كان لقاء مبارك بين رب المجد يسوع وسمعان في بحيرة جنيسارت، بعد ان تعب الليل كله ولم يصطد السمك، لكن على كلمة المسيح الحي نجح سمعان مع شركائه بان يصطاد سمكًا كثيرًا، وأشاروا الى الذين في السفينة الأخرى لكي يساعدوهم، وبالفعل ملأوا السفينتين.
بعد هذا الاختبار المبارك قال سمعان بطرس ليسوع: "اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ" (لوقا 8:5).
ما أجمل الوحي المُقدس الذي أعلن لسمعان منذ بداية حياته الروحية انه لا بالقدرة ولا بالقوة، لكن بروحي قال رب الجنود.
ما أروع الوحي المُقدس الذي أعلن لسمعان (وربما لمن يريد ان يتواضع قليلًا كما علمنا سيدنا المبارك) انه كانت في البحيرة ليست فقط سفينة سمعان وحده، بل سفينة أخرى، التي كان عليها شركاء معه، وطوبى لمن يرى في أيامنا هذه انه ليس هو وحده فقط في الخدمة وحقل الرب، بل هناك سفن أخرى وحظائر أخرى غير حظيرتنا!
اعترف سمعان بطرس بانه رجل خاطئ، كذلك رسول الأمم بولس يُعلن انه أول الخُطاة!
فلمن الفضل؟! لسمعان بطرس او لبولس؟!
ان الفضل والمجد ليسوع المسيح وحده، الذي أبتدأ عمل مبارك منذ أيام بطرس وبولس، وسوف يُتمم الى يوم رجوعه الثاني.
للأسف الشديد ما زلنا نسمع في أيامنا هذه، عن البعض الذين يدعون الى استقصاء وإدانة الآخر، لأنه ليس من حظيرته او سفينته، ونسوا او تناسوا عمدًا ان الكنيسة هي كنيسة وجسد وعروس المسيح الواحدة التي لا تنقسم ولا تتجزأ!!!
منذ أيام الرسل كان من يقول انا لصفا وانا لبولس وانا لأبولس، لكن الدعوة كانت وما زالت ان نتبع يسوع المسيح الراعي الصالح من كل القلب والكيان، مع ان الرب يسوع وضع في الكنيسة الرسل والانبياء والمبشرين والرعاة والمعلمين، لكن مَن مِن كل هؤلاء الخدام يحق له القول اتبعوني انا؟! او أسمعوني انا فقط؟!
يحق له هو وحده، يسوع المسيح الراعي الصالح ورب السماء والأرض، الذي دعا سمعان بطرس وشاول الطرسوسي - بولس الرسول، وابني زبدي وأخرين، وما زال يدعوا كل واحد منا ان نتبعه هو وحده لا غير، وان كنا نتبع دعوة وتعاليم يسوع المسيح، فلا بُد لنا ان نلتصق بالروح مع أخوتنا في جسد المسيح الواحد، الكنيسة.
نقرأ في انجيل متى الاصحاح 16 عن اعلان سمعان بطرس عن من هو المسيح.
نلاحظ هنا ان أساس الكلام وتركيز الوحي هو على المسيح وليس على سمعان بطرس، كما يريد وبشدة البعض في أيامنا هذه!
سأل يسوع تلاميذه، من يقول الناس إني انا ابن الانسان؟ أجاب سمعان بطرس: «انت هو المسيح ابن الله الحي».
قال له يسوع: «طوبى لك يا سمعان بن يونا ان لحما ودما لم يعلن لك لكن ابي الذي في السماوات. وانا أقول لك أيضا: انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها. واعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات».
أخذ البعض هذا الإعلان المبارك الذي أعلنه الآب السماوي لسمعان بطرس، ان يسوع المسيح هو أبن الله الحي، شهادة بان بطرس هو الصخرة وان يسوع يبني كنيسته على أساس بطرس و"خلفائه"!!!
وبان مفاتيح ملكوت السماوات هي في ايدي بطرس وخلفائه، كأن الله الآب القدوس وابنه المبارك يسوع المسيح وضعوا مصير الأمم والشعوب الأبدي في أيدي البشر!!!
هل يُعقل هذا الكلام وهذا التحليل الاستقصائي العديم المسؤولية امام الله القدوس وامام العالم؟!
بعد اعداد قليلة في نفس الاصحاح نقرأ كما انتهر الرب يسوع بطرس قائلًا: «اذهب عني يا شيطان، انت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس».
هل يُعقل وهل من الممكن ان يكون بطرس و"خلفائه" ان يكونوا هم الصخرة التي قامت وتقوم عليها الكنيسة اليوم؟
هل من الممكن هذا بعد ان أعلن الله الإعلان المبارك عن من هو يسوع المسيح ابن الله، ان يقول لبطرس "الصخرة" اذهب عني يا شيطان!!!
هل من الممكن أن يكون سمعان بطرس هو الصخرة التي تقوم عليها الكنيسة، بعد ان سقط في التجربة وأنكر الرب، لأنه أتكل على الجسد وعلى قوته البشرية، بدلًا من الاتكال على الله ونعمته فقط!
أخوتي، أعلن الآب السماوي بمحبته ومراحمه الأبدية لسمعان بطرس، وما زال يُعلن لنا اليوم الإعلان المبارك واهم اعلان في حياتنا: "ان يسوع المسيح هو وحده الصخرة التي تقوم عليها الكنيسة، وليس بطرس او بولس او يوحنا او موسى وايليا، بل هو وحده صخر الدهور يسوع المسيح ابن الله".
قال يسوع انت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي،
أي ان الإعلان الذي أخذه بطرس من الآب السماوي عن يسوع انه ابن الله، هو الصخرة الحقيقة التي لا تتزعزع الى الابد، وليس بطرس بذاته الصخرة، ولا حتى "خلفائه" كما يدعي البعض.
من يفتح ويُغلق ملكوت السماوات ليس الانسان، حتى لو كان بطرس، بل يسوع المسيح وحده، بمعنى ان من يقبل الإعلان المبارك الذي أخذه بطرس عن يسوع المسيح مخلص العالم، سوف يدخل ملكوت السماوات، ومن يرفض هذا الإعلان من الآب السماوي فلن يدخل الملكوت!
يُؤكد لنا الرب يسوع في انجيل متى الاصحاح 18 ان الدعوة لم تكن فقط لسمعان بطرس، بل لجميع التلاميذ، ولنا نحن اليوم.
قال يسوع للتلاميذ: "الحق أقول لكم: كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء".
نرى هنا من خلال هذه الآيات المباركة ان ليس فقط بطرس "حمل" مفاتيح الملكوت، وليس هو وحده كان "يحل ويربط" كما يشاء!!!
بل نرى ان كل التلاميذ كان عندهم هذا السلطان بان يحلوا ويربطوا في الأرض والسماء، بمعنى ان نغفر ونسامح من اساء الينا، لكي نربح الجميع للمسيح وللملكوت، وان لا نربط في قلوبنا على الأرض أي إساءة من الآخرين بل نحب ونسامح ونغفر، لكي "نحل" الجميع بقوة المسيح الساكنة قلوبنا، ويختبروا هم أيضا الغفران الذي في المسيح، لكي يتمكنوا من الدخول الى ملكوت السماوات.
بعد ان اختبر سمعان بطرس الغفران ومحبة الله، والولادة الجديدة من فوق بقوة كلمة الله بعمل الروح القدس، نراه يكرز لشعب إسرائيل والكهنة من هو الصخرة الحقيقية.
نقرأ في اعمال الرسل اصحاح 4: "الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون، الذي صار رأس الزاوية، وليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس أسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس، به ينبغي ان نخلص».
هناك بعض الأشخاص، وحتى من يقولون انهم خدام المسيح، من يتكلمون عن المسيح وعن تعاليمه، ويحفظون الطقوس الدينية والمعمودية وحتى المشاركة الأسبوعية بعشاء الرب، لكنهم تركوا أثقل الناموس:
"الحق والرحمة والايمان". (أنجيل متى 23:23).
هذا هو الروح الفريسي الذي يدين ويتعالى على الآخر، كما تعامل الفريسيون مع يسوع المسيح، الذين حفظوا السبت وغسل الأواني، ونسوا المحبة والرحمة، واستهانوا بكلام الرب يسوع الذي اعلنه لنيقوديموس انه بدون الولادة الجديدة من فوق، لا أحد يرى ولا يدخل ملكوت السماوات، الولادة الجديدة التي هي الخطوة الأولى في الإيمان المسيحي، التي تنبع من قلب تائب عن خطاياه، راجع الى الله بصدق وإخلاص، ومن أختبر بالفعل الولادة الجديدة يُحِب بقوة الله جميع الناس، فكم بالحري الاخوة بالأيمان حتى لو كانوا من حظيرة او "طائفة" أخرى!
وكل من آمن بقلب صادق وولد من جديد، يجب عليه ان يعتمد على اسم الآب والابن والروح القدس، لان المعمودية بالماء تأتي بعد التوبة والايمان وليس قبل!
كذلك كل من أختبر الايمان الحقيقي يلتصق بجسد الرب الواحد، الكنيسة، ويكسر الخبز مع أخوته المؤمنين في الجسد الواحد.
أعلن رسول الأمم المبارك بولس لأهل كورنثوس، الذين ركزوا على العطايا والمواهب الروحية، ونسوا المحبة، لدرجة انه دخل الانشقاق بينهم، فحذرهم قائلًا: "فمن هو بولس؟ ومن هو ابلوس؟ بل خادمان امنتم بواسطتهما، وكما اعطى الرب لكل واحد: انا غرست وابلوس سقى، لكن الله كان ينمي، اذا ليس الغارس شيئًا ولا الساقي، بل الله الذي ينمي، والغارس والساقي هما واحد.
هل ما زلنا نتفاخر بعملنا وخدمتنا وطائفتنا، ونسينا ان الغارس والساقي يعملان فقط بنعمة الله، وان الذي ينمي هو وحده الله، وله وحده المجد.
يتابع بولس الرسول بتثبيت الحق الإلهي لأهل كورنثوس ولنا جميعًا، ويحذر من تاريخ شعب إسرائيل، الذي زنى وتذمر وجرب الله وسقطوا، وعلينا نحن ان لا نجرب المسيح مثلهم، لذلك أعلن بولس:
"جميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر، وجميعهم اكلوا طعاما واحدا روحيا، وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا، لانهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح. لكن بأكثرهم لم يسر الله، لأنهم طرحوا في القفر. وهذه الأمور حدثت مثالا لنا، حتى لا نكون نحن مشتهين شرورا كما اشتهى أولئك. فلا تكونوا عبدة اوثان كما كان أناس منهم، كما هو مكتوب: «جلس الشعب للأكل والشرب، ثم قاموا للعب». (رسالة كورنثوس الأولى الاصحاح العاشر).
يقول بولس هنا بكل وضوح "ان الصخرة كانت المسيح"، لا موسى ولا الناموس ولا أي خادم او انسان آخر، بل هو المسيح وحده، وان اتخذنا لنا "صخرة" غيره، لا بد ان ننال دينونة رهيبة كما الشعب القديم هلك في القفر!!!
كل من أختبر نعمة الله ومحبته، لا بد ان يدرك ان المسيح هو كل شيء، كما أعلن بولس لأهل كولوسي عن المسيح: "الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة. فانه فيه خلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى، سواء كان عروشا ام سيادات ام رياسات ام سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل وهو رأس الجسد: الكنيسة.
نعم أخوتي، هو وحده المسيح يسوع رأس الجسد: الكنيسة، لا أحد منا رأس بل هو وحده، لأنه هو علّمنا اننا جميعًا أخوة بمحبته، وانه ليس بيننا لا سيد ولا آب ولا معلم، بل هو وحده، السيد والمعلم والصخرة، ولنا آب واحد لا غير، الله القدوس السماوي.
ما زالت الدعوة لنا جميعًا في أيامنا هذه، من كل الشعوب والأمم، بان نكون بالفعل حجارة حية في بيت الله، الكنيسة، وسوف نختبر هذا الإعلان المبارك فقط اذا كان المسيح هو الحجر الحي، وهذا ما اعلنه بطرس في رسالته الأولى عن المسيح: “الذي اذ تأتون اليه، حجرا حيا مرفوضا من الناس، ولكن مختار من الله كريم، كونوا انتم أيضا مبنيين كحجارة حية بيتا روحيا، كهنوتا مقدسا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح”.
تنبأ الملك داود في المزمور الثامن عشر قائلًا: "لأنه من هو اله غير الرب؟ ومن هو صخرة سوى الهنا؟".
صلاتي أخوتي ان ندرك بكل قلوبنا وكياننا ان يسوع المسيح هو وحده صخر الدهور الذي تأسست عليه كنيسته المباركة، لكل تحبه وتخدمه وتكرز بملكوته بكل محبة ونعمة وتواضع، لكي نختبر جميعًا ان جسد المسيح هو واحد، لكي نكون بالفعل نور للعالم وملح للأرض، لكي يتمجد يسوع المسيح وحده مع الآب السماوي القدوس، آمين.