خلال فترة التسعينات، انتشرت تعاليم كتاب الحدود للدكتور هنري كلاود والدكتور جون تاونسند بين المسيحيين، وادّعى الكثيرون أنها تستند للكتاب المقدس. لكن، هل فعلاً هي تعليم كتابي سليم؟
الكاتب لا يُنكر ان هناك بعض المبادئ الكتابية داخل هذا التعليم، لكن السؤال الأساسي: هل الأساس العام لتعليم “الحدود” متماشي مع روح الكتاب المقدس.
كلاود يرى ان الحلول اللي تقدّمها الكنيسة تقليديًا للمشاكل النفسية والعاطفية فشلت، ويشبهها بردود “أصدقاء أيوب” التي كانت قاسية وغير مفيدة. ويقول إن الناس إما انهم يتظاهرون انهم بخير حتى يُرضوا الكنيسة، أو انهم يتركون الكنيسة نهائيًا ويلجأون لعلم النفس المزعوم.
وفي هذا المقال انا لا أنكر ان هناك مشاكل، لكن هل الحل ان نلجأ لنظريات علم النفس ونحاول “تعميدها” لتبدو مسيحية؟
هل فكرة “الحدود” موجودة في الكتاب المقدس؟
الكتاب المقدس لم يستخدم مصطلح “حدود” بالشكل الذي استخدمه كلاود، لكن نعم، فيه دعوات لحماية النفس من الأذى والسلوك الخاطئ (كما في أفسس 5:29 و1 كورنثوس 6:19). فالكتاب يحثنا على الحكمة في اختيار الأصدقاء وتجنّب الأشخاص المؤذين. لكن المشكلة إن تعليم “الحدود” يروّج أحيانًا لقطع العلاقات، حتى مع الأهل، ليس فقط تجنب الأذى الحقيقي.
رغم ان كتاب كلاود فيه اقتباسات عديدة من الكتاب المقدس، لكن للأسف، بعض التفسيرات جائت ملتوية حتى توافق نظريات علم النفس.
مثال: استخدام كلاود لسفر الأمثال 4:23 حتى يُبرر “الحدود” — بينما النص يتكلم عن حماية القلب من الخطية، وليس عن قطع العلاقات العائلية.
وايضا عندما استشهد بمتى 18:15–17، فسّرها على إنها دليل لطرد الأشخاص من حياتنا، بينما السياق يتكلم عن الانضباط الكنسي، وليس العلاقات العائلية.
في صفحة التعريف الخاصة به، كلاود يتحدث بتفصيل عن تأثره العميق بنظريتين نفسيّتين من المدرسة الفرويدية، بينما لا يذكر الله أو الكتاب المقدس إطلاقًا.
تعاليم “الحدود” تضع مسؤولية الراحة النفسية بالكامل على فكرة التحكم بالعلاقات، وفصل الناس “السامين” حسب تعبيرهم عن حياتنا، لكن هذا يتناقض مع روح الإنجيل الذي يدعو:
- لإنكار الذات (مرقس 8:34)
- والمصالحة (متى 5:23-24)
- والمثابرة على المحبة رغم الصعوبات (يعقوب 1:2-3)
- والتواضع ووضع الآخر قبل النفس (فيلبي 2:3-5)
العلاقات بطبيعتها صعبة ومليئة بالفوضى أحيانًا، لكن الروح القدس فينا يساعدنا على الاتزان والغفران. كولوسي 3:12-14 تذكرنا ان نلبس الرحمة، الوداعة، والصبر، ونحتمل ونغفر لبعضنا.
كتاب الحدود قد يحتوي على أفكار مفيدة للبعض، لكن جوهره قائم على فلسفات بشرية أكثر من كونه تعليمًا كتابيًا نقيًا. والرسالة الحقيقية للمسيحية هي الحب، الغفران، والتضحية، والرضا وليس العزلة والحد من الآخرين.
باختصار، فكرة الكتاب تُلخص كل شيء: "كيف... تُسيطر على حياتك"؟ والسؤال: من يجب أن يتحكم في حياتك؟ أنت أم الله؟
حقيقة أن كلاود وتاونسند يحرفان الكتاب المقدس في معظم تعاليمهما سبب كافٍ لتحذير الناس من نصائحهما. لكن رؤية نتائج نصائحهما تؤكد أكثر أنه يجب علينا تجنب أي تعليم قائم على أفكار دنيوية بدلاً من الحقائق الكتابية.
العثور على هذه المبادئ الصحيحة في كتاب "الحدود" أشبه بالبحث عن طعام صحي في كومة القمامة. لم أجد إلا القليل جداً من الكتابات حول الجوانب الكتابية للمصالحة، مثل فحص الذات، والمغفرة، ومقابلة الشر بالإحسان، وإكرام الوالدين، والسعي لفهم وجهة نظر الآخر.
بالنسبة لي يُقلقني بشدة كيف يُسيئون استخدام الكتاب المقدس وتطبيقه. لو قدّموا أنفسهم كعلماء نفس علمانيين، لما كتبتُ عنهم أصلاً ولكن المشكلة انهم يقدمون انفسهم بصفتهم مؤمنين.
هذا أسوأ أنواع الخداع، علم النفس الإنساني يتظاهر بأنه "مسيحي". إنه مثالٌ واضح على المزمور الأول، وهو مشورة الاشرار.
رغبتي هي مساعدة المؤمنين على تمييز الأخطاء الواردة في هذه الكتب. الشيطان يريد قتلنا وسرقتنا وتدميرنا. وللأسف، أعتقد أنه يستخدم تعاليم الحدود لقتل العلاقات الأسرية وسرقتها وتدميرها.
وفقًا لتعاليم الحدود ، فإن قوتنا ونضجنا يأتيان من خلال تجنب الصراع والصعوبات ووضع الحدود حول أفراد الأسرة الذين حكمنا عليهم من ذواتنا بأنهم "سامون" أو "مسيطرون"!! لكن وفقًا للكتاب المقدس ، فإن قوتنا ونضجنا يأتيان من : إنكار أنفسنا ( مرقس 8: 34 ). الذهاب إلى الميل الثاني ( متى 5: 41 ). وضع الآخرين بتواضع فوق أنفسنا ( فيلبي 2: 3-5 ). جعل المصالحة أولوية ( متى 5: 23-24 ). المثابرة وحتى الفرح في الصعوبات ( يعقوب 1: 2-3 ؛ يعقوب 1: 12 ).
لقد درستُ تعاليم "الحدود" في الكتب وعبر الإنترنت، لذا أشعر بالراحة في شرح أنه - باستثناءات قليلة - هذه التعاليم ليست كتابية، بل تتعارض مباشرةً مع تعاليم الكتاب المقدس في كثير من الجوانب.
بالنسبة للمسيحيين، السبب الكتابي الوحيد لإنهاء علاقة عائلية هو عندما يقطع الطرف الآخر علاقتنا ويرفض المصالحة. من البديهي أنه لا ينبغي لنا أن نُعرّض أنفسنا أو عائلاتنا لمواقف إيذاء جسدي فعلي. لكن معظم من يقطعون علاقاتهم يفعلون ذلك لما يُسمونه "إساءة لفظية"، وعادةً ما لا يُحاولون بتواضع وجدية التعامل مع هذه الإساءة بطرق بناءة. علاوة على ذلك، أعتقد أن مصطلح "الإساءة اللفظية" يُستخدم غالباً كذريعة لقطع التواصل مع الأشخاص السلبيين أو الناقدين أو صعبي المراس، وليسوا مُسيئين لفظياً. إذا لم نستطع تقبّل تعليق سلبي عرضي، فكم هو ضعيف إيماننا. الله لا يدعونا إلى الطريق السهل، وهو الذي وهبنا عائلتنا. بالتأكيد نحن نخرج الاساءة الجسدية والاعتداء الجنسي وتعاطي المخدرات والسلوك الاجرامي من الحسبان هنا، نعم هذه الانواع من السلوكيات تتطلب بعض قواعد التعامل إن اردت ان تسميها حدودا فلا بأس.
اخيرا، أرجوكم ابتعدوا عن هذا الكتاب. أساس كلاود ليس الكتاب المقدس، بل علم النفس، وهو يُخرج النصوص المقدسة من سياقها "ليُثبت" وجهة نظره. ينبغي أن يكون أساس تفاعلنا مع الآخرين هو المحبة، وعلينا أن نُعالج خطاياهم بقصد مساعدتهم على النمو في المحبة. أما كلاود، فهو ينطلق من أساس حماية الذات، وهو يُحرّف النصوص المقدسة عن معناها الأصلي لتبرير أساسه.
لقد تعاملتُ شخصيًا، وما زلتُ، مع أفراد من عائلتي يتسمون بالسمية والتحكم و"الإساءة"وفقًا لتعريفات الحدود، ولم أقم بوضع حدود. بل رأيتُ الله يُغيّر قلبي ويمنحني نضجًا لم أكن لأحصل عليه لولا صعوبات العلاقات هذه. علّمني كيف أتعامل مع الأشخاص الصعبين. علّمني كيف أُقابل الشر بالإحسان. لم يكن الأمر سهلًا، وقد ارتكبتُ أخطاءً في هذه العملية، لكنه أمرٌ طبيعي وصحي. تعاليم الحدود تفترض أن قارئيها ناضجون بما يكفي لحكم أنفسهم والآخرين بإنصاف. وحتى لو كان القارئ ناضجًا، فإن تعاليم الحدود تضعه في مكانة الله.
لكن كل ما سبق في هذه المقالة لا يُمثل دافعي الحقيقي للكتابة. دافعي الرئيسي هو حبي واهتمامي بكلمة الله. لقد درستُ بعناية بعض تعاليم الحدود، ووجدتُ أنها تتناقض بشدة مع الكتاب المقدس في جوانب عديدة.
في النهاية انا سعيد جدا لاختياري الكتاب المقدس، بدلا من الحدود في التعامل مع علاقاتي الصعبة. كانت الحدود ستحميني من بعض الامور الصعبة التي مررت بها، لكنني كنت سأفقد الكثير من النمو والايمان في هذه العملية.