يقول المعترض: يؤمن المسيحيون أن الله قد أخذ جسداً بشرياً وأتى بنفسه للعالم بينما نجد نصوص أخرى تقول أن الله أرسل إبنه، مثلاً: إنجيل يوحنا 16:3 يقول: لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد. و قال يوحنا في رسالته الأولى 9:4 : إن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به.
فهل الله قد تجسد وأتى بنفسه للعالم أم انه أرسل للعالم ابنه الوحيد؟ فالشخص الذي يُرسِل كما يقول المعترض غير المُرسَل والباعث غير المبعوث. وهناك نصوص في الإنجيل على أن الله لم يتجسد وينزل ولكنه أرسل ابنه للعالم ( انظر الرسالة الأولى ليوحنا 14:4).
كلنا سمعنا عن رئيس الدولة الذي شغل منصب وزير الدفاع بالإضافة الى منصبه كرئيس للدوله؟ … هذا الرجل كان عندما يجتمع وزراء الدفاع في اجتماع ما، كان كل رؤساء الدول يرسلون وزراء دفاعهم كممثلين للدولة. بينما كان صاحبنا يرسل نفسه ممثلاً عن الدولة كوزير للدفاع، فهو يحضر المؤتمر مبعوثاً عن رئيس الجمهورية، وممثلاً عن الجمهورية التي ينتمي إليها، وبهذا يكون هذا الرجل قد أرسل نفسه، والراسل هنا هو المرسل. ها نحن نرى هنا إمكانية أن يكون الراسل هو نفسه المرسل، في حالة إزداوج المهام. ممكن أن يكون هذا الراسل هو المُرسَل إذا كانت المهمة لا يمكن أن يعملها شخص آخر.
المعنى المقصود من لفظ الإبن
تعبير”الابن” في معناه البشري هو تعبير واضح ومفهوم، ولكن عندما ينسب هذا الإبن لله فهل يكون له نفس المعنى؟!! … ما هو المقصود بأن يكون لله ابن؟ لما لا والكتاب وصف آخرين بأنهم أبناء الله، وصف آدم أنه ابن الله “بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللهِ” (لوقا3: 38) كما وصف داود بأنه ابنه “إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ” (مزمور 2: 7) ..” لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي”(هوشع11: 1)، أيضا كل المؤمنين بالمسيح دعاهم الله أبناءً “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.”(يوحنا 1: 12). وبهذه الفكرة يكون الناقد قد ساوى المسيح بآدم وبإسرائيل (كشعب) وبداود النبي وبكل المؤمنين باسم المسيح في نفس الصفة، أن كل هؤلاء أبناء لله.
ونقول إننا نتفق معك أن المسيح هو ابن الله، فهذا اللفظ ذكره الكتاب المقدس 48 مرة بالنص، هذا عدا المعاني المتضمنة نفس المفهوم … فهذه حقيقة لا يمكن أن نرفضها أن المسيح هو ابن الله … وهذا يأتي بنا الى الفكرة الثانية وهي:
هل بنوة المسيح تتساوى مع لفظ البنوة العام في الكتاب المقدس؟
هناك فرق كبير بين البنوة والتبني، فالنصوص التي تتكلم عن إسرائيل الإبن البكر أو داود أو المؤمنين بالمسيح تتكلم عن أن الله (جعلهم) أبناء … فهذه اللفظة تعني التبني، ما عدا آدم الذي جعل ابناً بالخلق الأول فهو ابن لله كنتاج خليقته المباشرة … فهل تنطبق هذه البنوة على السيد المسيح؟ نرى أن الكتاب المقدس يصف السيد المسيح وميلاده العذراوي بأنه مولود وليس متبنى (معتبر ابناً) … اقرأ معي ما ورد في إنجيل متى في حادثة ميلاد المسيح: “أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (متى 1: 18) وهنا نجد الفرق الواضح… يقولها الكتاب ببساطة وجدت حبلى من الروح القدس… فالمسيح ابن الله وليس مُتبنى… هذه حقيقة تفصل المسيح عن كل من وُصِفوا بأنهم أبناء الله… لذلك نحن نتفق على أنه ابن الله، مع التنويه على أنه ابن فريد مختلف عن أي شخص آخر.
البعض يقول أن الكتاب المقدس ركز على أن المسيح هو ابن الله… ولكنه لم يقل أنه الله. وهنا علينا أن نسأل:
-هل يوجد نصوص فيها يساوي المسيح نفسه بالله؟
في الحقيقة كتّاب الأناجيل أوضحوا كثيراً أن المسيح هو الله وأبسط مثل هو ما ذكره كاتب إنجيل يوحنا عندما قال ” فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.” ( يوحنا 1: 1-5) وهنا نجد يوحنا يصف المسيح بالكلمة. فالأمر ليس قاصراً على تعريف أو تشبيه واحد عندما شَبَّهَ الكتاب المقدس المسيح بإبن الله، فها نحن نراه هنا ككلمة الله … ويسترسل كاتب الانجيل فيقول ببساطة (وكان الكلمة الله). وفي الواقع يحتاج الأمر منا بحثاً كاملاً لكي نعرض كل الكلمات التي قالها المسيح عن نفسه لكي يوضح أنه الله.
وهنا نأتي لسؤال مهم وهو: هل الآيات التي فيها يوصف المسيح كإبن تتناقض مع الآيات التي فيها يوصف المسيح كشخص مساوٍ لله ؟
إذا رأينا أن بنوة المسيح تختلف تماما عن بنوة الآخرين، وإذا عرفنا أن بنوة المسيح هي الطريق الذي من خلاله وصل الله لعالمنا في هيئة بشرية فهذا معناه أنه لا تناقض في الفكرة مطلقاً … فالمسيح الإله المتجسد هو إنسان مولود من امرأة عاش كإنسان عادي لكن بلا خطية… وواجه إبليس وانتصر عليه … وجاز حكم الموت نيابة عن البشر … وقام من بين الأموات بعد أن سدد كل الدين… فاليهود حاولوا قتل المسيح لأنه أعلن عن نفسه أنه الله…” أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ:«لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا” (يوحنا 10: 33).