الكنيسة، جسد المسيح الواحد: دعوة للوحدة والسلام والمحبة

تُبرز هذه السطور أهمية الوحدة والمحبة بين المؤمنين في جسد المسيح، بغض النظر عن الاختلافات السياسية أو اللاهوتية. تُسلط الضوء على دور الروح القدس في جمع المؤمنين من مختلف الأعراق والأمم، وتدعو إلى الحوار البناء بروح الوداعة والتواضع، خاصة في ظل الظروف الصعبة والمعقدة التي تمر بها المنطقة.
02 سبتمبر - 14:47 بتوقيت القدس
الكنيسة، جسد المسيح الواحد: دعوة للوحدة والسلام والمحبة

صعد رب المجد يسوع المسيح الى السماء قبل حوالي الفي سنة، وجلس عن يمين العظمة في العرش الابيض العظيم، عن يمين الآب القدوس.

وعد الرب يسوع بان يرسل لنا المُعزي الآخر، الذي يكون معنا ويسكن فينا، الروح القدس الذي جمع ابناء الله من كل قبيلة ولسان وشعب وأُمَّة، الروح الذي بكَّت قلوبنا على خطية وبِر ودينونة، وجمعنا في جسد المسيح الواحد، في الكرمة الواحدة، في الحظيرة الواحدة، البعيدين والقريبين، اليهود والامم، الرجال والنساء، من الشعب الاسرائيلي والفلسطيني، من امريكا واوروبا وآسيا وافريقيا، الى اقاصي الارض...

هل قصُرت يد الرب اليوم لكي تُخلص البعيد او حتى القريب ؟
الم يقل الكتاب انه خرج صوتهم الى اقاصي الارض ؟
هل نسمع في ايامنا هذه عن افتقاد الرب لنفوس كثيرة حتى في ايران وشمال كوريا ؟ هل قصرت يد الرب ؟؟!!

نسمع ونقرأ الكثير في ايامنا هذه ردود فعل كثيرة على مواقع التواصل، التي بالفعل احزنت قلبي جدا جدا، لانها اظهرت بالفعل مدى الشرخ الكبير ليس فقط في الآراء بالامور الروحية واللاهوت، لكن فوق كل اعتبار الانشقاق الذي من الممكن ان يحدث في جسد الرب الواحد، وخاصة في بلادنا الحبيبة.

ان يكون لنا آراء مختلفة ليست جريمة او خطية، لكن الخطية والجُرم هو ان انعت أخي المؤمن انه مُهرطق وضال فقط لانه يختلف عني في الرأي او تفسير الكتاب المقدس.
هل هناك احد وسطنا يعرف كل الكتاب المقدس ؟ ومُتأكد بانه كل ما يقوله هو على حق وصواب ؟
الم يكن خلاف في الآراء بين بولس وبرنابا في امر مرقس ؟ الم يكن خلاف في الآراء في مجمع اورشليم ؟ الم يكن خلاف بين انسيموس وفليمون ؟ الم يكن خلاف عميق بين يسوع وسمعان بطرس من جهة الصليب ؟ 
الم يتحاور يسوع مع الامرأة السامرة "العدوة" ؟!

ماذا كان رد فعل هؤلاء جميعا ؟؟!!
التشهير والتجريح والانتقاد اللاذق، ام الحوار البناء بروح الوداعة والتواضع والمحبة، التي تستر كثرة من الخطايا ؟!

أخوتي الاحباء، 
تمر بلادنا الحبيبة بحرب طاحنة وضارية، التي حصدت ارواح الابرياء  من الشعب الاسرائيلي والفلسطيني، وشردت الكثيرين، وتوسعت حلقة الحرب للاسف الشديد على مستوى اقليمي في الشرق الاوسط...
فهل دور الكنيسة جسد المسيح الواحد في هذه الايام الشريرة القاسية، دراسة وتحليل الامور السياسية في المنطقة، ومطالبة الدعم لنا من كنائس الغرب ؟؟!!
هل هو هذا الوقت المناسب لذلك ؟
كنائس الغرب التي ولّدت لنا خدام مباركين كثيرين، التي قدمت وما زالت تقدم لنا الدعم الروحي وايضا المادي، لمؤسساتنا وكنائسنا وخدامنا وخدماتنا، كنائس الغرب التي زرعت في شرقنا وبلادنا المستشفيات والكنائس والمدارس، هل الان هو الوقت المناسب للعتاب على مواقفهم اللاهوتية او حتى السياسية ايضا ؟؟؟!!!

لا والف لا...
انه ليس الوقت المناسب، ولا حتى الاسلوب المقبول لمن احبنا واظهر محبته لنا بالعطاء والتضحيات الكبيرة، وما زالوا...
انا شخصيا بعلاقة طيبة جدا مع كنائس عديدة وخاصة في جنوب ايطاليا، اتابع عن قرب بل واتعلم كثيرا من محبتهم وعطائهم للشعوب الفقيرة في افريقيا، من عطاء مادي، وارسال خدام ومبشرين الى افريقيا، والقسم منهم اصدقاء لي على المستوى الشخصي...
اسمع صلاواتهم من اجل الشعب الاسرائيلي اليهودي ومن اجل الشعب العربي الفلسطيني، الصلاة والمحبة للجميع دون محاباة او تحيُز... بل وقسم من هؤلاء الخدام الاحباء في جنود ايطاليا يعرفون بشكل شخصي بعض الخدام في بلادنا.

هل لنا ان نتهم الكنائس، التي ارسلت مرسلين الى اقاصي الارض، بالتقصير في العطاء لكنائسنا وبلادنا ؟
من يجبرهم على ذلك ؟ ومن قال انهم لم يفعلوا وما زالوا ؟ لماذا لا نفكر نحن بعقلية العطاء حتى من اعوازنا متشبهين بكنائس مقدونية وفيلبي، التي اعطت من اعوازها !!

من قال ان موقفي السياسي هو الصحيح بشكل مُطلق ؟ من قال ان تعليمي اللاهوتي هو الكامل وغير قابل للنقد البناء والحوار الحضاري ؟!
هل يليق بكنيسة الرب الاله ان تتخذ موقف سياسي مع طرف ضد الطرف الآخر ؟؟!!
من هو الظالم ؟ ومن هو المظلوم ؟ بشكل مُطلق ودائما ؟
اغلب الناس تعتبر نفسها انها مظلومة وعلى الصواب دائما، فهل هذا يليق بكنيسة المسيح وخدام الرب !
هل كل اعضاء وخدام كنيستنا المحلية في بلادنا لها نفس الرؤية للامور اللاهوتية والارضية ؟
هل لي الحق انا كخدام ان اتكلم دائما باسم شعب الرب في كل زمان ومكان ؟!

والاكثر من هذا كله، هو ان نوجه الرسائل لكنائس الغرب جمعاء... كانها كلها مقصرة وفي دين كبير لنا، كانهم مجبورين ان يقدموا لنا دائما وفي كل وقت الدعم الروحي والمعنوي، وربما المادي ايضا !!!
ان كان لنا بعض العتاب، عتاب المحبة على بعض كنائس الغرب، كان من الافضل اللقاء وجها الى وجه، او على الاقل ارسال رسالة خاصة ومحددة لكنيسة معينة في الغرب ان كان في امريكا او بريطانيا مثلا، ان كنا نشعر بعتاب محبة معهم كما ارسل بولس رسالة محبة الى فليمون اذابت قلبه لقبول انسيموس الاخ...
لا ادري لماذا تُرجمت هذه الرسالة الى العربية ؟ ما القصد والفائدة من ذلك ؟ ونشرها بشكل ان "الجميع" يستطيع ان يقرأها ويطلع عليها ؟!

أخوتي واحبائي،
انه وقت نتعلم كلنا، وخاصة نحن من نعيش وسط احبائنا اليهود والمسلمين في هذه البلاد المعقدة المتألمة، ان نتخذ موقف الرب يسوع المسيح، وموقف رسله وخدامه الذين لم يساوموا على الحق الالهي بدافع محبة الله، لاننا لم نرى بولس "يقاوم ويُجاهد" ضد الاحتلال الروماني لبلده اسرائيل، ولا حتى رب المجد يسوع وقف مع رؤساء الكهنة والكتبة والشعب ضد الاحتلال الروماني، بل رفع عاليًا راية الانجيل، حتى انه دفع ثمن ذلك دمه وحياته، ليس من اجل قضية ارضية وقتية، بل لاجل خلاص النفوس لملكوته السماوي الابدي.

انه وقت نتعلم اخوتي من يسوع ومن بولس الذي جاهد الجهاد الحسن، جهاد الصلاة والمحبة وجهاد الانجيل لكي يخلص الجميع، اليهود والامم...
انه وقت نراجع انفسنا على ضوء محبة الله ونور الانجيل، ونتعلم ان الله يريد ان الجميع يخلصون، والى معرفة الحق يقبلون، حق الانجيل فقط لا غير.
انه وقت نراجع به انفسنا وايماننا ومواقفنا وقراراتنا ورسائلنا من ابطال الايمان من العهد القديم والجديد، امثال الصبية التي كانت سبب بركة وخلاص وشفاء لنعماء السرياني "العدو"...
امثال دانيال الذي كان سبب بركة حتى للملك "العدو"...
امثال يوسف الذي تألم كثيرا من بيت احبائه، حتى رفعه الله ثانيا في ارض "الاعداء" واصبح سبب بركة كبيرة لشعبه اسرائيل وللمصريين ولجميع الارض...

نتعلم من بطرس الذي قاوم عدم ايمان وقساوة قلب شعبه اليهودي وكهنته آنذاك، حتى اعلن قوة الانجيل للخلاص لكل من يُؤمن، الذي اعاد الى الله حوالي ثلاثة آلاف نفس...
بطرس هذا الذي رفض تبشير الامم، لانهم شعب "نجس"، اراه الله انه لا يوجد انسان نجس على وجه الارض، وكيف ارسله الله الى بيت "عدوه" كرنيليوس الايطالي، الذي احتل شعبه وبلاده، وكيف اختبر هو وبيته خلاص عظيم ومبارك...
ماذا عن السامرية التي التقت برب المجد يسوع، هذا اليهودي " العدو اللدود " الذي غير حياتنا واستخدمها في تبشير السامرة...

وفليبس المبشر  الذي زعزع السامرة "ارض وشعب الاعداء"، اختبر قوة الانجيل للخلاص لكل من يؤمن، هل كان موقف السامريين من كراهية وبغضة لشعبه اسرائيل، سبب عثرة لخلاص السامريين امام فليبس او اله فليبس ؟!

ربما نتعلم من موقف يونان الذي رفض في البداية للتوجه الى "ارض الاعداء" الكلدانيين، اهل نينوى الاشرار اعداء شعبه اسرائيل، ربما كان على حق يونان  برفضه التوجه وتبشير ارض الاعداء ؟؟!!

فهل نحن لا نرى ولا نختبر خلاص النفوس في بلادنا وشرقنا، وليس فقط وسط الشعب الاسرائيلي والفلسطيني، بل ايضا في لبنان وسوريا، في ايران والعراق، في مصر وليبيا بسبب موقف كنيسة معينة ؟!

لان دعوة الله هي ليست فقط للشعب الاسرائيلي والفلسطيني، كأن الله لا تهمه امور الشعب النيجيري وقتل الآلاف منهم باسم الدين والحق !!! او قتل واضطهاد الاخوة في ايران وكوريا الشمالية والصين...
هل لنا ان نوجه لهم رسائل عتاب واستنكار ؟
ام ان الدم في تل ابيب او الناصرة او  غزة او جنين اغلى واثمن منه في ليبيا وسوريا والعراق ونيجيريا ؟ وهل عند الله محاباة ؟! 
ولماذا لم نسمع كلمة استنكار او ارسال رسائل للدفاع عن  هؤلاء ايضا ؟!

لنسمع دعوة رسول الامم بولس الذي اعلن اعلان مبارك وقوي جدا :
"لا اعزم ان اعرف شيء بينكم غير يسوع المسيح واياه مصلوب"...
اخوتي الاحباء،
انه وقت صعب ومعقد جدا، وعلينا جميعا كجسد المسيح الواحد على الارض، ان نُظهر للجميع، اقول ثانية للجميع، ان نُظهر محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس، وخاصة لشعبنا الاسرائيلي والفلسطيني الحبيب المُتألم والمشقق في هذه الايام...

فهل الوقت الان هو للانشقاق والتحزب، بين الشرق والغرب؟ بين من هو مُؤيد لشعب معين ضد شعب آخر ؟ او حتى لتعليم لاهوتي معين ضد الآخر ؟
وبان ننهش احدنا الآخر في جسد المسيح الواحد ؟!

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا