يا رب إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ أمامنا في العام ٢٠٢٥ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ ههُنَا"، بحسب صلاة موسى في سفر الخروج ٣٣: ١٥
أحبائي...
نحن مقبلون على بداية سنة ميلادية جديدة. وهنالك أمران يجب أن نتذكرهما عند استقبالنا للسنة الجديدة:
الأمر الأول:
إحسانات الله وتعاملاته معنا
علينا أن نتذكر إحسانات الله دائماً ولا ننساها.
الكثيرون من المؤمنين يستقبلون السنة الجديدة مع تركيزهم على الخطايا والضعفات. وهذا ليس خطأً. بل من الجيد أن ننتبه إلى أهمية الإعتراف والتوبة عن الخطايا وأهمية التقديس، وأن نراجع تقصيراتنا الروحية طوال السنة الماضية.
ولكن من ناحية أخرى، سيكون من الجيد ومن اللائق أيضاً أن نراجع إحسانات الله معنا خلال السنين الماضية من حياتنا، وأن نعدّد خيراته وبركاته على حياتنا.
لماذا لا نخصص وقتاً في أن نكتب وندوّن كل ما حصدناه خلال السنة الماضية أو السنين الماضية؟ تدوين الحصاد هو أمر جميل ومهم. فنحن غالباً ما ننسى أن هنالك أمور حسنة جميلة جداً حصلت معنا خلال مسيرة حياتنا مع الرب.
بدون أدنى شك، لقد هنالك إستجابات صلاة وبركات عظيمة متعددة في حياتنا قد ننسى وجودها أحياناً إذا قمنا بالتركيز على الصعوبات، المعوقات، العراقيل، الضعفات والسقطات طوال الوقت.
هنالك أمور عديدة علينا أن نتذكرها دائمًا وأن نشكر الرب عليها. والأمثلة كثيرة ومتعددة:
الصحة والسلامة هي نعمة من الرب.
كون أولادك وأفراد عائلتك بخير وسلام هو أيضاً من نِعَم الرب وإحساناته.
كونك لا زلت قادراً على أن تخدم الرب في الكنيسة وخارج الكنيسة هو أمر عظيم أيضاً ومن إحسانات الرب.
كون بيتك لا يزال قائماً مفتوحاً وعامراً هو أيضاً من إحسانات الرب.
وجودك في شركة مع الرب ومع المؤمنين هو أيضاً من إحسانات الرب.
كونك محاط بأشخاص مؤمنين روحيين يحبونك، يصلّون ويتشفّعون لأجلك ويدعمونك في صلواتهم وتشجيعهم، هو أيضاً من نِعَم الرب وإحساناته.
كون باب التوبة والرحمة والشركة مع الرب لا يزال مفتوحاً...
كل هذه أمور عظيمة جداً عليك أن تشكر الرب عليها.
حتى أولئك الذين يعانون من أمراض، أو مشاكل، أو خسائر معيّنة أو فقدان معيّن، يتوجب عليهم أن يشكروا الرب على كل شيء، لأن هذا قد يكون جزءًا من تعاملات الله معهم.
أحياناً نحن ننسى أو نتناسى أن كل يوم أو أسبوع أو شهر مررنا به كان مليئاً بالبركات والخيرات والإحسانات. ومن الجيد أن نكتب ونعدّد تعاملات الرب معنا خلال كل شهر من شهور السنة. أو لربما خلال كل أسبوع وكل يوم. فهو دائماً معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر.
ما أجمل أن نرنم مع كاتب المزمور قائلين: "كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ، وَآثارُكَ تَقْطُرُ دَسَمًا". مزمور 65: 11
وما أجمل أن نتأمّل ونتفكّر في كل خطوة قمنا بها بقيادة الروح القدس خلال الأيام والشهور والسنين الماضية، وأن نشكر الرب على كل خطوة مررنا بها بسلام وأمان وأن النتائج كانت إيجابية ومقنعة (سواء كان ذلك في العمل أو في الخدمة أو في العائلة... إلخ). وهكذا فإننا نستطيع أن نرى تعاملات الرب معنا لخيرنا وسلامنا في كل خطوة. وهذا ينسجم مع الوحي المقدس في سفر ارميا: "لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً." (إرميا 29: 11).
ليتنا نقضي الأيام الأخيرة من السنة الحالية في تدوين روائع هذه الأمور الإيجابية والتأمل فيها مع مزيج من الشكر والعرفان والتقدير. لأن هذه هي مشيئة الرب أن نشكر في كل شيء.
اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ." (تسالونيكي الأولى 5: 18).
كل هذه الأمور من شأنها أن تساهم في استعدادنا وجاهزيتنا لاستقبال السنة الجديدة في ملئ المشيئة الإلهية وأن تساهم في استعدادنا للقاء إلهنا في حالة من البهجة والفرح والتوبة.
"لِذلِكَ هكَذَا أَصْنَعُ بِكَ يَا إِسْرَائِيلُ. فَمِنْ أَجْلِ أَنِّي أَصْنَعُ بِكَ هذَا، فَاسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلهِكَ يَا إِسْرَائِيلُ»." (عاموس 4: 12).
الأمر الثاني الذي يجب أن نتذكره:
التحديات التي تنتظرنا في العام الجديد:
بدون أدنى شك، كل عام جديد في حياتنا يشمل تحديات كبيرة علينا أن نواجهها ونتغلب عليها بقوة الروح القدس وقيادته.
لذلك، قبل أن ننظر إلى التحديات والواجبات التي علينا القيام بها، سيكون من الجميل والرائع أن نصلي صلاة منسجمة مع صلاة موسى في سفر الخروج ٣٣ وأن ننادي الرب قائلين له: يا رب إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ أمامنا في هذا العام الجديد فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ ههُنَا".
ما المقصود في قول موسى "إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا"؟؟
المقصود هو أن موسى يقول للرب: لن نقبل بديلًا عنك ولن نستريح بدونك.
وجه الرب في هذه الآية يرمز إلى حضور الرب. وهو إشارة للسيد المسيح الذي تَجَسّد وتأنّس وصار بيننا، والذي صار يقودنا في حياتنا اليومية إلى أن يصعدنا إلى أحضان الآب السماوي. الوحي المقدس يعلن في الأصحاح الأول من رسالة كولوسي أن المسيح يسوع هو صورة الله غير المنظور. كولوسي ١: ١٥
وفي رسالة العبرانيين ١: ٣ يقول الوحي المقدس أن المسيح يسوع هو "بهاء مجد الله ورسم جوهره". ولذلك قال السيد المسيح لفيلبس في انجيل يوحنا: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يوحنا 14: 9). وهكذا فإننا نرى أن وجه الرب أو حضور الرب في خروج ٣٣: ١٥ يرمز إلى الرب يسوع المسيح.
وما الهدف من أن يسير وجه الرب أمامنا؟؟
الهدف هو أن ننعم في سلام الرب ورعايته وقيادته خلال مسيرة حياتنا. لأن سير وجه الرب أمامنا يمنحنا سلامًا حقيقيًا خلال المسيرة. تماماً كما يقول كاتب المزمور ٩١: "اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ" (مزمور 1:91).
والآن دعونا نفكر وندوّن معاً ما هي التحديات التي تنتظرنا في العام الجديد وفي الأعوام القادمة عموماً:
أولاً:
علينا أن نتوب توبة كاملة وصادقة عن كل تقصيراتنا، عن كل ما ساومنا به خلال السنوات الماضية وعن كل الثغرات والأبواب التي كانت مفتوحة في حياتنا أمام عدو الخير في الماضي. بناءً على الاصحاح السادس من رسالة أفسس، علينا أن نتشَدّد ونتقَوّى في الرب وفي شدة قوته وأن نحمل سلاح الله الكامل حتى نستطيع أن نحارب عدو الخير وأن نصمد ضد مكايد إبليس في الأيام والأعوام القادمة.
ثانياً: علينا أن ننسى ونتجاوز كل ما كان في الماضي من عثرات، أو شوائب أو أحزان أو سقطات. وأن نقطع كل تأثير لكل ذكرى سيئة في حياتنا وأن نقطع أثر من آثار الماضي في حياتنا. لأننا إن لم نقم بذلك وإذا لم نقطعه، فهو سيؤثر على مجرى حياتنا في الحاضر والمستقبل بكل تأكيد وسيكون عائقاً ومعطّلاً أمام مسيرة النمو والتقدم الروحي لدينا.
لذلك يقول الوحي المقدس في سفر اشعياء:
«لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، وَالْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا. هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا. اشعياء ٤٣: ١٩
ويقول الوحي المقدس أيضاً في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس:
إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 5: 17
لاحظوا الكلمات الرائعة: الأمور العتيقة قد مضت. الكل قد صار جديداً.
لا للماضي بعد الآن. لا للفتور والخطية بعد الآن. لا للسلبيات بعد الآن.
لا للعثرات والمساومات والعراقيل والعوائق والمعطلات الروحية بعد الآن.
الكل صار جديداً. نحن خليقة جديدة في المسيح.
العالم خلفنا، يسوع أمامنا. تماماً كما نرنّم في خدمة المعمودية: "العالم خلفي، يسوع أمامي، أتبع يسوع بلا رجوع".
علينا أن ننسجم ونتجاوب مع ما قاله بولس الرسول في الاصحاح الثالث من رسالته إلى فيلبي: "وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ،" أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. (فيلبي 3: 14-13).
بالفعل، علينا أن ننسى ما هو وراء وأن نمتد الى ما هو قدام. وأن نسعى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.
الجعالة هي الجائزة التي ينالها المتسابق أو المتصارع في المسابقات العالمية. وبالطبع فإن جائزتنا كمؤمنين هي الإكليل الأبدي في ملكوت السموات (كورنثوس الأولى 25 :9). جائزتنا هي الرب يسوع المسيح بحد ذاته. لذلك قال الرسول بولس في الآية الثامنة من الأصحاح الثالث في رسالته إلى فيلبي "لكي أربح المسيح" (فيلبي 3: 8). الفرق هو أنه في المسابقات العالمية، الجائزة تكون من نصيب متسابق واحد فقط من بين المتسابقين. أمّا في الحياة الروحية وفي الأمور الأبدية فإن كل من يجاهد روحيًا سوف يُكَلّل. (كورنثوس الأولى 24:9-27).
كما يبذل المتسابق كل جهده في الميدان من أجل أن يحصل على المكافأة (الجعالة)، هكذا نحن أيضاً علينا أن نركّز كل فكرنا ومجهودنا في خدمة الرب وفي الجهاد الروحي ضد الخطية معتمدين على نعمة الله وقدرته.
حتى نستطيع أن نقوم بذلك، علينا أن ننسى كل ما كان في الماضي وأن نتقدم إلى الأمام بنعمة الرب.
وللتأكيد على كل المذكور أعلاه، تعالوا نتذكر ما يقوله الوحي المقدس في قصة منسى وافرايم في سفر التكوين:
وَدَعَا يُوسُفُ اسْمَ الْبِكْرِ «مَنَسَّى» قَائِلًا: «لأَنَّ اللهَ أَنْسَانِي كُلَّ تَعَبِي وَكُلَّ بَيْتِ أَبِي». وَدَعَا اسْمَ الثَّانِي «أَفْرَايِمَ» قَائِلًا: «لأَنَّ اللهَ جَعَلَنِي مُثْمِرًا فِي أَرْضِ مَذَلَّتِي». سفر التكوين ٤١: ٥١- ٥٢
الله في مجده وعظمته جعل يوسف ينسى الآلام التي كانت في ماضيه التي كانت بسبب غدر إخوته وخيانتهم وبيعهم له وبسبب بعده عن بيت أبيه ومكوثه في السجن مظلوماً في أرض مصر... إلخ. وبالرغم من كل ذلك، الله قام بتغيير الظروف وبتحويل اللعنة إلى بركة وجعل يوسف مثمرًا وعظيماً في أرض مصر.
كذلك الأمر بالنسبة لكل من يؤمن بالرب يسوع المسيح ولكل من يتّكل على الرب ويثق بكلمته وبوعوده. كل شخص يلتصق بالرب يسوع المسيح، سوف يتمتع بنعمة النسيان حيث يجعله الله ينسى كل آلام الماضي وهموم الحاضر والمستقبل ويجعله مثمراً وعظيماً ويعطيه ثمراً مضاعفاً ومتكاثراً. وفي السماء سوف يمسح الله كل دمعة من عيونه.
إذن، علينا ننسى ونتخلّص ونتحرّر من كل آثار الماضي الشرير المؤلم، وأن نمتد إلى ما هو قدام حتى نستطيع أن نمارس أعمال الخير وخدمة الرب وحتى نستطيع نثمر ثمراً مضاعفاً ونتمتع بمعونة الرب وبركاته السماوية وخيراته.
ثالثاً: استناداً على كل ما ذكرناه في النقطة الأولى والثانية وحتى نستطيع أن نتجاوز كل معطّلات الماضي وعثراته، وحتى نستطيع أن نخدم الرب بقوة الروح القدس وأن نسعى نحو الجعالة التي تحدثنا عنها في النقطة الثانية، علينا أن نتسلح بسلاح الله الكامل المذكور في الاصحاح السادس من رسالة أفسس.
تعالوا نتذكر كلمات بولس الرسول في الأصحاح السادس من رسالته إلى أفسس:
"أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ.
11 الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.
12 فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.
13 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا.
14 فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ،
15 وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ.
16 حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ.
17 وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ.
18 مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ."
أفسس ٦: ١٠- ١٨
هذه الكلمات الرائعة المشجعة في هذا الأصحاح تلخص كل تحدياتنا فيما تبقى من مسيرة حياتنا مع الرب على هذه الأرض.
في هذه الكلمات، نحن نرى الدور الإيجابي للكنيسة التي عليها أن تتسلح بسلاح الله الكامل، ليس فقط من أجل أن تتصدى وتقاوم الهجمات العنيفة من عدو الخير، بل أيضاً من أجل أن تمارس حياة الجهاد الروحي ككنيسة نامية وناضجة حتى تستطيع أن تحطِّم كل قوى وأبواب مملكة الظلمة وأن تساهم في إنهيار مملكة إبليس.
الأسلحة الروحية التي يتحدث عنها بولس الرسول في هذا الأصحاح:
حزام الحق (لأجل تطهيرنا وخلاصنا وأيضاً لفائدة الذين نشهد لهم)،
درع البر (بر المسيح الذي يمنحنا إياه الله بالإيمان والذي يحمي قلوبنا ضد شكاية إبليس ويحمي دواخلنا من هجماته)،
أحذية إِنْجِيلِ السَّلاَمِ (من أجل أن نتقدّم نحو نطاق إبليس، مدركين أننا سنواجه العثرات والعراقيل الشيطانية بقوة إلهية عظيمة من خلال رسالة النعمة الهامة لربح النفوس للمسيح)،
تُرْسَ الإِيمَانِ (الذي يجعل شكوك ابليس من جهة أمانة الله وصحة كلمته المقدسة بلا تأثير، لأننا ناظرين ومتّكلين على رئيس الإيمان ومكمله يسوع المسيح)،
خُوذَةَ الْخَلاَصِ (من أجل الحفاظ على أذهاننا وطريقة تفكيرنا بحسب فكر الله ومشيئته، من أجل الرجاء الأكيد للحياة الأبدية، من أجل عدم الخنوع لتجارب إبليس ومن أجل التمييز بين الحق الروحي والخداع الروحي وعدم قبول المعتقدات والأفكار الباطلة)،
وَأخيراً سَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. وهو يرمز إلى قداسة وقوة كلمة الله.
انتبهوا أن سيف الروح هو السلاح الوحيد الهجومي بين أسلحة الله. لأن كل الأسلحة الأخرى هي دفاعية.
علينا أن نتسلح بكل هذه الأسلحة الروحية القوية حتى نستطيع أن نعيش حياة النصرة والغلبة في العام الجديد وفي الأعوام القادمة، وأن نتأصّل ونتأسس في المحبة، وبالتالي سنستطيع أن نختبر المشيئة الإلهية والخطة الإلهية الكاملة لحياة كل فرد منّا.
"وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ." أفسس ٣: ١٨- ١٩
رابعاً وأخيراً:
علينا أن نتذكر وعود الرب لنا، خلال العام الجديد والأعوام القادمة.
يمتلئ الكتاب المقدس بوعود إلهية عظيمة تجاه شعبه وأولاده المؤمنين بالمسيح. وهذه الوعود ستتحقق بكل تأكيد طالما أننا متّحدين ومرتبطين به في شركة سماوية أبدية، وطالما أننا نسير بحسب فكره ومشيئته وبقيادة روحه القدوس.
من الروعة والجمال أنّ الله يحافظ على وعوده دائمًا. وهو لا يبدّل أو ينكث عهده. "لا أنقض عهدي ولا أُغَيِّر ما خرج من شفتيّ". (مزمور ٨٩: ٣٤).
لم يفشل ولم يَخِب أي وعد من وعود الله. بل كما قال الوحي المقدس في سفر يشوع:
"وَهَا أَنَا الْيَوْمَ ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ الأَرْضِ كُلِّهَا. وَتَعْلَمُونَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَكُلِّ أَنْفُسِكُمْ أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْكَلاَمِ الصَّالِحِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْكُمُ. الْكُلُّ صَارَ لَكُمْ. لَمْ تَسْقُطْ مِنْهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ." يشوع ٢٣: ١٤
هنالك الكثير من الوعود الإلهية في الكتاب المقدس. سأذكر جزءًا منها حتى لا أسهب فيها كثيراً:
١. الوعد بالتأييد والمعونة والعضد:
لَا تَخَفْ لِأَنِّي مَعَكَ. لَا تَتَلَفَّتْ لِأَنِّي إِلَهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي.
اشعياء ٤١: ١٠
٢. الوعد بالسلام والرجاء:
لِأَنِّي عَرَفْتُ ٱلْأَفْكَارَ ٱلَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلَامٍ لَا شَرٍّ، لِأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً.
إِرْمِيَا ٢٩:١١
٣. الوعد بالقوة:
وَأَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلَا يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلَا يُعْيُونَ.
إِشَعْيَاءَ ٤٠:٣١
وَإِلَهُ كُلِّ نِعْمَةٍ ٱلَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ ٱلْأَبَدِيِّ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ.
بُطْرُسَ ٱلْأُولَى ٥:١٠
٤. الوعد بالحماية والسلامة:
إِذَا ٱجْتَزْتَ فِي ٱلْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي ٱلْأَنْهَارِ فَلَا تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي ٱلنَّارِ فَلَا تُلْذَعُ، وَٱللَّهِيبُ لَا يُحْرِقُكَ.
إِشَعْيَاءَ ٤٣:٢
٥. الوعد بالحياة الأبدية:
قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلْأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟».
يُوحَنَّا ١١:٢٥-٢٦
مَنْ يَغْلِبُ فَذَلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ ٱسْمَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِٱسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلَائِكَتِهِ.
رُؤْيَا يُوحَنَّا ٣:٥
لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ.
يُوحَنَّا ٣: ١٦
٦. الوعد بالسكنى والميراث الأبدي:
لِأَنَّكُمْ إِنْ أَصْلَحْتُمْ إِصْلَاحًا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، إِنْ أَجْرَيْتُمْ عَدْلًا بَيْنَ ٱلْإِنْسَانِ وَصَاحِبِهِ، إِنْ لَمْ تَظْلِمُوا ٱلْغَرِيبَ وَٱلْيَتِيمَ وَٱلْأَرْمَلَةَ، وَلَمْ تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، وَلَمْ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِأَذَائِكُمْ فَإِنِّي أُسْكِنُكُمْ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، فِي ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ لِآبَائِكُمْ مِنَ ٱلْأَزَلِ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ.
إِرْمِيَا ٧:٥-٧
أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلَا يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ ٱلطُّوفَانِ. وَلَا يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ ٱلْأَرْضَ.
اَلتَّكْوِينُ ٩:١١
وَلِأَجْلِ هَذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ ٱلْمَدْعُوُّونَ -إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ ٱلتَّعَدِّيَاتِ ٱلَّتِي فِي ٱلْعَهْدِ ٱلْأَوَّلِ- يَنَالُونَ وَعْدَ ٱلْمِيرَاثِ ٱلْأَبَدِيِّ.
ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ٩:١٥
باختصار، الكتاب المقدس يزخر بالوعود الإلهية العظيمة التي نستطيع أن نتمتع بها طالما أننا ثابتين في كلمة الرب ومشيئته. ولذلك علينا أن نتخذ قرار الثبات والخضوع لصوت الرب ومشيئة الرب في العام المقبل حتى نستطيع أن نتمتع بالوعود الإلهية المذكورة.
ومن المهم أيضاً أن نتذكر أن الله هو مصدر ومعطي النِّعَم والبركات والخيرات. فنحن لا نحصل على هذه الخيرات والبركات بمجهودنا الشخصي أو بقدراتنا الذاتية أو بإستحقاق فينا من منطلق البر الذاتي. فلا أحد يستحق البركة أو النعمة. فهي عطايا مجانية حصلنا عليها بعد دخولنا في علاقة مع الله من خلال كفارة دم يسوع المسيح.
وللتأكيد على ذلك، تعالوا نتأمل في كلمات الوحي المقدس في الأصحاح الحادي عشر من سفر التثنية:
"لأَنَّ الأَرْضَ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا لَيْسَتْ مِثْلَ أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا، حَيْثُ كُنْتَ تَزْرَعُ زَرْعَكَ وَتَسْقِيهِ بِرِجْلِكَ كَبُسْتَانِ بُقُول. بَلْ الأَرْضُ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكُوهَا، هِيَ أَرْضُ جِبَال وَبِقَاعٍ. مِنْ مَطَرِ السَّمَاءِ تَشْرَبُ مَاءً. أَرْضٌ يَعْتَنِي بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ. عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِكَ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا."
تثنية ١١: ١٠- ١٢
في هذه الفقرة الكتابية، يقارن موسى بين أرض مصر وأرض كنعان.
على الرغم من أن تربة أرض مصر كانت جيدة وغنية، وقد شبهها الوحي المقدس بجنة الرب في (تكوين ١٣: ١٠)، إلا أن الفلاحين في أرض مصر كانوا يبذلون جهدًا كبيرًا حتى يجتنوا ثماراً من الأرض. كان الفلاحون في أرض مصر يسقون الزرع بأرجلهم. أي أنهم كانوا يتعبون في شق القنوات ودفع الآلات التي تأتي بالماء من القنوات إلى الأراضي أو أنهم كانوا يسيرون حاملين الماء إلى الزرع. فكانوا يزرعون بمجهودهم الذاتي والاعتماد على قدراتهم الجسدية الذاتية. أرض مصر كانت ترتوي من نهر النيل، وهو موجود دائماً. وكان الفلاح يرويها بمجهوده الشخصي.
أما أرض كنعان فهي أرض كان الرب يرويها بالأمطار. الله كان مصدر ارتواء أرض كنعان، حيث كان الفلاح ينظر إلى السماء منتظرًا عطية الله بدون مجهود ذاتي أو جسدي في ذلك. وكان الرب يعتني بالأرض ويعطي المطر في وقته. ولكن كانت هناك شروط وهي حِفظ الوصايا. أي أن الإلتزام بوصايا الرب وتعاليمه كان يؤدي إلى التمتع بالبركات والخيرات السماوية والأرضية. وهذا ما نراه أيضاً في الأصحاح الثامن والعشرين من سفر التثنية عندما يتحدث عن شروط التمتع بالبركات (تثنية ٢٨: ١- ١٤). "وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ... ''
بناءاً على هذه الآيات، يخطئ كل مَن يظُنّ أن مجهوده الشخصي هو مصدر رزقه وخيراته، ويتهاون في إرضاء الله وحفظ وصاياه.
الله هو المصدر الوحيد لكل الخيرات والبركات. وعلينا أن نحفظ وصاياه وتعاليمه وأن نسير بحسب مشيئته وحسب إرشاد روحه القدوس حتى نتمتع بكل البركات والخيرات والوعود الإلهية المدونة في الكتاب المقدس.
صلاتي أن يكون هذا العام المقبل عاماً مثمراً مفعماً بمحبة المسيح وسلامه العجيب ورائحته الزكية، وعاماً نختبر فيه ملئ القوة، النصرة، البركة، النعمة والمشيئة الإلهية.