الفرق بين الوحي المدوَّن في الكتاب المقدّس وبين الوحي المدوَّن في القرآن، لكي يتبيّن القارئ والقارئة ما كان مصدرُ الأوّل مصدرًا للثاني. وقد اخترت أوجُه فرق يرى فيها الناظر زاوية منعكسة، معروفة هندسيًّا بـ 180° وعندي منها عشرات. وقد يكتفي الباحث-ة بما يكفي القضاء، أي بشاهدَين أو ثلاثة.
1 تحديد هويّات الأنبياء
لقد سبق لي أن كتبت مقالة بجزءين، منشورة على موقع لينغا، تحت عنوان "هؤلاء ما سمّاهم الكتاب المقدّس أنبياء" عن رجال الله الذين سمّاهم الكتاب المقدّس أنبياء بدقّة، فمثالًا: موسى وداود وسائر الأنبياء؛ منهم الكِبار، نظرًا لحجم كتبهم، مِثْل إِشَعْيَاء. ومنهم الصِّغار مثل هُوشَع. وما سمّى غيرهم أنبياء. أمّا يوحنّا المعمدان فقد وصفه السيد المسيح في لوقا\7 بأنه أَفْضَلُ مِنْ نَبِيّ، بل أعظم الأنبياء.
لكنّ القرآن قد وصف رجالًا غيرهم أنبياء؛ مثالًا: آدم ونوح وإبراهيم ولوط وإسحاق وهارون. فهؤلاء ما خصّ الكتاب المقدّس أحدًا منهم بصفة "نبيّ" بل بصفات أخرى كالتقيّ والبارّ والكاهن.
عِلمًا أنّ النبيّ شخصيّة معروفٌ نَسَبُها لدى الشعب اليهودي تمام المعرفة. وشخصيّة مدقَّق في صحّة نبوّتها خير تدقيق. كما أنّ (أهل مكّة أدرى بشعابها) فاليهود شعب عرف أنبياءه بامتياز. ولا يوجد في العالم أذكى من اليهود ولا أدهى ليعرف نبيًّا من أنبيائهم بدقّة مثلهم. ولم يكنْ إقناع اليهود بنبوّة أحدهم مسألة سهلة بل صعبة جدًّا. فمثالًا أنّ رؤساء كهنة اليهود الذين طالما انتظروا المَسِيّا (المسيح) قد رفضوا الاعتراف بأنّ يسوع المسيح، الذي رأوه وسمعوه وحضروا عددًا من معجزاته وحقّق المكتوب في كتبهم، هو المَسِيّا المنتظر.
فكيف يصدّق اليهود رجالًا مثل سيمون الساحر الذي أدهش شعب السّامرة بسِحره ( أعمال الرسل\8) ومثل محمد الذي أحرجته أسئلتهم عن الروح (الإسراء 85) وعن السّاعة (الأعراف 187) والمقصود بالسّاعة: يوم القيامة. حتّى دفعت قبيلة بني قريظة اليهوديّة دماء رجالها ما بين 600 إلى 900 رجل ثمنًا غاليًا جدًّا في مقابل تكذيب دعوة محمد. ومثل مسلمة بن حبيب الحنفي الذي (كان نصرانيًّا من اليمامة فأراد أن يشركه محمد معه في النبوّة فرفض محمد فلم يبايعه مسلمة- ويكيپيديا: مسيلمة بن حبيب) ومثل سجاح التميمية التي (تعود بنسبها من جهة أمّها إلى بني تغلب الذين كانوا يقيمون في بلاد الرافدين، وهذا ما جعل الرواة يقولون بأنها كانت نصرانية على دين بني تغلب- ويكيپيديا: سجاح بنت الحارث) لهذا فإنّ أيَّ كتاب يطعن في مصداقيّة التوراة وفي أيّ كتاب من كتب أنبياء بني إسرائيل، عن قصد أو عن غير قصد، فاعلم-ي بأنّ مؤلِّفه قليلُ المعرفة، ما لم يكن كَذّابًا ومُدَلِّسًا. ومثل هذا الكتاب في النهاية ليس من الله بشيء. وأمّا إذا كان الكتاب موحًى به فاعلم-ي أنّ مصدر الوحي المزعوم ليس الله.
2 المفدي ما بين إسحاق وإسماعيل
واضح في الكتاب المقدّس أنّ المَفديّ هو إسحاق؛ إذ قال الله لإبراهيم: {خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً…}+ التكوين\22
فالكتاب المقدّس هذا شأنه: بليغ ودقيق ومؤثِّر تأثيرًا إيجابيًّا.
أمّا القرآن فقد اختلف مفسِّروه ما بين إسماعيل وبين إسحاق. فمثالًا؛ تفسير الطبري سورة الصّافّات 107 إذ ذكر التالي: (… واختلف أهل التأويل، في المفدي من الذبح من ابنَي إبراهيم، فقال بعضهم: هو إسحاق)- عن العباس بن عبد المطلب وعن ابن عباس وعن غيرهما. ثمّ أردف الطبري: (وقال آخرون: الذي فُدِيَ بالذبح العظيم من بني إبراهيم: إسماعيل)- عن ابن عباس وعن الحَسَن وعن مجاهد وغيرهم.
واللافت هنا تناقض واضح، لكنْ من نوع آخر؛ لأنّ فريقًا نقل عن ابن عباس قوله: إسحاق! بينما نقل فريق آخر عن ابن عباس نفسه قوله: إسماعيل.
علمًا أنّ اختلاف أهل التأويل وسائر علماء المسلمين هو من الأدلّة على ضعف البلاغة في القرآن من جهة البيان والمعاني، وعلى افتقار القرآن إلى الدِّقّة الموضوعيّة الكفيلة بمنع الالتباس.
لكنّ الشيخ الشنقيطي (1905 موريتانيا- 1974) أكّد على أنّ المَفديّ، بحسب القرآن، هو إسماعيل؛ إذ ذكر في كتابه "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" باختصار: [اعلم أنّ القرآن العظيم قد دلّ في موضعين، على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق أحدهما في (الصّافّات) والثاني في (هود) أما دلالة الصّافّات على ذلك فهي واضحة جدّا في سياق الآيات، وإيضاح ذلك أنه تعالى قال عن نبيه إبراهيم: (… فبَشَّرْنَاهُ بغُلَامٍ حَلِيم* فلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إنِّي أَرَى في المَنام أَنِّي أذبَحُكَ فانظُرْ ماذا تَرَى…. وفدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيم…) ثم قال بعد ذلك عاطفًا على البشارة الأولى: (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) فدلّ ذلك على أن البشارة الأولى شيء غير المبشَّر به في الثانية، لأنه لا يجوز حمل كتاب الله على أن معناه: فبشَّرناه بإسحاق، ثم بعد انتهاء قصة ذبحه يقول أيضًا: وبشَّرناه بإسحاق، فهو تكرار لا فائدة فيه، ينزَّه عنه كلام الله، وهو واضح في أنّ الغلام المبشَّر به أوّلاً الذي فُدِيَ بالذبح العظيم هو إسماعيل، وأن البشارة بإسحاق نصّ الله عليها مستقلة بعد ذلك….. أمّا الموضع الثاني الدّالّ على ذلك في سورة هود: 71 (وَامْرَأَتُهُ قآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فبَشَّرْناها بإِسْحَقَ ومِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ) لأنّ رُسُل الله من الملائكة بشَّرَتْها بإسحاق، وأن إسحاق يلد يعقوب، فكيف يُعقَل أنْ يُؤمَر إبراهيمُ بذبحه وهو صغير وهو عنده عِلم يقين بأنه يعيش حتى يلد يعقوب. فهذه الآية أيضًا دليل واضح على ما ذكرنا، فلا ينبغي للمنصف الخلافُ في ذلك بعد دلالة هذه الأدلة القرآنية على ذلك، والعلم عند الله تعالى] انتهى.
وقد أعجبني تفسير هذا الشيخ، فكم عدد المسلمين الذين استطاعوا التوصّل إلى هذه النتيجة؟ لكنّي أقول: ليت الشيخ الشنقيطي اطّلع على القصّة الأصلية المفصَّلة في الكتاب المقدّس (التوراة\ سفر التكوين) تفصيلًا دقيقًا لكي يكتشف الحقيقة؛ ومنها أنّ الله هو الذي أَمَرَ إبراهيم، في اليقظة وليس في المنام، بتقديم إسحق قربانًا: {خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ… وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً…} فلم يترك الله خيارًا لإبراهيم كي يختار أحد ابنَيه! لأنّ مسألة الاختيار عند الله، في ما يخصّ المشروع الإلهي لفداء البشر والذي به صنع الخلاص الأبدي للإنسان، مهمة جدًّا! فلا يمكن أن يفرِّط بها الله فيعطيها لأحد أيًّا كان. هذا لأنّ في القصّة دلالة رمزية على تقديم المسيح ذبيحة كفّاريّة عن العالَم أجمع.
لكنْ لنفترضْ أنّ من الممكن عند الله أن يترك الخيار لإبراهيم فما المشكلة؟ والجواب 1. إنّ إسحاق في نظر الله هو الإبن الوحيد إذ به دُعِيَ نَسْلٌ لإبراهيم (التكوين\21) لأنّ إبراهيم تزوّج هاجر بطلب من سارة وليس بإذْنٍ من الله (التكوين\16) ففي هذا تفضيل لإسحاق على إسماعيل 2. إنّ ابن الموعد هو إسحاق وليس إسماعيل (التكوين\17) وفي هذا تفضيل لإسحاق أيضًا 3. إنّ إسحاق كان ابن سارة (الحُرّة) أمّا إسماعيل فكان ابن هاجَر (جارية سارة) لهذا فإنّ إبراهيم قَدَّم ابنَ الحُرّة فداءً، أي قدّم الأفضل ممّا عنده لله، ولم يقدِّم ابن الجارية! ما يعني أنّ في تقديم إسحاق تعظيمًا لِقَدْرِ الله. أمّا لو قدّم إبراهيمُ إسماعيلَ لدلّ ذلك التقديم على انتقاصٍ من قدر الله، نظرًا للعوامل الثلاثة المذكورة.
3 مريم النبيّة ومريم أمّ يسوع
لن أُطيل في موضوع خَلْط القرآن بين مريم العذراء وبين مريم النبيّة بنت عَمْرَامَ (وليس عمران) وأخت موسى النبي وهارون الكاهن، لأنّ لغيري على الانترنت، ولي أيضًا، أزيد من مقالة عن هذا الموضوع. وقد اعتُبِر هذا الخلط غلطة في حقّ التاريخ. لذا تكفي الإشارة إلى زعم القرآن عن مريم العذراء إنّها بنت عمران (آل عمران 35-37) وإنّها (أخت هارون- مريم 28) والزمن الذي يفصل بين مريم النبيّة وبين مريم أمّ المسيح حوالي 1400 سنة. وقد حاول عدد من المسلمين تبرير هذه الغلطة. وهي وَحْدَها تكفي دليلًا على أنّ القرآن من تأليف محمد، بحَسَب ما سَمِع من قصص الأوّلِين، وليس وَحيًا من الله.
4 هذا إله يُقَاتِلُ عن أتباعِه وذاك إله يقاتل عنهُ أتباعُه
في الكتاب المقدَّس\ العهد القديم: {الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُون}+ الخروج 14:14 وفيه قول الله: {لِيَ النَّقْمَةُ وَالْجَزَاء…}+ التثنية 35:32 وفي العهد الجديد: {كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيق… لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ... وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ…أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ… أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ…}+ متّى\5
أمّا في القرآن: (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ باللَّه…)- التوبة 29 وفيه: (فإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَاب…)- محمّد 4 والمزيد في مقالتي المنشورة على موقع لينغا: على نفسها جنتْ داعش.
¤ ¤ ¤