"خذي الرحى واطحني دقيقًا" (أش 47: 2)
على مرّ العصور كان الناس يحتاجون للخبز يوميًا، فكانت الحبوب أحيانًا تُطحن بالدقّ في وعاء حجري يسمّى الهاون، لكن عادةً استُعملت الرحى لطحن الحبوب بين حجرين لإنتاج الطحين الذي يُصنع منه الخبز.
* ماهيته وأهميته: الرحى هي مطحنة يدوية مكوّنة من حجرين بأشكال وأحجام مختلفة. الحجر الأسفل يسمّى الرحى (شيخيب بالعبرية) ويُضرب به المثل في الصلابة "قاسٍ كالرحى" (أيوب 41: 24). أمّا الحجر الأعلى فيسمّى المرداة او الراكب (ريخيب بالعبرية) وقد أُلقيت مرة قطعة منه على أبيمالك ابن جدعون القاضي فشجّت جمجمته (قض 9: 53). كان الطحن البيتيّ على الرحى يوميًّا، لذلك كان صوت الأرحية يشير إلى نبض الحياة في العصور القديمة (أرميا 25: 10؛ رؤيا 18: 22).
أنواع الرحى الرئيسية:
1. رحى اليد: هي أقدم أنواع الرحى وكانت تتكون من حجر سفلي مستطيل ومُقعّر وكان احدى طرفيها أكثر سُمكًا من الطرف الآخر لتكون على شكل مستوى مائل قليلاً، لذلك كانت تسمى أيضًا رحى السرج لأنّ الحجر الأسفل كان يشبه سرج الحصان. كان الحجر الأعلى عادةً أسطواني الشكل وكانت المرأة تضع الحبوب على الحجر الأسفل وتمسك العلوي باليد وهي راكعة على الأرض وتحرِّكه جيئة وذهابا فوق الحجر الأسفل فتطحن الحبوب. مع مرور الوقت تطوّر نوع آخر يُدعى رحى الدَفع يحرّك قسمها الاعلى على يد قضيب، وكان الحجر العلوي مصنوعًا من إطار مستطيل الشكل، لذلك تسمّى أيضًا رحى الإطار.
2. الرحى الدائريّة: تطورت الرحى بشكل آخر أيضًا فأصبحت تتكون من حجرين مستديرين صلبين (عادة من البازلت). كان قطر الرحى يتراوح بين 40-60 سم، وفي منتصف الحجر السفلي محور ناتئ يدخل في ثقب في مركز المرداة وفيه تسكب الحبوب. تُدار المرداة بيد خشبية عامودية مثبتة في فتحة قرب محيطه وتطحن الحبوب المسكوبة فيخرج الدقيق من بين الحجرين عند محيط دائرتها. كان معدل طحن المرأة في اليوم نحو 9 كجم من الحبوب، ولصعوبة العمل، كثيرًا ما تعاونت امرأتان لإنجازه "اثنتان تطحنان على الرحى" (متى 24: 41). في بيوت الأغنياء، كان الطحن من أعمال الخدّام "الجارية التي خلف الرحى" (خروج 11: 5).
3. رحى الحمار: كان لدى أصحاب الأملاك حجر الرحى الضخم الذي يُدار للطحن بواسطة حمار يُربط باليد الخشبية الأفقية التي تخترق قسمة الأعلى فكان الحمار يدور وبالتالي يدير الحجر الأعلى حول العمود الرأسي. في الأصل اليوناني نقرأ "حجر رحى حمار" في المقطع المعروف: "ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له ان يعلّق في عنقه حجر الرحى" (متى 18: 6). كانت رحى الحمار هذه على الأرجح هي التي كان شمشون يطحن عليها في بيت السجن (قض 16: 21) .
تعابير مرتبطة بحجر الرحى:
1. هناك تعبير عبري قديم هو: "كَدَن لَريحاييم" أي ارتبط بالرحى، إشارة الى أنّ الطحن على الرحى هو عمل لا ينتهي. بهذا تظهر أهمية الرحى لإنتاج الطحين الضروري للبيت يوميًا ولذلك منع الناموس رهنها أو رهن مرداتها لأن من يسترهنها إنما هو يسترهن حياة (تث 6:24).
2. استخدم اليهود تعبير تساؤلي: "في عُنقه رحى وينشغل بالتوراة؟" ووفقًا لسياق التعبير تعتبر إعالة الزوجة عبئًا ثقيلًا يُعطّل الزوج عن التفرغ لدراسة التوراة. بالمفارقة فإنّ المنظور المسيحي يتكلّم في مقطع مٌشابه عن مسؤوليات الزوج والزوجة بالتساوي وعن وضع محدّد في ذلك الضيق الحاضر "...وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يُرضي امرأته... وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضي رجلها" (1 كو 7: 33- 34).
* كما رأينا، تشير الرحى مجازيًا إلى الصلابة كما إلى جو العمل الدؤوب النابض بالحياة ومن ناحية أخرى فإنً انقطاع صوت الرحى كان إشارة إلى الخراب. لقد استُخدمت أيضًا كتعبير عن ظلم شيوخ الشعب "مالكم تسحقون شعبي وتطحنون وجوه البائسين؟" (أشعياء 3: 15). ليتنا نتعلّم أن نعمل باجتهاد في تقديم الطعام الروحي للجميع ولا نستخدم ما أكرمنا به الله لمصالحنا وأهدافنا الشخصية، بل يكون دائمًا لبركة وخير شعبه المحبوب.
صور توضيحية لأنواع الرحى
رحى اليد
الرحى الدائرية
رحى الحمار