تأملنا في المقال السابق بأهمية التمسك بأساسات الايمان المسيحي، المُعلنة برسالة العبرانيين اصحاح 6 التي هي التوبة والايمان بالله، تعليم المعمودية، وضع الايادي، قيامة الاموات والدينونة الابدية، هذه الاساسات التي يجب علينا ان نتمسك بها من كل القلب، وان لا نسمح لتعاليم غريبة عن الكتاب المقدس، ان تدخل حياتنا، عائلاتنا او كنائسنا!
كذلك تأملنا بأمانة الله، ودعوته التي هي بلا ندامة لكل من يُؤمن، من كل قبيلة ولسان وشعب وأمَّة، من اليهود ومن الامم.
هذا هو الاساس الراسخ الذي لا يتزعزع للاهوت المسيحي وتعاليم الانجيل، وكل تعليم واعلان آخر فهو مرفوض وبشكل مُطلق.
لكن السؤال الاساسي هو: ما هو الهدف من اعلان الله عن ذاته بالكتاب المقدس؟ وما هو دافع الكنيسة بإعلان هذا الحق الالهي؟
نقرأ من بداية الكتاب المقدس من كتاب التكوين الاصحاح الثالث، عن سقوط آدم وحواء بالخطية والعصيان، وتدبير الله لهما اقمصة من جلد والباسهما.
هذه الذبيحة هي اول اعلان لمحبة الله ليس فقط لآدم وحواء، بل لكل البشرية التي سوف تأتي بعدهما، لان الله كلي المعرفة، وهو اعد لهذا الخلاص منذ الازل، بتجسد يسوع المسيح ابنه من عذراء في ملء الزمان، موته وقيامته في اليوم الثالث.
هذه النعمة وهذا الخلاص مُقدم للجميع لكل من يُؤمن بابن الله يسوع المسيح، وعمله الكفاري على عود الصليب.
هذا هو الهدف الاساسي لإعلان الله عن ذاته ومحبته ونعمته، ويجب علينا ان لا ننسى ابدًا ان: " غاية ايماننا هي خلاص النفوس ".
أعلن الله ذاته لكثيرين من العهد القديم والجديد، امثال اخنوخ وهابيل ونوح وابراهيم ويوسف وموسى ودانيال، كذلك لبطرس ويوحنا وبولس وتيموثاوس وآخرين...
اعلان الحق الالهي ومحبة الآب لكل البشر والشعوب، منذ عهد الله مع ابراهيم واسحاق ويعقوب، عهد الله مع شعب اسرائيل وفي النهاية العهد الابدي مع كنيسة المسيح.
وعد الله الملك سليمان ببركات روحية عظيمة إذا اطاع الشعب الله، لكن حذر الشعب من لعنات إذا لم يُطيعوا وتمردوا عليه.
وهذا ما حدث بعد تمرُد وعصيان شعب اسرائيل، من ملوك وكهنة وشعب، من ايام موسى الى ايام ملوك يهوذا واسرائيل، حتى رفض اغلبية أمَّة اسرائيل من رؤساء كهنة والشعب المسيح ابن داود، الذي جاء لخلاص الجميع، نور اعلان للأُمم، ومجدًا لشعب اسرائيل. (لوقا 32:2)
النور الحقيقي هو وحده يسوع المسيح، الذي انار كل انسان جاء الى العالم (انجيل يوحنا اصحاح 1)، وما زال يُنير القلوب والافكار لتعرف الحق المُطلق وخلاص الله الابدي.
المجد الحقيقي الوحيد هو في شخص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، كما اقتبس لنا بطرس من كتاب اشعياء، لان الرسالة هي لشعب اسرائيل، ولكنيسة الرب اليوم: " كل جسد كعُشب، وكل مجد انسان كزهر عُشبٍ، العشب يبس وزهره سقط، واما كلمة الرب فتثبت الى الابد ".
(اشعياء 6:40، رسالة بطرس الاولى 24:1)
هذا ما أعلنه بطرس الرسول، اننا بدون كلمة الله ودم المسيح والولادة الجديدة فنحن لا شيء ومصيرنا الهلاك الابدي، ان لم نقبل يسوع المسيح وكلمته واعلانه عن ذاته، وان لم نثبت بهذا الحق الالهي المُطلق حتى النهاية، ومن منا قادر ان يثبت حتى النهاية، ان لم يُلقي ثقته واتكاله الكامل على الله ونعمته المُخلِّصة!؟
أعلن الله ذاته ومحبته لآدم وحواء، لكنهم سقطوا بالخطية والعصيان...
أعلن الله ذاته لشعب اسرائيل، لكن الشعب سقط بالتمرد والعصيان حتى انهم سُبوا الى آشور وبابل، وحكمهم الرومان وآخرين، وحتى الى ايامنا هذه لا يعترف شعب اسرائيل كأمَّة بيسوع المسيح، كمخلص وسيد ورب، لكن باب النعمة ما زال مفتوح...
أعلن الله ذاته للأمم من جميع الشعوب، اقتنى لنفسه بدم يسوع جنس مُختار، كهنوت ملوكي، أمة مقدسة وشعب اقتناء (بطرس الاولى 9:2).
نقرأ في انجيل متى الاصحاح الثامن عن ايمان قائد المئة، وكيف مدح الرب يسوع ايمانه بانه لم يجد ولا في اسرائيل أيمانًا بمقدار هذا!
نقرأ عن اعلان مبارك وأبدي، بان كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتَّكئون مع ابراهيم واسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات، ويا له من اعلان عظيم!!!
لكن بعد ذلك يقول يسوع ان بنو الملكوت يُطرحون الى الظلمة الخارجية، فهناك يكون البكاء وصرير الاسنان، ويا له من اعلان صعب جدا ومُحزن للقلب، عن بني الملكوت الذي رفضوا يسوع مُخلصًا وربًا، لأنه في النهاية الايمان هو قرار شخصي وفردي، وليس لجماعة او أُمَّة معينة تحت الارض، لأنه بالفعل ليس عند الله محاباة، كما أعلن بطرس ان الله لا يقبل الوجوه، بل في كل أُمَّة، الذي يتقيه ويصنع البِر مقبول عنده، الكلمة التي ارسلها الى بني اسرائيل يُبشِّر بالسلام بيسوع المسيح، هذا هو رب الكُل. (اعمال الرسل 34:10).
أخوتي، ما زال باب النعمة مفتوح للجميع، وما زال يسوع يقرع على القلوب لكي تقبله مخلصًا وربًا، لكن عن قريب سوف يأتي المسيح وباب النعمة سوف يُغلق، وسوف تكون دينونة رهيبة لكل من رفض يسوع المسيح ابن الله!!!
كذلك على الكنيسة ان تعيش دعوة الله لها، وان لا تنشغل بأمور العالم، بل تكون عذراء عفيفة للمسيح، مقدسة ومُكرسة لمن اشتراها بدمه الكريم.
علينا ان نحذر كل كبرياء في حياتنا، وان يطلع أصل مرارة في قلوبنا اتجاه اي فرد في الكنيسة او اي شخص آخر، نحذر من كل تعليم لا يطابق الكتاب المقدس ومن تعليم لا يمجد اسم يسوع.
علينا ان لا نترك اجتماعنا كما لقوم عادة، ولا نترك الشركة والمحبة الاخوة كما ترك ديماس بولس وأحب العالم الحاضر، لان محبة طُرق وافكار العالم عداوة لله.
أعلن يسوع ان الذي يثبت حتى المنتهى يخلص، لكنه وعد ايضًا انه معنا كل الايام الى انقضاء الدهر، وهو الوحيد القادر ان يحفظنا بنعمته المُخلصة غير عاثرين حتى النهاية، ان كان انتقالنا نحن الى الملكوت، او مجيء المسيح الثاني...
صلاتي ان نجتهد جميعًا بإعلان لاهوت المسيح الذي لا يتزعزع، لاهوت التوبة والايمان والمعمودية، لاهوت الخلاص والحياة الابدية لا غير، لان يسوع المسيح هو هو امسًا واليوم والى الابد...
لان غاية الايمان هي خلاص النفوس، ومشيئة الله ان الجميع يخلصون، والى معرفة الحق يُقبلون، آمين