في هذه الأيام نجد استبدال التعليم بالإنجيل في كنائسنا بالتعليم بكلام الحكمة الانسانية ومنها كمثال كلام التنمية البشرية الذي يلغي الصليب نهائيًا، ويعتمد في جوهره على تغذية "الذات" وهذا التعليم ضرب في صميم جوهر الإيمان المسيحي، المبني على "موت الذات".. فبدل ان يموت الإنسان العتيق ليحيا المسيح في الشخص، نقول للعتيق: انت حلو.. انت رائع!!! وبلغة سفر الرؤيا: انت غنيّ وقد استغنيت ولا حاجة لك الى شيء.. قوتك تكمن في ذاتك!!
نحن وللأسف نشهد اجتياحًا غير مسبوق لما يسمّى بدورات التنمية البشرية وتقنياتها كتحفيز الذات، شفاء الذكريات الأليمة، فنون التواصل وتسوية النزاعات، تنمية الشخصية والمصالحة والكاريزما الشخصية وما الى ذلك.
مصطلحات غريبة وصعبة نسمعها كل يوم وتوحي لك كمؤمن ان هناك شيء لم تتوصل إليه بعد وعليك ان تختبره لتكون افضل، وهذا وهم!!
الطاقة، السر، التعافي، التأمل الشرقي، البرمجة اللغوية العصبية، الشفاء من الصدمات... الخ
كلها عناوين براقة نجدها عندما نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والانستقرام وغيرها.
لماذا يتجه الناس وحتى في الكنائس اليوم إلى ما يُطلق عليه حتى من دُعاة علم النفس "بعلوم النفس المزيفة" والتي تحمل مثل هذه الأسماء الرنانة..
بعض الأشخاص الذين يعانون من مشاكل وللأسف منهم مؤمنين غير ثابتين في كلمة الرب يلجأون لتلك العلوم، منهم من يبحث عن نفسه، ويبحث عن معنى الحياة فيتجه لتلك المسميات على أمل إيجاد ما يشبع كيانه الروحي.
هذه التقنيات وما يصحبها من ممارسة هي خالية من اي اسس علمية، حتى باعتراف دُعاة علم النفس وهي تخلو من الصدق والأمانة، أما لماذا تلقى رواجاً بين العامة فلأنها:
.تقدم العلاجات والحلول السريعة: فعندما تقول للناس أستطيع أن اخلصكم من آلامكم خلال دقائق فإنك ستجذب انتباههم بالتأكيد.
.يميزها اللغة السهلة والبسيطة التي تصاحبها، فكلما كان ما تقدمه سهلا وسطحيا كان رواجه أكثر.
.غرابتها، فالناس تنجذب للأخبار الغريبة عن الطاقة، والشاكرا، والشفاء في دقائق، وحركات الجسم.
.الكاريزما والقدرة على التمثيل على اليوتيوب وإظهار التأثر والمشاعر وو..
كمؤمنين نحن نواجه إشكاليات عديدة متى قبلنا بمثل هذه الأمور من دون فحص أو تمييز، وقد يغيب عن بالنا الآتي:
أولا، ان الكنيسة ينبغي ان تعلّم بإنجيل الخلاص وليس بفلسفات ارضية..
ثانيُا، العلوم الارضية (ومنها الكلام عن تطوير الذات) فيها بعض المعلومات المفيدة لكنها لا تغير الانسان ولا تخلصه..
ثالثًا، الانسان الجديد ليس هو العتيق الذي تم تحسينه.. بل هو المسيح الحيّ في داخلي عوض العتيق الذي مات.
رابعًا، حتى الاطباء النفسيين يُقرون بعدم كفاية هذه الأمور وقصورها، واقتبس عن أحدهم: "إن الهدف الحقيقي للوجود الإنساني لا يمكن أن يوجد فيما يسمى بتحقيق الذات. فالوجود الإنساني هو بالضرورة تسامٍ بالذات وتجاوز لها أكثر من أن يكون تحقيقاً للذات".
(1فيكتور فرانكل – من كتاب: الإنسان يبحث عن المعنى).
وهنا يُطرح سؤال هام: ما الفرق بين الرسالة التي يقدمها الإنجيل والأمور التي تُطرح في ما يُسمى بعلم النفس والتنمية البشرية؟
- الإنجيل رسالة مركزها شخص المسيح وعمل الله الآب والروح القدس لفداء وخلاص البشر، وهذا العمل أكمله المسيح بموته وقيامته وصعوده، فالإنجيل رسالة تدور حول الله ومجده وإنه خلقنا وخلّصنا لذاته وكل الأشياء هي به ومنه وله ولمجده صنعنا وجبلنا.
- الإنجيل قوة الله للخلاص وليس قوتنا الشخصية في تغيير أنفسنا.
- الإنجيل يهدف لتغيير الداخل أي القلب والذهن والفكر والروح وإسترداد كيان الإنسان فيرجع للهدف والحياة التي خُلِق ودُعي لأجلها، فالإنجيل يعترف بأساس المشكلة وهي مشكلة القلب أي الخطية الدفينة ويعطي حلاً إلهيًا بعمل روح الله وكلمته.
- الإنجيل يقودنا للتقديس التدريجي الداخلي بناءً على سكنى الروح فينا وكلمة الحق التي ندرسها ونقرأها يوميًا وليس بناءً على برامج وخطط وكورسات معينة. في التنمية البشرية هناك تمحورٌ حول الذات (إعادة تنظيم للشهوات والأهواء إن جاز التعبير)، لا بذل للذات، ولا محبة خادمة، سعي وراء الذات بحسب روح العالم، بأنانية وانتهازية، والهدف من كل هذا بلوغ نوعٍ من الكمال بالجهد الشخصي وصولاً إلى نوع من عبادة الذات!
لذلك نقول، ان معرفة الله لا تكتمل إلا بمعرفة المسيح المصلوب وحمل الصليب واتباعه وإلاّ بقيت معرفتنا معرفةً غير حقيقية ومزيفة، ولا يمكننا معرفة المسيح القائم والممجّد، إلا إذا عرفنا المسيح المتألّم والمصلوب.
أمور عديدة لا يتسنى تناولها في هذا المقال نراها ونسمعها حولنا وفي الميديا كل يوم كالبرمجة اللغوية العصبية، وعلم النفس الإيجابي، قانون الجذب، الإيحاء الذاتي… وهذه نجد في أغلبها مزيجًا من العلوم النفسية والتأمّل الشرقي الآسيوي. لذا فعلى الكنيسة أن تكون يقظة في هذا الشأن حتى لا يطغى ما هو نفسي على ما هو روحي، ما هو من روح العالم على ما هو من روح الله. فالتمييز أمر مطلوب بإلحاح وخصوصا لدى القادة.
يمكن دمج الديانات الاخرى بالتنمية البشرية ولن تجدها تتأثر نتيجة لذلك. بالعكس، ربما يكون هناك توافق بينهما لانها لا تعتقد بفساد الانسان الكلي. في حين لا تقبل المسيحية المساس بعقيدة الخطية الأصلية. التنمية البشرية كأيديولوجية مضادة لعقيدة الخطية الأصلية. فالأولى تفترض صلاح الإنسان وقدرته على مساعدة نفسه بنفسه. بينما الاخرى، أي الخطية الأصلية، تستلزم النعمة.
إنّ تمييز الأرواح واجب علينا لأنّ الأمر يتعلّق بخلاص النفوس وسنحاسب على ذلك. ينبغي ان نحذر من تسلل علم النفس والتنمية البشرية الى افكارنا وحياتنا كبديل مزيف لمعرفة الحق باستقامة والعيش فيه. فالإنجيل كما قال أحدهم لا يعطيك ماء بئر يعقوب (ما تظن أنك تريده)، بل ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية (الماء الذي ينبغي أن تريده حقاً). الإنجيل يغيرك فتشتهي أموراً أفضل.
1- فيكتور إميل فرانكل طبيب أعصاب وطبيب نفسي نمساوي، وأحد الناجين من المحرقة. هو أحد مؤسسي العلاج بالمعنى، الذي هو شكل من أشكال العلاج النفسي الوجودي.