تعالوا نتأمل معاً في كلمات المزمور المئة والثامن والثلاثين على فم عبد الرب الملك داود...
الاعتقاد السائد أن هذا المزمور هو من أواخر المزامير التي قام داود بكتابتها وترتيلها، أي أن هذا المزمور هو من المزامير التي كتبها داود في أواخر حياته عندما شاخ وتقدم في السن. لعلّ داود يحاول أن يلخص مسيرة حياته مع الرب وأن يتأمل في تعاملات الرب معه وعطايا الرب له خلال رحلة عمره منذ صباه إلى الشيخوخة. فهو يعبّر عن شوقه المستمر للسجود في محضر الله ويعلن عن شوقه للتسبيح والشكر والحمد والاعتراف أمام الرب في هيكل قدسه.
ماذا نعرف عن داود؟ داود بدأ مسيرته مع الرب منذ أن كان طفلاً صغيراً في السّن. لقد اختار الرب داود لتمجيد إسم الرب منذ أن كان صبيّاً صغيراً فقيراً يرعى الأغنام مع بني إسرائيل. وكانت مشيئة الرب أن ينقل داود من رعاية الغنم إلى قيادة شعب إسرائيل والجلوس على كرسي مملكة إسرائيل. وقد تميزت مسيرة حياة داود بأن الرب كان ينصره على كل أعدائه دائماً في كل الحروب والمعارك والصراعات. حيث يقول الوحي الإلهي المقدس: "وكان الرب يخلّص داود حيثما توجّه". صموئيل الثاني 8: 6 لماذا كان يخلّصه وينصره حيثما توجّه؟؟ لأنه كان دائماً في محضر الله متّحداً معه ساجداً له في هيكل قدسه. وهكذا نرى أهمية الخلوة الفردية، أي المذبح الفردي وصلاة المخدع والتمتع بجمال الرب في هيكل قدسه. لأن هذا أساس النصرة والغلبة في حياتنا الروحية وهذا ما يزودنا بالقوة اليومية للتغلب على مكائد إبليس.
من خلال كلمات هذا المزمور، يتأمل داود في عطايا وإحسانات الرب له خلال رحلة عمره. ومن اللائق والجميل أن نتأمل نحن أيضاً في أعمال الرب في حياتنا وإحساناته لنا وعطاياه لنا خلال رحلة عمرنا ومسيرتنا مع رب المجد متّحدين ومنسجمين مع داود في كلمات هذا المزمور. ما أجمل أن نصلي هذه الكلمات الرائعة التي يصيغ داود كلمات الحمد والشكر والتسبيح فيها قائلاً: ١ أَحْمَدُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. قُدَّامَ الآلِهَةِ أُرَنِّمُ لَكَ. ٢ أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ، وَأَحْمَدُ اسْمَكَ عَلَى رَحْمَتِكَ وَحَقِّكَ، لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ اسْمِكَ. ٣ فِي يَوْمَ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي. شَجَّعْتَنِي قُوَّةً فِي نَفْسِي. ٤ يَحْمَدُكَ يَا رَبُّ كُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ، إِذَا سَمِعُوا كَلِمَاتِ فَمِكَ. ٥ وَيُرَنِّمُونَ فِي طُرُقِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ عَظِيمٌ. ٦ لأَنَّ الرَّبَّ عَال وَيَرَى الْمُتَوَاضِعَ، أَمَّا الْمُتَكَبِّرُ فَيَعْرِفُهُ مِنْ بَعِيدٍ. ٧ إِنْ سَلَكْتُ فِي وَسَطِ الضِّيْقِ تُحْيِنِي. عَلَى غَضَبِ أَعْدَائِي تَمُدُّ يَدَكَ، وَتُخَلِّصُنِي يَمِينُكَ. ٨ الرَّبُّ يُحَامِي عَنِّي. يَا رَبُّ، رَحْمَتُكَ إِلَى الأَبَدِ. عَنْ أَعْمَالِ يَدَيْكَ لاَ تَتَخَلَّ.**
بينما نصلّي ونرتّل كلمات هذا المزمور الرائع، وبينما نتأمل في عطايا الرب وإحساناته لنا في كل الأيام والسنين والأزمنة الماضية من عمرنا، وبينما نحمد الرب ونشكره على كل شيء، فإننا نعبّر له أيضاً عن أشواقنا لملاقاة الرب في محضره الأبدي السماوي، حيث أننا سننتقل ونذهب إليه لنسجد أمامه في الملكوت السماوي ونشترك في تسبيح الرب مع جميع الملائكة والقديسين والأبرار في السماء. من الجيد أن نرتّل ونصلّي كلمات هذا المزمور بينما ننتظر لحظة الاختطاف في السُّحُب وملاقاة الرب في الهواء، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. تسالونيكي الأولى ٤: ١٧