الشخص الناضج قادر على فهم أن حياته هي ما يختار ان يصنعه، وأن مصير كل شخص هو في اختياره. أولئك الذين يعيشون في مرحلة النضج يعيشون حياتهم في اتخاذ قرارات واعية مع علمهم أنه أيًا كانت النتيجة، فهم المسؤولون.
أعتقد ان الناضجين في المسيح هم أناس توقفوا عن القلق بشأن احتياجاتهم، ودخلوا في الرؤية العالمية لأبيهم، حتى يتمكنوا من تغيير عالم مؤلم. يخرج الناضج كوكيل من أجل تحقيق أهداف صلاة الرب، (لتأتي مملكتك ولتتم إرادتك على الأرض كما هي في السماء).
ومن مظاهر النضج التي لخصتها سابقا اثناء دراستي لهذا الموضوع واطلاعي على ملاحظات آخرين:
1- الإتضاع /في عالم النبات نرى الشجرة المثمرة ثمرا ناضجا تنحني أغصانها الحاملة للثمار. كان الإتضاع سمة حياة المسيح الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله ...في 2: 6- 8 ،مت 11 : 29، يو13 :12 - 17، فالناضج يعيش وسط اخوته متضعا خادما كما عاش سيده، يكون آخر الكل وخادما للكل. في 1بط 5: 5- 6 يقول: وتسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة، فبولس يقول عن نفسه أنه أول الخطاة 1تي 1: 15، بالنسبة للمؤمنين أصغر جميع القديسين أف 3: 8، بالنسبة لمن ظهر لهم الرب بعد القيامة يضع نفسه في مكان السقط 1كو 15: 8، وبالنسبة لموقعه بين الرسل أصغر جميع الرسل 1كو 5 1: 9- 10، المؤمن الناضج لا يفتخر بماله أو بمواهبه أو بعلمه أو بشهاداته أو بأصله ومركزه الاجتماعي وأمجاد عائلته.
2- جمال القداسة/ أ- جمال الحديث وحلاوته هي صورة من صور النضوج ،وصف بها الرب في يو 7: 46 "لم يتكلم قط انسان هكذا مثل هذا الإنسان"، "شفتاه سوسن تقطران مرًا (سائل عطر الرائحة) مائعًا نش 5: 13 ،أيضا مز 45: 2. ب- حلاوة السلوك "تاركا لنا مثالا لكي تتبعوا خطواته 1بط 2: 21- 23 لم يفعل خطية ولم يوجد في فمه مكر(غش) ،ردود أفعاله :اذ شتم لم يكن يشتم عوضا، لم يكن يهدد، كان يسلم لمن يقضي بعدل.
3- الحواس التي تدربت جيدا/ أ- من جهة الخطية: نقصد هنا الحواس الروحية وليس الطبيعية، مثال: يوسف الشهوة، موسى بالإيمان لما كبر عب 11: 24- 26، داود 1صم 24: 4- 6، أليشع من جهة خطية محبة المال أو شهوة العيون 2 مل 5: 15- 16.
ب- من جهة الآخرين: ظروفهم المختلفة، "فرحا مع الفرحين وبكاءا مع الباكين" رو 12 :15، بكى يسوع يو 11 : 35، مشتركين في احتياجات القديسين رو 12: 13، إر 9:1 "يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأبكي نهارا وليلا قتلى بنت شعبي، بولس في رو 9 : 2- 3 "ان لي حزناً عظيما ووجعا في قلبي لا ينقطع" أيضا، عزرا 9: 3، نحميا 1: 3- 5، وأعظم الكل الرب يسوع عندما بكى على أورشليم لو 19: 41- 42.
4- طلب الإنفصال/عند النضوج تقع الثمرة لتؤكل، هذه صورة من عالم النبات ،هكذا ايضا مظاهر نضوج المؤمن أ- احساس عميق بالغربة، الناضج لا يضع قلبه على العالم ولا الأشياء التي فيه. قال يعقوب لفرعون: أيام سني غربتي تك 47: 8، 9، قال كاتب مز 119 :19 "غريب انا في الأرض لا تخف عني وصاياك، بالإيمان تغرب ابراهيم عب 11: 9- 10 ،13- 16 ،يقول الروح في 1بط 1: 17 سيروا زمان غربتكم بخوف (تقوى)، "أيها الأحباء أطلب اليكم كغرباء ونزلاء ان تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس " 1بط 2: 11، طلب الإنطلاق فعندما تنضج الثمرة تنفصل عن الشجرة ،هكذا المؤمن "لي اشتهاء ان انطلق وأكون مع المسيح" في 1: 23، "لي الحياة هي المسيح والموت ربح " في 1: 21.
5- ضبط النفس/ التعفف ،فالطفولة هي الصراخ والإندفاع والعناد والتهور، الفرح للمدح والحزن للذم، أما المؤمن المسيحي فينبغي أن يكون جنديا منضبطا ،يعرف ثوابت الحياة الروحية ويعيش بموجبها، وضبط النفس يجب ان يظهر، امام الشهوات 2تي 2:22 "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها"، 1تي 5: 22 احفظ نفسك طاهرا، أيضا ذكر هذا في مواصفات الأسقف 1تي 1: 7- 8، 2بط 1: 4 "هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة"، 1بط 1: 11 ،1بط 1: 14 ،أمام الإنفعالات أف 4: 26، 27 ،مت 5: 22 ،39.
6- تحمل المسؤولية/ الأطفال يتهربون من تحمّل المسؤوليات ومواجهة الصعاب، لكن المؤمن الناضج عكس ذلك يتحمل المسؤولية ويكون مستعد دائما للمسائلة والمحاسبة، والذي يعتبر نفسه فوق المحاسبة والمسائلة ،هو شخص غير مسؤول وغير ناضج، ويظهر تحمل المسؤولية في مجالات عديدة:
أ- الخدمة: الناضج لا يتهرب من الخدمة ،الله أو الناس. لا يسعى للخدمة العظيمة في نظر الناس، بل البسيطة، ولا يهتم بتقدير الناس ولا يسعى إلى ذلك، ولا يحزن للذم ولا يبتهج للمدح. إذ يخدم لا ينتظر مكافأة أو أجرة، ولا يهاب التبعات ولا يرتبك بالأعباء، وهو لا يهتم بعدد الناس أو مستواهم المادي أو الإجتماعي، ومثاله الرائع الرب يسوع.
ب- العطاء: فهو يعطي بلا تحفظ أو حدود للرب وللآخرين، إنه يعطي من وقته ومن عواطفه، ويعطي من جهده ومن أمواله. يخبرنا الكتاب في لو 16 عن خمسة ألقاب للمال: القليل عدد 10، مال الظلم عدد11، مال الغير، سيد عدد 13، إله عدد 13. وهذه المعاني يدركها المؤمن الناضج فيعيش غير محب للمال ويطيع كلمة الرب "وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة، لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء ،فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما (1تي 6: 6- 11). فهو يدرك أنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله لو 12: 15، ويعرف أن المال بركة يمكن استخدامه لمجد الله ،وهو يعيش كوكيل 1كو 4: 12.
ج- في المشقات: يع 5 "خذوا يا اخوتي مثالا لإحتمال المشقات والأناة، الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب، انظر 1تي 2: 9 ،24 ،2تي 4: 5 ،في 4: 12 ،2كو 6: 4- 10. قيل عن الرب "رجل أوجاع ومختبر الحزن" اش 53: 3 ،في 1: 29، 30 ،2كو 12: 7- 10 ،عب 10: 32 -33 ،1بط 1: 6، 7.
د- في البيت /تحمل المسؤولية في البيت أحد مظاهر النضوج، والعدو يعتمد على تضخيم السلبيات وتقليص الإيجابيات.