في الفترة الأخيرة، وبعد الهجوم العنيف الذي شنّته حركة حماس وتوابعها ضد المدنيين في إسرائيل واندلاع الحرب مع إسرائيل، ظهرت موجة واسعة من الانتقادات الموجَّهة نحو إسرائيل.
وقد عبّر عدد من المؤسسات المسيحية وبعض الخدّام المسيحيين عن مواقفهم تجاه هذه الأحداث، مستخدمين صفتهم الدينية في التعبير عن رؤيتهم. وفي بعض الحالات، تمّ تقديم رموز دينية مثل المسيح في سياقات ثقافية أو سياسية معيّنة، كتصويره طفلًا فلسطينيًا، وهو تجاوز للرواية التاريخية والكتابية المعروفة، التي تُظهر بوضوح أن يسوع المسيح عاش يهوديًا في أرض إسرائيل، في وقت لم تكن فيه دولة فلسطين قائمة، قبل اتفاقيات سايكس بيكو.
قلقي هنا لا يتعلق بمجرد التعبير عن موقف أو تضامن مع احد الاطراف، بل في مدى تداخل الهوية الدينية مع المواقف السياسية، بحيث يبدو أحيانًا أن الصفات الدينية تُستخدم لإضفاء الشرعية على مواقف تتعلق بأحداث معقّدة ومتعددة الأبعاد. من حق أي شخص أو مؤسسة التعبير عن موقف أخلاقي أو إنساني، لكن التساؤل المشروع هو: هل هذا التعبير متّزن ويأخذ في الاعتبار جميع جوانب الصورة، أم أنه يقع في فخ الانتقائية؟
فإذا كان الدافع المعلن هو الدفاع عن أهل غزة، فإن الاتساق الأخلاقي يقتضي أيضًا التطرق إلى ما تعانيه غزة من انتهاكات داخلية، بما في ذلك ممارسات مؤلمة ارتُكبت في الماضي، كما حدث عام 2007، حين تعرض معارضو حماس للعنف الشديد الى حد دفعهم للموت من أعالي المباني، أو ما يحدث حاليًا من استخدام للمدنيين كدروع بشرية ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم. لقد عبّر بعض سكان غزة عن رفضهم لحماس وتظاهروا ضدها، وهو ما يُبرز دور حماس الوحشي بالمعاناة هناك مما يغيب عن الخطاب المسيحي العربي.
إن غياب الإدانة الصريحة لهذه الانتهاكات، إلى جانب الانتقادات المتكررة لطرف واحد، قد يُفهم على أنه ازدواجية في المعايير. وهذا ما يجعل من المهم التوقف لإعادة التفكير في دوافع الخطاب المسيحي في هذا السياق، من أجل الحفاظ على صدقيته ومصداقيته الروحية، إذ كما هو مكتوب:
"معيار فمعيار، مكيال فمكيال، كلاهما مكرهة عند الرب." (أمثال 20: 10)
الاختلاف في الرأي، بل وحتى النقد، ليس موضع إشكال بحد ذاته، بل قد يكون مدخلًا للتوبة والمراجعة الصادقة. ولكن عندما يتمّ استخدام المسيحية بطريقة انتقائية، قد يُساء فهم الرسالة الإنجيلية الحقيقية التي تدعو للرحمة والعدل والتواضع، كما جاء في الكتاب المقدس:
"قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب، إلا أن تصنع الحق، وتحب الرحمة، وتسلك متواضعًا مع إلهك." (ميخا 6: 8)
من هنا، تأتي هذه الدعوة الصادقة لإعادة النظر في المواقف والتعبيرات، كي تعبّر فعلًا عن روح الإنجيل ومحبته، لا عن انتقائية قد تُفقد الخطاب المسيحي توازنه، وتقلل من أثره الأخلاقي.