وأخيرًا، كُتب للاهوت الفلسطيني الانتصار على كل التيارات المسيحية الأخرى، وترسخت أفكاره ومعتقداته في المجتمع الفلسطيني المسيحي. تغلب الشعب بدياناته المختلفة، مسلمين ومسيحيين ولا دينيين، على كل العوائق التي كانت تواجهه، واعتنقت الطوائف المسيحية في غالبية الكنائس من حول العالم هذا اللاهوت الدخيل. حتى أن بعض الكنائس بدأت تقدم الحمص في قداس الأحد، كرمز للوحدة والتآخي بين الجميع!
لقد تلاشت المسيحية الصهيونية، الغريم الأكبر للاهوت الفلسطيني، وتحررت فلسطين، وأصبحت موطنًا لكل سكانها. عاد اللاجئون من الشتات، من الأردن وسوريا والعراق ولبنان ومصر، وبنوا بيوتهم وقراهم المهدومة، ومنهم من عاد إلى بيته الذي كان يقطنه غريب. ومنهم من وجدوا أن الغرباء قد قاموا بتحسينات على منازلهم، مثل إضافة شرفة جديدة أو طلاء الجدران بألوان زاهية، مما جعل العودة أكثر متعة. ومع ذلك، كان هناك العديد من الورثة الذين اختلفوا على تقسيم البيت، مما أدى إلى نزاعات ومشاحنات بينهم.
انتصر اللاهوت الفلسطيني! أقيمت دولة فلسطين، وانقسم المسلمون بين شعب مؤيد لحماس والشريعة الإسلامية وبين الحكومة التي زرعها الغرب مدعومًا بكنائسه. بدأ المتطرفون بمطالبة رفع صوت الأذان في كل البلاد احتفالًا، فهي أرض إسلامية، وطالبوا ببناء المساجد قرب الكنائس تعبيرًا عن التآخي بين صفوف الشعب الواحد. وأكدوا على بناء جامع شهاب الدين بالقرب من كنيسة البشارة في مدينة الناصرة، وهو الجامع الذي منعت إسرائيل بنائه عام 2002 لتمنع الوحدة الشعبوية. حتى أن بعضهم اقترحوا أن تكون هناك مسابقة سنوية لأجمل صوت أذان، والفائز يحصل على جائزة “ميكروفون الذهب”!
وحكم المسلمون الدولة، كونهم الأغلبية، ومُنع المسيحيون من التبشير. ومن تجرأ وتحدث عن المسيح المصلوب والمقام من الأموات، تم تذكيره بالأخ الشهيد رامي عياد، الشاب الخلوق من غزة. مؤكدين ان فلسطين دولة إسلامية والتي كانت حكومتها قد الغت عطلة عيد الكبير سابقًا كعيد قومي. لكن بعض العلمانيين الطيبين اقترحوا تهدئة المسيحيين وتحسين شعورهم وانتمائهم الوطني من خلال إقامة مهرجان “الحمص والفلافل” في يوم عيد القيامة، حيث يتنافس الجميع في إعداد أفضل طبق، والفائز يحصل على لقب “ملك الحمص”!
وكانت الشرطة الفلسطينية قد قامت بإلقاء القبض على كل من أكل خارج بيته في الشهر الفضيل، شهر الصيام، رمضان. وباتت حياة المسيحيين صعبة وتضيق على أنفاسهم. ربما ليس على مسيحيي الضفة الغربية وغزة المعتادين على هذه الحياة، لكن مسيحيي الجليل والمركز اجتاحهم الاكتئاب! لدرجة أن بعضهم بدأوا يتساءلون ما إذا كان يمكنهم الصيام عن الاكتئاب بدلاً من الطعام.
وتناقص عدد المسيحيين، من 2% إلى 0.5% خلال فترة وجيزة. هذا التناقص ليس بسبب الاحتلال القديم، وليس بسبب الشريعة الإسلامية التي بدأت بالتوسع، بل لأن حياة الغرب أجمل وفرص العمل هناك أكثر، كما قال المطران إسحق.
وكان المطران "إسحق مدبولي" قد شارك في لقاء تلفزيوني ببرنامج “الدليل والبرهان في حياة السكان” وأثنى على الحكومة الفلسطينية التي تقلق وتهتم براحة المواطنين وتؤمن لهم الأمان والسلام. وأكد أن أوضاع المسيحيين في أفضل حال، وأنهم يعيشون في رفاهية كبيرة، وأنه بنفسه يجلس مع القائد الكبير، محسن عباس، الرئيس الفلسطيني، ويتناولون الطعام معًا بكل ود، وهذا ما يؤكد محبة الرئيس للمجتمع المسيحي المسالم على حد تعبيره.
وفي إحدى المقابلات، قرر المطران إسحق أن يضيف لمسة من الفكاهة إلى حديثه، فقال: “لقد أصبحنا نعيش في رفاهية لدرجة أنني أضطر إلى اختيار بين ثلاثة أنواع من الحمص في السوبرماركت!”.
ومع اقتراب موسم الأعياد هذا العام، بدأت تظهر بعض التوترات. في إحدى البلدات المسيحية، حيث اشتعلت النيران في شجرة الكريسماس الكبيرة التي كانت تزين الساحة الرئيسية. وعلى الرغم من أن الحادثة أثارت غضب السكان، إلا ان المطران حاول تهدئة السكان والتعامل معها بروح الدعابة. فقال: “يبدو أن الشجرة قررت أن تحتفل بالعيد بطريقة جديدة هذا العام، ربما أرادت أن تكون نجمة العرض!”
ومع مرور الوقت، بدأت الشريعة الإسلامية تنتشر بين المجتمع المتدين، وأصبحت الحكومة مجرد صورة رمزية بلا سلطة حقيقية. توسعت الأيديولوجيا الحمساوية بشكل كبير، وأصبحت تهدد الحكومة وتسيطر على الحياة اليومية. وبدأ بعض المسؤولين يتساءلون ما اذا كانوا بحاجة إلى حضور اجتماعاتهم بعد الآن، أم يمكنهم الاكتفاء بمشاهدة الأخبار لمعرفة القرارات الجديدة! في النهاية، رحل الكثير من المسيحيين من الدولة بحثًا عن حياة أفضل في الغرب، تاركين وراءهم مجتمعًا تغيرت ملامحه بشكل جذري.
لقد ساعد اللاهوت الفلسطيني في دعم وتوسع الإسلام السياسي، حيث اتفق الطرفان على أن الوطن للجميع وأن الغالبية السكانية هي التي تحكم البلاد، مما جعل الجميع يشعرون وكأنهم في حفلة ديمقراطية كبيرة حيث الجميع مدعوون للمشاركة والاحتفال.