تتجمع الكائنات الحية عادة في الطبيعة حسب جنسها وغرائزها، فنرى على سبيل المثال اسراب الطيور على انواعها التي تحلق معًا وخاصة في موسم الهجرة، او الاسود للصيد والاكل والتزاوُج، كذلك النمل والنحل وغيرها من الكائنات الحية.
الانسان بطبيعته هو كائن اجتماعي، يرغب بان يكون بعلاقة مع الآخرين، خاصة مع الذين يُقدرونه ويحترمونه ويساعدونه على تحقيق اهدافه الشخصية.
من المهم لنا نحن كأفراد ومجتمعات ان نفهم ما هو الدافع الحقيقة لكل علاقة مع الآخر، هل هو دافع المصلحة الشخصية وتحقيق مآربنا؟ او مجرد ان نقضي الوقت معًا للتسلية والفكاهة؟ او بدافع المحبة الحقيقة التي تُعطي مجانًا ولا تنتظر اي مردود؟؟!!
نقرأ في كتاب التكوين الاصحاح 23، الحديث بين ابراهيم وبني حثي بعد موت امرأته سارة في قرية أربع التي هي حبرون، تحاور معهم من اجل مُلك قبرٍ لدفن سارة.
كلم ابراهيم بني حِثَّ قائلًا: " أنا غريب ونزيل عندكم، اعطوني ملك قبر معكم لادفن ميتي من امامي ".
ما اروع توجُه ابراهيم مع الآخرين، لم يقل انا النبي او خليل الله او من دعاه الله من اور الكلدانيين، لم يُقدم نفسه للآخرين على حساب غناه وممتلكاته الكثيرة، بل بكل بساطة وتواضع قال - انا غريب بينكم!
كَثُرَت الالقاب في مجتمعاتنا، بل واقول كنائسنا ايضا، فهناك من يشعر بالإهانة ان لم نقدم له الاحترام والوقار، بان ندعوه الدكتور، او المعلم او القائد او السيد...
ومن هو السيد والمعلم بيننا غير رب الارباب وملك الملوك يسوع المسيح ابن الله...
نقرأ في الاناجيل واعمال الرسل والرسائل كيف كانوا الرُسل والخدام في الكنيسة الاولى يدعون احدهم الآخر، لا الرسول بولس او بطرس، ولا المبشر او المعلم او الراعي، بل بكل بساطة الاخ شاول او الاخ بولس والاخ بطرس، كما اوصانا الرب يسوع اننا جميعًا اخوة، لان الدعوة التي اخذناها من الرب يسوع هي خدمة وارسالية على حساب النعمة، وليست لقب او مهنة او منصب اجتماعي ولا حتى روحي، لا في المجتمع وطبعا ليس في الكنيسة وسط شعب الرب، لان المُعلم والراعي الصالح والسيد هو وحده يسوع المسيح، والآب وحده هو الله الآب القدوس لا غير!
هذا ما نقرأه عن رسل الرب وكيف قدم بطرس بولس لشعب الرب قائلًا - أخونا الحبيب بولس.
وهكذا قدم ابراهيم نفسه لبني حث قائلًا - انا غريب، لكن بني حث أدركوا ان في وسطهم رجل الايمان ونبي الله، لذلك قالو له - انت رئيس من الله بيننا، لم يطلب ابراهيم هذا اللقب المبارك من بني حث بل هم ادركوا ذلك، لان شهادة ايمان ابراهيم كانت واضحة ومؤثرة للجميع.
انا غريب بينكم، هذا ما قاله وما أدركه ابراهيم، لأنه علم ان هذا العالم سوف يزول، وانه كان ينتظر المدينة التي لها الاساسات، التي صانعها وبارئها الله. (عبرانيين اصحاح 11).
وليس فقط ابراهيم، لكن كل ابطال الايمان الذين ذُكروا في هذا الاصحاح المبارك، أقروا انهم غرباء ونزلاء على الارض، يبتغون وطنًا أفضل اي سماويًا، لذلك لا يستحي بهم الله ان يُدعى إلههم، لأنه اعد لهم مدينةً.
هل ما زلنا نطلب التقدير والاحترام في مجتمعاتنا ومع من هم حولنا، في مدارسنا واماكن عملنا وحتى في عائلاتنا؟ او حتى في كنائسنا، هل نبحث عن الاحترام وتقدير الآخرين لنا، ام نخدم ونعطي بدافع المحبة من قلب صادق ومتواضع؟ لا يكفينا ان ندعو أحدنا الآخر الاخ المحبوب او الاخت المحبوبة كما اوصى يسوع ورسله امثال بطرس وبولس، ام تعودنا وأدمنا على الالقاب مثل ابونا وأُمنا وراعينا وسيدنا والموقر وغيرها...!!!
انه وحده سيد ورب السماء والارض وراعي الخراف العظيم يسوع المسيح ابن الله، وحده له العبادة والكرامة والمجد والسلطان الى ابد الآبدين، هو وحده المُوقر بيننا، مع ان الكتاب يُعلمنا ان نقدم لشيوخ الكنيسة كرامة مضاعفة.
أبونا هو وحده الآب القدوس، وأمنا هي اورشليم السماوية اي الكنيسة.
نقرأ في انجيل لوقا الاصحاح 24 عن الحديث الذي كان بين يسوع وتلميذا عمواس، عندما سار معهم يسوع في الطريق وهم عابسين، اعتقدوا ان يسوع كان "فقط" نبيًا مقتدرًا في الفعل والقول امام الله وجميع الشعب.
مع انها شهادة قوية عن يسوع المسيح، لكن يسوع ليس فقط انسان ونبي قدير، بل هو الله الظاهر في الجسد، هو رب وسيد الكنيسة وشعب الله، وهذا ما لم يُدركه تلميذا عمواس عندما قالوا ليسوع: " هل انت مُتغرب وحدك في اورشليم ولم تعلم الامور التي حدثت فيها في هذه الايام؟".
لم يُدرك كليوباس والتلميذ الآخر انهم امام الله القدوس، وظنوه غريبًا في اورشليم!
صلاتي اخوتي ان ندرك بالروح ان من في وسطنا وفي اجتماعاتنا هو رب الارباب وملك الملوك يسوع المسيح...
صلاتي ان لا يُعمي الحُزن والالم عيوننا كما اعمى عيون تلميذا عمواس وظنوا ان يسوع متغرب في اورشليم...
صلاتي ان نحب بعضنا بعضا محبة شديدة بدون رياء كما اوصانا السيد، وان لا نتمسك بالألقاب البشرية ولا حتى الروحية منها لأنه هو وحده المُوقر (Rev) بيننا...
صلاتي ان لا تدخل روح الانشقاق والتحزب كنائسنا حتى نُخرج يسوع خارج اجتماعاتنا، عندها سوف نسمعه يقول: " هنذا واقف على الباب واقرع، ان سمع احد صوتي وفتح الباب، ادخل اليه واتعشى معه وهو معي... ".
انها ايام غريبة وعجيبة نعيشها في ايامنا هذه، ايام حروب وزلازل وقتل وسفك دم وخلاف ونزاع وانانية وكبرياء وبغضة، يجب علينا فيها ان نشعر اننا غرباء ونزلاء على هذه الارض، كما أدرك ابراهيم وقال انا غريب بينكم...
لكن ان نعتبر يسوع المسيح غريب ومتغرب بيننا، ونُخرجه خارج اجتماعاتنا وكنائسنا بسبب الغيرة والحسد والانشقاق والبغضة، انه لأمر مُحزن ومُؤلم جدا، وله عواقب ابدية رهيبة!
انه وقت صعب جدا علينا به ان نقول جميعًا مع بولس: " لم اعزم ان اعرف شيئًا بينكم الّا يسوع المسيح واياه مصلوبًا "...