في مـشـهـد الصليب كـان بعض الحـاضـريـن يـجـدّفـون على يسوع قائلين: ".. خلَّص نفسك وانزل عـن الصليب". وأردف غـيـرهم: "خلَّص آخـريـن وأمّـا نفـسـه فمـا يقـدر أن يخلِّصها". (مر ١٥ : ۲۹ - ۳۲) ولا يزال هذا التساؤل يتردد على ألسنة الـكـثـيـريـن، وهنا نقدِّم ثلاث حقائق كتابية لفهم أفضل لهذا الموضوع:
موت اختياري: لقد درج ربِّنا يسوع على إخبار تلاميذه أنّه سيُسلَّم إلى رؤساء الكهنة وسيُحكَم عـليـه بـالموت، ثم يُسلَّم إلى الأمم، فـيـهـزؤون به ويجلدونه ويصـلبـونـه وفي اليوم الثالث يقوم (مت ١٦ : ۲۱ ، ۱۷ : ۲۲ ، ۲۰ : ۱۸ ، ۱۹ ). وقال يسوع أيضاً: "لأني أضع نفسي لأخذها أيضا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا". (يو ۱۰ : ۱۷ ، ۱۸ ). معنى ذلك أن موت يسوع لم يكن ممكناً لو لم يضع نفسه بإرادته، لأنّ الموت لم يكن له سلطان عليه، فقوة الموت مرتبطة بالخطـيـة، ويسـوع لم يكن فيه خطيـة ولـم يـفـعـل خطيـة ولم يعـرف خطيّة.
تكميل الكتب: عندما حاول بطرس الرسول أن يدافع عن يسـوع لّما رأى جمعاً كثيراً آتياً للقبض عليه، قال له معلِّمه: "أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فـيـقـدم لي أكثر من إثنى عـشـر جيـشـا من الملائكة؟ فكيف تكمل الكتب: إنه هكذا ينبغي أن يكون؟" (مت ٢٦ : ٥٣ ٥٤ ). إن تكميل الكتب يعني تحـقـيـق نبـوات العهد القـديـم عـن حيـاة وآلام المسيح كخيانة أحد تلاميذه له (مز ٩ : ٤١ ) وثقب يداه ورجلاه على الصليب (مز ١٦ : ٢٢ ) وكذلك دفنه في قـبـر رجل غني (اش ٩ : ٥٣ ) وقـامـتـه (مز ١٠ : ١٦ ) وغيرها ، فالمسيح قد أكمل البرنامج الإلهي بحذافيره إذ أكُمِلت الكتب التي تنبأت عن تسليمه وآلامه وصلبه ودفنه وقيامته.
موت بدلي: قد يسأل سائل لماذا الموت؟ الجواب: "لأن أجرة الخطيـة هي مـوت". (رو ٦ : ٢٣ ). والكتـاب يصف الناس في طبـيـعـتـهم بالموتى كـقـوله: "وأنتم إذ كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا". (أف ٢ : ١ ) والنتيجة أن حكم الله هو موت جميع الناس.
ويعني ذلك كونهم بلا حياة بالنسبة إلى الله، تقيّدهم الذنوب والخطايا فلا يقدرون على تغيير هذا الوضع بأنفسهم؛ لذلك جاء المسيح "لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد.. الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر". (عب ۲ : ۹ ، ۱ بط ٢ : ٢٤ ).
ان موت المسيح كان مـوتاً بدلياً بمعنى أنه أخذ مكان كل واحد منا. كقول إشعياء النبي عنه في نبوّته: "وهو ومجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليـه وبحبره شفينا. كلّنا كفنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا". (اش ٥٣: ٥ ، ٦ ).