وهب الله الانسان القدرة على التفكير واتخاذ القرارات في مجال الحياة، وغالبًا ما يتعلق الامر بذاكرتنا التي تؤثر على حاضرنا ومستقبلنا ايضًا.
هناك بعض الامور وتجارب الماضي في حياتنا، التي نذكرها بحذافيرها وبأدق التفاصيل، لأنها تركت إثر كبير في حياة كل واحد منا، ان كانت الذاكرة لأمور ايجابية في حياتنا، او السلبية منها.
نقرأ في كتاب التكوين عن يوسف، الذي تألم كثيرًا من عائلته واخوته، لدرجة انهم ارادوا قتله، لكنهم عدلوا عن هذا التفكير "واكتفوا" ببيعه للإسماعيليين!
تألم يوسف من اخوته، كذلك من ملاحقة امرأة فوطيفار له، كذلك نسيانه من الساقي والخباز وهو في السجن.
لكن يوسف لم ييأس ولم يتذمر، بل اتكل على الله المُحِب والامين، الذي عوضه ببركات مادية وروحية، وعندما أكرمه الله بالأولاد دعى اسم الاول منسى، والثاني افرايم.
اولا منسى، بمعنى النسيان، لان يوسف ومع انه لم ينسى اذى وغدر اخوته له، لكنه غفر لهم من كل القلب واكنه "نسى" ذلك الاذى من اخوته واظهر لهم اللطف والمودة عندما كان متسلطا في مصر.
بعد منسى يأتي افرايم، اي المثمر، هذا هو معنى اسم الابن الثاني ليوسف، لأنه بعد النسيان والغفران، ومعاملة الآخر بالخير بدل الشر، لا بد ان يكافئ الرب حياتنا، قبل كل شيء اننا نصنع مشيئته بان لا نرد الشر بالشر، لكن الشر بالخير، وهذا التوجه يملئ قلوبنا بسلام الله العجيب والفرح الذي لا ينطق به والمجيد...
عندما نتعرض نحن للأذى والغدر من الناس، ربما في اماكن عملنا او دراستنا، في عائلاتنا ومن اعز الاقرباء لنا، او حتى في مجال الخدمة وحقل الرب، كيف نرد على كل اذى واساءة؟ هل نكيل الكيل بالكيل ام نغفر ونسامح كما علمنا الرب يسوع وهو فوق الصليب، عندما طلب من الآب ان يغفر لصالبيه!
انه وقت ان ننسى جراح الماضي وننظر الى المصلوب يسوع، الذي أخذ في جسده خطايانا وامراضنا وآلامنا، غفر لنا وحررنا من الخطية والحقد والرغبة بالانتقام، واهبا لنا الحياة الابدية والحياة الافضل على الارض.
انه وقت ايضا ان ننسى ليس فقط جراح وخطايا الماضي، بل ايضا النجاح والخدمة المباركة لكيلا نتكبر ونشعر بالاستكفاء في خدمتنا في حقل الرب، ونشعر اننا قادرين على كل شيء بدون ارشاد الروح القدس لنا في امور الحاضر والمستقبل.
يجب علينا ان نشعر بالامتنان الكبير والشكر القلبي للرب على بركاته المادية والروحية لنا، كما كتب المرنم:
" باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي جميع حسناته "
لكن بركات ونجاحات الماضي من الممكن ان تؤدي لنا بان نستكفي بذلك، ولا نطلب وجه الرب أكثر وأكثر لنرى مجده في حياتنا.
كان بولس الرسول شهادة حية وقوية لكل من عرفه، فهو شجع اهل فيلبي عندما كتب لهم:
" انسى ما هو وراء، وامتد الى قدام "
تعلم الرسول بولس في حياته وخبرته مع الرب اهمية نسيان الامور، لكيلا يكون لها تأثير مفرط علينا.
فهو الذي كان ناموسيًا فريسيًا ومتشددًا جدًا، أصبح رسول الامم المحب والمتواضع، لأنه "نسي" الماضي المرير الذي ادى به ان يرضى بقتل رجل الله استفانوس، كذلك لم يفتخر بولس بخدمته او انجازاته، بل قال انه اول الخطأة وآخر الرسل، واعطى دائما المجد لله في خدمته في حقل الرب.
ماذا علينا ان ننسى اليوم اخوتي؟
اساءة ام غدر شخص ما؟
خطية في الماضي او سقطة وخيبة امل؟
ربما علينا ان ننسى نجاحات وانجازات الماضي، لكي نستطيع ان ننظر الى الامام مع بولس الرسول لإتمام الدعوة والخدمة التي نلناها من الرب يسوع، لكن اذا استصعبنا نسيان الماضي المرير علينا ان نأتي بكل صدق وتواضع لأقدام الصليب، معترفين بخطايانا وعجزنا وآلامنا للرب يسوع الذي اختبر في حياته الرفض والاضطهاد حتى الانكار والغدر من اعز الاشخاص، وهو وحده يسوع القادر ان يعزي القلوب المجروحة ويعطينا رجاء وامل بحياة مليئة بالفرح والسلام الالهي.
صلاتي اخوتي ان ننسى كل امور الماضي التي من الممكن ان تصبح عائقًا بعلاقتنا وشركتنا مع الله، وان نذكر كل يوم صلاح الله واحسانه لنا، وانه عن قريب سوف يأتي المسيح لكي يجازي كل واحد حسب اعماله، لأنه هو الامين والصادق الذي لن ينسى ابدًا تعب محبتنا له ولشعبه، بل سوف يكافئ كل واحد منا ببركات ابدية مجيدة.