لا يختلف إثنان في ان جون ويسلي وجوناثان إدورادز يُعتبران من أبرز وأهمِّ الوعَّاظ المسيحيِّين في القرن الثامن عشر. وانَّ عظات وكتابات كلٍّ منهما تركت أثرًا ليس بقليل على المؤمنين والكنائس المعاصرة لهم، لا بل توارثت الأجيال التي جاءت بعدهم أيضًا الإرث الذي تركاه.
وبدون الدخول في سيرة حياة كل منهما والتي (تجدها بسهولة على الانترنت) نقول انه وفي حين كان كلا هذين الخادمين مكرَّسين للوعظ والتعليم بالإنجيل، إلا ان فكرهما اللاهوتيُّ اختلف في عدة مواضيع ونتناول في هذا المقال الخلاف حول موضوع او عقيدة حرية الإرادة.
تبنَّى ويسلي، فكرة أنَّ الإرادة تُمنَح نعمة مسبَقة، تمكنها من أن تختار إراديًّا أن تتبع المسيح. في المقابل، قال جوناثان إدواردز إنَّ رغبات القلب نفسها تُمنَح للقلب إمَّا من الله وإمَّا من طبيعة الإنسان الخاطئة. ومن ثم يسمح الله للشخص في الوقت نفسه بأن يختار وفقًا لرغباته.
ويسلي اعتبر أنَّ كلَّ إنسان قادر أن يختار طواعيةً أن يتبع المسيح أو لا يتبعه، لكنَّه علّم أيضًا أنَّه بإمكان الإنسان المؤمن أن يفقد خلاصه (وهذا خطأ حسب ايماني المبني على الكتاب المقدس). فضلاً عن ذلك، آمن ويسلي بإمكانيَّة بلوغ المؤمن مستوى من الكمال، يتضمن تحرُّره من كلِّ خطيَّة يرتكبها عن وعيٍ.
كان الكمال، بحسب ويسلي، يعني أنَّ المؤمن يستطيع أن يبلغ حالة يصير فيها حرًّا من الخطايا المعروفة لديه. بتعبير آخر، يمكن أن تصل قداسة المؤمن إلى مستوى من النجاح بحيث لا يعود يرتكب تعدِّيات عن وعيٍ. وعرَّف ويسلي الخطيَّة بأنَّها “تعدٍّ إراديٌّ على وصيَّة معروفة، لدينا القدرة على إطاعتها”. وإذا كانت الخطيَّة تُعرَّف بأنَّها فعل إراديٌّ وواعٍ، يستطيع المرء إذًا بلوغ حالة من الخلوِّ من الخطيَّة، حتَّى وإن كان يرتكب في حياته أفعالاً خاطئة غير واعية أو لا إراديَّة.
في حين قال ادواردز أنَّ رغبات الإنسان، أو ميوله، معيَّنة بالفعل، ولهذا يتصرَّف البشر دائمًا على نحو إراديٍّ وفقًا لرغباتهم.
ويسلي وبحسب مفهومه أيَّد فكرة النعمة المسبقة، التي يعطيها الله لجميع الناس، كي تبطل تأثيرات الخطيَّة الأصليَّة. ومن ثَمَّ، آمن بأنَّ إرادة غير المؤمن قادرة إمَّا على التعاون مع أعمال النعمة اللاحقة، وإمَّا على مقاومتها وإحباط مقاصدها وجهودها الخلاصيَّة. كما آمن بأنَّ ميلاد الإنسان ثانيةً من عدمه معتمدٌ على إرادة الإنسان. فربَّما يقترب الله للخاطئ، لكن لا يمكن لنعمته أن تكون فعَّالة أو غير قابلة للمقاومة، لأنَّ هذا ينتهك حريَّة اختيار الإنسان بين نقيضين. وبالتالي، ففي حين أنَّ نعمة الله مُسبَقة، تعتمد نعمته اللاحقة على قرار الإنسان بأن يؤمن، حتَّى يولد ثانية.
إدواردز دحض كتابياً رأي ويسلي عن حريَّة الإرادة، مفترضًا أنَّ الإرادة مقيَّدة بعوامل داخليَّة وخارجيَّة، سواء كانت الخطيَّة والعالم، أو الله نفسه. ومن ثَمَّ، ليست ميول الإنسان مستقلَّة، لكنَّها ملزَمة باختيار شيء دون الآخر. ودون ذلك، لن يتسنَّى لنا تفسير الدافع وراء عمليَّة اتِّخاذ القرار. ومع ذلك، فبقدر كون المرء مقيَّدًا باختيار الخيار أ، وليس الخيار ب، يظلُّ اختياره حرًّا لأنَّه يختار دائمًا بحسب أقوى ميل لديه.
وكما ذكرنا في المقال السابق: حرية إرادتنا واختياراتنا: الاخْتِيارُ التِّلْقائِيُّ مُسْتَحِيلٌ مَنْطِقِيًّا فقد ميَّز إدواردز وقبله لوثر واغسطينوس بين القدرة الطبيعيَّة والقدرة الأخلاقيَّة. فالانسان الخاطىء مستعبَد روحيًّا، ويفتقر إلى القدرة الروحيَّة على اختيار الله، دون الخطيَّة والعالم.
منذ سنوات كُنت قد شاركت منشورا على الفيس بوك يقول:
“القلب أقوى من الرأس في كلّ منا فيما له مساس بجوهر الحياة..كلما انتفخت رؤوسنا وأدمغتنا، لجأت قلوبنا إلى أساليب معوجة لإشباع رغباتنا. فالذي نحبه بعواطفنا هو الذي يُقرر في آخر الأمر مصيرنا في الحياة. ما أكثر العقول التي تدعَّي باطلاً انها في غنى عن الله، لأنها استنارت عقلياً بعلوم المادة والفلسفة والمنطق أو حتى بما في الكتب المقدسة، بالإنفصال عن احساس القلب وشعور الوجدان. فإن زعمنا أننا في غنى عن إله نحبه بملء القلب، وملء الشعور، وملء العقل فإننا نضل. وإن كُنّا لا نحب الحق والجمال والخير- كما رأيناهم في المسيح الذي نُحبه- فلا مناص من ان نحب نوعاً من أنواع الحق والجمال والخير من صنع عقولنا”.
لهذا السبب، فإنَّ غير المؤمن في حاجة ماسَّة إلى التجديد أو الميلاد الثاني، الذي بموجبه ينفخ الروح القدس حياة جديدة في الأموات روحيًّا، مجدِّدًا بهذا ميول الإنسان، ومعيدًا تشكيلها. ففي ما سبق، كان غير المؤمن يبغض المسيح، لكنَّه صار الآن يشتهي المسيح أكثر من اي شيء اخر. فقد صارت ميوله ورغباته محكومة بنعمة الروح القدس الفعَّالة. وبسبب تجديد الروح القدس، لم تَعُد ميوله ضدَّ المسيح، بل أصبح يشتاق ويؤمن بالمسيح.